تعتبر القوة الناعمة في هذا العصر هي القوة الاولى في العالم والتي من خلالها يتم السيطرة على العقول والقلوب وذلك من خلال وسائل حديثة ومتطورة وجاذبة وغير منفرة من قبيل الاعلام والافلام والسينما ووسائل التواصل الاجتماعي وغيرها من المصادر الثقافية والسياسية والسياسات الخارجية.
فالأفلام والسينما والمنتجات المرئية لها اثر كبير ومصدر فعال في حركة جذب المجتمعات وتحقيق الاهداف وتمرير المشاريع من قبل اعوان الشيطان وفي هذا المقال سيتم التركيز على ذلك وفق ما كتبه نائب وزير الدفاع الامريكي لشؤون الامن الدولي في عهد بيل كلينتون الرئيس الامريكي سابقا واستاذ العلوم السياسية وعميد سابق لمدرسة جون كيندي الحكومية في جامعة هارفارد في كتابه القوة الناعمة وسيلة النجاح في السياسة الدولية.
الافلام والسينما من ادوات القوة الناعمة المؤثرة
تمتلك السينما قدرة عالية على اثارة المشاعر وامتلاك القلوب وزرع الافكار والمبادئ في قلوب الاجيال، وهي طريق جاذب لأغلب المجتمعات وقادرة على قلب الموازين الاخلاقية والعقائدية والاجتماعية والتربوية وتحقيق الاهداف وتمرير المشاريع السياسية بشكل جاذب وفعال ومتسارع.
وقد استخدمها الغرب العلماني واعوان الشيطان في تحقيق الكثير من المآرب وتمرير الكثير من الثقافات عبر طرق متنوعة من العرض السينمائي.
وتعتبر السينما الامريكية الاقوى والاكثر تأثيرا في نشر الثقافات والتقاليد الغربية وتعتبر أفلام ومصانع هوليوود التي تترشح أو تنال ارفع جوائز السينما العالمية غالبا هي الامتداد الواضح للسلطة الأمريكية ومصدر القرار (واشنطن)، وهذه المصانع لا تقل عن القوة الصلبة في عملية الهيمنة والجذب والامركة للمجتمعات وتحقيق اهدافها بشكل فعال ومؤثر.
فإن القوة الصلبة هدفها تدمير البنية القتالية للعدو، ومصانع الأفلام والسينما التي يرصد لها عشرات مليارات الدولارات تستهدف بث النموذج الامريكي ونشر الثقافية الغربية في المجتمعات عموماً والمجتمع المستهدف خصوصاً، وقد عملت هذه المؤسسات المنتجة للأفلام على تصدير المئات من الاعمال التي تروج للثقافة الغربية، والنمط الامريكي في العيش والتفكير على مستويات بعيدة تبدأ بالترويج للانتماء والتبشير للمسيحية ، والولاء للغرب ، والطعن بالدين ونشر كعالم الخلاعة والمجون والخمور والطرب والعنف وصنع الجواسيس وعولمة الثقافة الامريكية وفرضها على الواقع كأنها النموذج المثالي.
واخذت مصانع هوليود وخصوصا بعد أحداث سبتمبر أشكالا مختلفة في نشر وترويج هذه الأفكار وأهمها التركيز على النظرة الغربية وتصديرها إلى المجتمعات العربية والاسلامية بالخصوص حيث اظهرت تلك الافلام النموذج الامريكي في مجتمعاتنا على انه النموذج المثالي من حيث التطور وحقوق الانسان والحيوان، والحرية للرجل والمرأة في الاختيار.
وفي المقابل اظهرت المجتمع العربي المسلم بسمة المجتمع الخائن الذي يتخلى عن دينه وقيمه وأظهرته كشخصية همجية إرهابية، ومحبة للعنف، والقتل وسفك الدماء، ومنبهر بالثقافة الغربية، وعاشق للطرب والمجون والنساء والسهرات الليلية الحمراء مما جعل فجوة وكراهية بين المواطن المسلم وبين الفرد الغربي، وقد أنتجت هوليود مجموعة من الأفلام تستهدف الثقافة الإسلامية كفلم العاصفة والأسد، وتحت الحصار ومطلوب حياً أو ميتاً، وأكاذيب حقيقية، والنينجا والقناص الأمريكي، وعاصفة الصحراء، والحرب العالمية.
وقال جوزيف ناي يصف تأثير هذه الافلام في نقل سياسة الغرب :( إن هذا المحتوى هو الذي يأتي بالناس الى شباك التذاكر)، ويقول ايضا: إن الرسائل السياسية يمكن نقلها من خلال طريقة سلوك الرياضة أو النجوم أو الصور المتعددة التي يعرضها التلفزيون أو السينما فالصور كثيرا ما تنقل القيم بطريقة أقوى مما تفعل الكلمات (وهوليود هي أكبر مروج ومصدر للرموز البصرية).
