النخب هم مجاميع لهم قدرة على التأثير وتكوين الرأي العام، او قل هم الطبقة المؤثرة في المجتمع التي تمتلك ادوات الفكر والاعلام او المال او القرار السياسي او الاقتصادي او الديني او الثقافي، فهم قادة الرأي العام وتحديد توجهات المجتمع .
وهم على أصناف عدة منهم نخب سياسية وثقافية واجتماعية واقتصادية، ودينية والنخب على مراتب، فمنهم الملاصق للنظام الحاكم ومنهم الملتصق بأبناء شعبه، ومجتمعه، ومنهم المحايد، ومنهم الواعي المستقل الذي يؤثر بالمجتمع من خلال مخزونه الثقافي وشخصيته الجاذبة.
ومن أهم الأدوات التي يحاول مروجوا القوة الناعمة كسبها هم النخب حيث يتمنى هؤلاء تحويل هذه الشريحة إلى أداة جذب قادرة على تحقيق الأهداف المطلوبة في المناطق المستهدفة، ويمكن لها أن تزرع الشك وعدم الثقة في ثقافة او سياسة أو اقتصاد الخصوم، أو يجعلونهم أدوات وساطة بين الجهات المعادية والمجموعات المعارضة ويعملون بتوجيهات الأصيل الأجنبي، أو يكونوا داعمين للحركات التي تحصل في المجتمعات المستهدفة ...والخ.
وعند التتبع للتاريخ الحديث جيدا نجد أن للنخب تأثيراً كبيراً في تغيير بعض المسارات الثقافية والسياسية فقد تمركزت بعض النخب الثقافية ردحًا طويلاً من الزمن حول الماركسية بشكلها السوفيتي المعادي لكل أشكال الدين، وثمّة فريق نخبويٌّ آخر موازٍ لها تمركز حول الارتباط بالغرب باعتباره الجنّة الحضاريّة التي يملك أصحابها التفوّق والفكرَ التنويريّ، بالتوازي مع رفض ونقد جميع ما جاءنا عبر تاريخنا الديني الفكري.
كما نلاحظ أن فئة واسعة من النخب الثقافية ارتحلت نحو الوجه الليبرالي للأيديولوجيات الجديدة وأصبح هؤلاء ادوات سهلة ومتيسرة ومؤثرة لتحقيق اهداف الغرب وتمرير مشاريعهم.
وبعد فشل الحروب الصليبية عسكريًا، أدرك الغرب أن السيطرة على الشرق الإسلامي لا تتم بالسيف، بل بـ العقل والفكر فبدأ مشروع "الاستشراق" و"الارساليات التعليمية" لتكوين نخب محلية تفكر بعقل غربي فأُرسلت بعثات من أبناء العرب والمسلمين إلى باريس ولندن وروما بحجة التعليم وعند عودتهم أصبحوا وسطاء ثقافيين يحملون أفكار أوروبا في الدين والسياسة والمجتمع.
وحتى النخب الفنية والأدبية الذين بيدهم الترويج للأعمال الفنية في الإعلام كالمخرجين والممثلين والأدباء فإن لهؤلاء دور كبير في تمرير الكثير من الاهداف والمشاريع والثقافات الغربية للمناطق المستهدفة عبر الزمن وذلك عبر الأفلام، والإعلانات، والمهرجانات، والمحتوى الفني الموجّه الذي يقدَّم فيه القيم الغربية (كالحرية المطلقة، ونزع الحياء، وتفكيك الأسرة ، واساليب الخيانة ، والعمالة واساليب المؤامرة والعمل المستمر على تغييب الهوية الاسلامية والدينية والقيم الاخلاقية الاصيلة واستبدالها بقيم الغرب وسياستهم) .
ويقول جوزيف ناي المنظر الاول لمفهوم القوة الناعمة في اهمية النخب في المساهمة في ترويج الأهداف السياسية للولايات المتحدة حيث قال: (جاذبية القوة الناعمة التي نمت من الاتصالات الثقافية بين أفراد النخبة قدمت إسهاماً مهماً في تحقيق أهداف السياسة الأمريكية) .
نعم فخلال الاحتلال الأوروبي لمعظم الدول في الشرق الاوسط، أدركت القوى الاستعمارية أن بقاءها يعتمد على صناعة نخب محلية تابعة.
فأنشأوا مدارس وجامعات غربية وخرّجت هذه المدارس جيلًا من السياسيين والمفكرين الذين تسلموا الحكم بعد الاستقلال الشكلي، وهذه النخب كانت تتحدث بلغة الغرب وتتبنّى مشروعه السياسي والاقتصادي (العلمانية – القومية – الليبرالية).
