الظاهرة الأدبية الحسينية

ترعرعت الظاهرة الحسينية في وسط أدبي قاد بالثقافة الشيعية إلى وضع أدبي متميز، وفن تراجيدي مبدع سعى لتقديم الحادثة الكربلائية الى مذاقات أدبية غير مسبوقة، ولا نبالغ أن الإبداع الأدبي بدأت حركته تسجَل بشكلٍ متنامٍ بعد النهضة الحسينية، أي لم نستطع الإذعان الى الادب العربي للعهد الاسلامي الا بعد واقعة الطف تحديدا، ذلك؛ لأن الحس الادبي لدى المبدع لا يمكنه ان يتحرك الا ضمن تداعيات من الالم تحتفز في ذاكرته بشكل لا تدعه حتى يعبر عن وجدانياته بشكل فني يجذب انتباه المستمع ويشد الآخرين الى متابعة قضيته، ولم يكن لدى العربي آنذاك غير القصيدة الشعرية بدواعيها الإبداعية المشدودة الى حادثة تركت في نفسه وقعاً محزناً، فالانماط الإبداعية تتحفز من واقع استباحته حادثة ما، أو مظلومية اوقدت في حشاشة الشاعر أثرا عاطفيا، أو قضية دعته ان يسجلها في مجهوده الشعري الإبداعي ليشارك إحساساته المنبعثة من مأساة فرض عليه واقعها بمحاولة أدبية، هكذا هي القصيدة تولد من مأساة، وتتقد من مظلومية، وتنبعث من حادثة تؤجج لدى الشاعر ابداعاته.. فما ظنك بحادثة الطف التي أججت الوجدان الشيعي وتنامت معها أجيال حتى صارت المأساة الكربلائية ترتكز في الذاكرة الشيعية لتحفز في دواخلها تراجيديا لم تغب عنها ملاحم الطف، أي اخذ الإبداع الشيعي ينمو في ظروف الألم، ويترعرع في بيئة حزنٍ تصطبغ بدماء كربلاء حمراءَ قانيةً تقرر فيها توهج الشاعرية الكربلائية، وتنفتح الروح الإبداعية لتولد منها القصيدة التي تحكي واقع المأساة. ولنا أن نقول إن الادب العربي - خصوصا القصيدة الشعرية- أنقذته واقعة كربلاء من حالة التسيب وباتت القصيدة الكربلائية قصيدة ملتزمة تنشد قضيتها بكل مسؤولية، فالأطلال التي كان يبكي عليها الشاعر العربي استبدلتها القضية الحسينية بالبكاء على أجسادٍ زواكٍ قدمت نفسها قربانا لقضيتها، والغزل الذي ينسجه الشاعر من مخيلته مليء بمغامرات الحب والعشق غير الملتزم، بينما استبدل الشاعر الكربلائي القصيدة الغزلية بمغازلة الأشخاص التي أرخصت نفسها للفداء، ولم يكن التفاخر بالقبيلة مرغوبا لدى الشاعر الحسيني حتى استبدله بالمفاخرة بمواقف الاُلى من آل هاشم وأصحابهم الذين سجلوا ملاحم التضحية، وبات الهجاء غير محمود في أدبيات القصيدة الكربلائية سوى ما يحكي عن مساوئ اولئك الذين عدوا على آل نبيهم ولم يراعوا له إلاّ ولا ذمةً، اذن خلقت كربلاء شاعرا ملتزما، وقدمت قصيدة إبداعية مسؤولة لا تعاني من هوس الوجدان المنفلت، وبمعنى آخر صار الأدب الشيعي أدبا ملتزما بحرارة المأساة، ومتعقلاً بفاعليته الحماسية، في حين يتراجع غيره إلى منخفضاتٍ واطئة الى الإحساس بجمالية الغرض؛ ليكون غرضا تقليديا غير متوهج بشعور المسؤولية، ويبقى الأدب غير الشيعي أدبا ضعيفا غير ذي جدوى ولا ذا إبداع، وتتفاقم مسؤولية الشاعر الكربلائي لتأخذ بالحيز الشعري لتملأه إبداعات جديدة يوما بعد آخر، حتى غدا الشعر شيعي الانتماء كربلائي الإبداع وغيره لا يعدو عن محاولات خاسرة غير ذات جدوى، لذا فانك ترى ما من شاعر تتطاول شاعريته الى عنان أفق الشهرة والإبداع الا وكان شيعيا بامتياز، وهاك النابغة الجعدي، وأبا الأسود الدؤلي، والفرزدق والكميت الاسدي وأبا تمام الطائي وأبا نؤاس وأبا الطيب المتنبي وغيرهم ممن حملوا خشبة القصيدة الشعرية على أعناقهم ليرتقوا فيها بأسباب الإبداع الشعري، ولست في صدد اتهام الشاعر غير المنتمي لأهل البيت في إخفاقاته الشعرية غير الإبداعية إلى عدم قدرته على الإبداع والترقي بالصورة الشعرية أو الغرض الشعري لقصيدته، فلم يكن هذا الاخفاق ذاتيا بل كونه يحكي عن عدم انتمائه الى قضية تعزز لديه الإبداع وينطلق من هذه القضية الى أغراضه الشعرية بل يكاد يكون ذا شاعرية عبثية غير متسقة مع وجدانياته أو انها متسيبة الأغراض لا تحكي عن قضية ما، وهذا الذي جعل بعد ذلك ان يكون الأدب شيعياً صرفاً، والشعر حسينياً محضاً، تتنامى إبداعات الشاعر خلف قضايا إنسانية ودواعٍ أخلاقية ودوافع عاطفية كلها يجمعها عنوان كربلاء.