ويقول جوزيف ناي في الحديث حول مصادر القوة الناعمة: (أن الولايات المتحدة هي أول وأكبر مصدر للأفلام والبرامج التلفزيونية في العالم رغم أن بوليود الهندية تنتج أفلاماً أكثر منها في كل عام).
تدخل وكالة الاستخبارات الامريكية في صناعة الافلام
أكدت ريتشارد جنيكز مؤلفة كتاب CIA في هوليود أن تدخل الوكالة في صناعة الأفلام وصل ذروته أثناء الحرب الباردة والهدف هو صناعة السياسة الخارجية الأمريكية بشكل يمكن من خلالها كسب القلوب (موقع DW الألمانية).
ويقول جوزف ناي: (كانت منظمة مخابرات هي مكتب الخدمات الإستراتيجية تشمل وظائفها نشر المعلومات المضللة ايام الحرب عام 1942، وهذا المكتب عمل على تشكيل منتجات هوليوود لتصبح أدوات دعاية فاعلة، إقتراح اشياء وحذف أشياء أو حرمات أفلام اخرى من الرخصة).
وأن جدار برلين قد تم اختراقه بالتلفزيون والأفلام السينمائية قبل زمن طويل من سقوطه في عام 1989[1].
فكل هذه تؤكد على ان سياسة الغرب واعوان الشيطان هو تهديم البنية الثقافية والسياسية والاخلاقية والاجتماعية للمجتمعات الاسلامية ، وهذا ما شاهدناه في الواقع حيث منذ عقد من الزمن انتشرت الثقافة الغربية في العديد من المناطق الاسلامية عبر الافلام والسينما الوسائل المرئية ،وقد اثرت بشكل ملحوظ وبنسب عالية في بعض المجتمعات الاسلامية/، وتغيرت الكثير من المعالم والعادات والتقاليد والعقائد والمبادئ والقيم الاخلاقية وتحول بعض الاصناف من الناس الى مجتمعات تحب تقليد الغرب والانتماء لهم بدء من المودة واللباس الى الآراء والمعتقدات .
وقد ازدادت هذه الهجمات الناعمة خصوصا بعد انتشار وسائل التواصل الاجتماعي في الدول الاسلامية واصبحت اليوم الثقافة الغربية سائدة ومنتشرة ووصلت الى جميع البيوتات وبدأت تأثر كثيرا على الاجيال الجديدة.
كيف نواجه هكذا حرب ناعمة؟
هناك عدة امور ينبغي الالتفات اليها في عملية المواجهة لهكذا نوع من الحرب:
أ – لابد من تشخيص العدو ومعرفته معرفة تفصيلية ودراسة خططه وطرق نشره للأدوات الناعمة في المجتمع وهذا يحتم على البلدان الاسلامية ان تقف موقفا واعيا اتجاه هكذا عدو يسعى الى حرب ناعمة تفتك بالعقول وتفسد القيم العقائدية والاخلاقية والاجتماعية لدى المجتمعات الاسلامية.
ب- ان المواجهة لهكذا حرب ينبغي مشاركة من جميع اصناف المجتمع واهمها:
1- الدولة فعليها مسؤولية الاهتمام بالإعلام والتركيز على البرامج المحلية ورسم خطط فعالة للسيطرة على الضخ الاعلامي ضد قيمنا ومبادئنا ورجالاتنا ودعم ما يصب في تأسيس الاعلام المضاد والسيطرة على البرامج المرئية المحلية التي تأثرت بشكل ملحوظ بالطريقة الغربية.
فمن المؤسف جدا ان نرى في بلداننا الاسلامية وخصوصا في بلدنا العراق العريق والمعروف بالقيم والمبادئ والحالة الاسلامية الرائعة تجد خصوصا بعض الممثلين للأفلام والمسلسلات العراقية ممن تأثر في نشر ثقافة الغرب العلماني وبدء يحقق جميع اهدافهم من قبيل انتشار ظاهرة والبرامج التفاهة، والمحتويات الهابطة والترويج للميوعة والتعري، والفساد الاخلاقي والعلاقات الغير مشروعة والبرامج الساخرة ، والطعن بالرموز الدينية، كل هذه ظواهر تم رصدها ومشاهدتها في الواقع السينمائي والمسرحي والدرامي على الساحة العراقية وهذا هو وجه آخر محلي لنشر القوة الناعمة الجاذبة بما يتوافق مع الغرب العلماني .
