مساواة علي عليه السلام

إعطاء كل ذي حق حقه هي ميزان علي عليه السلام، يأخذ الحق من الرجل المغتصب، ولو كان سيداً قرشياً؛ ويعطيه إلى الرجل صاحب الحق، ولو كان عبداً حبشياً.

من هنا وصل الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم مواقف علي عليه السلام قائلاً: «اعرف الحق تعرف أهله»[1].

لا يفرّق أمير المؤمنين علي عليه السلام بين العالي والداني، وبين الرئيس والرعية، لأنّه ينظر إلى الكل بنظرة واحدة، وهي نظرة الحق، النظرة الإلهية.

وفي واقعة - والوقائع ما أكثرها - أنّ الإمام علي عليه السلام رأى درعاً له في يد نصراني، وأنكر النصراني ذلك فحاكمه الإمام عليه السلام في القاضي شُريح، وقال عليه السلام لليهودي: «الدرع درعي لم أبع ولم أهب»، فقال النصراني: بل درعي وفي يدي، فقال شريح: ألك بيّنة يا أبا الحسن؟ فقال الإمام عليه السلام: «لا»، فحكم شريح للنصراني، وأخذ النصراني الدرع، فلم يبتعد عن الإمام حتى لحق بالإمام عليه السلام وقال: أشهد أنّ هذا لهو حكم الأنبياء، يحاكمني أمير المؤمنين إلى قاضيه الذي نصّبه فيحكم القاضي عليه.

ولذلك أعلن النصراني إسلامه، وتشهد الشهادتين، ثم قال: يا أمير المؤمنين الدرع درعك سقط قوم صفين، فقال الإمام عليه السلام: «أما وقد اسلمتَ فهي لك، ثم اركبه[2].

ترى هل استطاع رئيساً أو قائداً أن يحاكم نفسه مع واحد من رعيته وأمام القاضي الذي نصّبه هو بنفسه؟!

بنص تلك الواقعة انفرد أمير المؤمنين علي عليه السلام بذلك التصرف، لأنّه أراد تطبيع العدالة والمساواة بين أفراد المجتمع.

والقصص التي تدل على حكمة ودراية وعدل الإمام أمير المؤمنين علي عليه السلام لا تعدّ ولا تحصى.

ففي الكافي عن ابي مخنف: أتى أمير المؤمنين علي عليه السلام رهط من الشيعة فقالوا يا أمير المؤمنين لو أخرجت هذه الأموال ففرقتها في هؤلاء الرؤساء والأشراف وفضلتهم علينا حتى إذا استوسقتْ الأمور عدتَ إلى أفضل ماعوّدك الله من القسم بالسوية، والعدل في الرعية، فقال عليه السلام: «أتأمرونني؟ - ويحكم - أن أطلب النصر بالظلم والجور فيمن وليت عليه من أهل الإسلام! لا والله، ما سمر السمير، ورأيت في السماء نجماً ولو كانت أموالهم مالي لساويت بينهم، فكيف وإنّما هي أموالهم»[3].

إذن كيف لا يصبح أبو الحسن باب مدينة علم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: «أنا مدينة العلم وعلي بابها»؟ وكيف يمكن إنكار أنّ أمير المؤمنين علي عليه السلام هو الخليفة الحق لرسول الله صلى الله عليه وآله؟! ومَن من الزعماء يلتزم بمقولة أمير المؤمنين علي عليه السلام: «أتأمروني أن أطلب النصر بالظلم والجور»؟

نعم هذا هو مثل الإنسانية العادلة، هذا هو مبدأ الحق والمساواة بين البشر، هذا هو رمز لكل القادة الذي يطمحون لتطبيق الإسلام المحمدي، هذا هو أمير المؤمنين علي عليه السلام.

لقد استطاع أمير المؤمنين علي عليه السلام كسب قلوب عامة لا لشجاعته، ولا لرئاسته وإنما لتعامله مع أفراد المجتمع.

