رسالة الى المنبر

قال تعالى

{وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ (4) هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ (5) أَلَمْ تَرَى كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ (8) وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِي (9) وَفِرْعَوْنَ ذِي الأَوْتَادِ (10) الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ (11) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ (12) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ (13) إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ}

هل كانت شهادة أبي عبدالله الحسين، عليه السلام، نهايةً أم بداية؟

وإذا كانت سورة الفجر مُأولة بنهضة الامام الحسين، عليه السلام، فإن في ذلك دلالة على ان النهضة العظمية كانت بداية، فبداية النهار الفجر، وحينما توجد نهضة شاملة كنهضة الإمام الحسين، معنى ذلك فتح ابواب الرحمة الالهية على البشرية التي ستبقى ترفد الامة الاسلامية بالنعم الالهية حتى قيام صاحب الثأر؛ الإمام المهدي، الحجة بن الحسن، عجل الله فرجه الشريف.

والإمام المهدي ليس فقط ينتقم من الاعداء ومن يتبع أثرهم، وإنما يحقق الغايات المُثلى لنهضة الإمام الحسين، عليه السلام.

من هنا أقدم عدة رسائل مفتوحة الى اخوتنا خطباء المنبر الحسيني في كل مكان بمناسبة أيام عاشوراء:

الرسالة الأولى: تعبئة المشاعر والعواطف

 إن نهضة أبي عبد الله الحسين، عليه السلام، عظيمة، ولا يمكن الوفاء بأبعادها و دروسها خلال عام او اكثر، فمنذ يوم استشهاد الإمام الحسين، عليه السلام، والعلماء والخطباء، ومن قبلهم الأقربون من الإمام بيّنوا ابعاد مأساة عاشوراء، ولكن لم تنتهِ تلك الابعاد العظيمة، فهي التي هزّت أظلة العرش، وبكت السماوات والارض لمصاب أبي عبد الله.

لذا على الخطباء الكرام ومن يسير في هذا الطريق من المنشدين (الرواديد) والشعراء، ان يركزوا على الجانب المأساوي وما يثير العاطفة وينفذ في قلب كل إنسان، وهذا لا ينتهي بقصيدة واحدة وكلام واحد، لذا أطالب نفسي واخواني من المتصدّين لنشر القضية الحسينية بأن يتفننوا في تصوير هذه المأساة للناس بكل وسيلة ممكنة، لانها تدفع الشيعة وربما غير الشيعة ايضاً للتفاعل بالبكاء وإظهار الحزن على مصاب الإمام الحسين، عليه السلام، وبعد انقضاء أيام الحزن، ونتيجة لانعكاس ملحمة عاشوراء في انفسهم، نرى الموالين والمؤمنين يتحمسون لتجسيد قيم النهضة الحسينية، ويندفعون لنيل الشهادة على خطى الامام الحسين وأصحابه.

من هنا، لا ينبغي –أيها الأخوة- الالتفات الى بعض الأصوات من بعض البسطاء ممن يريد التقليل من عظمة النهضة الحسينية، ومن أهمية الشعائر الحسينية، انما يجب الاهتمام بهذه الشعائر بكل ما تجود به القرائح، لبيان أبعاد المأساة الحسينية.

إن يوم عاشوراء اختصر كل المواجهات بين الحق والباطل عبر التاريخ؛ بين انبياء الله والمرسلين، والأمم الكافرة، وبين الظلمة والطغاة والمظلومين عبر التاريخ، وبامكانك –أيها الخطيب- أن تجد بصمات عاشوراء في كل قضية إنسانية بالعالم، سواءً في الماضي او الحاضر.

الرسالة الثانية: الإصلاح في المجتمع

إن الغاية المثلى لملحمة كربلاء ونهضة الامام الحسين؛ إصلاح الناس، وقد قالها، عليه السلام، بكل وضوح: “إني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً وإنما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي”.

فعندما يكون هذا هو هدف النهضة، يجب ان يكون ايضاً هدف كل خطيب وكل صاحب موكب، وكل مُنشد (رادود)، وكل من يرتبط بمشروع نشر النهضة الحسينية، على الجميع البحث عما يجب إصلاحه في المجتمع، فهناك أخطاء موجودة في المجتمع ينبغي على خطيب المنبر التطرق اليها وإصلاحها، مثلاً؛ تسليط الضوء على التهاون في أداء الصلاة، او الصلاة جماعة، وايضاً؛ على عدم الاهتمام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهكذا؛ مسائل الظلم بين افراد المجتمع، نسعى لحل هذه المشاكل في ضوء نهضة الامام الحسين، عليه السلام، والقيم التي ضحى من أجلها.

الجانب التوحيدي والعرفاني يجب ان لا يكون بعيدا عنا ونحن نتحدث عن ثورة الإمام الحسين، عليه السلام، فقضية عاشوراء ليست منفصلة عن التيار التوحيدي في الأمة، ففي كل لحظة من لحظات الإمام الحسين درس توحيدي.

وعلى الخطباء ان يجعلوا في مقدمة احاديثهم في شهر محرم، التوجه الى الله، وبالذات الاستفادة من النصوص الدينية من القرآن الكريم، وروايات أهل البيت، عليهم السلام، وزيارات الإمام الحسين، عليه السلام، في زيارات الامام دروس وعبر كثير وكبيرة، إذ تجعل الانسان يرتفع الى مستوى النهضة الحسينية.

الرسالة الثالثة: لماذا الامام الحسين وليس غيره؟!

لعل الله –تعالى- نظر في عباده فرأى في الامام الحسين، ذلك العبد الصالح المطيع لله –تعالى، ولم يجد لنفسه ولعائلته ولذاته أية قيمة في مقابل الرب –تعالى-، وقد جسد، عليه السلام، هذه الروح التوحيدية في دعاء عرفة، وفي كربلاء ايضاً، “هون عليّ ما نزل بي إنه بعين الله”.

وإذن؛ لا يجب أن نبتعد عن الجانب التوحيدي والمعرفي ونحن نتحدث عن قضية الامام الحسين، عليه السلام، فهذا الجانب غير منفصل عن التيار التوحيدي في الأمة، فقد كان ثمة درسٌ توحيدي بليغ في كل لحظة من لحظات حياة الامام الحسين، عليه السلام، فقد استرخص الإمام كل ما يملك، وكل شيء عنده في سبيل الله.

الرسالة الرابعة: اعتماد النصوص الدينية

أوصي اخواني خطباء المنبر الحسيني بأن يستهلوا أحاديثهم بالدعوة للتوجه الى الله –تعالى- بالنصوص الدينية، وفي مقدمتها؛ القرآن الكريم والروايات الشريفة عن المعصومين، عليهم السلام، وايضاً زيارات الامام الحسين، عليه السلام، فهي دروس وعبر، وهي مدرسة إسلامية ترفع الانسان الى مراقي النهضة الحسينية ليعرف ابعادها الحقيقية.

: د. الخطيب الشيخ حيدر الشمري