في الجهة الشرقية من صحن العقيلة زينب (عليها السلام)، هناك هيكل ارتفع بهدوء، لبنة فوق لبنة، ليخفي خلفه سرّا، لا، بل رسالة، تحاكي ذاكرة أمة، وتعيد ترتيب لحظاتها العتيقة بلغة الضوء والتقنية والخشوع، إنه ليس مبنى، بل متحف الوارث، المشروع الذي قررت العتبة الحسينية المقدسة أن تهمس به للتاريخ، لكنها قالته بصوت جهور للمستقبل.
في هذا الفضاء الذي امتد على مساحة (1200) متر مربع، وعلى أربعة أدوار، بما يعادل حوالي (5000) متر مربع، لم تكن الخرسانة وحدها من تشكلت، بل فكرة أخذت شكلها، حيث ستعرض وقائع، لا على رفوف صامتة، بل في مشهدية حية، تروي، وتبكي، وتشرح، وتدهش.
حين تتحدث الجدران
المشرف على المعرض الدكتور علاء ضياء الدين، الرجل الذي يمسك بمفاتيح المتحف قبل أن تفتح أبوابه، تحدث وكأن القطع قد بدأت تهمس له، "اكتمل الهيكل الإنشائي، لكن العمل الحقيقي يبدأ الآن، فالمتحف ليس جدرانا، بل روح تعرض أرواحا”، يقولها وهو ينظر إلى الفراغ وكأنه يرى ما لا نراه.
ستبدأ الجولة قريبا بشاشات عملاقة، لكنها لن تسرد تاريخ المتحف، بل ستأخذك من يدك إلى حيث ابتدأ كل شيء، إلى لحظة الجرح في كربلاء، إلى خيمة الإمام الحسين (عليه السلام)، إلى الضريح الذي تغير، لكن عبقه بقي.
وفي الزاوية الأولى من المتحف الجديد، ستعرض نسخة الضريح القديم، كما لو أنك مررت بزمان لا ينسى.
شعرة… تكفي لتبكي العالم
ثم، إلى القاعة الكبرى، حيث لا تصدق عيناك ما ترى (شعرة السعادة)، المنسوبة لرسول الله محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقطع نادرة وستكون التصاميم داخل هذه القاعة مرتبطة بهذه القطع الثمينة لتعكس عظمتها وأهميتها التاريخية والدينية في تصميم معماري يحاكي قداسة اللحظة، لا هندسة المكان، هذا ما اشار اليه المشرف على المتحف.
من كربلاء إلى متاحف العالم
في واحدة من أكثر المفاجآت تشويقا، يكشف القائمون على المتحف عن قاعة فريدة، ممثليات لمتاحف عالمية، على أرض كربلاء.
“نتصورها مثل منظمة أمم متحدة للمتاحف، لكنها هنا، في متحف الوارث”، يقولها المشرف على المتحف وهو يشير إلى مخطط التصميم.
ليس متحفا… بل لحظة ستعيشها
في هذا المكان، لن تشاهد المعروضات فقط، بل ستشعر أنك جزء منها، ستمر على هدايا ملوك وسلاطين، وستشم رائحة الزمن من بين قطع خرجت من الخزائن لتعرض للنور.
وهكذا، يصبح متحف الوارث مشروعا لا يعرض الذاكرة، بل يعيد تكوينها، حيث من داخل صحن العقيلة زينب (عليها السلام)، ينهض المتحف الذي ينفذه قسم المشاريع الهندسية والفنية في العتبة الحسينية المقدسة كما تنهض الفكرة من سطور القصيدة، فيدعو الزائرين لا لزيارته فقط، بل ليصبحوا جزءا من حكايته.
اترك تعليق