منطلقات النهضة الحسينية وخلفياتها (مشروع التوريث)

 مدخل

تحدَّثنا في القسم الأول من هذه المقالة عن مسار الصعود الأُموي والتغلغل في جسد الأُمّة الإسلامية بمراحله المختلفة، وانتهينا بالصُّلح الذي تمَّ مع الإمام الحسن عليه السلام.

وقد تفرَّد معاوية بن أبي سفيان بإمرة المسلمين بعد الصلح مع الإمام الحسن عليه السلام، ولم يفِ بأيٍّ من الشروط التي اشترطها عليه، فلم يعمل بكتاب الله وسنّة رسوله ـ كما ذُكر في بند من بنود الصلح ـ وراح يلاحق أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام من أجل تصفية القاعدة الواعية والموالية له، خلافاً لما اتُّفق عليه، وشنَّ هجمةً شعواء على سيد الأوصياء حتى جعل سبّه والانتقاص منه سُنّةً في المجالس وعلى المنابر، وهذا ما تحدَّثنا عنه في القسم الأول من هذه المقالة.

ومن أهمّ الشروط التي خالفها معاوية والذي يعتبر الشرط الأساس في وثيقة الصُّلح هو إرجاع الحقّ إلى أهله، وعدم توريثه المُلك لأحد من بني أُمية، فنقض معاوية هذا الشرط بتوريث ولده يزيد ولياً للعهد من بعده، وأمر المسلمين بمبايعته تحت ضغط التهديد والوعيد.

 

مشروع التوريث

يمثّل توريث الحكم الحلقة الأهمّ في المشروع الأُموي وأحد أهمّ الأركان التي قام عليها منذ البداية، ونحن نتذكّر وصية أبي سفيان لولده معاوية عندما ولّاه عمر بن الخطاب ولاية الشام، حيث قال له: «فلا تخالفهم؛ فإنّك تجري إلى أمد فنافس، فإن بلغته أورثته عقبك»([1]).

لم يكن الأُمويون من البداية مقتنعين كثيراً بمسألة النبوّة، وإنّما كانوا ينظرون إلى الرسالة على أنّها مشروع سلطة يريد بنو هاشم من خلاله أن يتحكّموا بالعرب، فحينما أوشكت جحافل الفتح أن تدخل مكّة جاء العباس بن عبد المطلب بأبي سفيان إلى النبي صلى الله عليه وآله يطلب له الأمان، فلمّا دخل عليه قال له صلى الله عليه وآله: «ويحك يا أبا سفيان، أما آن لك أن تعلم أن لا إله إلّا الله؟ فقال: بأبي أنت وأُمّي ما أوصلك وأحلمك وأكرمك، والله، لقد ظننت أنّه لو كان مع الله إلهاً غيره لقد أغنى عنّي شيئاً. فقال: ويحك يا أبا سفيان، ألم يأن لك أن تعلم أنّي رسول الله؟ فقال: بأبي أنت وأُمّي ما أوصلك وأحلمك وأكرمك، أما هذه ففي النفس منها شيء. فقال له العباس: ويلك! اشهد شهادة الحقّ قبل أن تُضرب عنقك!»([2]).

ثمَّ بعدها أمر النبي صلى الله عليه وآله عمَّه العباس أن يأخذه إلى مضيق الوادي ليرى كتائب الفتح، فأخذه هناك، وأقبلت الكتائب تترى، حتى إذا أقبلت كتيبة النبي صلى الله عليه وآله الخضراء وفيها المهاجرون والأنصار لا يرى منهم إلّا الحدق من الحديد، قال: «سبحان الله! يا عباس، مَن هؤلاء؟ فقال: هذا رسول الله صلى الله عليه وآله في المهاجرين والأنصار. قال: ما لأحد بهؤلاء طاقة، والله، يا أبا الفضل، لقد أصبح مُلك ابن أخيك عظيماً! فقال العباس: يا أبا سفيان، إنّها النبوة. فقال: فنعم إذن»([3]).

فيظهر من هذين النصّين أنّ الرجل كان في نفسه شيءٌ من النبوّة (أما هذه ففي النفس منها شيء) وحتى بعد أن أعلن إسلامَه تحت الضغط لم يقتنع بمسألة النبوّة وظل على رأيه في أنّ القضية هي قضية مُلك (لقد أصبح مُلك ابن أخيك عظيماً).

إنّه كان يرى أنَّ المشروع كلَّه مشروع مُلك، وقد نجح بنو هاشم في الوصول إليه رغم أنفه؛ ولذلك لما بويع عثمان بن عفان استرجع أبو سفيان شريط الأحداث، وتذكَّر ذلك النصر الذي حققه بنو هاشم عليهم في فتح مكّة، وها هم يعيدون الكرّة فيخطفونه منهم؛ ولذلك جاء إلى قبر حمزة بن عبد المطلب عليه السلام وركله برجله، وقال ـ مخاطباً إياه وكلّه شماتة وزهو بالانتصار ـ: «يا حمزة، إنّ الأمر الذي كنت قاتلْتَنا عليه بالأمس قد ملكناه اليوم، وكنّا أحقّ به من تيم وعدي»([4]).

فهو يرى أنّ حمزة وبقيّة المسلمين قد قاتلوا على المُلك، وها هم بنو أُمية يحصلون عليه في نهاية الأمر، وهذا يُعبِّر بوضوح عن رؤية بني أُمية لموضوع الرسالة.

