الورع عن محارم الله عز وجل في حركة الانتظار

     من أهم الأمور الإيمانية التي ينبغي أن يلتزم بها الفرد والمجتمع المنتظر لإمام الزمان عجل الله فرجه الشريف مسألة الورع عن محارم الله عز وجل، والذي يعني الاجتناب عن الآثام والتنزه عن كل شيء حرمه الله تعالى، فعن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: (أصل الورع التجنب عن الآثام والتنزه عن الحرام )[1] والورع شعار الأنبياء والاتقياء[2]، فإن الإنسان المنتظر لإمام الزمان عجل الله فرجه الشريف لابد أن يكون من أهل الورع حيث يعتبر الورع عن محارم الله تعالى والالتزام بأوامره هو الخطوة الأولى لتقييم العمل والانتماء والتشييع لأهل البيت عليهم السلام والانتظار لصاحب الأمر عجل الله فرجه الشريف، فقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: (من سره أن يكون من أصحاب القائم عجل الله فرجه الشريف فلينتظر وليعمل بالورع ومحاسن الاخلاق وهو منتظر فان مات وقام القائم بعد كان له من الاجر مقل اجر من أدركه فجدوا وانتظروا هنيئا لكم أيتها العصابة المرحومة )[3]، وقد روي عن أبي الحسن الأول عليه السلام: ( ليس من شيعتنا من لا تتحدث المخدرات بورعه في خدورهن وليس من اوليائنا من هو في قرية فيها عشر الاف رجل فيهم خلق الله اورع منه)[4] بل روي أن عدم التورع هو نوع من أنواع الافساد الديني فعن علي عليه السلام قال: (افسد دينه من تعرى عن الورع )[5] وروي أيضاً عن علي بن الحسينعليه السلام أنه قال: ( الورع نظام العبادة فإذا انقطع ذهبت الديانة كما إذا انقطع السلك اتبعه النظام)[6] .

ومن هنا تأتي أهمية الورع بالنسبة لحركة المنتظرين والارتباط بالإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف، فكي

ف يمكن أن يتصور شخص أنه من أنصار الإمام عجل الله فرجه وهو لم يتورع عن محارم الله تعالى وغارق في الآثام والذنوب والمعاصي، فلابد لمن يريد الإنتماء في عصر الغيبة الكبرى ويكون من أصحاب صاحب الأمر عجل الله فرجه الشريف عليه أن يتصف بالورع حتماً فقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: (إنما أصحابي من اشتد ورعه)[7] والورع عن محارم الله عز وجل يتطلب أمور عدة منها:

 

أ: معرفة المحرمات

فكل إنسان يريد أن يكون في مصاف المؤمنين المنتظرين عليه أن يعرف الأمور التي حرمها الله تعالى لأن الورع شيء والمحرمات شيء آخر، فينبغي الاطلاع الواسع لمعرفة الأمور التي نهى الشارع المقدس عنها لكي يتسنى لنا أن نتورع عنها وعدم الوقوع بها.

ب: مطالعة الروايات الشريفة التي عددت المحرمات

لان الاطلاع على الروايات الشريفة التي تحدث حول المحرمات تؤثر جداً في دفع الانسان نحو تركها والاجتناب عنها بسبب توفرها على علل التحريم، وكذلك العقوبات التي تنتظر مرتكبيها، فهنالك فرق بين أن يسمع الفرد بان الغيبة حرام، وبين أن يقرا ويطلع على النصوص التي حرمت الغيبة ونهت عنها وماهي آثاراها على الفرد والمجتمع وماهي العقوبات التي عدها الله تعالى لمن يرتكب هذه الكبيرة وهكذا فأن الفرد المنتظر لإمام الزمان حتى يكون من أهل الورع يفضل أن يطلع على المحرمات التي نص الشارع المقدس على تحريمها ونهى عنها وهذه الروايات قد ذكرت في كتب الاخلاق والآداب والسنن لعلمائنا الاعلام .

