ما زالت قضية معرفة وجود الله تعالى او اصل نشأة الانسان حديث كل عصر على مر التاريخ، فضلا عن كون هذا الامر من ابجديات ادراكات الانسان او من المسلمات عنده واصعب المشكلات تفهيم المفهومات، وكما يعلم في سيرة العقلاء ان الامور المسلمة هي غير قابلة للتحاور ، ولكن الامر الذي وقع هو استحداث امر والادعاء به انه من المسلمات كما يقول البعض ممن انكر وجود الله تعالى"ان الله غير موجود على بسيطة العقل" المقصود من هذا القول(ان نفي وجود الله تعالى من المسلمات) واستحداث مسلمة عدم وجود الله تعالى التي تناقض الفطرة والعقل، والسؤال هنا من اين جاءت هذه البسيطة هل هي من حكم العقل ام من حكم الفطرة ام تم اختلاقها لعجز العقل والفطرة من الوصول الى خالق مسبب لهذا الكون؟ والجواب على هذا السؤال يجب علينا الاتفاق على محاور السؤال وهي:
معرفة ان للكون خالق ومعرفة العقل والفطرة ومن خلالهما يتبين مسلمة وجود الله تعالى :
اولا: ما الفطرة لغتةً واصطلاحا:
في اللغة:
فطرة: الخلقة (لسان العرب)، وأكمل قائلا: هي ما فَطَرَ الله عليه الخلقَ من المعرفة به.
وجاء في كتاب(المحكم والمحيط الاعظم): وهي طَبيعته-الانسان- التي طُبع عليها.
اما في الاصطلاح:
فهي عبارة عن قضية محسوسة للإنسان ومسلمة لديه كما يذكر في علم النفس ان الفطرة عبارة عن "الوظائف الاولية المستقلة".
وعرفت الفطرة ايضا بأنها عبارة عن مجموعة من الصفات والقابليات التي تُخلق مع المولود، ويتّصف بها الإنسان في أصل خلقته سواء القابليات البدنية، أو النفسية، أو العقليّة.(كتاب الاربعين حديث للسيد الخميني ص24).
ويشترط في كون الفطرة سارية الحجية ان تكون موجودة في كل انسان بأصل ولادته.
ثانيا: العقل.
العقل لغةً: الحِجْر والنُّهى ضِدُّ الحُمْق، والجمع عُقولٌ(لسان العرب).
المصدر عقل يعقل، وأصل مادته الحبس والمنع، وسمي عقل الإنسان عقلاً لأنه يعقله أي : يحجزه عن الوقوع في الهلكة.
اما اصطلاحاً: فان العقل تضاربت تعاريفه ولكن اتفق الجميع في انه الجهة العاصمة للإنسان من الوقوع في المهلكات وسمي عقل الإنسان عقلاً لأنه يعقله أي : يحجزه عن الوقوع في الهلكة، ويشترك العقل مع الفطرة في كونه موجود عند كل انسان الا ما شذ كالمجنون والمصاب بمرض عقلي.
ثالثا: معرفة ان للكون خالق:
أي ان يدرك الانسان وجود منشئ لهذا الكون .
وهذا الادراك يأتي على اثر الدور البارز لفطرة الانسان وعقله وكلٌ اتخذ منحاه في اثبات هذا الامر ويشتركان بالنتيجة التي هي وجود خالق لهذا الكون .
دليل العقل في اثبات وجود منشئ للكون:
ان من ابسط الادلة التي اعتمدها العقل في اثبات وجود الخالق هو احتياج ممكن الوجود الى واجب الوجود أي:(ان الموجود –بحسب الافتراض العقلي- إما واجب الوجود، وإما ممكن الوجود، ولا يخرج أي موجود (عقلا) عن احد هذين الفرضين، ولا يمكن ان نعتبر كل الموجودات ممكنة الوجود؛ وذلك لان ممكن الوجود محتاج للعلة، واذا كانت كل العلل ممكنة الوجود، واحتاجت بدورها الى أخرى،(اذاً) لم يوجد أيّ موجود إطلاقا، أي ان تسلسل العلل محال، فلا بد اذن من أن تنتهي سلسلة العلل إلى موجود غير معلول لموجود آخر، أي انه واجب الوجود)(دروس في العقيدة الاسلامية ص72 الاستاذ محمد تقي مصباح اليزدي).