 

الحقد الأُموي على الرسول صلى الله عليه وآله وأهل بيته عليهم السلام

من هنا وعلى الرغم من أنَّ الخلافة سُلبت من بني هاشم، إلّا أنّ بقاء اسم النبي صلى الله عليه وآله وعلو ذكره وذكر آله كان يزعج بني أُمية كثيراً، فرووا أنّ معاوية بن أبي سفيان سمع المؤذن يصدح باسم النبي صلى الله عليه وآله، فقال: «لله أبوك يا بن عبد الله! لقد كنت عالي الهمّة، ما رضيت لنفسك إلّا أن يُقرن اسمك باسم ربّ العالمين»([5]).

وقال للمغيرة بن شعبة حينما أوصاه بالرفق ببني هاشم: «هيهات هيهات، مَلَكَ أخو تيم فعدل وفعل ما فعل، فوالله، ما عدا أن هلك ذكره، إلّا أن يقول قائل: أبو بكر، ثمَّ مَلَكَ أخو عدي فاجتهد وشمّر عشر سنين، فوالله، ما عدا أن هلك فهلك ذكره، إلّا أن يقول قائل: عمر، ثمَّ ملك أخونا عثمان، فملك رجل لم يكن أحد في مثل نسبه فعمل ما عمل، فوالله، ما عدا أن هلك فهلك ذكره، وإنّ أخا هاشم يُصرخ به في كلِّ يوم خمس مرات: أشهد أنّ محمداً رسول الله، فأي عمل يبقى بعد هذا لا أُمّ لك؟!ألا دفناً دفناً!»([6]).

 

وقد صرّح يزيد بهذا المكنون عندما قال قولته المعروفة بعد أن أقبلوا برأس الحسين عليه السلام إليه:

       لعبت هاشم بالمُلك فلا         مَلَكٌ جاء ولا وحي نزل([7])

فبنو أُمية كانوا ينظرون إلى الأمر كلِّه على أنّه مسألة مُلك ورئاسة وصراع عليهما، وقد استولوا عليه ولن يفرّطوا به أبداً، ولن يعيدوه إلى أي قبيلة أُخرى، لا بني هاشم ولا تيم ولا عَدي ولا غيرهم، بل لا بدّ أن يكون مُلكاً وراثياً يتوارثونه شخصاً بعد شخص.

 

موانع توريث المُلك

كانت فكرة توريث الحكم والمُلك التي تشغل بال بني أُمية وزعيمهم معاوية تصطدم بمجموعة من الموانع التي تعترض طريقها، وبعض هذه الموانع يتعلّق بمبدأ التوريث من الأساس، والبعض الآخر يتعلق بوريث الدولة الأُموية يزيد بن معاوية. فمن حيث المبدأ يعتبر التوريث خرقاً لما سارت عليه الأُمّة قبل ذلك من مسألة الانتخاب حتى بات متجذِّراً في وعيها السياسي والشرعي العام([8]). وسنلاحظ أنّ كثيراً من الاعتراضات التي انطلقت ضدّ بيعة يزيد كانت تركِّز على هذا الجانب بالذات. ومن حيث الوريث نفسه، فلم يكن يزيد مؤهّلاً لرئاسة الأُمّة، فهو صبي غرّ فاسق متهتك إلى أبعد الحدود.

وهذا ما كان معاوية يدركه جيداً، وأنّ قضية توريث المُلك وبيعة يزيد ليست بالقضية السهلة على الإطلاق؛ لذا يتوجّب عليه أن يقوم في أُخريات حياته بجهد مضاعف من أجل تمهيد الأمر وتذليل العقبات، فلا بدّ إذاً من الإعداد لخطّة شاملة لذلك.

 

خطّة معاوية لتوريث الملك

من خلال قرائتنا للتاريخ نجد أنّ هذه الخطّة كانت متعددة الأبعاد والجهات، وسنحاول أن نشير إلى أهمّ مفاصلها وملامحها عِبر نقاط:

1ـ الاستغفال الديني

إحدى العقبات التي كانت تواجه مشروع التوريث الأُموي ـ كما ذكرنا ـ هو تعارض مبدأ التوريث مع مبدأ الانتخاب والشورى الذي أصبح متجذِّراً في وعي الأُمّة آنذاك، فلا بدّ أن يجد معاوية مخرجاً شرعياً وتبريراً دينياً لذلك؛ من هنا نرى أنّه حاول أن يستدعي مسألة القضاء والقدر والجبر والاختيار ـ تلك العقيدة الإسلامية الحساسة ـ إلى ساحة الصراع السياسي، وأن يوظفها في سبيل تنفيذ مشروعه.

يرى كثير من الباحثين أنَّ عقيدة الجبر هي عقيدة أُموية بامتياز، تفتّحت وتفرّعت في أروقة السلطان الأُموي. يقول الشيخ أبو زهرة: «ولكننا نجزم بأنّ القول بالجبر شاع في أول العصر الأُموي، وكثر حتى صار مذهباً في آخره»([9]).

ويقول الشيخ جعفر السبحاني: «لقد اتّخذ الأُمويون مسألة القدر أداة تبريرية لأعمالهم السيئة، وكانوا ينسبون وضعهم الراهن بما فيه من شتّى ضروب العبث والفساد إلى القدر، قال أبو هلال العسكري (في الأوائل: 2/125): إنّ معاوية أول مَن زعم أنّ الله يريد أفعال العباد كلَّها... وقد كانت الحكومة الأُموية الجائرة متحمسة على تثبيت هذه الفكرة في المجتمع الإسلامي، وكانت تواجه المخالف بالشتم والضرب والإبعاد»([10]).

