في كربلاء المقدسة ... وتحديداً في منطقة "البوبيات" وطرقها الخضراء المحاذية لنهر الحسينية ، حيث ترتصف المئات من المواكب الحسينية التي راحت تخدم زائري الإمام الحسين عليه السلام القادمين إلى كربلاء المقدسة مشياً على الأقدام دون هوادة .
هناك ... عند أكثر المناطق اكتظاظا فيه ، قرب النهر الصغير النافذ لقلب المدينة ، راح أحدهم يتحرك بطريقة تثير الاستغراب .
كان يجوب الشارع ذهاباً وإياباً ، كأنما يذرعه ماشياً بوضع الجلوس ، والحق أنه لم يكن جلوساً كاملاً ، إنما كان يشابه بجلسته من يمشى وهو راكع ، حتى يخاله الرائي انه يبحث عن شيئا ما ! .
أنه " اكبر محمدي " ، الرجل الإيراني الجنسية ، إذ يتفحص الأرض بحثا عن شيئه الثمين ، بعد ان عزم على العثور عليه مهما كلفه ذلك من جهد وعناء .
دفعني الفضول لمعرفة ما يجري ، فكل تصرفات الرجل كانت تثير الدهشة والاستغراب .
وعلى مقربة منه ، وقفت برهة من الزمن ، اتأمل ذلك ، رصدت تحركاته بوضوح ، وما هي إلا لحظات قليلة ، حتى وجد ضالته .
ها هو قد أمسك بأقدام أحد الزائرين بقوة ، واخذ يناديه متوسلاً : " حباً بالحسين.. حباً بالحسين " ، وراح يرجو احد الزائرين ، ويدعوه متوسلا بكل مودة أن يجلس على مسطبة خشبية صغيرة مخصصة لصبغ الأحذية !!! .
دقائق من كل ذلك ، واذا بـملامح البشر والرضا بادية على وجه " محمدي " ، حيث سعادته التي لا توصف ، وهو ينظف ويلمع حذاء زائر حسيني ، ويزيل عنها الطين والتراب المتراكم أثر المشي لمسافة طويلة .
استثارت هذه المشاهد ذائقتي الصحافية ، فحاولت أن اجري معه حواراً صحفيا ، لعّلي أجد اجابة عما جال في خاطري من سؤال وأنا أرقب هذا المشهد : " من أين لك كل هذا الإخلاص يا رجل ؟ " .
ورغم صعوبة فهمه للغة العربية ومقاصد سؤالي ؛ إلا أنه اكتفى بالقول : " حباً بالحسين ... حباً بالحسين " ، عندها أيقنت أن في تلك الكلمات إجابة عن أي تساؤل حول إقدام خَدَمة الإمام الحسين بكل ما يملكون من جهد لتقديم خدماتهم لزائر الحسين المظلوم عليه السلام ، إذ إنهم يحرقون محطات العمر التي لا تتخللها تلك الخدمة ، وكأن ثمة ديّنٌ ثقيل في رقابهم لا يُسد إلا بهذه الخدمة !
حسين الخشيمي
الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة
اترك تعليق