ان ما ينصه العقل هنا يعرب عن ما في باطن كل انسان يتمتع بالعقل، فمما تقدم عالج العقل قضية وجود المنشئ بالمنطق الواضح الذي يستوعبه كل انسان؛ كون الانسان يشترك مع بني جنسه بالعقل، فطرح العقل فرضان لا يخلو من صحة احدهما:
الاول: ان وجوده-واجب الوجود(الخالق)- مستمد من وجود اخر فاقتضى التسلسل وهو باطل عقلا.
الثاني: ان وجوده-واجب الوجود- غير مستمد من وجود آخر فيقتضي عدم التسلسل وهو راجح عقلا.
وفي رواية عن الامام الصادق عليه السلام في مناظرة مع كبار الملحدين في اوانه -أبو شاكر الديصاني- حيث وجّه فيها أبو شاكر السؤال التالي للإمام (عليه السلام) : قائلاً: ما الدليل على أنّ لك صانعاً ؟
فأجابه الإمام (عليه السلام) قائلا: « وجدت نفسي لا تخلو من إحدى جهتين : إما أن أكون صنعتها أنا أو صنعها غيري. فان كنت صنعتها فلا أخلو من أحد معنيين : إما أن اكون صنعتها وكانت موجودة فقد استغنيت بوجودها عن صنعتها، وإن كانت معدومة فإنك تعلم أنّ المعدوم لا يحدث شيئاً، فقد ثبت المعنى الثالث: أنّ لي صانعاً وهو ربّ العالمين»[ بحار الأنوار: 3/50 عن التوحيد للصدوق.].
الدليل الفطري في اثبات وجود الله تعالى:
كما سبق من تعريف الفطرة واضفاء شرط كون الفطرة سارية الحجية -ان تكون موجودة في كل انسان بأصل ولادته- نجد في الاستقراء الواضح للبشرية ان الفطرة موجودة في كل انسان وهذا من اوضح الواضحات التي تترفع عن اثباتها بالدليل.
وبما ان فطرة الإنسان من الأمور البديهية فمن بديهياتها ايضاً هي دوافع الفطرة، وهناك عدة دوافع يفصلها علم النفس التي من خلالها جعلت الإنسان يشعر بوجوده ويعرف نفسه، ويترتب على ذلك رحلة البحث عن خالق هذا الوجود.
والدافع الفطري هو كما عرفه علم النفس: هو الحالة التي تثير السلوك في ظروف معينة وتواصله حتى ينتهي إلى غاية معينة .(علم النفس التربوي).
ويضيف قائلا: هي ما كانت تأثيراتها بيولوجية جسمية وهدفها فطري أو هي ما ينتقل عبر الوراثة فلا يحتاج الفرد إلى تعلمها واكتسابها، وعادة ما يطلق عليها اسم الدوافع البيولوجية، ذلك لأنها تعبر عن حالات فيزيولوجية ناتجة عن وجود حاجات جسمية تحدث تغيرا في التوازن العضوي والكيميائي، فتنشأ عن ذلك حالة من التوتر وتدفع الكائن الحي إلى النشاط الذي يؤدي على إشباع وإرضاء الحاجة البيولوجية الفزيولوجية وإعادة الجسم إلى حالته السابقة من التوازن، ومن علامات هذه الدوافع نذكر ما يلي:
- ظهورها منذ الولادة، أي قبل أن يستفيد الفرد من الخبرة والتعلم.
- هي عامة مشتركة بين أفراد النوع الواحد جميعا مهما اختلفت بيئاتهم وحضارتهم، كدافع الأمومة، الجوع، العطش والدافع الجنسي.
- ثبات هدفها الطبيعي على الرغم من تغيرات السلوك الذي يحقق هذا الهدف.