وعقيدة الجبر وإن كانت مسألة عقائدية كلامية، ولكنها ليست مسألة تجريدية محضة، وإنّما لها تجليات ثقافية وسياسية واجتماعية كثيرة، وباستطاعة الطواغيت أن يوظّفوها توظيفاً سيئاً في سبيل تخدير الناس باسم الدين، وشلِّ حركتهم في التحرّر والانعتاق؛ لأنّك إذا ألغيت إرادة الأُمّة واختيارها فقد ألغيت وجودها وحركتها. كذلك يمكن استخدامها في تبرير سياسات الظالمين الجائرة كما فعل بنو أُمية بالفعل، ويظهر ذلك جلياً من كلام ابن عباس مع مجبّرة الشام، حيث يقول: «أمّا بعد، أتأمرون الناس بالتقوى وبكم ضلّ المتّقون، وتنهون الناس عن المعاصي وبكم ظهر العاصون؟! يا أبناء سلف المنافقين، وأعوان الظالمين، وخزّان مساجد الفاسقين... هل منكم إلّا مفترٍ على الله يجعل إجرامه عليه سبحانه، وينسبه علانية إليه؟!»([11]).

لقد حاول معاوية أن يوظّف هذه المسألة العقائدية في خدمة مشروع التوريث، ويتّضح ذلك من كلام معاوية مع عبد الله بن عمر وهو أحد المعارضين للتوريث حيث يقول له: «يا عبد الله بن عمر، قد كنت تحدِّثنا أنّك لا تحبّ أن تبيت ليلة وليس في عنقك بيعة جماعة، وأن لك الدنيا وما فيها، وإنّي أحذرك أن تشقّ عصا المسلمين وتسعى في تفريق ملئهم، وأن تسفك دماءهم، وإن أمر يزيد قد كان قضاء من القضاء، وليس للعباد خيرة من أمرهم»([12]).

فما دام أنّ أمر يزيد بن معاوية قضاء إلهي لا رادّ له، ومشيئة إلهية ليس للعباد الخيرة فيها، فلماذا يعترض عبد الله بن عمر وأضرابه على تولية يزيد؟! وهل يريدون أن يعارضوا إرادة الله تعالى؟!

وفي هذا المضمار يقول جولد تسيهر متحدِّثاً عن النزعة الجبرية عند بني أُمية: «إذ لو أنّ عقيدة عملت تماماً لإمساك الأُمّة بالعنان وصرفتها عن الثورة عليهم وعلى ممثليهم، لكانت عقيدة الجبر. هذه العقيدة ترى أنّ الله قد حكم أزلاً أن تصل هذه الأُسرة إلى الحكم، وأنّ ما يعملون ليس إلّا أثراً أو نتيجة لقدر إلهي محكم؛ من أجل ذلك كان حسناً جداً لهم ولديهم أن تتأصّل هذه الأفكار في الشعب»([13]).

 

 2ـ تصفية المعارضين

العقبة الثانية التي كانت تعترض طريق معاوية الشخصياتُ المعارضة لمشروع التوريث وعلى رأسهم الإمام الحسن عليه السلام، وقد قام معاوية بالتلميح للمسألة في حياته، كما حاول جس نبض الأُمّة آنذاك عندما سافر إلى المدينة واجتمع سرّاً بالعبادلة الأربعة، عبد الله بن عباس، وعبد الله بن جعفر، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمر، وعرض عليهم فكرة استخلافه ليزيد، فرفضوا ذلك رفضاً قاطعاً، وحذّروه من وخامة الإقدام على خطوة كهذه([14]).

كان معاوية يرى أنّ معارضة الأُمّة يمكن التغلُّب عليها بالترغيب والترهيب، ولكن رموز المعارضة الأساسيين ليس من السهل إقناعهم بالمسألة، وخصوصاً الإمام الحسن عليه السلام الذي شرط عليه أن يُعيد الأمر له من بعده، فإن مات فلأخيه الحسين عليه السلام؛ ولذلك روى ابن عبد البرّ في الاستيعاب قائلاً: «كان معاوية قد أشار بالبيعة ليزيد في حياة الحسن وعرَّض بها، ولكنه لم يكشفها ولا عزم عليها إلّا بعد موت الحسن»([15]).

إذاً؛ لا بدّ من إزالة العقبات الرئيسية من طريق مشروع التوريث، وأهمّ تلك العقبات هو وجود الإمام الحسن عليه السلام، وفعلاً روى بعض المؤرِّخين أنّه دبّر عملية خبيثة لاغتياله عِبر زوجته جعدة بنت الأشعث. يقول أبو الفرج الأصفهاني في المقاتل: «وأراد معاوية البيعة لابنه يزيد، فلم يكن شيء أثقل عليه من أمر الحسن بن علي، وسعد بن أبي وقاص، فدسّ إليهما سمّاً فماتا به»([16]). وسعد بن أبي وقاص هو أحد الذين رشّحهم عمر بن الخطاب للخلافة في الشورى السداسية، وهو الباقي الوحيد منهم.

