وسائل التواصل الاجتماعي والحرب الناعمة

إن القوة الناعمة قد روج لها المنظر الأول لهذه القوة البروفيسور (جوزيف ناي) في كتابه الشهير: (القوة الناعمة وسيلة النجاح في السياسة الدولية) ، وقد عرفها ناي بأنها: (القدرة على الحصول على ما تريد عن طريق الجاذبية بدلاً عن الإرغام أو دفع الأموال). يقول ناي: (عندما تتمكن من جعل الآخرين يعجبون بمثلك ويريدون ما تريد فأنك لن تضطر إلى الإنفاق كثيراً على العصي والجزرات أي على عوامل الإرغام والإغراء لتحريك اتجاهك فالإغراء أكثر فاعلية من الإرغام على الدوام وكثير من القيم مثل الديمقراطية وحقوق الانسان وإتاحة الفرص للأفراد لها قدرة عميقة على الإغراء)[1].

وعرَّفها آخرون بانها: العمل المنظم الذي يستعين بالأدوات والأساليب التبليغية والإعلامية والسياسية، والنفسية للتأثير على الحكومات والمجموعات والناس في الدول الأجنبية بهدف تغييب رؤاها وقيمها وسلوكها. ويمكن القول بأن القوة الناعمة عبارة عن جهد منظم تستخدم فيه الوسائل الإعلامية والسياسية والنفسية والثقافية من أجل التأثير على الحكومات والشعوب بهدف تغيير رؤاهم ومنظومة القيم والسلوك التي يحتكمون لها، أو هي مجموعة من الإجراءات المخطط لها والمنظمة والتي تؤدي إلى تغيير في الهوية الثقافية والنموذج السلوكي التي تتبناه الدول والشعوب.

وقد ذكر جوزيف ناي أهم المصادر التي يمكن أن تساهم في صنع قوة ناعمة ومنا القيم الثقافية وهي مجموعة من القيم والممارسات التي تخلق معنى للمجتمع ولها عدة مظاهر كالأدب والفن والتعليم والإعلام مما يعجب النخب والقواعد الشعبية يقول جوزيف ناي:(إن ثقافتنا الشعبية قد جعلت الولايات المتحدة تبدوا للآخرين مثيرة وغريبة وقوية صانعة للميول والتوجهات وصاحبة الدور الأبرز في الحداثة والابتكار)[2]، وقد ذكر جوزيف ناي إن الإتصالات الثقافية كثيراً ما تنتج قوة ناعمة وقد كان للمتاحف والمسارح والأفلام والفرق الموسيقية والمبادلات الأكاديمية والتعليمية والإعلامية دور كبير في مجال إنتاج القوة الناعمة، وقال أيضا: (إن جاذبية أمريكا الثقافية هي التي كسبت عقول وقلوب أغلبية الشباب إلى الديمقراطية الغربية)[3].

وتعد وسائل التواصل الاجتماعي وشبكات الأنترنت من أهم منصات القوة الناعمة ومصادرها التي يسيطر عليها في الغالب مجمع صناعي يضم تحالف وزارة الخارجية الأمريكية ووزارة الدفاع البنتاغون وجهاز الأمن القومي الامريكي مع نخبة مجمع الابتكار العلمي، والصناعي الأمريكي والمهارات التقنية والآسيوية الهندية والكورية وغيرها المستخدمة من قبل الشركات الأمريكية، وقد صرح جوزيف ناي في كتابه القوة الناعمة أن هذه المنصات هي أحد الوسائل والأدوات التي يمكن من خلالها جذب المجتمعات المستهدفة إن لم تكن الأكثر فاعلية وتاثيراً في الواقع حيث بين أن هذه القوة ستكون الأخطر والأفعل في القرن الواحد والعشرين)، ويسعى الغرب من خلال هذه الوسائل إلى تحقيق مجموعة من الأهداف العامة والتي من أهمها:

1- عولمة المجتمعات وربطها بشبكة التكنلوجيا الأمريكية وتعزيز القوة السيبرانية لتمرير جميع المشاريع التي يهدف إلى ترويجها أتباع معسكر الغواية.

2- تعبئة الإحتجاجات وتحريك المظاهرات في المناطق المستهدفة عبر الجيوش الألكترونية والمنصات الإعلامية في وسائل التواصل التي تستخدم للتواصل وبث الإشاعات وتحريك الجماهير ونشر الدعايات الكاذبة التي تساهم في تعبئة الاحتجاجات هدف صنف الفوضى .

3- ضرب القيم الأخلاقية في المجتمعات المستهدفة، اذ أن هذه الوسائل مصممة بشكل يمكن التواصل بين الجنسين بشكل سهل ومتيسر، وقد لوحظ في الواقع المعاصر الكثير من مظاهر العلاقات الغير شرعية والتي أدت إلى التفكك الأسري وتزايد حالات الطلاق والمشاكل الزوجية.

4- الترويج للنمط الإقتصادي الجديد في العالم، فان هذه الوسائل تهدف الى غقامة سوق عالمي في إطار العولمة وتحت مظلة الرأسمالية.

5- تعميم الأسلوب الغربي في المجتمعات وتذويب الهويات الدينية والثقافية.

6- إشغال المجتمعات المستهدفة ببرامج وأساليب متنوعة، والهدف منها إشغال الجيل الجديد عن التفكير والإبداع، والإنتاج.

7- دفع المستخدمين نحو التقصير في الواجبات خاصة الواجبات الأسرية والزوجية والإجتماعية والتي تؤدي تدريجياً إلى تفكيك الروابط الأسرية نتيجة الإدمان على الإرتباط بوسائل التواصل الاجتماعي.