ويكون الحافز الوجه المحرك للدافع وهو حالة من التوتر والضيق تنشط الكائن البشري لكنها لا توجه السلوك توجيها مناسبا إن الحافز هو مجرد دفعة من الداخل في حين أن الدافع دفعة في اتجاه معين.(علم النفس التربوي -الدوافع-).
اما في خوصوص الدوافع الفطرية لمعرفة ان لهذا الكون خالق، فهناك أربعة أبعاد روحية موجودة في النفس هي المنشأ والمبدأ للعلوم والمعارف وهي غريزة حب الاستطلاع والاستكشاف التي هي المنشأ للاختراعات والابتكارات العلمية، وغريزة حب الجمال التي هي المبدأ للفنون والابداعات الجمالية، وغريزة حب العدل التي هي المبدأ للقوانين والنظم الاجتماعية، وغريزة الشعور الديني التي هي المبدأ في البحث عن الموجد والخالق لهذا الكون. فهذه الغريزة التي فطر الناس عليها في البحث عن الخالق والموجد لا تتخلف في الاتجاه إلى الاعتقاد بأنه لابدّ لهذا الكون من خالق وإن هذا الخالق لابدّ أن يكون (عالماً قادراً) وإلّا فان فاقد الشيء لا يعطيه.
وقد تكون هذه الغريزة -الشعور الديني- مبهمة عند بعض الناس لكنها موجودة في اعماقه منذ بداية خلقه ولكثرة شعوره بها لا يعيرها الاهمية كنَفَس الانسان من الشهيق والزفير فلكثرة تعوده عليه لم يعيره الاهمية الا ان يركز حواسه عليه او يصيبه مرض في الجهاز التنفسي.
ففي غريزة الانسان او طبيعته عندما تنقطع عنه كل السبل فان الشعور بالخالق يحيا عنده فيتجه فطريا الى شيئا غير مادي أو قوة غيبية يشعر بها في قرارة نفسه انها ستخلصه من ماهو فيه ويعتبرها سبيل نجاته، فقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه سأله رجل وقال له: يابن رسول الله دلني على الله ما هو, فقد أكثر عليَّ المجادلون وحيّروني, فأجابه الامام عليه السلام قائلا: يا رجل هل ركبت سفينة قط؟ قال: نعم, قال: فهل كسر بك حيث لا سفينة تنجيك ولا سباحة تغنيك؟ فقال: نعم. قال: فهل تعلق قلبك هنالك ان شيئاً من الأشياء قادراً ان يخلصك من ورطتك؟ قال: نعم. قال الإمام الصادق (عليه السلام): فذلك الشيء هو الله القادر على الانجاء حيث لا منجي وعلى الاغاثة حيث لا مغيث.(التوحيد للشيخ الصدوق ج17 ص12).
ومما تقدم يتبين ان للإنسان وضوح في وجود خالق له بغريزة فطرية ويتولى العقل مهمة البرهان الداعم والمنبه للفطرة الانسانية .
ضرورة ارسال الانبياء:
ومما تقدم يصل بنا الأمر إلى محور مهم وهو دور الانبياء والمرسلين في انضاج قضية معرفة وجود الخالق لهذا الكون، وماذا يريد من خلقه، فان بعد تيقن الفطرة والعقل الانسانيتين بوجود الخالق لهذا الكون يبقى السؤال الدائر في ذهن الانسان (ماذا يلزم على المخلوق تجاه الخالق؟)، فبما انه لا يوجد الطريق او الصلة ما بين الانسان البسيط وخالقه احتاج الانسان الى وصلة لكي ترشده الى مرام الخالق واصبحت هذه الصلة من الخالق الى المخلوق من الضروريات له عقلا، فبعث الخالق لهذا الانسان البسيط الانبياء والرسل الصادقين والمؤزرين بالحجة والبرهان, ويستدل العقل البشري على صحة قول الانبياء والمرسلين بالحجة التي تحسم هذه المصداقية لدى الانسان وهي (المعجزة)، فمن الحكمة ان يطلب الانسان شيئا خارقا للعادة الطبيعية ليثبت صحة بعثة النبي المعين من الخالق الباعث له.