ولكن لم يكن الإمام الحسن عليه السلام وسعد بن أبي وقاص المعارضين الوحيدين للأمر، بل هناك معارضون آخرون حتى من المحسوبين على السلطة الأُموية ومن الموالين لها أساساً، كعبد الرحمن بن خالد بن الوليد، وهو من الموالين لمعاوية، ولكنه كان يتمتّع بشعبية كبيرة في الشام وبصيت ذائع، وكان يطمح للخلافة أيضاً؛ ممّا اضطرّ معاوية إلى التخلُّص منه عِبر أحد الأطباء وهو ابن أثال([17]). وكذلك كان من المعارضين للتوريث ـ مع أنّه من الموالين للسلطة والذي كان له طموح بالخلافة أيضاً ـ عبد الرحمن بن أبي بكر، باعتباره ابن الخليفة الأول، فاضطرّ أيضاً للتخلُّص منه، كما يظهر من بعض المحققين([18]).

كما أنّ المعارضة لبيعة يزيد امتدّت لتشمل حتى الداخل الأُموي؛ لأنّ بعض رؤوس بني أُمية وأتباعهم كان طامعاً بها بعد معاوية، كمروان بن الحكم، وسعيد بن العاص، وعبد الله بن عامر، وغيرهم. روى أبو الفرج الأصفهاني: «فلمّا أراد معاوية البيعةَ ليزيد تهيَّب ذلك وخاف ألّا يُمالئه عليه الناس؛ لحسن البقية فيهم، وكثرة مَن يُرشَّح للخلافة، وبلغه في ذلك ذرء وكلام كرهه من سعيد بن العاص ومروان بن الحكم وعبد الله بن عامر»([19]).

إلّا أن هؤلاء الأشخاص يمكن السيطرة عليهم ويمكن إرضاؤهم بالأموال والمناصب، كما حدث ذلك فعلاً.

 

3 ـ تلميع صورة يزيد

العقبة الثالثة أمام مشروع التوريث تتمثّل في شخصية يزيد بن معاوية، تلك الشخصية السيئة المنحطّة التي لا تمتلك أيّ مؤهل من مؤهلات قيادة الأُمّة؛ فلا بدّ لمعاوية من القيام بحملة إعلامية دعائية لتحسين صورة يزيد في نفوس المسلمين الذين يملكون في مخيلتهم صورة سلبية سيئة جداً عنه، وهي صورة واقعية ولا ريب فيها. وقد كتب زياد بن أبيه كتاباً لمعاوية يحثّه فيه على ذلك، بعد أن بعث إليه معاوية كتاباً يذكر فيه البيعة لولده يزيد، فقد روى اليعقوبي أنّ زياد كتب إلى معاوية: «يا أمير المؤمنين، إنّ كتابك ورد عليَّ بكذا، فما يقول الناس إذا دعوناهم إلى بيعة يزيد وهو يلعب بالكلاب والقرود، ويلبس المصبغ، ويدمن الشرب، ويمشي على الدفوف، وبحضرتهم الحسين بن علي، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمر، ولكن تأمره ويتخلَّق بأخلاق هؤلاء حولاً أو حولين، فعسانا أن نموّه على الناس»([20]).

إذاً؛ لا بدّ من التمويه على الناس وتسويق يزيد في الأُمّة؛ لذلك سخّر معاوية أجهزة الإعلام الأُموية لبثّ فضائل يزيد المزعومة، وقام بإعطائه دوراً في قصره ليجرّه عن حياة اللهو واللعب التي كان غارقاً فيها، وولّاه إمرة بعض جيوش الفتح، وجعله أميراً على الحجّ، وغير ذلك من الخطوات العملية التي حاول من خلالها تسويقه في المجتمع الإسلامي. وسيمرّ علينا في مطاوي البحث الآتية كيف أنّ معاوية بذل جهداً كبيراً في المدينة لتحسين صورة يزيد أمام الناس.

 

4ـ الترغيب والترهيب

لم تكن المعارضة لمشروع التوريث مقتصرة على وجهاء الأُمّة وساداتها، وإنّما امتدّت إلى الشارع وشملت قطاعاً كبيراً من الجمهور، ولكن معارضة الجمهور لا تمثِّل عقبة كبيرة بالنسبة إلى معاوية؛ فقد اعتاد على كيفيّة التعامل معها وترويضها، وذلك عِبر سياسته المعروفة (سياسة الترغيب والترهيب).

لقد حاول معاوية أن يشتري ضمائر الناس بأموال الدولة التي يملكها؛ من أجل إقناعهم بقبول بيعة يزيد، وما نقله ابن الأثير واضح في هذا المعنى؛ حيث يقول: «وكان معاوية يُعطي المقارب ويُداري المباعد ويلطف به؛ حتى استوثق له أكثر الناس وبايعه»([21]).

فقد أوفد المغيرة وفداً من الكوفة إلى معاوية لتأييد مشروعه في تولية يزيد، وقد شرى ذممهم بثلاثين ألف درهم، وسيّرهم مع ولده موسى، فلمّا جاء الوفد إلى الشام وعرضوا رغبتهم ببيعة يزيد، قال معاوية لموسى بن المغيرة: «بكم اشترى أبوك من هؤلاء دينهم؟ قال: بثلاثين ألفاً. قال: لقد هان عليهم دينهم»([22]).