خلق الإبداع الشعري في مدرسة أهل البيت

لم ينطلق الأدب الشيعي من فراغ كما قدمنا، بل كان الشاعر يتوارى خلف إحساساته الوجدانية التي لا تنفك عن إمداده بالملكة الإبداعية، ولم يكن هذا الإحساس وحده يتقد في ضمير الشاعر فيدفعه إلى مبدع متميز، بل كانت هناك دواعٍ دعت الشاعر إلى المبادرة في الاستجابة إلى وجدانياته وآلامه وهذه الدواعي خلقتها مُثل الانصياع إلى أئمّة أهل البيت الذين ما فتأوا يرعون هذه القابليات الشعرية ويعملون على تنميتها، فمن ذلك ما عمله اهل البيت في تشجيع الشعراء بإلقاء قصائد الرثاء في محضرهم فمثلا «دخل جعفر بن عفان على الصادق فقال له: انك تقول الشعر في الحسين وتجيده، قال:

نعم.

فاستنشده، فلما قرأ عليه بكى حتى جرت دموعه على خديه ولحيته وقال له:

لقد شهدت ملائكة الله المقربون قولك في الحسين وانهم بكوا كما بكينا، ولقد اوجب الله لك الجنة.

ثم قال عليه السلام:

من قال في الحسين شعرا فبكى وابكى غفر الله ووجبت له الجنة[1].

كما ورد عن أئمة أهل البيت عليهم السلام انه من قال فينا بيتا من الشعر بنى الله تعالى له بيتا في الجنة، وفي آخر حتى يؤيَد بروح القدس، وفي ثالث بنى الله له في الجنة مدينةً يزوره فيها كل ملك مقرب ونبي مرسل.

وقال أبو جعفر الباقر عليه السلام في أيام التشريق لما انشد قصيدته:

«من لقلب متيَّمٍ مستهام» لا تزال مؤيداً بروح القدس، واستأذن الكميت على الصادق عليه السلام في أيام التشريق ينشده قصيدته فكبر على الإمام ان يتذاكروا الشعر في الأيام العظام، ولما قال له الكميت انها فيكم انس أبو عبد الله عليه السلام حيث انه من الذكر اللازم لان فيه إحياء أمرهم ثم دعا بعض أهله فقرب ثم انشده الكميت فكثر البكاء ولما اتى على قوله:

يصيب به الرامون عن قوس غيرهم

 

فيا آخراً اسدى له الغي اول

رفع الصادق عليه السلام يديه وقال:

اللهم اغفر للكميت ما قدم وأخر وما أسر وأعلن وأعطه حتى يرضى[2].

إذن استطاع المنهج التربوي لأهل البيت ان يوجد الابداع الأدبي ويترعرع المبدع في كنف دعوتهم للإبداع ويدفعونه إلى التماس أساليب الفن والابتكار في بيان مظلوميتهم لكن من خلال استعراض ما جرى على سيد الشهداء الحسين بن علي عليه السلام.