8- من أهم ما تخلفه وسائل التواصل الاجتماعي هو تعطيل الأدوار الإجتماعية التي حث عليها الإسلام في الواقع الخارجي من قبيل عيادة المريض، والتواصل الخارجي مع الأرحام والعلاقات الخارجية في الواقع الحقيقي.

9- إضعاف اليقين العقائدي والإيماني بالدين نتيجة العدوى الفكرية التي تحدث باللاشعور وللاوعي لدى الأجيال عند الإدمان على استخدام هذه المنصات بالشكل السلبي الدائم.

10- إرتفاع نسب العلاقات الغير مشروعة عبر وسائل التواصل الإجتماعي الذي سبب بزيادة الإنحلال الخلقي، وحالات الطلاق والإنفصال بين الزوجين وذلك بسبب أن هذه الوسائل تتيه الفرص للتواصل بدون أي قيد وشرط ومن هنا ينبغي الإلتفات إلى هذه الحرب الناعمة التي يصدرها العدو إلى مجتمعاتنا الإسلامية بنسخة خارجها جميل وداخلها قبيح.

11- تنمية روح التمرد والنقد الغير منهجي، فأن هذه الشبكات الاجتماعية نمت لدى الأجيال روح التمرد حتى على المبادئ والعقائد والقيم الدينية فأصبح رواد هذه الوسائل يناقشون ويعترضون على كل شيء من دون الرجوع إلى أهل العلم والخبرة وأهل الإختصاص، ودون أي توجيه أو إرشاد من أية مرجعية ثقافية أو فكرية أو روحية، أو دينية مما سبب ذلك إلى زيادة حدة التناحرات والإختلافات والفتن والشبهات في الواقع الخارجي.

كيف نواجه تهديدات وسائل التواصل الاجتماعي

إن تهديدات وسائل التواصل الاجتماعي باتت واضحة وجلية لكل منصف في واقعنا المعاصر، فأصبح أعوان معسكر الغواية يروجون لكل شيء عبر خطط وجيوش الكترونية وتنظيمات سيبرانية سرية تعمل بشكل منظم ومدروس لتمرير المشاريع وتحقيق الأهداف التي يرمون إليها وهذا يضعنا أمام مسؤولية كبيرة في كيفية الترويج الصحيح لمواجهة هذه التهديدات التي باتت تتواجد في بيوتنا قبل أعمالنا وواقعنا الاجتماعي وهناك عدة مستويات وطرق للمواجهة:

الأول: المواجهة المباشرة مع مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك من خلال العمل العكسي أي لابد لرواد هذه الوسائل أن تكون منصات بخلاف ما يروج له أتباع الشيطان ، فإن كانوا يروجون للانحلال لابد أن نروج للعفة ، وإن كان الترويج لبث الفتن لابد أن نروج للوحدة والتحذير من الفتن وهذا فأن العمل بالشكل العكسي يحط أهداف معسكر الغواية ويعرقل من مشاريعهم وخصوصا لو كان ذلك بشكل جماعي كبير قادر على أن ينتشر في جميع وسائل التواصل الاجتماعي وهذا يحتاج إلى جهود من المؤمنين وأصحاب الضمائر الحية الذين همهم إنتشال هذه الأجيال من الوقوع بالعواقب السيئة .

الثاني: توعية المستخدمين: وهذا أمر مهم جداً بأن تأخذ المؤسسات والثقافية والفكرية وحتى الحكومية دورها في عملية إيجاد برامج إعلامية عبر المنصات يديرها أناس مأمونون مثقفون مؤمنون أصحاب وعقيدة وفكر يتوجهون إلى توعية المستخدمين وخاصة فئات الأطفال والناشئة والشباب والفتيات وغرس حالة الحذر والشك في قلوبهم تجاه ما يروج في هذه الوسائل.

الثالث: تحفيز أولي الأمر سواء في المنزل أو في العمل أو في المدرسة أو في مختلف المؤسسات التربوية على أن يكون لهم الدور التربوي الصحيح في تنبيه أبنائهم ونصحهم وإرشادهم وتبيين لهم خطورة هذه الوسائل لو لم يوضع لها قيود وحدود وما يسعى إليه أعوان الشطان ضمن حربهم الناعمة.

الرابع: إنشاء شبكات إعلامية ومنصات وتطبيقات الكترونية وحسابات وظيفتها التواصل مع الجمهور بشكل مستمر وتغذيتهم بالمحتوى الهادف وملئ مناطق الفراغ لديهم بالمعلومات والبرامج الجاذبة والمرشدة والبناءة والتي ترفع من نسبة الوعي وتضبط مسار المستخدمين.

الخامس: الثقافة الاجتماعية الميدانية حيث ينبغي على المؤسسات والشخصيات التي لها إمكانية الحركة أن تقوم بدور ميداني توعوي والنزول للمجتمع عبر المدارس والجامعات والتجمعات واستغلال المناسبات لتوعية المجتمع بصورة يكون فيها واعٍ لما يجري في الواقع من تحديات وتهديدات، وهذا يمكن أن يحصل إن وضعت برامج ميدانية متطورة ومشوقة تهدف إلى تحصين المجتمع من هذه التهديدات.

الهوامش:_______________

[1] القوة الناعمة وسيلة النجاح في السياسة الدولية ص 20.

[2] القوة الناعمة ص 32.

[3] القوة الناعمة ص 32.

المرفقات

: الشيخ وسام البغدادي