والمعجزة في اللغة :
( عجز ) العَجْزُ نقيض الحَزْم عَجَز عن الأَمر يَعْجِزُ وعَجِزَ عَجْزاً فيهما ورجل عَجِزٌ وعَجُزٌ عاجِزٌ ومَرَةٌ عاجِزٌ عاجِزَةٌ عن الشيء(لسان العرب)
والعين والجيم والزاء أصلانِ صحيحان، يدلُّ أحدُهما على الضَّعف، والآخر على مؤخَّر الشيء.
فالأول عَجِزَ عن الشيء يعجز عَجْزاً ، فهو عاجزٌ، أي ضَعيف.(مقاييس اللغة ص 189)
وفي الاصطلاح: أمر خارق للعادة يظهره الله على يد مدعي النبوة تصديقا له فى دعواه مقرونة بالتحدى مع عدم المعارضة.
وقد عرّف المحقق الطوسي الإعجاز بقوله: ( هو ثبوت ما ليس بمعتاد ، أو نفي ما هو معتاد ، مع خرق العادة ،ومطابقة الدعوى ) ، ( كشف المراد : ص 218، طبعة صيدا ـ 1353 هـ).
وعليه فان المعجزة ملازمة مع النبي المرسل من قبل الله تعالى تلازما عقليا يولد الاطمئنان بصحة اقوال النبي وارشاداته التي وكله الله تعالى بها لإيصالها لخلقه .
وقد أجاب الامام الصادق عليه السلام حين سأله احد منكرين بعثة الانبياء والرسل نستحضر منه سؤالين :
الاول : من أين أثبت أنبياءَ ورسلاً ؟
فأجاب (عليه السلام) : « إنا لمّا اثبتنا أنّ لنا خالقاً ، صانعاً ، متعالياً عنّا، وعن جميع ما خلق وكان ذلك الصانع حكيماً ، لم يجز أن يشاهده خلقه ، ولا أن يلامسوه ولا أن يباشرهم ويباشروه، ويحاجّهم ويحاجّوه، ثبت أنّ له سفراء في خلقه، وعباد يدلّونهم على مصالحهم ومنافعهم، وما به بقاؤهم ، وفي تركه فناؤهم. فثبت الآمرون والناهون عن الحكيم العليم في خلقه، وثبت عند ذلك أنّ له معبّرين هم أنبياء الله وصفوته من خلقه، حكماء مؤدّبين بالحكمة مبعوثين عنه، مشاركين للناس في أحوالهم على مشاركتهم لهم في الخلق والتركيب، مؤيّدين من عند الحكيم العليم بالحكمة والدلائل والبراهين والشواهد من إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص ، فلا تخلو الارض من حجة يكون معه علمٌ يدلّ على صدق مقال الرسول ووجود عدالته.
وأضاف الإمام الصادق (عليه السلام) قائلاً : ( نحن نزعم أنّ الأرض لا تخلو من حجة ولا تكون الحجة إلاّ من عقب الانبياء وما بعث الله نبياً قطّ من غير نسل الانبياء ، وذلك أن الله شرع لبني آدم طريقاً منيراً، وأخرج من آدم نسلاً طاهراً طيّباً، أخرج منه الانبياء والرسل، هم صفوة الله وخلص الجوهر، طهروا في الاصلاب، وحفظوا في الارحام، لم يصبهم سفاح الجاهلية ولا شاب أنسابهم، لأنّ الله عزّوجلّ جعلهم في موضع لا يكون أعلى درجة وشرفاً منه، فمن كان خازن علم الله ، وأمين غيبه، ومستودع سرّه، وحجّته على خلقه، وترجمانه ولسانه لا يكون إلاّ بهذه الصفة، فالحجّة لا تكون إلاّ من نسلهم، يقوم مقام النبي (صلى الله عليه وآله) في الخلق بالعلم الذي عنده وورثه عن الرسول، إن جحده الناس سكت، وكان بقاء ما عليه الناس قليلاً ممّا في أيديهم من علم الرسول على اختلاف منهم فيه، قد أقاموا بينهم الرأي والقياس، وانّهم إن أقرّوا به وأطاعوه وأخذوا عنه ظهر العدل، وذهب الاختلاف والتشاجر، واستوى الأمر، وأبان الدين، وغلب على الشك اليقين، ولا يكاد أن يقرّ الناس به، ولا يطيعوا له، أو يحفظوا له بعد فقد الرسول، وما مضى رسول ولا نبيّ قط لم تختلف اُمّته من بعده) .(الاحتجاج للطبرسي).
