تعالي الهمم في موسم زيارة الأربعين ، اكثر ما يثير ذهول العالم وهو يراقب من بعيد ، أن الجميع ، وعلى مختلف فئاتهم العمرية يجتهد ويبتكر الجديد من أجل أن يكون مع الحسين عليه السلام وأنصاره ولو بشربة ماء يبلل بها عروق احد الزائرين ، وحتى الطفل الصغير ، وبكل ما يحمل من براءة ونقاء ، تراه يتنقل من مكان إلى آخر بكل رشاقة وحيوية ليحمل الماء للزائرين تارة ، وأخرى ليجمع الحطب طمعاً بشيءٍ من الدفيء لتكيته الخشبية الصغيرة ، التي أراد من بنائها أن يعلن للناس أنه واحدٌ من خدمة زوار الإمام الحسين (ع) وأن خدمة الحسين لا تقتصر على الكبار، او الشباب فقط ، بل ولا حتى على الحكومات !
تساؤلات عن الاستراتيجيات الحكومية ؛ الخدمية منها والأمنية ؛ لزيارة الأربعين ...
تشرف الحكومة العراقية على أداء مراسيم زيارة الأربعين في إجراءات يشوبها الضعف ، رغم نشرها للعديد من النقاط الطبية للزائرين وتأمين الطرق الداخلية والخارجية من خلال تكثيف "القطوعات" ومحاولة تسهيل مرور الزائرين الأجانب ، فضلا عن الجانب الأمني ، والأصل أن هذا من الواجبات الملقاة على عاتق أي حكومة ، بل ومن صميم عملها اليومي ، إذ تلتزم الحكومات بالقيام بمثل هذه الإجراءات في الأيام الاعتيادية ، ومضاعفتها في المناسبات الدينية والسياسية والاجتماعية .
وتعاني مدينة كربلاء المقدسة والمدن المحيطة بها في زيارة الأربعين من قطع كلي للطرق والشوارع ، في الوقت الذي ينبغي فيه اتخاذ اجراءات أمنية واستخباراتية دون إعاقة حركة المواطنين والزائرين .
واليوم ، إذ تدخل الحكومة العراقية ، على مختلف تشكيلاتها ، عامها الـ (13) وتواكب سنوياً هذا التجمهر المليوني ، وهو ما يثير تساؤلات عديدة حول مرور هذه الفترة على بدء هذه الممارسات الجماهيرية وبشكل متكرر ، دون ان يلاقي ملفها أي تفكير جدي لحل هذه المشاكل ، أو رسم استراتيجية خاصة لإدارة الزيارات المليونية .
ضعف الحكومات ونجاح الجماهير في إدارة الممارسات المليونية ... الحج والأربعين إنموذجاً .
ولم يقتصر ضعف الأداء الحكومي تجاه التجمعات والممارسات المليونية السنوية في العراق وحسب، بل راح يشمل واحدة من أهم الدول في العالم الإسلامي ، لما تحويه من صرح مقدس ، يّعده المسلمون في العالم قبلتهم التي يتجهون إليها في صلاتهم ويقصدونها سنويا في موسم الحج ، الا وهو "بيت الله الحرام" ، حيث سجلت السلطات السعودية لهذا العام ضعفاً في إدارة الحج ، أودى بحياة الآلاف من الحجيج ، في حادثتين كانا الأبرز بين حوادث كثيرة ، وهما سقوط الرافعة في الحرم المكي ، وكذلك التدافع الذي حدث في مشعر منى ، الذي أثار ذعر وسخط الكثيرين .
ومع بداية موسم زيارة الأربعين لهذا العام ، وتحديداً عند بدء توافد المسيرات المليونية وانتشار المواكب الخدمية على الطرق المؤدية إلى مدينة كربلاء المقدسة ؛ تظهر لدى المراقب ، سلسلة من التعليقات والمقارنات بين ضعف أداء الحكومات في إدارة التجمعات المليونية السنوية ومنها الحج وزيارة الأربعين ، ونجاح الإدارة الشعبية التي تشرف عليها الجماهير ، وبجدارة في كل عام ، بما تشتمل عليه من جمع الأموال لتقديم أفضل أصناف الطعام ، وتهيئة المبيت للزائرين على امتداد الطرق المؤدية إلى كربلاء المقدسة ، ناهيك عن العديد من الخدمات المبتكرة حديثاً ، وليس اخرها غسل ملابس الزائرين، وتنظيف أحذيتهم ، وشحن جوالاتهم ، والتدليك وغيرها من الخدمات التي لن يكون بمقدور أي حكومة توفيرها.
حكومات عربية تعرب عن قلقها من زيارة الأربعين ، واخرى تمنع أي ممارسة شيعية !!!
ومن جانب آخر، تبنت بعض الأنظمة العربية الحاكمة ومؤسساتها ووسائل الإعلام فيها ، مواقف "التخويف" و"المنع" و "التجريم" للمشاركين في مراسيم زيارة الأربعين ، كمصر والبحرين .
