الصديقة فاطمة في آية المباهلة

تُعد آية المباهلة من أهم الآيات التي أثبتت حجية الصديقة فاطمة عليها السلام وموقعيتها في الدين وأن العقيدة بحجيتها من الاصول لا الفروع اذ هذه الآية كانت مقام الفصل بين حقانية الدين الاسلامي ونسخ غيره من الأديان قال تعالى: ﴿فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ﴾[1].

فحينما جاء النبي صلى الله عليه واله وسلم بالنبوة واتى بالحجج والبراهين واجهه النصارى وكذبوه ولم يصدقوه البتة، ولم يذعنوا في الظاهر، وتمادوا في تشكيكهم وتكذيبهم لدعوة النبي صلى الله عليه واله وسلم حتى دعاهم النبي صلى الله عليه واله وسلم الى التباهل الى الله تعالى ليجعل لعنته على الكاذبين ولم يجد النصارى بداً من القبول بذلك، حتى إذا أراد النبي صلى الله عليه واله وسلم مباهلتهم علموا صدق النبي صلى الله عليه واله وسلم بالخروج بالمباهلة بنفسه وأهل بيته، مما دعا النصارى الى التسليم لصدق دعوته واذعانهم اليه.

أخرج السيوطي في الدر المنثور عن جابر قال: ( قدم على النبي صلى الله عليه واله وسلم العاقب والسيد فدعاهما الى الاسلام فقالا: أسلمنا يا محمد قال: كذبتما ان شئتما أخبرتكما بما يمنعكما من الاسلام، قالا: فهات قال: حبّ الصليب، وشرب الخمر، وأكل لحم الخنزير قال جابر: فدعاهما الى الملاعنة، فدعواه الى الغد، فغدا رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ، وأخذ بيد علي وفاطمة والحسن والحسين ثم ارسل اليهما فأبيا أن يجيباه وأقرّا له فقال: والذي بعثني بالحق لو فعلا لأمطر الوادي عليهما ناراً قال لجابر: فيهم نزلت ﴿ ... تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ ... ﴾ الآية قال جابر: ﴿ ... وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ... ﴾رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وعلي، و ﴿ ... أَبْنَاءَنَا ... ﴾ الحسن والحسين، و     ﴿ ... وَنِسَاءَنَا ... ﴾ فاطمة[2].

فمباهلة النبي صلى الله عليه واله وسلم بعلي وفاطمة والحسن والحسين يعني احتجاجه على النصارى بهؤلاء الذين هم الحجة على صدق دعوة النبي وبعثته.

كما انّ المباهلة تعني بحسب ماهيتها أن النبي صلى الله عليه واله وسلم جعل هؤلاء المتباهلين معه من أهل بيته شركاء في دعوته مما يعني أن مسؤولية الدعوة تقع على عاتقهم كذلك بحجيتهم ومقامهم، مشيرة الى وجود تعاضد وتقاسم بينهم وبين النبي صلى الله عليه واله وسلم كما يفيد ذلك حديث المنزلة الذي رواه الفريقان، عن سعد بن أبي وقاص أن النبي صلى الله عليه واله وسلم قال لعلي: (أنت منّي بمنزلة هارون من موسى ألا أنّه لا نبي بعدي)[3] فمنزلته عليه السلام بمنزلة هارون، وصفٌ لحجيته ومشاركته في دعوته كما شارك هارون موسى في دعوته، فهذه المقاسمة والمشاركة في المنزلة دليل حجيته عليه السلام كما أن مشاركة علي وفاطمة والحسن والحسين عليها السلامفي المباهلة مع النبي صلى الله عليه واله وسلم دليل حجيتهم ومشاركتهم معه عليها السلام في تبليغ صدق بعثته صلى الله عليه واله وسلم هذا ما تبينه آية المباهلة من مقام فاطمة عليها السلام وحجيتها كذلك.

فهذه مقامات يمكن متابعتها في اصطلاحات القرآن تفسّر مقام الزهراءعليها السلام وأنها بنص القرآن حجة من حجج الله تعالى في مصاف الانبياء والرسل، وما روي عن ابي جعفر عليه السلام في حجية فاطمة÷ قوله عليه السلام: (ولقد كانت فاطمة عليها السلام مفروضة الطاعة على جميع من خلق الله من الجن والانس والطير والوحش، والانبياء والملائكة)[4].

هذا من جهة حجيتها عليها السلام، وهناك جهة أخرى تشير اليها آية المباهلة وهو أن الله تعالى جعل اهل البيت عليها السلام شهود على نبوة النبي صلى الله عليه واله وسلم، وهذا من أعظم المقامات الإلهية، فالسيدة فاطمة كانت شاهدة على نبوة أبيها أمام نصارى نجران، وهذا من المقامات العليا التي تدل على موقعيتها في الدين فهي الصديقة الكبرى سلام الله عليها.

ومن العجب العجاب أن يجعل الله تعالى الصديقة الزهراء شاهدة على النبوة والرسالة المحمدية، بينما ترفض دعواها، وشاهدة بعلها واولادها على احقانيتها بأرض فدك.

وكيفما كان فأن آية المباهلة صريحة وواضحة على موقعية السيد فاطمة عليها السلام وأن الاعتقاد بها من اسس اصول الدين وإنكارها يؤدي إلى الزيغ عن الصراط المستقيم.

الهوامش:----

[1] سورة آل عمران (3)، الآية: 61

[2] البحار ج35 ص 262.

[3] ذخائر العقبى: 63.

[4] عوالم العلوم: 190 وفي دلائل الامامة: 30.

: الشيخ وسام البغدادي