الشعر الحسيني في حلبة الإبداع

وحاولت المطاردات السياسية ايقاف المسيرة الادبية الكربلائية فكان الشاعر مأخوذا بجريرة المدح والثناء لآل البيت عليهم السلام مما دعا الكميت الاسدي إلى ان يشير في هاشمياته الى تلك المحنة فيقول:

فيا موقداً ناراً لغيرك ضوؤها

 

ويا حاطبا في غير حبلِك تحطب

الم ترني من حب آل محمدٍ

 

أروح وأغدو خائفاً أترقب

كأنيَ جانٍ محدث وكأنما

 

بهم اتقي من خشية العار أجرب

على أي جرم أم بأية سيرةٍ

 

اُعنَف في تقريظهم واؤنَب[3]

 

ومع هذا استطاع الأدب الشيعي ان ينقد قويا في حلبة الإبداع ويقرر الجولة الصالحة خصوصا في العصور الحلية الأدبية، واقصد بذلك فترات الشعراء الحليين الذين كانت لديهم الظاهرة الأدبية الحسينية واضحة المعالم حتى لا يكاد شاعرٌ حلي يتخطى الرثاء الحسيني ليكون شاعرا له شهرته الأدبية ومدرسته المتميزة، وإذا أردنا ان نستعرض بعض ما قاله الحليون فإننا لا نتجاوز إبداعية السيد حيدر الحلي ذلك الناعي الذي تضخمت على جنبات قصائده الإبداعات الأدبية حتى غدت لكل بيتٍ من قصائده مدرسة مستقلة تحكي ابداعا غير مسبوق، وتعبيرنا بالتضخم لا نعني سوى الظاهرة الأدبية الفخمة التي لا يطالها احد من الأدباء ولا ينال غايتها كثير من الشعراء.

فمن روائع السيد حيدر الحلي:

عثر الدهرُ ويرجو ان يُقالا

 

تربت كفك من راجٍ مُحالا

أيُ عذرٍ لك في عاصفةٍ

 

نسفت من لك قد كانوا الجبالا

فتراجع وتنصل ندماً

 

او تخادع واطلبِ المكر احتيالا

أنزوعا بعدما جئتَ بها

 

تنزع الأكباد بالوجد اشتعالا

فرِغ الكفَ ولا ادري لمن

 

في جفير الغدرِ تستبقي النبالا

نلتَ ما نلتَ فدع كل الورى

 

عنك أو فاذهب بمن شئت احتمالا

ازلالُ العفو تبغي وعلى

 

آل حوض الله حرمت الزلالا

لا أقالتني المقادير اذا

 

كنتُ ممن لك يا دهرُ اقالا[4]

واذا اراد ان يصف حال النساء عند هجوم القوم عليهن فانه يبتكر صوراً تعز على اعتى خيال شعري ان يتصورها:

وحائراتٍ أطار القوم أعينها

 

رعبا غداة عليها خدرها هجموا

كانت بحيث عليها قومها ضربت

 

سرادقاً أرضه من عزهم حرمُ

يكاد من هيبةٍ ان لا تطوف به

 

حتى الملائك لولا انهم خدمُ

فغودرت بين أيدي القوم حاسرةً

 

تسبى وليس لها من فيه تعتصم[5]

ولم أجد فيما اطلعت عليه أحداً تتداعى لديه الصور الكربلائية كما تداعت للسيد حيدر الحلي، فهو يستحضر المشاهد، وتتوالى لديه الاحداث سراعا، وكأن صورةً تتبع اخرى في مسلسلٍ لا ينقطع عن الانهماك في تقديم موقف حي يتجلى فيه المشهد العاشورائي بأشخاصه، وقرع طبول الموت ترنُ في اسماع المتلقي حتى لا ينفك من مشهد مرعب يأخذ بالألباب، أو صهيل الكماة في معترك الابطال، أو قعقعة السيوف تطيح باختطافها جماجم صرعى على صهوات سوابق مهزومة تتسابق مع رؤوس أصحابها فتتداعى على ارض المعركة:

كفاني ضنى ان ترى بالحسيـن

 

شفت آلُ مروان اضغانها

فأغضبت الله في قتلهِ

 

وأرضت بذلك شيطانها

عشية أنهضها بغيها

 

فجاءته تركب طغيانها

بجمع من الأرض سد الفرو

 

ج وغطى النجود وغيطانها

وطا الوحش إذ لم يجد مهرباً

 

ولازمت الطير اوكانها

وحفت بمن حيثُ يلقى الجموع

 

يثني بماضيه وحدانها

وسامته يركب إحدى اثنتيـن

 

وقد صرّتِ الحرب أسنانها

فإما يُرى مذعنا أو تمو

 

ت نفسٌ أبى العز إذعانها

فقال لها اعتصمي بالابا

 

فنفس الأبي وما زانها

إذا لم تجد غير لبس الهوان

 

فبالموت تخلع جثمانها

رأى القتل صبرا شعار الكرام

 

وفخراً يزينُ له شانها

فشمر للحرب في معركٍ

 

به عرك الموت فرسانها

فأضرمها لعنان السما

 

