فلسفة دين النبي صلى الله عليه واله وسلم وقضائه من قبل علي عليه السلام

ان تولي الامام علي عليه السلام قضاء ديون النبي صلى الله عليه واله بعد وفاته يضعنا امام حقيقة تاريخية لا يمكن تجاوزها لتكشف عن عمق العلاقة الخاصة التي جعلت النبي صلى الله عليه واله يوصي عليا عليه السلام بأدق الأمور وأكثرها حساسية فلم تكن مجرد التزام مالي فحسب بل مظهرا للوفاء والأمانة حيث ان رسول صلى الله عليه واله أراد ان يكون الامام علي عليه السلام هو الحامل لعهوده والمتمم لمسؤوليته بعد رحيله اذ انها تعتبر شهادة واضحة على مدى خصوصية الامام عليه السلام مع رسول صلى الله عليه واله فقد..

 رُويَّ عن النبيِّ الكريم صلَّى الله عليه وآله أنَّه قال: {-يا علي- "أنت أخي ووزيري وخليفتي في أهلي تقضي ديني وتُبرئ ذمتي.}[1]

وورد في عيون أخبار الرضا(عليه السلام) بسندٍ متصلٍ عن أبي الحسن الرضا(عليه السلام) عن أبيه عن آبائه عن الحسين بن عليٍّ عليهم السلام قال: قال رسولُ الله (صلى الله عليه واله وسلم) لعليٍّ عليه السلام يا علي أنتَ حجَّةُ الله، وأنت بابُ الله، وأنتَ الطريقُ إلى الله، وأنت النبأ العظيم، وأنت الصراطُ المستقيم، وأنت المثلُ الأعلى، يا علي أنت امامُ المسلمين وأميرُ المؤمنين، وخيرُ الوصيين، وسيِّدُ الصدِّيقين، يا علي أنت الفاروقُ الأعظم، وأنت الصدِّيقُ الأكبر، يا علي أنتَ خليفتي على أمَّتي، وأنت قاضي ديني وأنت مُنجِزُ عِداتي .}[2]

وورد من طرقِ العامَّة كما في الرياض النضرة عن أنس بن مالك قال: قلنا لسلمان: سلِ النبيَّ (صلى الله عليه واله) من وصيُّه، فقال سلمان: يا رسولَ الله مَن وصيُّك؟ قال: {يا سلمان مَن كان وصيُّ موسى؟ قال: يوشع بن نون. قال: فإنَّ وصيِّي ووارثي، يقضي ديني ويُنجِزُ موعدي عليُّ بن أبي طالب.}[3]

هل كان على النبيِّ صلى الله عليه واله دينٌ حين رحيله؟

ورد في العديد من الروايات أنَّ الرسول الكريم صلى الله عليه واله رحَلَ إلى ربَّه جلَّ وعلا وعليه دينٌ:

منها: صحيحة معاوية بن وهب عن أبي عبد الله عليه السلام قال: {".. وقَدْ مَاتَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه واله وعَلَيْه دَيْنٌ، ومَاتَ الْحَسَنُ عليه السلام وعَلَيْه دَيْنٌ، وقُتِلَ الْحُسَيْنُ عليه السلام وعَلَيْه دَيْنٌ"}[4]

ومنها: ما رواه الحميري القمِّي في قرب الاسناد بسندٍ معتبرٍ عن أبي عبد الله عن أبيه: {أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله لم يُورِّث ديناراً ولا درهماً، ولا عبداً ولا وليدةً، ولا شاةً ولا بعيراً، ولقد قُبض رسولُ الله صلى الله عليه وآله وإنَّ درعه مرهونةٌ عند يهوديٍّ من يهود المدينة بعشرينَ صاعاً من شعير، استسلفها نفقةً لأهله}[5]

لماذا يستدين رسول الله صلى الله عليه واله ؟

قد يستدينُ رسول الله صلى الله عليه واله لمؤنةِ عياله إذا أعوزته الحاجة لذلك، ويستدينُ كذلك إذا عرضت حاجةٌ لبعض قراباته ولم يكن لديه ما يُعطيه فإنَّه يستدينُ لسدِّ حاجته، ويتعَّهد هو صلى الله عليه واله بقضائها، ويستدينُ كذلك إذا جاءه أحدٌ من سائر الناس يطلب منه معونةً ولم يكن لديه ما يُعطيه من الزكاة أو الخمس أو من أمواله الخاصَّة فإنَّه يستدينُ له فيقضي حاجته ويتحمَّل هو صلى الله عليه واله أداء الدين، وقد يأمره بالاستدانة ويضمن هو الأداء للدين وهذا النحو الأخير من الديون الذي يكون لقضاء حوائج الناس هو الأكثر وقوعاً لكثرة من يأتيه من ذوي الحاجات. فكان صلى الله عليه واله لا يردُّ -ما أمكنه- ذا حاجةٍ دون قضائها، فإن كان لديه ما يعطيه وإلا استدان لقضاء حاجته.