إلى ذلك ، اعتزمت وزارة الأوقاف المصرية فتح تحقيقٍ ببث بعض القنوات الفضائية المصرية لمشاهد تظهر ما وصفته بـ "احتفال الشيعة بذكرى أربعين استشهاد الإمام الحسين"، فيما أكدت رفضها الشديد للمشاركة في أي ممارسة من ممارسات الشيعة في المساجد المصرية التي اعتبرتها "مثيرة للمخاوف" .
فيما لجأت السلطات البحرينية إلى ابتكار "الأكاذيب" والترويج لها عبر وسائل الإعلام البحرينية التي راحت تتحدث عن "مخاوف من إصابة 65 ألف زائر بحريني بمرض الكوليرا في كربلاء بسبب زيارة الأربعين" ، بغية الحد من توافد الزائرين البحرينيين ، فيما لم تذكر أي مصادر حكومية أو إعلامية عراقية تسجيل أي حالة إصابة بمرض "الكوليرا" بين الزائرين ، العراقيين منهم والأجانب ، الا أن أصرار الإعلام البحريني ، سيما الرسمي منه ، على احتمال إنفاق الزائرين البحرينيين أكثر من عشرة ملايين دينار بحريني لدفع تكاليف تذاكر السفر والإقامة ورسوم التأشيرة فضلاً عن اجور تنقلهم إلى محافظات ومدن أخرى لزيارة الأماكن المقدسة ، إنما هو ترجمة لمخاوفها من إنعاش السوق العراقية كنتيجة طبيعية لإقبال هذا الكم الكبير من الزائرين ، على السفر الى العراق والتبضع منه خلال فترة تواجدهم فيه .
وتحاول وسائل إعلام عربية ودولية اخرى ، تهميش حدث "زيارة الأربعين" المليونية ، بدوافع طائفية تستنبطن المخاوف من انتشار التشيّع كنتيجة حتمية لهذه الممارسة .
حكومة زينب (ع) ملهمة زيارة الأربعين ...
وعلى الرغم من تزايد التحذيرات بخصوص التوجه الى كربلاء المقدسة ، والعوائق التي تعترض من يرغب فيها ، يواصل الملايين من الزائرين العرب والأجانب ، توافدهم إلى مدينة كربلاء المقدسة وسط تحديات ومخاطر كبيرة ، حرصا منهم على أداء مراسيم زيارة الأربعين ، استناداً إلى "ثقافة التحدي الزينبي" التي أسستها عقيلة بني هاشم السيدة زينب الحوراء عليها السلام في واقعة الطف ، وتجلت اكثر في مجلس الطاغية يزيد بن معاوية لعنه الله ، عندما أطلقت كلمتها المشهورة : " فكد كيدك واسع سعيك وناصب جهدك فوالله لن تمحو ذكرنا ... " .
مستشرق أوربي يدعو لمحاربة "ثقافة التحدي الزينبي" ...
في مقال للمستشرق الأوربي " ادوارد مونتاغيو" نشرته بعض الصحف البريطانية بعيد الحرب العالمية الثانية ، تضمن أهم مرتكزات الصهيونية العالمية ، إذ اعتبر مونتاغيو أقوال السيدة زينب (ع) " تفلق الحجر لقوتها " وهي امرأة ، ويؤكد أنها " هددت عرش يزيد بن معاوية العظيم" على حد وصفه .
ويتساءل الكاتب ، "من أين قطعت ـ ويقصد الحوراء عليها السلام ـ أن يزيد لن يكون بإمكانه محو ذكرها هي وعائلتها ؟ " في إشارة منه إلى جانب من خطبتها (ع) في مجلس يزيد ، ووعدها له بقولها " فكد كيدك واسع سعيك فو الله لا تمحو ذكرنا ولن تميت وحينا ... " .
ويقول ، إن "هذا التحدي يجب أن يوضع على طاولة البحث والتحليل" انها " تشكل خطرا كبيرا يهدد ليس فقط عرش يزيد بل كل عرش مثل عرش يزيد ... " .
ثم يمضي مونتاغيو بدعوته الى محاربة "ثقافة التحدي الزينبي" وسحق كل القيم والمفاهيم التي تبنتها السيدة زينب عليا السلام بكلماتها وخطبها المعروفة في يوم عاشوراء وفي مجلس يزيد ، من خلال تأسيس ثقافة مناهضة عبر توجيه المرأة المسلمة إلى صيحات الموضة الحديثة والاهتمامات القشرية الأخرى .
في وقت ، يعتبر نسبة ليست بالقليلة من المسلمين الشيعة الوافدين لزيارة الأربعين وتحديهم لمخاطر الإرهاب الكافر والسلطان الجائر ، أن السيدة زينب (ع) هي من وضعت أسس هذه الممارسة المقدسة من خلال تحملها وصبرها وتحديها لسلطة يزيد بن معاوية لعنه الله .
حسين الخشيمي
الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة
اترك تعليق