وقد كان عقبة الأسدي من الكارهين لبيعة يزيد بن معاوية، وقد كتب أبياتاً من الشعر يقول فيها:

 

          معاوي إننا بشر فأسجع           فلسنا بالجبال ولا الحديد

          أكلتم أرضنا فجرَّدتموها          فهل من قائم أو من حصيد

          أتطمع في الخلود إذا هلكنا                 وليس لنا ولا لك من خلود

          فهبها أُمّة هلكت ضياعاً           يزيد يسوسها وأبو يزيد

          دعوا حقّ الإمارة واستقيموا                وتأمـــير الأراذل والعبيـــد

 

 

فبلغ ذلك معاوية؛ فأرسل إليه بعشرة آلاف درهم ليكفَّ لسانه، فأنشأ عقبة يقول:

          إذا المنبر الغربي أخلاه ربّه                فإنّ أمير المؤمنين يزيد

          على الطائر الميمون والجد صاعد                  لكلّ أُناس طائر وجدود

          فلا زلت أعلى الناس كعباً ولم تزل                 وفود يساميها إليك وفود

          ألا ليت شعري ما يقول ابن عامر                  لمروان أم ماذا يقول سعيد

          بني خلفـاء الله مهلاً فإنّما          يبوّئها الرحمن حيث يريد

 

 

 

 

 

فأرسل له معاوية ببدرة أُخرى([23]).

ومن الكارهين لبيعة يزيد ـ كذلك ـ عبد الله بن همام السلولي، فكتب قصيدة يقول فيها:

          فإن يأتوا برملة أو بهند           نبايعهــا أمــيرةَ مؤمنينا

          إذا ما مات كسرى قام كسرى              نعــدّ ثلاثــة متنـاسقينا

          يورثها أكابرهم بنيهم              كما ورث القمامسة القطينا

          فيا لهفي لو أنّ لنا أنوفاً            ولكن لا نعود كما عنينا

          إذاً لضربتمُ حتى تعودوا          بمكّة تلطعون بها السخينا

          حشينا الغيظ حتى لو شربنا                دماء بني أُمّية ما روينا

          ضعوا كلباً على الأعناق منّا               وسرحكم أصاغر ورثونا

          لقد ضاعت رعيتكم وأنتم                   تصيدون الأرانب غافلينا

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

وأيضاً استطاع معاوية إسكاته بالأموال وجرّه إلى صفوف المؤيدين لولاية يزيد، وكتب بذلك شعراً يقول في جملة منه:

   أبـو خالد أخلق به أن يصيبنا  بسجل من المعروف يتبعه سجل

   هو اليوم ذو عهد وفينا خليفة  إذا فارق الدنيا خليفتنا الكهل([24])

وأبو خالد هو كنية يزيد بن معاوية.

على رغم ذلك أدرك معاوية أنّه لن يستطيع أن يحصل على رضا الجماهير كاملاً ببيعة يزيد ما لم يحسم الأمر مع معارضيه الأساسيين، ورأى أنّه ليس بالإمكان إقناعهم أو التحايل عليهم؛ فلا بدّ من استخدام أساليب أُخرى، فاستخدم سياسته المعروفة بالترهيب والترغيب معهم أيضاً، فقد ذكرت الكثير من المصادر التاريخية أنّ معاوية بن أبي سفيان هدّدهم بالقتل إن لم يستجيبوا ويدخلوا فيما دخل فيه الناس؛ ومن هنا نجد أنّ موقف عائشة لـمّا التقى بها كان موقفاً حادّاً؛ لما سمعته من أنّه هدد هؤلاء الأشخاص بالقتل([25]). ولا عجب في ذلك، فقد قتل في سبيل تمهيد الأمر ليزيد كثيراً من الشخصيات الإسلامية، كالإمام الحسن عليه السلام، وعبد الرحمن بن خالد، وسعد بن أبي وقاص، وحتى عبد الرحمن بن أبي بكر كما يرى الكثير من المحققين([26]).

كما حاول أن يستخدم سياسة شراء الذمم في سبيل ذلك، فقد بعث لعبد الرحمن بن أبي بكر ـ وهو من أشد المعارضين لاستخلاف يزيد ـ بمائة ألف درهم يشتري بها ذمته، ولكنه رفض استلامها، وقال: «أأبيع ديني بدنياي؟!»([27]).

وأيضاً بعث بمثلها لعبد الله بن عمر فردّها، وقال ما قاله عبد الرحمن([28]).

كذلك اشترى ذمّة مروان بن الحكم وهو من المعارضين لاستخلاف يزيد ضمن الدائرة الأُموية([29]). وغير ذلك من الشواهد الأُخرى، كما استخدم أُسلوب منع العطاء والضغط المالي لردع الرافضين لبيعة يزيد، فها هو يحرم بني هاشم من عطائهم في تلك السنة؛ لأنّهم رفضوا بيعة يزيد، ولمّا أتاه ابن عباس وسأله عن ذلك، قال: «ليس لكم عطاء حتى يبايع صاحبكم»([30]).

 

البدء بتنفيذ مشروع التوريث

لقد رأينا أنَّ المعارضة لتولية يزيد اتّسعت لتشمل أكثر أطياف المجتمع الإسلامي من موالين ومعارضين ومحايدين، ولكن معاوية ظل مصرِّاً على ذلك؛ باعتباره الخطوة الأساس في تثبيت أركان المشروع الأُموي، وقد رأى معاوية أنّ الأيام تُسرع به، وأنّه لابدّ من أن ينفِّذ خطّته قبل أن يقصف الموت عمره، فلمّا توفّي الإمام الحسن عليه السلام بادر إلى إعلان تنصيبه ولَدَه يزيد من بعده، وأخذ البيعة له من أهل الشام؛ ومن ثَمَّ كتب لواليه على المدينة مروان بن الحكم بأن يأخذ له البيعة من أهلها.

