(السقاة) مشروع ري الأرواح قبل العطاشى.. مبادرة من العتبة الحسينية قرب الحرم الحسيني

عند أولى خطوات الزائرين نحو الحرم الحسيني الشريف، لا يمر العابرون دون أن تستوقفهم تلك المحطات البيضاء المظللة بروح الخدمة، التي انتشرت بالطرق القريبة المؤدية إلى ضريح سيد الشهداء (عليه السلام)، إنها (محطات السقاة) أو (صنابير ماء)، حيث انها مشروع خدمي نفذه قسم الصيانة في العتبة الحسينية المقدسة، ليكون أكثر من مجرد توفير للماء، بل إنه تجسيد حي لقيمة السقاية التي ارتبطت بعقيدة، وبسيرة الوفاء الحسيني.

سقاة الإمام الحسين (عليه السلام)… حيث المأوى بشربة ماء

المشروع الذي تبنته العتبة الحسينية المقدسة عبر قسم الصيانة، يهدف إلى توفير الماء البارد النقي للزائرين على مدار الساعة، خاصة في أوقات الزحام وارتفاع درجات الحرارة، المحطات مزودة بأجهزة تبريد حديثة، وخزانات صحية، وكوادر خدمية تتابع الصيانة والتنظيف أولا بأول، ضمن معايير السلامة الصحية والبيئية.

لكن (السقاة) ليست مجرد خدمة لوجستية، إنها رسالة وجدانية، فكل كوب ماء يقدم هنا، هو استحضار لملحمة العباس (عليه السلام)، وتجديد لنهج السقاة الذين لم يمنعهم السهم ولا العطش من أن يجعلوا الماء رسالة فداء، وهكذا، تحولت السقيا من حاجة جسدية إلى معلم روحي يستظل به الزائرون، ويعبر من خلاله أبناء العتبة الحسينية عن قيم الخدمة، والإيثار، والمحبة.

آراء الزائرين.. الماء بطعم الولاء

يقول الحاج قاسم عبد الله، من محافظة بابل، "لم أتمكن من الوصول إلى المرقد إلا بعد تعب طويل في الزحام، وحين رأيت محطة السقاة أمامي، شعرت أن العباس (عليه السلام) هو من أرسلها إلي".

ويلفت "أنها شربة ماء لكنها ملات القلب راحة”.

أما الزائرة (أم زهراء)، من مدينة العمارة، فتؤكد أن أطفالها باتوا يعرفون الطريق إلى الحرم عبر محطات السقاة، وتضيف "هم لا يرونها محطة ماء فقط، بل درسا في الكرم".

وتشير "حين يسألني أطفالي من هؤلاء الشباب؟ فأقول لهم هؤلاء جنود العباس اليوم”.

ومن لبنان، يقول الزائر (علي نور الدين)، "عند زيارتي كربلاء رأيت آلاف الزائرين يمررون بمحطات السقاة، لم أرَ أحدا عاد عطشانا، ولا أحدا سأل أين الماء؟".

ويتابع "إنها كربلاء، مدينة تشبع القلب قبل الجسد”.

ما بين الخدمة والمبدأ… مشروع يروى القلوب

ولأن المشروع يستند إلى فلسفة الخدمة المرتبطة بالعقيدة، فإنه يعكس روح المسؤولية التي تتبناها العتبة الحسينية المقدسة، حيث لا تقتصر خدماتها على الطقوس الدينية، بل تمتد إلى تفاصيل حياة الزائر اليومية، بدءا من الراحة والاستضافة، وصولا إلى أبسط الاحتياجات ككوب ماء قد يصنع فرقا في مسيرة زائر.

وهكذا، تثبت العتبة الحسينية المقدسة مجددا، أن خدمة الزائرين ليست عملا إجرائيا، بل مشروعا إنسانيا متكاملا يحاكي حاجة الجسد ويغذي الروح، فمحطات “السقاة” لم تكن مجرد صنابير أو مناهل ماء، بل نصبت على نية الولاء، ورويت بدمعة الوعي، وغرست في طريق كل من قصد الإمام الحسين (عليه السلام) وهو يردد في أعماقه (العطاشى أولا).

المرفقات

تحرير : فارس الشريفي تصوير فوتغراف : محمد الشكري