ان الإسلام دين يقوم على أساس الفطرة وبناء على هذا الأصل امضى الإسلام احكام الفطرة وضروراتها وفي طليعة هذه الضرورات والأصول الفطرية الواضحة هي مسالة " الولاية" حيث تظهر أهمية الولاية انها وجدت بوجود الانسان على ظهر الأرض لانه محتاج لان يلبي حاجاته ويقضي رغباته ولا يمكنه ذلك الا من خلال الاجتماع والتعاون مع بني جنسه.
فالولاية اذن لصيقة بالإنسان التصاقاً محكماً لانها حاجة فطرية فطر الله الناس عليها ولهذا نجد ان القران الكريم قد اعتنى بالولاية عناية كبيرة جدا واولاها اهتماماً خاصاً فنص عليها في مواطن وأشار اليها في مواضع أخرى حيث بين قواعد واسس الولاية وانواعها :
منها: ما ذكر الله سبحانه لنفسه من الولاية الولاية التكوينية التي تصحح له التصرف في كل شئ وتدبير أمر الخلق بما شاء وكيف شاء، قال تعالى: " أم اتخذوا من دونه أولياء فالله هو الولي " (الشورى: 9): وقال: " ما لكم من دونه من ولى ولا شفيع أفلا تتذكرون " (السجدة: 4) وقال: " أنت وليى في الدنيا والآخرة " (يوسف: 101) وقال: " فما له من ولى من بعده " (الشورى: 44) وفي معنى هذه الآيات قوله: " ونحن أقرب إليه من حبل الوريد " (سورة ق: 16)، وقوله: " واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه " (الأنفال: 24).
وربما لحق بهذا الباب ولاية النصرة التي ذكرها لنفسه في قوله: " ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم " (سورة محمد: 11) وقوله: " فإن الله هو مولاه " (التحريم: 4)، وفى معنى ذلك قوله: " وكان حقا علينا نصر المؤمنين " (الروم: 47).
وذكر تعالى أيضا لنفسه الولاية على المؤمنين فيما يرجع إلى أمر دينهم من تشريع الشريعة والهداية والارشاد والتوفيق ونحو ذلك كقوله تعالى: " والله ولى الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور " (البقرة: 257)، وقوله: " والله ولى المؤمنين " (آل عمران: 68)، وقوله: " والله ولى المتقين " (الجاثية: 19)، وفى هذا المعنى قوله تعالى: " وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا " (الأحزاب: 36).
فهذا ما ذكره الله تعالى من ولاية نفسه في كلامه، ويرجع محصلها إلى ولاية التكوين وولاية التشريع، وإن شئت سميتهما بالولاية الحقيقية والولاية الاعتبارية.
وقد ذكر الله سبحانه لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم من الولاية التي تخصه الولاية التشريعية وهى القيام بالتشريع والدعوة وتربية الأمة والحكم فيهم والقضاء في أمرهم، قال تعالى: " النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم " (الأحزاب: 6)، وفي معناه قوله تعالى: " إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله " (النساء: 105)، وقوله: " وإنك لتهدى إلى صراط مستقيم " (الشورى: 52)، وقوله: " رسولا منهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة " (الجمعة: 2)، وقوله: " لتبين للناس ما نزل إليهم " (النحل:
44)، وقوله: " أطيعوا الله وأطيعوا الرسول " (النساء: 59)، وقوله: " وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم " (الأحزاب: 36)[1].
وأشار القران الى الولاية العامة بقوله تعالى: " ان الله يامركم ان تؤدوا الامانات الى أهلها واذا حكمتم بين الناس ان تحكموا بالعدل ان الله نعما يعظكم به ان الله كان سميعا بصيرا"[2].
وأشار القران الى نوع اخر من الولايات وهي الولاية الخاصة كما في قوله تعالى في شان اليتيم : " وابتلوا اليتامى حتى اذا بلغوا النكاح فان ءانستم منهم رشدا فادفعوا اليهم أموالهم"[3].
فهذه الاية فيها توجيه وتصريح للاولياء على مال اليتيم بان يقوموا بولايتهم على احسن وجه .. ومن ذلك ذلك قوله تعالى: " الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما انفقوا من أموالهم "[4] .
اذن يبين الحق تبارك وتعالى فيها طرق معالجة الرجل نشوز زوجته وقد اعطي هذا الحق لمكان اعتبار ولايته الخاصة عليها[5] .
ومنها: وفي قوله تعالى :﴿ ... فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ ... ﴾[6] معنى وليه هنا هو الأولى به المسؤول عنه هو الذي يملل .
ومنها : قوله تعالى :﴿ ... وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا ﴾ [7]. والولي هنا ايضا بمعنى المسؤول عنه المؤول عن شؤونه . اذن كثر استعمال الولي في القران بمعنى الاولى بشؤونكم والاولى بالتصرف في اموركم .
فمن هذا البيان نعلم ان الولاية في هذه الطائفة من الآيات يراد منها معنى الاولى بالتصرف وهذا أيضا ما جاء في الاحاديث النبوية فنجد ايضا ان لفظ الولاية كثر استعمالها في معنى الاولى بالتصرف ومن باب المثال نذكر : قول النبي صلى الله عليه واله : " من مات وعليه صيام صام عنه وليه" [8].
وقوله صلى الله عليه واله: " انا اولى الناس بالمؤمنين في كتاب الله عز وجل فأيكم ما ترك دينا او ضيعة فادعوني فانا وليه "[9].
وقوله صلى الله عليه واله:" الثيب احق بنفسها من وليها والبكر تستامر واذنها سكوتها " [10] . بل نرى ذلك حتى في استعمالاتنا العرفية الان اذا قلنا فلان ولي فلان من الناس فانه يراد به المسؤول عنه والمدبر لشؤونه كما في المراة والصغير واليتيم وفي الحكم يقال ولي الامر.
الهوامش:-----
[1] تفسير الميزان: 6/13.
[2] طه:50
[3] النساء : 6.
[4] النساء:34.
[5] ولاية التأديب الخاصة في الفقه الإسلامي: د/ إبراهيم بن صالح بن إبراهيم التنم ص35.
[6] النمل:49.
[7] الاسراء:33.
[8] صحيح البخاري: 2/ 240.
[9] مسند احمد :318.
[10] صحيح مسلم : 4/141.
اترك تعليق