ء حمراء تلفح أعنانها

ركينٌ وللأرض تحت الكما

 

ة رجيفٌ يزلزلُ ثهلانها

اقر على الأرض من ظهرها

 

إذا ململ الرعبُ اقرانها

تزيد الطلاقةُ في وجهه

 

إذا غير الخوفُ ألوانها

ولما قضى للعلا حقها

 

وشيد بالسيف بنيانها

ترجل للموت عن سابق

 

له أخلت الخيلُ ميدانها

كأن المنية كانت لديـه

 

فتاةٌ تواصل خلصانها

جلتها له البيضُ في موقفٍ

 

به أثكل السمر خرصانها

فبات بها تحت ليل الكفاح

 

طروب النقيبة جذلانها

وأصبح مشتجراً للرماح

 

تحلي الدما منه مرانها

عفيراً متى عاينته الكماة

 

يختطف الرعب ألوانها

فما أجلت الحرب عن مثلهِ

 

صريعاً يجبن شجعانها

غريبا أرى يا غريب الطفوف

 

توسدَ خديك كثبانها

ألست زعيم بني هاشم

 

ومطعام فهرٍ ومطعانها؟![6]

فالبيت الواحد هنا خزينٌ من المعاني تتداعى فيه الصور ليوثق به الحادثة، فهو لا ينفك عن توارد المشاهد الحية تباعاً، ويحاول الشاعر أن يقدم صوراً متحركة تأخذ بعين المتلقي الذي ينشد لهذا المشهد أو ذاك فيعايش المعركة بجزئياتها، حتى لكأن قعقعة السيوف واصطكاك الرماح وصهيل الخيول تدوي في أسماع المتلقي ليعيش المعركة بملاحمها العسيرة ومواقفها الصعبة المريرة. وما أروعه حيث يصف الدهر بأنه تعثر فاخذ يرتطم بأعمدة الخير! لأنه أعمى لا يميز بين هذا وذاك.

مشى الدهر يوم الطف اعمى فلم يدع

 

عمادا لها إلا وفيه تعثرا

ولا نريد ان نستعرض قصائد السيد حيدر الحلي بقدر ما أردنا ان نقدم نموذجاً ابداعياً عن الظاهرة الأدبية الحسينية، ولم أكن مبالغاً إذا قلت: ما من شعرٍ حسيني إلا وفيه إبداع يتجدد ومهارات فنية تستدعي كفاءة النظم وحماية التصوير.

وتتفاقم الظاهرة الأدبية لتحيل الفقهاء شعراء يحيون الواقعة الحسينية باشعارهم، ويتسابقون إلى نظم قصائدهم، ولا ادري ما الذي دعا العلماء ان يشاركوا الشعراء في مرثياتهم، ولعل الملكة الشعرية التي تنامت لديهم كانت دوافعها واقعة كربلاء، إذ تحريك الملكة وتنميتها وليد مشاعر حزينة تأخذ بالنفس إلى غايات الإبداع، ودواعي الهمة، وعزيمة المنافسة، حتى أحيلت كربلاء إلى مدرسة إبداع، فالعلامة الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء يشارك في رثاء الإمام الحسين برائعةٍ أدبية يضمنها نكات علمية تعطي لملحمته الأدبية بعداً آخر.

عدلت بآل محمد فيما قضت

 

وهمُ أئمة عدلها وقضاتها

المرشدون المرفدون فكم هدىًً

 

وندىً تميح صلاتها وصلاتها

والمنعمون المطعمون اذا انبرت

 

نكباء صوحت الثرى نكباتها

والجامعون شتات غير مناقبٍ

 

لم تجتمع بسواهم أشتاتها

يا غاية تقف العقول كليلة

 

عنها وان ذهبت بها غاياتها

يا جذوة القدس التي ما أشرقت

 

شهب السما لو لم تكن لمعاتها

يا قبة الشرف التي لو في الثرى

 

نصبت سمت هام السما شرفاتها

يا كعبة الله التي ان حجت لها

 

الأملاك منه فعرشه ميقاتها

يا نقطة الباء التي باءت لها

 

الكلمات وائتلفت بها ألفاتها

يا وحدة الحق التي ما ان لها

 

السبع الطباق تحركت سكناتها

يا وجهة الاحدية العليا التي

 

بالاحمدية تستنير جهاتها

يا عاقلي العشر العقول ومن لها

 

السبع الطباق تحركت سكناتها

ثم يعرج على كربلاء بقوله:

ضربوا الخيام بكربلا وعليهم

 

قد خيمت ببلائها كرباتها

إلى ان يقول:

وبدت علوج أمية فتعرضت

 

للأسد في يوم الهياج شياتها

إلى آخر ملحمته التي بلغت أكثر من مئة وستين بيتا.

