أراجيز: سيد الثوار وأبي الأحرار الامام الحسين(عليه السلام)

1-للإمام الحسين(عليه السلام) – بصفته قائدَ الثورة ومفجّرَها ومهندسَ خطّها وخطّتها - أربعُ أراجيز أنشأ اثنتين منها خارج الميدان واثنتين أخريين في حومة القتال، والأراجيز الأربع - من وجهة نظرنا التحليليّة – كلّها ميدانيّة حتى الموصوف منها أنه خارج إطار الميدان، فمذ دخل (ع) العراقَ وبدأ العدوّ تطويقَه وحصارَه واغلاق المنافذ عليه، راح يخوض مقدمات معركته. خذ – على سبيل المثال- أبيات اخي الأوس التي استشهد بها عندما قال له (الحرّ الرياحيّ) لئن قاتلتَ قُتلت، فكان جوابه (أبالموت تخوّفني)؟! وراح ينشد وكأنه يرتجز ارتجازا:

سأمضي وبالموت عارٌ على الفتى إذا ما نوى حقّاً وجاهدَ مُسلما

وواسى الرجالَ الصالحين بنفسهِ وخالف مثبوراً وفارق مجرما

فإن عشتُ لم أندم وإن متُّ لم أُلم كفى بك ذلاًّ ان تعيشَ وتُرغما

والابيات وان كانت لأخ الأوس الا انها كأنما قيلت أو أفرغت على لسان الامام (ع) نفسه، فالاستشهاد بأيّ بيت مأثور ما هو الاّ صدى عمّا في سريرة الوجدان. ومتى ما صادفت أبياتُ قصيدةٍ رجعاً أو صدىً في نفسٍ غيرِ نفسِ قائلها فكأن المستشهِد بها هو قائُلها!

2-الأرجوزة الثانية (أرجوزة النعي):

إذا قدّر لنا ان نعتبر أبيات اخي الأوس ارجوزةَ الامام الثائر الحسين(عليه السلام) الأولى، فهي (أرجوزة الخط والمنهج)، أما تلك التي أنشأها وهو على باب خيمته ليلة العاشر، فهي أنشودة نعي الذات، أو التأبين الذاتيّ، والتي يقول فيها:

يا دهرُ أفٍّ لك من خليلِ كم لكَ في الاشراق والأصيلِ

من طالبٍ وصاحبٍ قتيلِ والدهرُ لا يقنعُ بالبديلِ

وإنما الأمرُ الى الجليلِ وكلُّ حيٍّ سالكٌ سبيلي

انشودة الموت هذه وان رتّلها الامام (عليه السلام) في لحظة صفاء عرفانيّ أنّ الموتَ حقّ، وهي تنضحُ بالوثوق بالمعاد، الا أنها ليست حسينيّة بحتة، هي أنشودةُ كل حيّ سالكٍ سبيلَه (عليه السلام)، ولذا يحقّ لكلّ مجاهد على طريق الحسين ان يترنّم بها. هي النشيد المفتوح لكل ثائر حسيّني، بل لكل موقنٍ بالمعاد، أينما كان.

3- الأرجوزة الثالثة: (أرجوزة الاقتحام والالتحام):

أنشأها في أول نزول له الى الميدان بعد خلوّ معسكره من أي نصيرٍ أو قريب:

الموتُ أولى من ركوبِ العارِ والعارُ أولى من دخولِ النارِ

الخيارات الثلاثة في الأرجوزة: (الموت) (العار) (النار) هي ثلاثيّة المعاد، وأهونها عند الامام (ع) الأول لأنه – بحسب تعبيره – خُطّ على ولدِ آدم مخطّ القلادة على جيد الفتاة، وهو إن آثر الموتَ على العار وهذا على النار، فإنه إذا خُيّر فلن يختار الا اشرفَ الميتتين: (الشهادة)، لأنها الشرف الخالص الذي لا عارَ معه، ولأنها جنّة الخلود التي هي خير المآلات برمّتها، ولأنها الرضوانُ في أعلى وأرقى درجاته، ولذلك هتف بأعلى صوت اليقين (هيهات منّا الذلّة) !

4- الأرجوزة الرابعة: (أُرجوزة الإرث النبويّ)

قالها وهو في آخر لحظاته على قيد الحياة:

أنا الحسينُ بنُ علي آليتُ ألاّ انثني

أحمي عيالاتِ أبي امضي على دبن النبي

فعلى الرغم من خطابه الموجّه لمعسكر الأعداء في مستهلّ الواقعة، وتعريفه المستفيض بنفسه وبالبيت المعمور الذي ينحدر عنه، وانه يمثل شخصَ وكبدَ رسول الله وليس سبطَه وحسب، الا ان تكرار التعريف حجّة إضافيّة تُلقى فوق الحجج الأخرى، وإدانة إضافية الى الادانات التي راكمها الامام منذ أن طُولب ببيعة يزيد.

وكلمة (آليت) هي قرار الحزم الذي عبّر عنه (عليه السلام) في مواقف سابقة متلاحقة، ومن هنا لا يمكننا ان نجتزئ الخطابَ الحسيني بالشعارات المكثّفة القصيرة، ولا بالأراجيز فقط، بل بالخطب الطويلة نسبيّا، مضافاً اليها الحوارات التي جرت بينه وبين من حاورهم وحاوروه، فشخصية القائد الثوريّ الميدانيّة هي حصيلة ذلك كلّه.

5- ولعلّ ما يستوقف القارئ أو المستمع للأرجوزة الأخيرة هو كلمة (عيالات أبي) وسواء أُريد بها الأسرة العلويّة كإطار جامع، ام هذه مضافا اليها نساءه وبناته، أم انها الأسرة النبويّة في رمزيّة هذا البيت الرساليّ، فإنها وإن فسّرت على أنها تعبير عن غيرة الامام (عليه السلام) على نسائه اللواتي اصطحبهن معه، وهو تفسيرٌ راجح لجهة عدم تورّع العدو من الاعتداء على عيال الحسين بعد مقتل الحسين في مشهد إقامة جبريّة بارد او ما شاكل من فنون التعسّف والقهر، لكنها جواب ضمنيّ عن سؤال: لماذا اصطحاب النساء؟ فهو(عليه السلام) قد سعى لحماية نسائه من الأيدي العابثة المجرمة حتى في اخريات لحظاته.

وما كان لدورة الفاجعة المروّعة ان تكتمل، كما لم يكن لرسالة الثورة أن تؤتي أُكلَها الا بهذا البعد النسويّ الذي تجلّى نصراً بيانيّا تبيانيّا في المواجهة السلميّة الحادة في خطابات التعنيف والتوبيخ والادانة شديدة اللهجة لكل مخططيها ومدبريها ومنفذيها والساكتين عليها.

المرفقات

: عادل القاضي