الثاني : ما يصنع بالحجة إذا كان بهذهِ الصفة؟
فأجابه (عليه السلام) : « يقتدى به ، ويخرج عنه الشيء بعد الشيء، مكانه منفعة الخلق، وصلاحهم فإن أحدثوا في دين الله شيئاً أعلمهم، وإن زادوا فيه أخبرهم، وإن نقصوا منه شيئاً أفادهم».( الاحتجاج للطبرسي : 2/77 ـ 78.)
يتبين من جواب الامام الصادق عليه السلام الدقة المتناهية في تفصيل امر اثبات بعثة الانبياء وغرض بعثتهم، فعبارته " فإن أحدثوا في دين الله شيئاً أعلمهم، وإن زادوا فيه أخبرهم، وإن نقصوا منه شيئاً أفادهم " تدل على ان البشر لديهم المعرفة في وجود خالق الكون وزاحمتهم طلبات العقل في ضرورة ارسال الخالق للنبياء والرسل لارشادهم وتنبيههم ان زلوا زادو او انقصو في في دينهم وبيان منفعتهم، فان مراد الله عز وجل لا يدركه العقل ولا الفطرة بل هو فوق ذلك كله ولذا بعث الانبياء والرسل على الشاكلة التي تقدم ذكرها.
ويقول الامام الصادق عليه السلام في جواب السائل: كيف يعبد اللهَ الخلقُ ولم يروه ؟
فأجابه (عليه السلام) قائلا: « رأته القلوب بنور الايمان ، وأثبتته العقول بيقظتها اثبات العيان وأبصرته الأبصار بما رأته من حسن التركيب وإحكام التأليف ، ثم الرسل وآياتها، والكتب ومحكماتها، واقتصرت العلماء على ما رأت من عظمته دون رؤيته».( الاحتجاج : 2/77 ).
يشير الامام عليه السلام في جوابه الى تسلسل مهم في الاحداث، فيقصد بالقلوب هو اشارة الى اقرار فطرة الانسان بوجود الله تعالى التي اعطت الدافع للعقل للاثباته عقلا من خلال النظر الى حسن تركيب وإحكام الموجودات من خلق الله تعالى، ثم الحاجة الى ارسال الرسل تلازما مع المعجزة التي هي "الآيات" في الرواية اعلاه، ويصاحبهم الكتب الإلهية المحكمة في طرحها وقوانينها، فاصبح لدى العلماء اليقين بالله تعالى من خلال الاثر الواضح للعيان.
هل تحكم الفطرة والعقل على صحة التقليد في اتباع الاديان؟:
ويبقى هنالك اهمية لمناقشة شبهة ان الانسان يتبع ما يراه اوما يتعايشه ويعتاد عليه في حياته اليومية او كما يسمونه اتباعه الاعمى لوالديه الذين يحملون فكرا معينا، ولنعالج هذه الشبهة يكون الجواب مستوحى مما تقدم ذكره، على نقطتين:
الاولى: ان الانسان لما امتلك قوة العقل والتفكير واستطاع ان يميز ما بين الحق والباطل وبما يمتلكه من الامكانيات والاستعدات الفطرية لتقبل القضية الدينية استوجب عليه البحث عن الحقيقة باصالة فطرية وعقلية وليس تقليدية او اتباعية لان قضية البحث عن الحقيقة هي قضية عقلية بحتة وان التاثيرات الخارجية لا تندرج ضمن العقل فمن قلد ابواه في اعتقاداته فقد اخطا وارتكب امرا خارجا عن المنظومة العقلية وقد تطرق القرآن الكريم لذم هذه الصفة في قوله تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ۗ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ) (البقرة ٢: ١٧٠.).
