الصدى الاعلامي لزيارة الاربعين
ان المشاركة المليونية في مسيرة أربعينية الامام الحسين عليه السلام كانت لها اصداء واسعة في وسائل الاعلام الاقليمية والعالمية، فبعض الوكالات والقنوات الخبرية اصابتها الصدمة والحيرة من هذا الملتقى المليوني، فيما البعض الآخر حاول تجاهل حضور اكثر من (۲۲) مليون زائر لاحياء مراسم زيارة الاربعين في كربلاء المقدسة وبالطبع فان مواقف وسائل الاعلام التحريضية حاولت ان تفرض سياسة التعتيم على مثل هذه المراسم العظيمة المليونية التي تعكس رمز الوحدة والتلاحم للمسلمين.
ان المشاركة في مراسم اربعينية استشهاد الامام الحسين عليه السلام ورغبة وحماسة المسلمين المتعاظمة عاما بعد عام، تعد مؤشرا على ان عقيدة اهل البيت عليهم السلام، لا ترى حدودا او عائقا امامها وانها تقتحم جميع الحدود وتتحول الى عقيدة عالمية ، عقيدة توصل جميع العشاق ومن شتى القارات الى ارض كربلاء المقدسة ، لتأكد للجميع بان ثقافة الحسين عليه السلام هي ثقافة عالمية وثقافة بناء انسانية الانسان امام ثقافية القتل والظلم والجهل الجبهة الكفر والارهاب والوهابية وداعش والنصرة وحماة الصهيونية والغرب والرجعية العربية، وبعبارة اخرى فان مراسم الاربعين كانت استعراضاً لملحمة وشعور ووحدة واستمرارا لحركة الصحوة الاسلامية في العالم القائمة على قواعد المدرسة الفكرية للإمام الحسين عليه السلام ، التي لا ترى من حدود امامها.
اثر زيارة الاربعين في توحيد الصفوف
ان المواكب قد قدمت من دول مختلفة عربية واجنبية كالكويت وسوريا وعمان والسعودية والبحرين وايران وامريكا وبريطانيا وباكستان والسويد والمانيا والدنمارك وروسيا والهند و افغانستان واذربيجان وتركيا، يُذكر أن عدد المواكب والهيئات المسجلة لأربعينية العام الماضي ١٤٣٤هـ قد تجاوز (١٧٥٠٠) موكباً وهيأة على مستوى العراق والعالم الإسلامي بمختلف أنواعها، سواء كانت هيئات خدمية أو مواكب عزاء فقط، وقد تكون مشتملة على تقديم الخدمة وممارسة العزاء أيضاً، فيلاحظ المتتبع ارتفاع نسبة الزوار من غير العراق خصوصاً، تجمعها غاية واحدة هي رضا الله تعالى واحياء شعائر الله واحياء الزيارة العظيمة تلك، فالزيارة عبادة، وليس الغرض من حث أهل البيت على تلك الزيارة والعبادة العظيمة هو مجرد العبادة بل من الغايات هو توحيد صفوف المسلمين في منهج واحد، وقدوة ايمانية لم تخضع للظلم والجور، قدوة جسدت الاسلام بما هو فلم يخرج بطراً ولا اشراً انما خرج طالباً للإصلاح، وحين يتجه المسلمون الى كعبة الاحرار تتجدد الصور الايمانية والقيم الاخلاقية مما ينعكس ايجاباً عليهم، والوحدة الاسلامية تكون شاخصة بوضوح من خلال تلك الصور المجسدة لمعنى الوحدة والإخاء.