وهكذا فإن مرجوا القوة الناعمة اثروا كثيرا في بعض النخب الذين تم من خلالهم تحقيق الكثير من الاهداف وتمرير العديد من المشاريع والافكار وحتى القيم والعادات.
مهام النخب في ضوء حركة القوة الناعمة:
ان أهم مهام النخب في حركتهم الناعمة نحو المجتمع - سواء على المستوى السلبي الذي يروج له اعوان الشيطان او على النحو الايجابي- هو:
1- اتخاذ القرارات.
2- اقتراح الافكار
3- ترويج الثقافات
4- تكوين الراي العام.
5- توجيه المجتمعات
6- السيطرة على الواقع.
واجبات النخب المؤمنة:
ان النخبة الواعية المؤمنة بمشروع القرآن والعترة ورجال صاحب الزمان عجل الله فرجه الشريف والمنتظرون لدولة العدل الالهي الذين يحملون هم الاسلام من العلماء والمثقفين والباحثين والكتاب والمروجين هؤلاء هم خط الدفاع الأول عن هوية الأمة الاسلامية ومسؤوليتها مضاعفة لأنها تمتلك أدوات التأثير، والمواجهة بشكل ايجابي وفعال ومن أهم واجباتها:
1- تحصين الذات بالوعي الديني والبصيرة القرآنية
من المهم جدا ان تقوم النخب المؤثرة بعملية تحصين الافراد والمجتمع بالوعي الدين والبصيرة القرآنية وتوجيههم نحو الالتفاف حول دعاة الحق من النخب الواعية المؤمنة كما قال أمير المؤمنين عليه السلام: "لا تُعرَفُ الحقائقُ بالرجال، اعرفِ الحقَّ تعرفْ أهله) وقال عليه السلام : ( لاتكن عبد غيرك وقد جعلك الله حراً ) وقال الصادق عليه السلام : ( ان الحر حر على جميع احواله ان نابته نائبة صبر لها وان تداكت عليه المصائب لم تكسره وان اسر وقهر واستبدل باليسر عسرا كما كان يوسف الصديق الامين صلوات الله عليه لم يضرر حريته ان استعبد وقهر واسر ) .
2- الحفاظ على الهوية
من اهم واجبات النخب المؤمنة الواعية هي العمل وتوجيه المجتمع على الحفاظ على الهوية الدينية التي يعمل اعوان الشيطان على سلخها من نفوس انبائنا ومجتمعاتنا المؤمنة مع ان الهوية الدين هي فطرة الله التي فطرة الناس عليها قال تعالى: ﴿صِبغَةَ اللهِ وَمَن أَحسنُ مِنَ اللهِ صِبغَةً﴾ [البقرة: 138] والحفاظ على الهوية يتم من خلال النخب الواعية التي تروج لنشر ثقافة الانتماء للإسلام المحمدي الأصيل ولخطّ الولاية والإمامة الالهية وجذب الناس من خل المنطق والدليل الى هذه العقيدة الحقة.
3- اتخاذ القرارات الصائبة عند الازمات الكبرى
ان من اهم مهام النخب الواعية المؤمنة المؤثرة في المجتمع هو اتخاذ القرارات الحاسمة عند تزايد حالات الاختلاف والصراع الديني او المذهبي او السياسي او غيرها من المجالات فان للنخب الدور الكبير في توجيه الامة من خلال قرارات واعية نابعة من الفكر والثقافة الاصيلة والحرص الكبير من الانزلاق ، وهذا ما نحتاجه اليوم في واقعنا المعاصر فان هناك الكثير من الملفات والاحداث السياسية وغيرها مما يحتاج الى وجود نخب مؤمنة واعية موثوقة تتخذ القرارات المؤثرة في توجيه المجتمع والتي تساعد في النهوض والحفاظ عليه من براثن واهداف اعوان الشيطان .
4- إنتاج خطاب ثقافي أصيل ومقنع
من المهم جدا إعداد خطاب فكري وإعلامي واسلامي اصيل يجمع بين العمق العقائدي والديني واللغة العصرية الجذابة ويخاطب العقول الشابة والبيئات الجامعية بلغة يفهمونها وتقوم النخب الواعية المؤمنة من رجال الدين وغيرهم بتقديم الإسلام الأصيل بصورة جاذبة غير منفرة وواعية ورحبة ويعتمد على المصادر الموثوقة من القرآن والعترة الطاهرة وتوجيهات العلماء الفقهاء الكبار، واهل الفضل والخبرة من اتباع مدرسة اهل البيت عليهم السلام فأن هؤلاء لهم الدور الكبير في عملية الاثراء الفكري وفق منطق الاسلام المحمدي الاصيل.
