الشيعة المصريون هم إحدى الأقليات الدينية التى تتعرض للاضطهاد والتحريض العلني من كل الأنظمة فى تاريخ مصر، وفي وسائل الإعلام والمساجد بطول مصر وعرضها.
ﻻيوجد فى مصر تعداد حقيقي لأي أقلية دينية أو عرقية، دائما هم منكرون ومتجاهلون من الأنظمة المصرية.
بداية ظهور الشيعة فى مصر ليس أمرا متفق عليه، فالمؤرخون السنة يزعمون أن المذهب الشيعي لم يدخل مصر إلا مع الفتح الفاطمي، ومؤرخو الشيعة يؤكدون أن المذهب كان موجودا قبل الخلافة الفاطمية وازدهر فى عهدها. المؤكد هو انتهاء الممارسة “العلنية” للمذهب الشيعي فى مصر بسقوط الدولة الفاطمية وحكم الدولة الأيوبية.
وأيا كان الوقت الذي انتشر فيه المذهب الشيعي في مصر، إلا أنه منذ البداية تعرض الشيعة للقمع على أيدي كل حكام مصر، حتى تقلص عددهم وتمركزوا فى بعض القرى، ولم يسمح لهم بالممارسة العلنية لشعائرهم مجددا. ومن أهم المؤسسات الشيعية التي ظهرت في القرن العشرين للشيعة هي، المجلس الأعلى لرعاية “آل البيت” برئاسة محمد الدريني، وجمعية “آل البيت” التي تأسست عام 1973 وأغلقت عقب الثورة الإيرانية، ودار نشر البداية التي تأسست عام 1986، وأغلقت فيما بعد، وودار نشر الهدف والتي تأسست عام 1989 عقب إغلاق دار البداية.
الشيعة والدولة الحديثة
استمر تاريخ وجود الشيعة فى المنطقة مرتبطا بالتغيرات المستمرة، وانكسر ذلك الحاجز جزئيا فى بديات القرن العشرين بصدور عدة صحف تصدر باللغة الفارسية منها (حكمت وثريا وجهرة نما)، وتحسن الوضع أكثر بعد زواج الأميرة فوزية شقيقة الملك فاروق بولي عهد شاه إيران آنذاك محمد رضا بهلوى في العام 1939، ثم إنشاء دار التقريب بين المذاهب الإسلامية عام 1947، ثم فتوى الشيخ محمود شلتوت عام 1960 في مجلة رسالة الإسلام بجواز التعبد بالمذهب الجعفري، وبعدها تم إنشاء جمعية آل البيت عام 1973.
بدأت الحملات تتصعد ضد الشيعة بمجرد صعود الإسلاميين في إيران إلى سدة الحكم، فسارعت الدولة المصرية بإغلاق جمعية آل البيت ومصادرة ممتلكاتها، وأصدر شيخ الازهر آنذاك عبد الرحمن بيصار فتوى تبطل فتوى محمود شلتوت بجواز التعبد بالمذهب الشيعي، وبعدها فى عام 1987 تم القبض على العشرات من الشيعة وإتهامهم بالتجسس لصالح إيران وتكوين تنظيم شيعي فى مصر، وفى عام 1988 تم القبض على عدد من الطلاب العرب وإتهامهم بالتجسس وترحيل القائم بالأعمال الإيراني بتهمة تمويل التنظيمات الشيعة فى مصر.
في عام 1989 تم القبض على حوالي 50 شخص من بينهم خليجيين بتهمة الانتماء لتنظيم شيعي، وفي عام 1996اعتقل 50 آخرين بتهمة محاولة إنشاء “حسينات” على أنها خلايا شيعية – يعتبر الشيعة “الحسينية” مكان عبادة – ومحاولة إنشاء “المجلس الأعلى لقيادة الحركة الشيعية فى مصر”. وفي العام 2002 قبض على عدد آخر بنفس التهم السابقة. وفي العام 2005 اعتقل محمد الدريني رئيس المجلس الأعلى لرعاية آل البيت بمصر لمدة 14 شهر، ثم أعيد اعتقاله مرة أخرى عام 2007 بتهمة نشر التشيع فى مصر.
الجماعات الإسلامية والشيعة
ارتبط المذهب السني دائما بالدول الإسلامية الكبرى؛ فهو دائما مذهب الخلافات الكبرى كمذهب الخلافة الأموية والعباسية والعثمانية وحتى الأندلس كانت على المذهب السنى، أما المذهب الشيعي فارتبط بكل الاضطرابات التي حدثت لكل هذه الممالك على مر التاريخ، ومن هنا تظهر العلاقة الندية بين المذهبين.