الرسالة الحضارية لزيارة الحسين عليه السلام
تتمثل رسالة أهل البيت بقبول التنوع الديني والمذهبي، والتعايش السلمي بين الناس بمختلف طوائفهم واتجاهاتهم، كما ورد عن الإمام علي عليه السلام : فَإِنَّهُم (النَّاسُ) صِنْفَانِ : إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ ، وَإِمَّا نَظِيرٌ لَكَ فِي الْخَلْقِنهج البلاغة: من عهد له المكتبه للأشتر النخعي لما ولاه على مصر وأعمالها، ورسالتهم الحفاظ على وحدة الأمة كما ورد عن الإمام علي الله : وَلَيْسَ رَجُلٌ - فَاعْلَمْ - أَحْرَصَ عَلَى جَمَاعَةِ أُمَّةِ مُحَمَّد وَالْفَتِهَا مِنّي ( ابن ابي الحديد، ٦٥٦ هـ ) نهج البلاغة: الكتاب ۷۸، من كتاب له إلى أبي موسى الأشعري...
ورسالتهم جذب الناس بحسن القول وحسن التعامل، كما ورد عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام: (رَحِمَ اللهُ عَبْداً اسْتَجَرَّ مَوَدَّةَ النَّاسِ إِلَى نَفْسِهِ وَإِلَيْنَا، بِأَنْ يُظْهِرَ لَهُمْ مَا يَعْرِفُونَ، وَيَكُفَّ عَنْهُمْ مَا يُنْكِرُونَ).
وعنه عليه السلام: مَعَاشِرَ الشَّيعَةِ، كُونُوا لَنَا زَيْنًا، وَلَا تَكُونُوا عَلَيْنَا شَيْئًا، قُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا، وَاحْفَظُوا أَلْسِنَتَكُمْ، وَكُفُّوهَا عَنِ الْفُضُولِ، وَقُبْحِ الْقَوْلِ (الشيخ الصدوق، الامالي، ۳۸۱هـ) الشيخ الصدوق: الأمالي، ص ٤٨٤ ...
ومن الطبيعي في هذا التجمع الكبير، أن تبرز بعض الأصوات والتصرفات غير المناسبة، إما بسبب خلل ونقص في وعي بعض الأفراد، أو بدوافع مغرضة عند بعض الجهات، لكن المهم هو الصورة العامة الغالبة، التي نأمل أن تكون حسنة مشرقة.
عن الإمام الرضا عن أبيه عليهما السلام قال : سُئِلَ الصادق عليه السلام عَنْ زِيَارَةِ قَيْرِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيَّ عليه السلام ، قَالَ : أَخْبَرَنِي أَبِي عليه السلام : أَنَّ مَنْ زَارَ قَبْرَ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيَّ -عليه السلام- عَارِفاً بِحَقِّهِ كَتَبَهُ اللَّهُ فِي عِلِّيِّينَ ( الشيخ الصدوق، عيون اخبار الرضا، ٦٥٦ هـ) عيون أخبار الرضا، ج ٢ ، ص ٤٤ ..
التعايش السلمي في مدرسة اهل البيت ودور الزيارة الاربعينية
تتعرض العديد من الدول التي تتميز بالتنوع المجتمعي الاثني والقومي والديني المتعددة الى ازمات ومشاكل لا حصر لها تركت اثارها السلبية على علاقاتها الداخلية، واضفت على علاقاتها الخارجية نوعاً من الارباك والتعثر، وهذا ينطبق على المشهد العراقي المعاصر، الذي يعاني من اختلالات سياسية ومجتمعية ودينية وثقافية وفكرية خطيرة، دلت على وجود بوادر ازمة حقيقية اخذت تنخر النسيج الاجتماعي والثقافي والسياسي، إذ تسود لغة الاحتراب وان لم تكن معلنة ومنطق العنف وفتاوي التكفير وروح الاقصاء وسياسة التهجير القسري.