مراتب الورع عن محارم الله عز وجل

الأول: الورع في الكلام والاقوال

   إن من أهم مراتب الورع هو أن يتورع الإنسان عن الكلام الذي يخالف الشريعة الإسلامية، فعليه أن يكون دقيقاً في نقله للأخبار وخصوصا ما ينسب إلى النبي وأهل بيته عليهم السلام، فأننا نجد في واقعنا المعاصر الكثير من الأخبار الكاذبة التي ينسبها البعض إلى أهل البيت عليهم السلام من دون تورع وتدقيق، وهذا يدخل حتماً في عدم التورع، وكذلك من قبيل شيوع الغيبة والنميمة والكذب والتشهير بالآخرين، والتسقيط المتعمد على حساب المصالح الشخصية، والعاطفية، والقبلية، وهذا كله منهيٌ عنه في الشريعة المقدسة.

    وروى الشيخ الصدوق بإسناده عن الصادق عليه السلام عن آبائه قال: قال رسول الله  صلى الله عليه واله وسلم:( من عرف الله تعالى وعظمه منع فاه من الكلام وبطنه من الطعام وعنا نفسه بالصيام والقيام قالوا بآبائنا وامهاتنا يا رسول الله هؤلاء اولياء الله؟ قال: ان اولياء الله سكتوا فكان سكوتهم فكراً، وتكلموا فكان كلامهم ذكراً ونظروا فكان نظرهم عبرة ونطقوا فكان نطقهم حكمة ومشوا فكان مشيهم بين الناس بركة لولا الآجال التي قد كتب عليهم لم تستقر ارواحهم في اجسادهم خوفا من العذاب وشوقاً إلى الثواب)[8].

الثاني: الورع في الأفعال

    إن الورع غير مختص فقط بما نهى الله تعالى عنه من الاقوال والكلام بل التورع عن محارم الله تعالى ينبغي أن يكون في الأفعال أيضاً، فهنالك بعض الأفعال ينبغي على المؤمن أن يتجنب عنها، وذلك من قبل الاجتناب عن الملذات والشهوات، فقد روي عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: (من تورع عن الشهوات صان نفسه)، وكذلك الاجتناب عن الوقوع في الشبهات، فقد روي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: (إذا اتقيت المحرمات وتورعت عن الشبهات واديت المفترضات وتنفلت بالنوافل فقد أكملت بالفضائل)[9] .

الثالث: الورع في الأفكار

    وهنالك مرتبة عالية من مراتب الورع وهي مهمة أيضاً في تربية المنتظرين وهي مسألة عدم التفكير بالمحرمات، فأن الانسان المؤمن المنتظر لصاحب الأمر عجل الله فرجه الشريف لابد أن يصل إلى مرتبة عالية من التفكير الإيجابي والمشروع وأن لا يشغل تفكيره بالمحرمات، فقد ورد هذا المعنى في بعض الروايات الشريفة منها ما روي عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ عن أبي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ: ( اجْتَمَعَ الحواريون إلى عيسى عليه السلام، فَقَالُوا لَهُ يا مُعَلِّمَ الخير أَرْشِدْنَا فَقَالَ لَهُمْ إِنَّ موسى كليم اللَّهِ أمركم أَنْ لَا تَحْلِفُوا بِاللَّهِ تَبَارَك وتعالى كاذبين وَأَنَا آمركم أَنْ لا تَحْلِفُوا بِاللَّهِ كاذبين، وَلا صادقين قَالُوا يا رُوحَ اللَّه زِدْنَا فَقَال:  إِنَّ موسی نبي اللَّهِ عليه السلام أمركم أَنْ لا تَزْنُوا وَأَنَا آمركم أَن لا تُحَدِّثُوا أنفسكم بِالزِّنَا فضلا عَنْ أَنْ تَزْنُوا فَإِنَّ مَنْ حَدَّث نَفْسَه بِالزِّنَا كان کمن أَوْقَدَ في بيت مُزَوَّقٍ فَأَفْسَدَ التَّزَاوِيق الدُّخَانُ وَ إِنْ لَمْ يحترق الْبَيتُ)[10] .

الهوامش:-------

([1]) غرر الحكم 3097.

([2]) عيون الحكم والمواعظ ص 32، غرر الحكم ص 39.

([3]) الغيبة للنعماني ص 205.

([4]) الكافي للكليني ج2 ص 79.

([5]) غرر الحكم 3137.

([6]) الامالي للطوسي ص 753.

([7]) وسائل الشيعة ج1 ص 244.

([8]) الامالي للصدوق ص280.

([9]) غرر الحكم ج1 ص 292.

([10]) فروع الكافي ج2 ص 70. 

: الشيخ وسام البغدادي