 وهنالك ديون يتحمَّلها الرسول صلى الله عليه واله هو ما إذا كان على أحد المؤمنين دينٌ ومات قبل أن يقضيَه فإنَّه صلى الله عليه واله كان يتحمَّل ذلك الدين، فكان يقول في خطبته -كما في الأثر عن أبي جعفر الباقر عليه السلام : {"من تركَ ضَياعا فعليَّ ضياعه، ومَن ترك ديناً فعليَّ دينه}[6]

ولذلك كانت وصيَّتُه صلى الله عليه واله لعليٍّ عليه السلام أنْ يقضي دينَه ويُنجِزُ عِداته، يعني ينجز ما وَعدَ به الآخرين مِن عطاء. وقد أنجزأميرُ المؤمنين عليه السلام عِدات رسولِ الله صلى الله عليه واله كاملةً، فكان لا يأتيه أحدٌ يدَّعي أنَّ رسول الله صلى الله عليه واله قد وعدَه بعطيةٍ حقيرة أو خطيرة إلا أعطاهُ دون مطالبتِه ببيِّنة، وهذا هو معنى ما ورد من أنَّه: لا يأتي أحدٌ مِن خلقِ الله إلى عليٍّ عليه السلام بحقٍّ ولا باطلٍ إلا أعطاه".

قضاءُ عليٍّ عليه السلام لديونِ رسول الله صلى الله عليه واله 

في المناقب لابن شهرا شوب عن قتادة قال: {"بلغنا أنَّ عليَّاً نادى ثلاثة أعوام بالموسم مَن كان له على رسولِ الله دينٌ فليأتِنا نقضي عنه}[7]

وفي شرح الأخبار: {"وقد قضى عليٌّ عليه السلام دينَ رسول الله صلَّى الله عليه وآله، وأنجز عِداته بعد وفاتِه كما أمرَه بذلك بعد أنْ أمر بأنْ يُنادَى في الناس ألا مَن كان له على رسولِ الله صلَّى الله عليه وآله دينٌ أو وعدَه بشيءٍ فليأتِ عليَّاً عليه السلام. فقضى ذلك مَن أتاه فيه "}[8]

ذكر ابنُ سعدٍ في الطبقات الكبرى قال: أخبرنا محمد بن عمر حدَّثني عبد الله بن جعفر عن عبد الواحد بن أبي عون {أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم لمَّا تُوفي أمرَ عليٌّ صائحا يصيحُ: مَن كان له عند رسولِ الله عِدةٌ أو دينٌ فليأتني، فكان يبعثُ كلَّ عامٍ عند العقبةِ يومَ النحر مَن يصيحُ بذلك حتى تُوفي عليٌّ، ثم كان الحسنُ بن عليٍّ يفعلُ ذلك حتى تُوفي، ثم كان الحسينُ يفعل ذلك، وانقطع ذلك بعده، قال ابنُ أبي عون: فلا يأتي أحدٌ مِن خلقِ الله إلى عليٍّ بحقٍّ ولا باطلٍ إلا أعطاه}[9].

الهوامش:-----

[1] علل الشرائع -الصدوق- ج1 / ص157.

[2] عيون أخبار الرضا (ع) -الصدوق- ج2 / ص9

[3] الرياض النضر -المحب الطبري- ص138

[4] الكافي -الكليني- ج5 / ص93

[5] قرب الاسناد -الحميري القمي- ص92.

[6] وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج18 / ص337.

[7] مناقب آل أبي طالب -ابن شهراشوب- ج1 / ص396.

[8] شرح الأخبار -القاضي النعمان المغربي- ج1 / ص113.

[9] الطبقات الكبرى -ابن سعد- ج2 / ص319.

: الشيخ علاء السعيدي