وفعلاً دعا مروان أهل المدينة لمبايعة يزيد بن معاوية خليفةً لأبيه، ولكنه واجه رفضاً قاطعاً من قِبل وجهاء المدينة وعلى رأسهم الإمام الحسين عليه السلام، ولم يستطع أن يأخذ منهم البيعة له، وكتب لمعاوية بذلك، فغضب منه وعزله وولّى مكانه سعيد بن العاص لعله يستطيع أن ينفِّذ ما عجز عنه مروان. ولكنه فشل أيضاً في مهمته، وكتب إلى معاوية يقول: «أمّا بعد، فإنّك أمرتني أن أدعو الناس إلى بيعة يزيد بن أمير المؤمنين، وأن أكتب إليك بمَن سارع ممَّن أبطأ، وإنّي أخبرك أن الناس عن ذلك بطاء، لا سيما أهل البيت من بني هاشم؛ فإنّه لم يجبني منهم أحد، وبلغني عنهم ما أكره، وأمّا الذي جاهر بعداوته وإبائه فعبد الله بن الزبير، ولست أقوى عليهم إلّا بالخيل والرجال، أو تقدم بنفسك فترى رأيك في ذلك، والسلام»([31]).

عند ذلك حاول معاوية أن يقنع وجهاء المدينة بقبول الأمر ومن خلال الأساليب الدبلوماسية السلميّة؛ فراح يبعث الكتب والرسائل إلى المعارضين في سبيل إقناعهم بالأمر، فكتب للإمام الحسين عليه السلام وعبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن جعفر كتباً، وأمر سعيد بن العاص أن يوصلها إليهم ويبعث إليه بجواباتها، وأوصاه كذلك أن يكون ناعماً في تعامله مع الحسين عليه السلام وأن لا يستثيره؛ لأنّه ليث عرين، وله قرابة وحقٌّ عظيمٌ لا ينكره كلُّ مسلم ومسلمة على حدِّ تعبيره.

فقد كتب إلى الحسين عليه السلام قائلاً: «أمّا بعد، فقد انتهت إلي منك أُمور لم أكن أظنّك بها رغبة عنها، وإنَّ أحقَّ الناس بالوفاء لِـمَن أعطى بيعته مَن كان مثلك في خطرك وشرفك ومنزلتك التي أنزلك الله بها، فلا تنازع إلى قطيعتك، واتّقِ الله ولا تردن هذه الأُمّة في فتنة، واُنظر لنفسك ودينك وأُمّة محمد، ولا يستخفنَّك الذين لا يوقنون»([32]).

فكتب له الحسين عليه السلام ردّاً مطوَّلاً يدين فيه سياسات معاوية الظالمة، وختَمه بالقول: «واعلم أنّ الله ليس بناسٍ لك قتلك بالظنّة، وأخذك بالتهمة، وإمارتك صبياً يشرب الشراب، ويلعب بالكلاب، ما أراك إلّا أوبقت نفسك، وأهلكت دينك، وأضعت الرعية، والسلام»([33]).

وكان ردّ بقية الذين كتب لهم معاوية هو الرفض التام لما أقدم عليه من توليته ابنه يزيدَ. عند ذلك قرر معاوية بن أبي سفيان أن يذهب بنفسه ليسوّي الأُمور.

 

معاوية في المدينة

لقد رأى معاوية أنَّ الأمر لا يمكن تسويته من خلال ولاته، ولا من خلال الرسائل من بعيد، فالأمر أخطر وأعقد من ذلك؛ فلا بدّ أن يمضي بنفسه لتسوية الأمر عبر الصفقات أو عبر التهديدات، فذهب معتمراً في رجب سنة ست وخمسين، وعرّج على المدينة ومعه قرابة الألف فارس قبل أن يذهب إلى مكة المكرمة، وحاول أن يجتمع أولاً ببني هاشم؛ لأنّهم الطرف الأهم في المعادلة، فاجتمع بالإمام الحسين عليه السلام وعبد الله بن عباس، وطرح عليهم مسألة البيعة، وقال: «وقد علم الله ما أُحاول به في أمر الرعية، من سدّ الخلل، ولمّ الصدع بولاية يزيد، بما أيقظ العين، وأحمد الفعل، هذا معناي في يزيد، وفيكما فضل القرابة، وحظوة العلم، وكمال المروءة، وقد أصبت من ذلك عند يزيد على المناظرة والمقابلة ما أعياني مثله عندكما وعند غيركما، مع علمه بالسنّة، وقراءة القرآن، والحلم الذي يرجح بالصمّ الصلاب». وراح يلمّع لهما صورة يزيد، وينسب له الخصال الحسنة التي ليس له منها ولا مثقال ذرّة، وكأنّه كان يظنّ أنّه يستطيع أن يستغفلهما بمثل هذه الكلمات. ثمَّ بعد ذلك قال لهما: «ما زلت أرجو الإنصاف في اجتماعكما، فما يقول القائل إلّا بفضل قولكما، فردا على ذي رحم مستعتب ما يحمد به البصيرة في عتابكما، وأستغفر الله لي ولكما»([34]).