عن الحارث قال: كنت عند علي عليه السلام فأتته امرأتان، فقالتا: يا أمير المؤمنين إننا فقيرتان مسكينتان فقال: «قد وجب حقكما علينا وعلى كل ذي سعة من المسلمين، إنْ كنتما صادقتين»، ثم أمر رجلاً فقال: «انطلق بهما على سوقنا فاشتر لكل واحدة منهما كزاً من طعام وثلاثة أثواب - فذكر رداءً وخماراً وغزاراً، وأعطِ كل واحدة منهما من عطائي مائة درهم. فلما ولتا، سفرت إحداهما وقالت: يا أمير المؤمنين فضّلني بما فضّلك الله به وشرّفك، قال: «وبما فضّلني الله وشرّفني؟»، قالت: برسول الله صلى الله عليه وآله، قال: «صدقتِ، وما أنتِ؟»، قالت: أنا امرأة من العرب، وهذه من الموالي، قال: فتناول شيئاً من الأرض ثم قال: «قد قرأتُ ما بين اللوحين فما رأيت لولد إسماعيل على ولد إسحاق عليهما السلام فضلاً ولا جناح بعوضة»[4].

وإن دلّت هذه الرواية على شيء فإنّما يدل على عدل ومساواة الإمام أمير المؤمنين علي عليه السلام في رعيته.

ولم يكتفِ أبو الحسن عليه السلام بهذا القدر من العدالة والمساواة، بل تعداه إلى مرحلة أصعب بأن كان يقدم ما يملكه للآخرين.

ففي مروج الذهب، في ذكر حرب الجمل: قبل علي عليه السلام ما كان فيم عسكرهم من سلاح ودابة ومتاع واكة وغير ذلك فباعه وقسّمه بين أصحابه وأخذ لنفسه، كما أخذ لكل واحد ممن معه من أصحابه وأهله وولده، مقدار خمسمائة درهم، فأتاه رجل من أصحابه فقال: يا أمير المؤمنين إنّي لم آخذ شيئاً وخلفني عن الحضور كذا (وأدلى بعذر) فأعطاه الخمسمائة التي كانت له، وقد أشار الباري عزّ وجل إلى ذلك بقوله: {ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة}[5].

ان امير المؤمنين عليه السلام ليس فقط يساوي في العطاء بين أفراد الرعية ولا يفرق بينهم لحب او نسب او جاه او غير ذلك بل يؤاثر على نفسه ويؤثرون على انفسهم ولو كان بهم خصاصة.

فالايثار الصفة الملازمة له عليه السلام في مواقف كثيرة ومواطن متعددة مثل ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا.

وفي موقف آخر له عليه السلام اشترى قميصين له ولخادمه، فأعطاه لخادمه الأحسن والأفضل والأغلى ثمناً، وما أكثر مثل هذه المواقف.

وأخيراً لم يكن ما ذكر إلا جزءاً بشيطاً جداً من حياة ومواقف الإمام أمير المؤمنين علي عليه السلام وكلها تشير إلى عدالته في إدارة الأمة، وقيادته الحكمية التي يستحق أن يكون الخليفة الحق لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

الهوامش:-----------------------------------------------------------------

[1] روضة الواعظين، ج1، ص31. بحار الأنوار: ج6، ص179.

[2] مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب: ج2، ص105. بحار الأنوار: ج41، ص56. سيرة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام: ج3، ص192، نقلا عن الإمامة للأميني: ص164.

[3] موسوعة الإمام علي عليه السلام في الكتاب والتاريخ والسنة: ج4، ص195. الكافي للكليني: ج4، ص31.

[4] أنساب الأشراف: ج2، ص141، رقم 136. موسوعة الامام علي ابن ابي طالب في الكتاب والسنة والتاريخ للريشهري: ج4، ص196.

[5] مروج الذهب: ج2، ص380. موسوعة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام: ج4، ص199.

: السيد شبيب مهدي الخرسان