فاليوم على النخب الواعية المؤمنة ان تتجه نحو انتاج خطاب واعي حركي مؤثر في الامة المنتظرة يساهم في تحصين المجتمع من الثقافات البديلة والرقي به الى العقائد والمبادئ الاصيلة، قال الله تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) .
5- بروز القدوة الصالحة في الامة
ان من اهم واجبات النخب الواعية المؤمنة والمنتظرة عدم الاعتماد على التنظير والسطحية والاغراق بالأفكار والخطابات الرنانة فقط من دون ان يكون الفرد الواعي الذي يعد من النخب هو القدوة في سلوكه وسياسته وارداته وافعاله واعماله ، فمن اهم اسباب التراجع لدى النخب هو ان اقوالهم لا تطابق افعالهم وهذا لا يمكن ان يؤثر في الامة والمجتمعات ، فالذي يمكن ان يغير المجتمعات ويحقق الاهداف المنشودة ويساعد في بناء الاجيال المنتظرة لدولة العدل الالهي هو بروز نخب وقدوة صالحة تؤثر في سلوكها وفعلها دون اقوالها، فأنها اكثر تأثيرا من الاعتماد على الخطابات والتصريحات والتنظير السطحي ، فان الداعية المؤثر بسلوكه وليس بأقواله فقط قال الإمام الصادق «كونوا دعاةً للناس بغير ألسنتكم ليروا منكم الورع والاجتهاد والصلاة والخير فان ذلك داعية ) وعنه عليه السلام قال : ( يا مفضل : قل لشيعتنا كونوا دعاة الينا بالكف عن محارم الله واجتناب معاصيه واتباع رضوانه فانهم اذا كانوا كذلك كان الناس الينا مسارعين ) .
6- حمل المشروع الالهي للمستقبل المهدوي الموعود في الامة
في كل أمةٍ تُولد مجموعة من النخب لتحمل مشروعها المستقبلي، فلا توجد امة في الواقع لم يوجد فيها نخبة مثقفة تقوم بحمل مشروعها المستقبلي للامة وتعمل ليل نهار على الترويج له وتعد جميع الادوات والوسائل لذلك وتقوم بنشر ذلك في جميع قنواتها الاعلامية والسياسية والدينية حتى يصبح ذلك ثقافة عامة لدى جميع الطبقات.
فتجد النخب المسيحية تتحدث بجرأة عن عودة المسيح المنتظر، ويحملون ذلك لا كشعار فقط، وانما مشروع يتبنى وتعقد عليها السياسات والآمال والثقافات وتبنى من اجله الهوية الدينية والسياسية وحتى الاقتصادية ويربى عليه الاجيال جيل بعد جيل ويروج له في ندواتهم وكنائسهم وصلواتهم الاسبوعية والجامعات اللاهوتية والاناشيد والترانيم والافلام والمسلسلات والادب والروايات، وحتى في سياستهم واستراتيجيتهم العالمية وجميع مفاصل حياتهم.
وكذلك تبشّر النخب اليهودية والصهيونية علنًا بقدوم مخلّصها من ذرية داوود عليه السلام ويعمل اليهود على بناء الهيكل المزعوم، ويخططون لتوسيع دولتهم الغريبة من (النيل إلى الفرات) وبات هذا واضحا في وقتنا المعاصر وكل ذلك لتجسيد الحلم التاريخي الذي يحلم به الصهاينة ويعملون عليه ليلا ونهار.
فهذه المشاريع المستقبلية الصهيونية عقيدة ثابتة في نفوسهم واجيالهم وكل ذلك وصل اليهم عبر النخب الواعية لديهم الذين يحملون مشروعهم ويعتقدون به ويربون اجيالهم على ذلك في المدارس والجامعات والملتقيات والندوات واماكن العبادة وغيرها وقد انتشرت هذه المظاهر عبر وسائل التواصل الاجتماعي فقد راينا طلبة المدراس الصغار يوضع امامهم علم الصهاينة الذي يحتوي على الخطين باللون الازرق وخط في المنتصف باللون الابيض ويقف الاستاذ مؤشرا على الخط الازرق والابيض ويسال طلبته فيجيبوه بان الخط الازرق الاول يمثل النيل واما الثاني فيمثل الفرات وهذا تعبير عن حدود دولتهم المزعومة ، واما النجمة السداسية فهي تعبير عن مشروعهم الذي ينتمي كما يزعمون الى داوود عليه السلام ، فهذا هو دور النخب وهكذا يحملون الى الاجيال مشروعهم المستقبلي .