ومن خلال كلمته الأخيرة يتّضح أنّه كان يعرف ثقل الإمام الحسين عليه السلام وبني هاشم في الساحة جيداً، وأنّه يصعب تجاوزهم في مسألة البيعة ليزيد «فما يقول القائل إلّا بفضل قولكما».

فأراد ابن عباس أن يتكلَّم فأشار إليه الإمام الحسين عليه السلام، وقال: «على رسلك فأنا المراد، ونصيبي في التهمة أوفر». فأمسك ابن عباس، فقام الحسين عليه السلام فحمد الله وصلّى على الرسول، ثمَّ خطب خطبة بليغة إلى أن عرج على معاوية فقال: «ولقد فضلت حتى أفطرت، واستأثرت حتى أجحفت، ومنعت حتى محلت، وجزت حتى جاوزت، ما بذلت لذي حقّ من اسم حقّه بنصيب، حتى أخذ الشيطان حظه الأوفر، ونصيبه الأكمل. وفهمت ما ذكرت عن يزيد من اكتماله، وسياسته لأُمّة محمد، تريد أن توهم الناس في يزيد، كأنّك تصف محجوباً، أو تنعت غائباً، أو تخبر عمّا كان ممّا احتويته بعلم خاصّ، وقد دلّ يزيد من نفسه على موقع رأيه، فخذ ليزيد فيما أخذ فيه، من استقرائه الكلاب المهارشة عند التهارش، والحمام السبق لأترابهن، والقيان ذوات المعازف، وضرب الملاهي، تجده باصراً، ودع عنك ما تحاول، فما أغناك أن تلقى الله من وزر هذا الخلق بأكثر مما أنت لاقيه، فوالله، ما برحت تقدح باطلاً في جور، وحنقاً في ظلم، حتى ملأت الأسقية، وما بينك وبين الموت إلّا غمضة، فتقدم على عمل محفوظ في يوم مشهود، ولات حين مناص».

لقد صُعق معاوية لهذا الردّ الحسيني الصاعق، ونظر مذهولاً لابن عباس قائلاً: «ما هذا يا بن عباس؟! ولما عندك أدهى وأمر. فقال ابن عباس: لعمر الله، إنّها لذرّية الرسول، وأحد أصحاب الكساء، وفي البيت المطهّر، فالهُ عمّا تريد؛ فإنّ لك في الناس مقنعاً، حتى يحكم الله بأمره وهو خير الحاكمين. فقال معاوية: أعود الحلم التحلم، وخيره التحلّم عن الأهل. انصرفا في حفظ الله »([35]).

لقد خرج معاوية خائباً من هذا الاجتماع المهم، فحاول أن يجرِّب حظّه مع بقية المعارضين؛ فأرسل وراء عبد الرحمن بن أبي بكر، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، واجتمع معهم وحاول جاهداً إقناعهم، ولكنه خرج خالي الوفاض كذلك، فلم يستطع أن يثنيهم عن رفضهم، وكانت نتيجة اللقاء ردّاً واضحاً لمشروع معاوية، وكان أشدّهم في ذلك عبد الرحمن وابن الزبير، وأمّا ابن عمر فقد بدا ليّناً في موقفه.

 

عرض المشروع على الجماهير

لقد حاول معاوية أن يرضي الأطراف الرئيسة في المعارضة قبل أن يطرح الأمر على عموم الناس، حتى يخرج إليهم ويقول: إنّ كبار الأُمّة راضون عن بيعة يزيد؛ فيهرع الناس إلى الرضا بذلك، ولكنه فشل في ذلك فشلاً ذريعاً، فاحتجب عن الناس ثلاثة أيام لا يخرج فيها، ثمَّ خرج في اليوم الرابع وأمر بأن يُنادى في الناس نداءً جامعاً، فاجتمع الناس في المسجد، وكان الإمام الحسين عليه السلام وعبد الرحمن وابن الزبير وابن عمر حاضرين أيضاً، فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ ذكر يزيد وفضله، وقراءته القرآن، ثم قال: «يا أهل المدينة، لقد هممت ببيعة يزيد، وما تركت قرية ولا مدرة إلّا بعثت إليها في بيعته، فبايع الناس جميعاً وسلموا، وأخرت المدينة بيعته، وقلت بيضته وأصله، ومَن لا أخافهم عليه، وكان الذين أبوا البيعة منهم مَن كانوا أجدر أن يصل، ووالله، لو علمت مكان أحد هو خير للمسلمين من يزيد لبايعت له.

هنا سكت الناس، فلم يردّ عليه أحد، فقام الحسين عليه السلام مقاطعاً له قائلاً: والله، لقد تركت مَن هو خير منه أباً وأُمّاً ونفساً. فقال معاوية: كأنّك تريد نفسك؟ فقال الحسين عليه السلام: نعم، أصلحك الله. فقال معاوية: إذاً أُخبرك، أمّا قولك: خير منه أُمّاً، فلعمري: أُمّك خير من أُمّه، ولو لم تكن إلّا أنّها امرأة من قريش لكان لنساء قريش فضلهن، فكيف وهي ابنة رسول الله؟! ثمَّ فاطمة في دينها وسابقتها، فأمُّك ـ لعمر الله ـ خير من أُمّه. وأمّا أبوك، فقد حاكم أباه إلى الله، فقضى لأبيه على أبيك. فقاطعه الحسين قائلاً: حسبك جهلك، آثرت العاجل على الآجل. فقال معاوية: وأمّا ما ذكرت من أنّك خير من يزيد نفساً، فيزيد ـ والله ـ خير لأُمّة محمَّد منك. فقال الحسين عليه السلام: هذا هو الإفك والزور، يزيد شارب الخمر ومشتري اللهو، خير منّي؟!»([36]).