والتعايش السلمي لا يقوم بين الدول فقط وانما بين الشعوب ايضاً وهنا تكمن الاهمية والضرورة معاً، اذان محرك السلم كحرك الحرب تماماً ليس علاقة دولة بدولة، وانما بصورة اعمق معناه علاقة لشعوب بعضها ببعض (شاتليه، ۱۹۸۱)
هنالك عدة عوامل تبرز عناصره وتحدد ملامحه تختلف من مجتمع إلي آخر إلا أن أهمها يكمن في:
۱. المؤثرات الاجتماعية والنفسية ومن أبرز المؤثرات الاجتماعية التي حظيت باهتمام الباحثين وتضم مستوى التعليم، العمر الدين، المكانة الاجتماعية والسكن، إن أعظم التمايزات والتنوع في هذه المؤثرات خاصة في ظل الظلم الاجتماعي الذي يمارس من بعضها تجاه الآخر يشكل نواة أساسية لبروز حالة من عدم التعايش مما يستدعي البحث حول إيجاد أسس وآليات تعزز من قيمة التعايش كما يدور الأثر النفسي أو المتعلقة بالشخصية حول تقدير الذات، حيث توصل بعض الباحثين إلى وجود علاقة إيجابية بين انخفاض تقدير الذات والتعصب السياسي، ومن ناحية أخرى فإن الشخصية السلطوية وما يتصل بها من خصائص وسمات ترتبط ارتباطاً إيجابياً بالتعصب السياسي، والعكس صحيح، وكلما قوي الارتباط النفسي للفرد في الحياة السياسية، كلما كان أكثر مشاركة فيها، الشيء الذي يجعله يعبر عن هويته السياسية أكثر، هذه الهوية لا تتطلب توافر الحد الأدنى من الاهتمام السياسي، وإنما تتطلب أيضاً ارتفاع درجة الوعي السياسي للفرد.
٢ . من أبرز مؤشرات التعايش السلمي، ومن أكثرها إثارة للجدل نمط الثقافة السياسية السائدة الذي يعد محدداً جوهرياً لمستوى وشكل ونمط التعايش، فحينما تسود الثقافة المدافعة للنظام، تزداد احتمالات التعصب السياسي والعكس صحيح، كما أنها جزء من الثقافة العامة للمجتمع ، فالثقافة السياسية تجد مصادرها في الميراث التاريخي للمجتمع وفي الأوضاع السياسية والاقتصادية والأيديولوجية السائدة في المجتمع أيضاً
۳ . المؤثرات السياسية هي المعايير المرتبطة بالجودة السياسية والأداء الديمقراطي الذي يعبر عن طبيعة التفاعلات الاجتماعية، السياسية والوظيفية للنظام السياسي من حيث تكريسه المفهوم مركزية حقوق الإنسان وحرياته العامة، وتلبيته للحاجات التنموية الأساسية للمواطن في فلسفة الحكم، والمشاركة والرقابة والشفافية والمساءلة، وقدرة هذا النظام على تمكين المجتمع المدني من نيل حقوقه وفق دستور جامع بين الرشد والعقلانية السياسية والعدالة التوزيعية.
يعرفها البعض بأنها قدرة المحكومين في نظام سياسي على ممارسة نفوذهم للتأثير على الحكام عند اتخاذهم القرار السياسي. ويصفها دافيد إيستون) بكونها تمثل قوى التأثير والضغط المنتشرة في مختلف المواقع في المجتمع وهي التي يعتمد عليها النظام تلقائياً في الأحوال العادية، والتي تكون فيها توقعات الأفراد متسقة مع طبيعة الأدوار السياسية التي يقومون بها، أما في الأحوال غير العادية والتي تبدو فيها المشاركة الشعبية مجرد وهم. وكما أوضحت الاختلافات الفكرية والسياسية وتوزيعها اجتماعياً بين الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني، أدى إلى زيادة حدة الصراع واستمراره على الرغم من الانفصال، مما يعكس قدرة الحركة وقوة نفوذها في المناطق الحدودية.
ان زيارة الاربعين بما تحمله من ثقل سكاني تستطيع ان توصل رسالة للعالم عن اهمية التعايش السلمي في مدرسة اهل البيت عليهم السلام وان هذه المدرسة تؤكد على مبادئ السلام والتعايش المجتمعي، لذا يلحظ ان الجميع بكل اطيافهم وقومياتهم واتجاهاتهم يتجهون نحو هدف سامي هو امتداد للرسول الاكرم صلى الله عليه واله وسلم.
اترك تعليق