[قال الشيخ الأربلي]
ذكر ابن مندة أنه (عليه السلام) كان شديد الأدمة ثقيل العينين عظيمهما ذا بطن و هو إلى القصر أقرب ، أبيض الرأس و اللحية ، و زاد محمد بن حبيب البغدادي صاحب المحبر الكبير في صفاته (عليه السلام) : أدم اللون حسن الوجه ضخم الكراديس.
الأدمة السمرة كل عظمين التقيا في مفصل فهو كردوس نحو المنكبين و الركبتين و الوركين و الجمع كراديس.
واشتهر (عليه السلام) بالأنزع البطين أما في الصورة فيقال رجل أنزع بين النزع و هو ما انحسر الشعر عن جانبي جبهته و موضعه النزعة و هما النزعتان و لا يقال لامرأة نزعاء و لكن زعراء و أما المعنى فإن نفسه نزعت يقال نزع إلى أهله ينزع نزاعاً اشتاق ونزع عن الأمور نزوعاً انتهى عنها أي نزعت نفسه عن ارتكاب الشهوات فاجتنبها و نزعت إلى اجتناب السيئات فسد عليه مذهبها و نزعت إلى اكتساب الطاعات فأدركها حين طلبها ونزعت إلى استصحاب الحسنات فارتدى بها وتجلببها وامتلأ علماً فلقب بالبطين و أظهر بعضاً وأبطن بعضاً حسب ما اقتضاه علمه الذي عرف به الحق اليقين.
أما ما ظهر من علومه فأشهر من الصباح و أسير في الآفاق من سري الرياح وأما ما بطن فقد قال : بل اندمجت على مكنون علم لو بحت به لاضطربتم اضطراب الأرشية في الطوي البعيدة.
اندمج إذا دخل في الشيء و استتر فيه و الأرشية الحبال وأحدها رشاء و الطوي البئر المطوية وقد نظم بعض الشعراء هذا المعنى فقال:
من كان قد عزقته مدية دهره و مرت له أخلاف سم منقع
فليعتصم بعرى الدعاء و يبتهل بإمامة الهادي البطين الأنزع
نزعت عن الآثام طراً نفسه ورعاً فمن كالأنزع المتورع
و حوى العلوم عن النبي وراثة فهو البطين لكل علم مودع
ومما ورد في صفته (عليه السلام) ما أورده صديقنا العز المحدث و ذلك حين طلب منه السعيد بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل أن يخرج أحاديث صحاحاً و شيئاً مما ورد في فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام) وصفاته و كتبت على الأنوار الشمع الاثني عشر التي حملت إلى مشهده (صلى الله عليه واله )وأنا رأيتها قال كان ربعة من الرجال أدعج العينين حسن الوجه كأنه القمر ليلة البدر حسناً ضخم البطن عريض المنكبين شتن الكفين أغيد كأن عنقه إبريق فضة أصلع كث اللحية لمنكبيه مشاش كمشاش السبع الضاري لا يبين عضده من ساعده و قد أدمجت إدماجاً إن أمسك بذراع رجل أمسك بنفسه فلم يستطع أن يتنفس شديد الساعد و اليد إذا مشى إلى الحرب هرول ثبت الجنان قوي شجاع منصور على من لاقاه .
وقال معاوية لضرار بن ضمرة صف لي علياً قال اعفني قال لتصفنه قال أما إذا لا بد فإنه و الله كان بعيد المدى شديد القوى يقول فصلاً و يحكم عدلاً يتفجر العلم من جوانبه و تنطق الحكمة من نواحيه يستوحش من الدنيا و زهرتها و يأنس بالليل و وحشته و كان غزير الدمعة طويل الفكرة يعجبه من اللباس ما خشن و من الطعام ما جشب و كان فينا كأحدنا مجيبنا إذا سألناه و يأتينا إذا دعوناه و نحن و الله مع تقريبه إيانا و قربه منا لا نكاد نكلمه هيبة له يعظم أهل الدين و يقرب المساكين لا يطمع القوي في باطله ولا ييئس الضعيف من عدله فأشهد لقد رأيته في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سدوله وغارت نجومه قابضاً على لحيته يتململ تململ السليم (وهو اللذيع )و يبكي بكاء الحزين و هو يقول:
يا دنيا غري غيري أ بي تعرضت أم إلي تشوقت هيهات هيهات قد بينتك ثلاثاً لا رجعة فيها فعمرك قصير و خطرك كبير و عيشك حقير آه من قلة الزاد للسفر و وحشة الطريق.
فبكى معاوية و قال رحم الله أبا الحسن كان و الله كذلك فكيف حزنك عليه يا ضرار قال حزن من ذبح ولدها بحجرها فهي لا ترقأ عبرتها و لا يسكن حزنها.
من كتاب: كشف الغمة في معرفة الأئمة / للمؤلف: أبي الحسن علي بن عيسى الأربلي/ مع التصرف .
اترك تعليق