ثمَّ استمر معاوية في تدليسه وتلبيسه على الناس وبيان فضائل يزيد المزعومة، فقام له عبد الله بن الزبير وردّ عليه، فانصرف معاوية إلى منزله.

 

 في الختام

من هنا؛ ابتدأت المواجهة بين الإمام الحسين عليه السلام وبين البيت الأُموي والمخطط السفياني الشيطاني، وهذا ما سوف نسلِّط الضوء عليه في القسم الثالث من هذه المقالة فسوف نحاول التركيز ـ إن شاء الله ـ على موقف الإمام الحسين عليه السلام من معاوية، وقيادته لخطّ المعارضة للمشروع الأُموي في زمان معاوية، ونعرض بالتحليل الأحداث التي جرت بينهما، وتخطيط الإمام عليه السلام لما بعد معاوية، فإنّ هذه الفترة فترةٌ مهمّة لم يتمّ التركيز عليها كثيراً.

 

 الكاتب: السيد محمد الشوكي

مجلة الإصلاح الحسيني – العدد السادس

مؤسسة وراث الأنبياء للدراسات التخصصية في النهضة الحسينية

________________________________________

[1]     ابن كثير، إسماعيل، البداية والنهاية: ج8، ص126.

[2] ابن عبد البرّ، يوسف بن عبد الله، الاستيعاب: ج4، ص1678.

[3]     ابن كثير، إسماعيل، البداية والنهاية: ج4، ص332.

[4] المقريزي، تقي الدين أحمد بن علي، النزاع والتخاصم: ص87.

[5]     ابن أبي الحديد، عز الدين، شرح نهج البلاغة: ج10، ص101.

[6] الزبير بن بكار، الموفقيات: ص 577. المسعودي، علي بن الحسين، مروج الذهب: ج3، ص454.

[7] الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الأُمم والملوك: ج8، ص188.

[8] على الرغم من أنّ التجربة السياسية بعد النبي صلى الله عليه وآله لم تكن شوروية خالصة، وإنّما شابها الكثير من الإشكاليات، وتضمّنت كثيراً من الملاحظات التي لا مجال لبسطها هاهنا.

[9]     أبو زهرة، محمد، تاريخ المذاهب: ص104.

[10]    السبحاني، جعفر، أبحاث في الملل والنحل: ج1، ص233.

[11]    أبو زهرة، محمد، تاريخ المذاهب الإسلامية: ص271.

[12]    ابن قتيبة، عبد الله بن مسلم، الإمامة والسياسة: ج1، ص210.

[13]    الصدفي، أبداً حسين: ص222.

[14]    ابن قتيبة، عبد الله بن مسلم، الإمامة والسياسة: ج1، ص173.

[15]    ابن عبد البر، يوسف بن عبد الله، الاستيعاب: ج1، ص391.

[16]    أبو الفرج  الأصفهاني، علي بن الحسين، مقاتل الطالبيين: ص 48. واُنظر: ابن أبي الحديد، عز الدين، شرح نهج البلاغة: ج16، ص49.

[17]    ابن عبد البر، يوسف بن عبد الله، الاستيعاب: ج2، ص830.

[18]    اُنظر: العسكري، مرتضى، معالم المدرستين: ج1، ص336. والأميني، عبد الحسين أحمد، الغدير: ج10، ص233.

[19]    أبو الفرج الأصفهاني، علي بن الحسين، كتاب الأغاني: ج20، ص227.

[20]    اليعقوبي، أحمد بن أبي يعقوب، تاريخ اليعقوبي: ج2، ص220.

[21]    ابن الأثير، علي بن أبي الكرم، الكامل في التاريخ: ج3، ص508.

[22]    المصدر السابق: ج3، ص504.

[23]    الكوفي، ابن أعثم، الفتوح: ج4، ص330.

[24]    المصدر السابق: ج4، ص331.

[25]    ابن الأثير، علي بن أبي الكرم، الكامل في التاريخ: ج3، ص508.

[26]    اُنظر: العسكري، مرتضى، معالم المدرستين: ج1، ص336. والأميني، عبد الحسين، الغدير: ج10، ص233.

[27]    الحاكم النيسابوري، أبو عبد الله، المستدرك: ج3، ص476.

[28]    اُنظر: ابن الأثير، علي بن أبي الكرم، الكامل في التاريخ: ج3، ص351.

[29]    اُنظر: ابن قتيبة، عبد الله بن مسلم، الإمامة والسياسة: ج1، ص152.

[30]    المصدر السابق: ج1، ص164.

[31]    ابن قتيبة، عبد الله بن مسلم، الإمامة والسياسة: ج1، ص153.

[32]    المصدر السابق: ج1، ص154.

[33]    المصدر السابق: ج1، ص157.

[34]    المصدر السابق: ج1، ص160.

[35]    المصدر السابق: ج1، ص161.

[36]    المصدر السابق: ج1، ص211.