(سكينة) طفولةٌ شهدت أكبر فاجعة في تاريخ البشرية... فما هو اسمها الحقيقي وكيف حاولوا إهانة جنازتها؟

بالرغم من أن كربلاء كانت ولا زالت أعظم مدرسة للإنسانية غذّت الأمم بقيم التضحية والإيثار والشجاعة، إلا أنها أيضا تعد مسرحاً لأفظع الجرائم التي عرفها التأريخ، أذ شهدت مصرع ذراري رسول الله صلى الله عليه وآله، لتكون هذه الجريمة فيما بعد وصمة عارٍ في جبين الاعداء آنذاك، وإن تمت تبرأتهم من دم الحسين عليه السلام وولده وسبي نسائه؛ فأن مجرد إظهار الصمت من قبل المجتمع المعاصر للحسين عن تلك الفواجع يعد خذلاناً وعاراً كبيراً وذنباً لا يمكن غفرانه.

آمنة أو أميمة، عليها السلام، هو الاسم الحقيقي لصغيرة الحسين التي كانت شاهدة على تلك الفاجعة، إذ تتعرض الطفولة هناك لأبشع صور التعامل اللاإنساني بين القتل تارة والسبي تارة أخرى، لتحل محل "سكينة" الطفلة اليافعة الصغيرة؛ المرأة التي تم سبيها مع الأخريات من قافلة الحسين، تلك المفجوعة بأهلها والشاهدة الكبيرة على مصرع أبيها وعمها العباس حيث تراهم مقطعي الأشلاء محمولي الرؤوس على القنا.

فمن هي سكينة؟ وما هي قصتها؟

- سَكينة أم آمنه؟

تشير المصادر إلى إنّ الاسم الحقيقي للسيّدة سكينة والتي اشتهرت على الألسن، هو آمنة بنت الحسين، وإنّما سكينة لقب لقّبته به أُمّها الرباب؛ وذلك لسكينتها وهدوء طبعها فغلب عليها حتى كانت السكينة صفة لها .

واختلف المؤرّخون في اسماها بين آمنة وأُميمة، واتّفقوا على أنّ (سكينة) صفة لها، وممّن ذهب إلى ذلك "ابن عساكر" وتحديداً في كتاب تاريخ مدينة دمشق قسم تراجم النساء إذ ينقل رواية في تسمية أولاد الحسين عليهم السلام مفادها، أن "... وسكينة ، واسمها آمنة ، وإنّما سكينة لقب لقّبتها أُمّها الرباب بنت امرئ القيس. وتزوّج سكينة بنت الحسين عبد الله بن حسن بن علي، أُمّه بنت الشليل بن عبد الله البجلي ... فقُتل مع عمّه الحسين بالطفّ قبل أن يبني بها" .

- الطفلة الشاهدة على كربلاء...

حضرت السيدة سكينة عليها السلام واقعة الطف مع أبيها في كربلاء ورأت أمام عينيها مصرع أبيها وإخوتها وعمومتها وبقية بني هاشم وأنصارهم كيف سقطوا مضرجين بالدماء.. مقطعي الرؤوس والأشلاء، وشاركت النساء أيضاً مصائب السبي والسير إلى الكوفة ومن ثم إلى الشام.

وأُذهلت "سكينة" عليها السلام عندما رأت أخيها الصغير "عبد الله الرضيع" يرفرف كالطير المذبوح بعد أن رماه "حرملة" اللعين بسهم أنهى به حياته، ليكون هو الآخر شاهداً على الطفولة والبراءة التي استباحها المجتمع الأموي ومن كان معهم بالقلب والموقف والكلمة، فلم تستطع أن تقوم لتوديع أبيها الحسين عليه السلام ، حيث حفّت به بنات الرسالة وكرائم الوحي، وقد ظلّت في مكانها باكية، فالتفت الحسين عليه السلام إلى حال ابنته، وقال:

 سيطول بعدي يا سكينة فـأعلمي  مـنك البكاء إذا الحمـام دهاني

  لا تحـرقي قلبـي بدمعك حسرةً مـا دام منّي الروح في جثماني

   فإذا قتلت فأنـت أولـى بـالذي    تـأتينه يـا خيـرة النســوان

وبعد أن قتل الحسين عليه السلام، وعاد جواده إلى الخيام عارياً وسرجه خالياً، خرجت سكينة فنادت: واقتيلاه ، واأبتاه ، واحسناه ، واحسيناه ، واغربتاه ، وابعد سفراه، واكربتاه .فلمّا سمع باقي الحرم خرجن فنظرن الفرس ، فجعلْن يلطمن الخدود، ويقلْن : وامحمداه.

وعند رحيل السبايا بعد مصرع الحسين عليه السلام مرّوا على أرض المعركة ، فشاهدت سكينة جسد أبيها على الصعيد ، فألقت بنفسها عليه تتزوّد من توديعه وتبثه ما اختلج في صدرها من المصاب، ولم يستطع أحد أن ينحيها عنه حتى اجتمع عليها عدّة ورفعوها عنه بالقهر.

- وفاة السيدة سكينة ومحاولة إهانة جنازتها

وينقل المؤرخون أن سكينة، عليها السلام، " بعد مضي 56 سنة على فاجعة كربلاء، وكانت وفاتها في المدينة المنورة سنة 117هـ وعليه يكون عمرها الشريف السبعين عاماً".

وتشير مصادر إلى أنها عند وفاتها وبعد تجهيزها رام "خالد بن عبد الملك" والي المدينة إهانة الجنازة بسبب حرارة الجو بتأخير تشيعها  وقال: "اصبروا حتى آتي للصلاة على الجنازة، لكنه لم يأت، لذا بقيت الجنازة بلا دفن إلى الليل".

وينقل أيضاً أن أخيها الامام زين العابدين عليه السلام هو من صلى عليها بعد وفاتها، لكن عدد من المحققين استبعدوا ذلك وقالوا: "إنها سلام الله عليها - أي سكينة عليها السلام - توفيت عام 117هـ  في الوقت ان الإمام زين العابدين عليه السلام قبض كما ذكر الشيخ الكليني في الكافي وهو ابن سبع وخمسين سنة في عام خمس وتسعين للهجرة المباركة فعاش بعد أبيه الحسين عليه السلام خمساً وثلاثين سنة، أما السيدة الجليلة فعاشت بعد أبيها الحسين 56 سنة وعلى قول يحيى بن الحسن".

حسين الخشيمي

الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة

المرفقات