بعد ظهور المملكة العربية السعودية بدأ الترويج لفكرة الخلافة الإسلامية الجامعة، وكان من الطبيعي أن تكون هذه الدعوة خارجة من السنة وبالتالى فإن الرجعية التي تستدعي الماضي من أجل التعمية على قبح الواقع، استدعت معه عدو من الماضى وهو “الشيعة”، وذهب علماء الوهابية فى المغالاة فى كفر الشيعة ومدى تزندقهم وبدأت الجماعات الرجعية في مصر بدورها فى الترويج لنفس الأفكار. وبدا أن السلطة توافق على هذا فبعد الثورة الإيرانية قرر الأزهر إلغاء فتوى جواز التعبد بالمذهب الجعفري، وبدا هذا جليا بعد انتهاء الحرب مع الجماعات الإسلامية وصدور المراجعات عنهم وإعلان عدم عودتهم للعنف.
كان ضروريا لتلك الجماعات أن تخلق عدوا آخر فاتفق النظام والإسلاميين على الشيعة عدوا؛ خوفا من نبرة الثورة الإيرانية التى باتت تؤرق منام حكام الخليج والمنطقة ككل فدفع المواطنين الشيعة العرب في أبو النمراس وفى الطائف والبحرين ثمن ثورة إيران.
إيران والشيعة العرب
بعد إعلان آية الله استقرار حكمه في طهران، أصبح إحدى القوى الأساسية فى المنطقة؛ فهم المتهمين الرئيسيين لكل اضطرابات المنطقة وظلت مطامعهم واضحة وظاهرة فى المنطقة ككل وجاء الخطاب المفتوح لحزب الله للعالم الإسلامي بأن حزب الله هو جزء من الأمة الإسلامية التي تأتي في طليعتها إيران، وأنه يلتزم بأوامر قيادة حكيمة تتمثل في الولي الفقيه (آية الله الخميني)، ويرتبط مع المسلمين في كل أنحاء العالم برباط الإسلام. وأعلنت إيران في المقابل أن الأمين العام للحزب مخول من الولي الفقيه بصلاحياته فى لبنان، وذعر النظام فلم يسمح للشيعة فى مصر بإعلان الأذان الشيعي فى أي مكان فى مصر وظلت التهمة الرئيسية هى إنشاء حسينيات، وأصبح جرم الشيعة الرئيسى هو بناء دور عبادة تخصهم.
الشيعة وثورة يناير
كأي حراك اجتماعى تزداد آمال المستضعفين فى كل ثورة أن ينالوا حقوقهم, وبدأ الشيعة يحاولون إنشاء حزب سياسى لهم وطالبوا بحقوقهم فى الدستور. وتحدث تقرير نشرته وكالة الأنباء الروسية (نوفيستى) أن أعداد الشيعة قد تزايد بشكل واضح بعد الثورة وبدأوا في إعلان مطالبهم الرئيسية أهمها: السماح لهم ببناء مساجد يرفع فيها الأذان الشيعي، السماح ببناء الحسينيات، وجود مرجعية دينية معلنة لهم في مصر كبديل عن المرجعية الإيرانية أو العراقية، والسماح بتداول كتب المذهب الشيعي بشكل علني.
لكن ارتماء السلفيين والإخوان المسلمين في أحضان الثورة المضادة، جعلهم يجدوا ضالتهم فى الشيعة المصريين لكي يخلقوا عدوا آخر غير السلطة يحاربونه كبديل على النظام القائم، وبدأو التحريض ضدهم فى كل مكان حتى أن أحد شروط مبايعة مجلس شورى العلماء – مرجعية السلفيين الوهابيين فى مصر- لمحمد مرسي هو السماح لهم بمعاداة المذهب الشيعي بشكل علني وبشكل أكثر فجاجة.
استعملت الثورة المضادة العربية مشايخ السلفيين المصريين ضد الثورات العربية فى البحرين والطائف، وقبل مذبحة أبو النمرس فى مصر كان حزب النور يقوم بحملة فى المنطقة وفى طول مصر وعرضها ضد الشيعة انتهت بمؤتمر فى إستاد القاهرة برعاية محمد مرسي بعنوان “دعم الثورة السورية” ولم يكن إلا لكراهية الشيعة، نتج عنه بشكل مباشر مذبحة أبو النمرس التى ذهب ضحيتها أحد علماء الشيعة في مصر، حسن شحاتة، وثلاثة آخرين.
الشيعة بعد 30/6
كما فعلت كل الأقليات فى مصر كان الميل العام لتأييد السيسى والمجلس العسكري وبناء الآمال على هذا بل ودعت صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي (فيس بوك) إلى النزول وتفويض الجيش، وغضوا البصر عن التحالف القوي بين حكومة مابعد 30/6 وبين مجلس التعاون الخليجي قائد الثورة المضادة فى البحرين وقامعها باسم كره الشيعة.. فالنظام الذي يأمل فيه الشيعة أن يحميهم استقبل جزار البحرين حمد بن عيسى الذي يضهد مئات الآلاف من الشيعة في البحرين والذين هم بدورهم يناضلون منذ أكثر من عامين لإسقاط هذا النظام الاستبدادي، الذي افقرهم بغض النظرعن طائفته. ولكن يبقى أمل الشيعة وكل الأقليات فى مصر فى استمرار مبادئ ثورة يناير وإعلان تمكين الأقليات من كامل حقوق المواطنة..
اترك تعليق