ولكن حين نلتفت إلى النخب الاسلامية في مجتمعاتنا فأننا نرى الصمت والوجل والتردّد عند بعض النخب المثقفة سواء من الفنانين او السياسيين او بعض الباحثين والكتاب والمروجين وحتى بعض المذاهب المسلمة فانهم يخشون في إعلان مشروعهم الاسلامي المستقبلي المتمثل بالانتظار لدولة العدل الالهي الذي هو أوضح من الشمس في رابعة النهار، ومؤيَّد بنصوصٍ قطعية في القرآن والسنة ونصت عليه كتب الاديان والمذاهب، وهو مورد اتفاق بين المسلمين فلماذا هذا الخوف او التراجع من قبل بعض النخب لحمل مشروع دولة العدل الالهي.
نعم ان الذي حمل هذا المشروع هم اتباع مدرسة اهل البيت عليهم السلام من العلماء والفقهاء والفضلاء وطلبة العلم واصحاب المجالس والعزاء الحسيني والامة المنتظر في اغلب البلدان التي يتواجد بها الشيعة الاثني عشرية لأكثر من ألف عام ولا زالوا مستمرين في انتظارهم لصاحب الامر عجل الله فرجه الشريف والعمل والاعداد لدولته المباركة.
ولكن ان هذا الاعتقاد ينبغي ان ينتشر عبر النخب الواعية في جميع مفاصل الحياة ولا يقتصر على الجهة الدينية والمؤمنة فقط بل لابد ان يكون ثقافة في مجتمعاتنا، ومدارسنا وجامعاتنا ويكون هو الاساس في الاعداد للأجيال والتطور المنشود، والا فلماذا تخشى النخب السياسية والثقافية من التصريح بمشروعها المستقبلي؟
ولماذا تتوارى عن حمل راية الانتظار العملي لمشروع الله في الأرض؟
لماذا لا ينتشر في ثقافتنا ومدارسنا وجامعاتنا كما يصنع العالم اليوم؟
هل لأنهم تأثروا بالغرب العلماني؟ ام لأنكارهم للمهدي عجل الله فرجه الشريف؟ ام لتقصير في فكرهم وانتمائهم لمذهب الحق؟ أم هناك مؤامرة خارجية تمنع من ذلك؟
فيا لها من مفارقةٌ مؤلمة أن تتجرأ النخب الباطلة على إعلان أوهامها، بينما تتردد نخب الهداية في إعلان وعد الله الحق الذي أعلنه الله عز وجل وقال: ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾، وقال تعالى:( وَلَقَدْ كَتَبْنَا في ٱلزَّبُورِ مِن بَعْدِ ٱلذِّكْرِ أَنَّ الأرض يَرِثُهَا عبادي الصالحون).
وكذلك أعلنه النبي صلى الله عليه واله وسلم من دون خشية من أحد وقال:(إن المهدي من عترتي من أهل بيتي يخرج في آخر الزمان تنزل له السماء قطرها وتخرج له الأرض بذرها فيملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملأها القوم ظلما وجور) .
وكذلك حمله اهل البيت عليهم السلام فقد وردت مئات النصوص التي تبشر بصاحب الامر عجل الله فرجه الشريف وقد حثوا المؤمنين على الترويج لذلك، وقد حمله اصحابهم من العلماء والفقهاء والفضلاء والشيعة المخلصين جيلا بعد جيل والى وقتنا المعاصر.
فهو ليس امرا مخفيا، ولا شيئا مريبا وانما مشروع إلهي لإقامة العدل والقسط واقساط دور الجور والظلم والطغيان.
فلذا على النخب المؤمنة أن تعي أن الصمت عن المشروع المهدوي هو تخلٍّ عن المسؤولية التاريخية، وأن التصريح به ليس مغامرة، بل هو وفاءٌ للعهد الإلهي وامتدادٌ لرسالة الأنبياء والأوصياء.
فمشروع المهدي ليس حلمًا غيبيًا مؤجلًا، بل هو قضية وعي، ومسؤولية، وإعداد حضاري لأمة العدل الإلهي القادمة.

اترك تعليق