وملحمته الأخرى التي مطلعها:

أقوت فهن من الأنيس خلاء

 

دمنٌ محت آياتها الأنواء

والتي بلغت أكثر من ثمانين بيتا.

وقصيدته الثالثة التي مطلعها:

خذوا الماء من عيني والنار من قلبي

 

ولا تحملوا للبرق منا ولا السحب

 

والتي بلغت أكثر من أربعين بيتا.

أما قصيدته الرابعة فمطلعها:

في القلب حر جوى ذاكٍ توهجه

 

الدمع يطفيه والذكرى تؤججه

وقد بلغت أكثر من أربعين بيتا كذلك.

ولم تقتصر إبداعاته الملحمية في الحسين عليه السلام على هذه الأربع العظام بل تعدتها إلى أكثر من ذلك إلا اننا وقفنا عليها كما اختارها السيد المقرم (رضي الله عنه) في مقتله.

وللعلامة المحقق الشيخ محمد حسين الاصفهاني قصائد ملحمية يتعرض فيها الى مأساة كربلاء وقد جاء في بعضها:

لك الهنا ياسيد الكونين

 

فغاية الآمال في الحسين

لك الهنا يا صاحب الولاية

 

لنعمة ليس لها نهاية

الى ان يقول:

قام بحق السيف بل اعطاه

 

ما ليس يعطي مثله سواه

كأن منتضاه محتوم القضا

 

بل القضا في حد ذاك المقتضى

الى ان يقول:

هو الذبيح في منى الطفوف

 

لكنه ضريبة السيوف

الى آخر ملحمته التي بلغت المئات.

وللعلامة الحجة الشيخ محمد جواد البلاغي ملاحم مطلعها:

يا تريب الخد في رمضا الطفوف

 

ليتني دونك نهباً للسيوف

والقصيدة من روائع هذا الفيلسوف والمفسر الذي ملأ الدنيا بتحقيقاته.

وللعلامة الحجة الشيخ محمد حسين الحلي رائعته التي مطلعها:

خليلي هل من وقفة لكما معي

 

على جدثٍ اسقيه صيب ادمعي

ليروي الثرى منه بفيض مدامعي

 

فان الحيا الوكاف لم يك مقنعي

لان الحيا يهمي ويقلع تارة

 

واني لعظم الخطب ما جف مدمعي

خليليَّ هيا فالرقاد محرمٌ

 

على كل ذي قلبٍ من الوجد موجع

هلما معي نعقر هناك قلوبنا

 

إذا الوجد ابقانا ولم تتقطَّعِ

هلما نقم بالغاضرية مأتما

 

لخير كريم بالسيوف موزع

إلى آخر القصيدة.

وللعلامة الشيخ محمد تقي الجواهري هائيته العصماء مطلعها:

دعاني فوجدي لا يسليه لائمه

 

ولكن عسى يشفيه بالدمع ساجمه

الى أن يقول:

فان يك إسماعيل اسلم نفسه

 

إلى الذبح في حجر الذي هو راحمه

فعاذ ذبيح الله حقا ولم يكن

 

تصافحه بيض الظبا وتسالمه

فان -حسينا -اسلم النفس صابرا

 

على الذبح في سيف الذي هو ظالمه

وهذا غيضٌ من فيض شعراء فقهاء قدموا أطروحاتهم الأدبية لتبقى مخلدةً في ذاكرة الدهر.

لقد كانت "الظاهرة الأدبية الحسينية" فتحا للإبداع الشعري وتسامت القصيدة العربية الى أرقى إبداعاتها حتى أكاد اجزم ان الإبداع الشعري ترعرع في واقعة الطف من يوم عاشوراء، ويبقى الإبداع الأدبي ينتسب إلى القصيدة الحسينية وان لم تنتمِ فكرا وعقيدة إلا أنها انتمت إبداعا، وانتسبت وجداناً، وتقلدت الحزن، وتسربلت زهو الفاتحين.

الهوامش:------------------------------------------------------

([1]) مقتل الحسين عليه السلام للمقرم:114.

([2]) نفس المصدر.

([3]) النبي وآله في الشعر العربي للدكتور حازم سليمان الحلي: 49.

([4]) النبي واله في الشعر العربي:110.

([5]) مقتل الحسين للمقرم: 316.

([6]) النبي وآله بالشعر العربي:111.

المرفقات

: السيد محمد علي الحلو