الثانية: ان الانسان جبل على فطرته النقية من الشوائب والتي وردت في كثير من الروايات ان الفطرة هي(التوحيد) وجاءت ايضا في الروايات بمعنى (الاسلام).
ففي الحديث المروي عن المحدث الكبير الشيخ الكليني في أصول الكافي، وهو ما نقله عن هشام بن سالم، قال : سألت الإمام الصادق (عليه السلام) : ما المراد من قوله تعالى : فطرة الله التي فطر الناس عليها... فقال " هي التوحيد ".
كما ورد في الكافي ايضا عن الإمام الصادق (عليه السلام) في جوابه للسائل عن تفسيرقوله تعالى {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}(الروم آية 30) فقال الإمام (عليه السلام) " هي الإسلام ".
ويثبت ذلك-كون الفطرة هي الاسلام- قرآنيا بالآية الشريفة : قال تعالى في محكم كتابه الكريم: {إن الدين عند الله الإسلام}: آل عمران: 19 .
وكما نقرأ عن الإمام الباقر (عليه السلام) جوابا لزرارة -أحد أصحابه العلماء- حين سأله عن تفسير الآية فقال (عليه السلام) " فطرهم على المعرفة به ".اي فطر الانسان على معرفة الله تعالى .
فالإنسان وهو مفطور على الدين والتوحيد، وخروجه عن هذه الملة انما هو تيهانه في الظلمات وتشابه الاحداث عليه فعن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: (كل مولود يولد على الفطرة حتى يكون أبواه يهودانه وينصرانه).(بحار الانوار ج2 ص 281).
فان التوجه للدين هو فطرة الله تعالى في الانسان وان الدين عند الله هو الاسلام ومن اساسيات هذا الدين هو توحيد الله تعالى، وتوحيد الخالق يكمن في فطرة الانسان فعن سيد الموحدين الامام علي عليه السلام انه قال: (أَوَّلُ الدِّينِ مَعْرِفَتُهُ وَكَمالُ مَعْرِفَتِهِ التَّصْدِيقُ بِهِ وَكَمالُ التَّصْدِيقِ بِهِ تَوْحِيدُهُ وَكَمالُ تَوْحِيدِهِ الاْخْلاصُ لَهُ وَكَمالُ الاخْلاصِ لَهُ نَفْيُ الصِّفاتِ عَنْهُ لِشَهادَةِ كُلِّ صِفَة أَنَّها غَيْرُ الْمَوْصُوفِ وَشَهادَةِ كُلِّ مَوْصُوف أَنَّهُ غَيْرُ الصِّفَةِ، فَمَنْ وَصَفَ اللّه سُبْحانَهُ فَقَدْ قَرَنَهُ وَمَنْ قَرَنَهُ فَقَدْ ثَنّاهُ وَمَنْ ثَنّاهُ فَقَدْ جَزَّأَهُ وَمَنْ جَزَّأَهُ فَقَدْ جَهِلَهُ وَمَنْ جَهِلَهُ فَقَدْ أَشارَ إِلَيْهِ وَمَنْ أَشارَ إِلَيْهِ فَقَدْ عَدَّهُ)(نهج البلاغة ج1 ص14).
وهنا يستقر الانسان في يقينه بوجود خالق الكون والمدبر له، ويتحقق اللطف الالهي في رعاية الانسان وهدايته الى جادة الصواب، فاودع الله تعالى الفطرة والعقل في الانسان تلطفا منه وعدالة وتمننا ؛ لما لهما من الدور البارز في بحث الانسان عن حقيقة وجوده .
الكاتب: قيس العامري
اترك تعليق