ومواجهة هكذا ظاهرة تكون على عاتق الدولة فهي التي تحد من نشاطات هذه المؤسسات وهي التي تملي الشروط على العاملين بهكذا اعمال فنية فكلما تتم السيطرة المحلية على الاعلام بشكل عقلائي هادئ غير منفر تكون المواجهة ناجحة ومنتجة ومؤثرة.
2- من المهم جداً ان تؤسس مراكز ومؤسسات تهتم بهذا برصد هذا الاعلام الهائل، وترصد ما فيه من الالغام التي تنفجر في كل لحظة على مجتمعاتنا وتأثر بشكل فعال في عملية التغيير الجماعي، ودور هذه المؤسسات رسم خطط فعالة عملية للمواجهة الثقافية والاعلامية الناجحة والمؤثرة من خلال صنع برامج مضادة تدعم وتنشر بالإعلام والمدارس والجامعات لتنبيه هذه الاجيال بما يجري من حرب ناعمة فتاكة بالعقول والنفوس.
فالمراكز والمؤسسات الدينية والثقافية الناجحة لها الاثر الكبير في عملية افشال الكثير من المخططات التي يبغى الى تحقيقها اعوان الشيطان.
3- دعم التجمعات ذات الحضور المليوني من قبيل المواسم الدينية كشهر رمضان ومحرم وصفر والزيارات الكبرى ورفدها بالتوعية بالشكل الذي يتناسب مع الحرب الناعمة والهجمة الشرسة التي يشنها اعوان الشيطان بوسائلهم المتطورة ، فلابد ان توجد وسائل اعلامية مرئية وكتبية تساهم في نشر الوعي المضاد خلال هذه التجمعات الكبرى ، وبحمد الله تعالى ان الحوزة العلمية في النجف الاشرف، والمنبر الحسيني، والمجالس والعتبات المقدسة لها دور كبير في هذا الجانب حيث هناك نفير عام ايام المناسبات الكبرى يكون من قبل هذه هدفها هو التوعية وتحصين المجتمع من هذه الهجمات الا ان ذلك يحتاج الى تفاعل من قبل الناس ودعم من المجتمع والاسرة في الاستفادة من هذه البرامج التي تقام وخصوصا المجالس الحسينية والزيارات المليونية التي هي عبارة عن تعبئة ثقافية وروحية وعقائدية قادرة على تهديم الكثير مما يقوم به اعوان الشيطان من المشاريع التي تهدم العقول والنفوس .
4- ان للأسرة دور كبيرة في توجيه الابناء في الاتجاه الصحيح عن طريق السيطرة على الاعلام داخل البيت وخارجه وعدم السماح باستخدام الوسائل التي تبث الثقافة الغربية في نفوس ابناءنا وبناتنا وهناك خلل في الواقع الاسري تعيشه بعض المجتمعات وذلك بسبب عدم تحمل المسؤولية الحقيقة التي تقع على عاتق الاب والام في جانب التربية فأننا بدأنا نرى بعض الآباء ممن يخرج مع اسرته في الاعلام وهو عبارة عن شخصية هزيلة تطبق الثقافة الغربية بامتياز فاين وقار الاب؟ واين موقعه القيادي والتربوي والاخلاقي؟ واين قيمه وعاداته وتقاليده؟ واين الدين الذي ينتمي اليه؟ فإذا فقدت الثقافة الصحيحة من الابوين انتشر الفساد في الاسرة ثم في المجتمع فلذا ينبغي على الاب والام ان يكون لهم دورا في عملية التربية والتنبيه والسيطرة وتوعية الابناء على ما يجري فيس الواقع من هجمات ناعمة تستهدف انهاء واستئصال دينهم من عقولهم وقلوبهم ونفوسهم.
5- الجامعات والمدارس: فان لأساتذة الجامعات والمدارس دور كبير في عملية المواجهة لان هذه الاروقة محترمة لدى اجيالنا فاذا صلح المعلم صلح التلميذ، وهذه ايضا مشكلة نعاني منها في الواقع فهناك بعض الاستاذة ممن يروج للإعلام الغربي وهو من يمارس ثقافتهم في الواقع بينما الصحيح ان المعلم هو المربي والصانع للأجيال الواعية التي تكون قادرة على بناء المجتمع السليم في المستقبل فينبغي ان تكون هناك برامج حقيقية غير شكلية في مواجهة هذه الظواهر التي ينتجها الغرب في اعلامه وافلامه ومسلسلاته وغيرها من المنتجات المرئية .
الهوامش:-----
[1] القوة الناعمة جوزيف ناي ص84.
اترك تعليق