اللوحة أعلاه من المنجزات الابداعية للفنان الإيراني الراحل حبيب الله صادقي وكما شهدناه من منجزاته الابداعية فقد تناول فيها مشهد من قضية عاشوراء التي وثق مختلف مراحلها.. و لطالما اظهر فيها شخصية الامام الحسين عليه السلام واصحابه في ذروة العزة والكرامة ويمنح الامل للثوار والتواقين للحرية والاستقلال في جميع اعماله الفنية، التي عادة ما كان يختمها متطرقاً الى استشهاد الامام الحسين سلام الله عليه وعروج روحه الطاهرة بارئها وهالة النور تحيط به وترافقه الى عنان السماء ليعكس نهاية الحياة الطاهرة لإمامنا الهمام واصحابه الكرام الذين سجلوا أروع انواع التضحية والفداء دفاعا عن الدين والمذهب حيث تجلت اسمى معاني القيم الاسلامية والانسانية.
استخدم صادقي في إنجاز هذه اللوحة تقنية الزيت على قماش الكانفاس وبمسحة فنية تقترب من أسلوب تنفيذ الأعمال في فن القهوة خانة وبمزيج شكلي بين الواقع والخيال، و تمثل اللوحة دراسة علاماتية دقيقة ينحو من خلالها الفنان منحى يرجع فيها إلى الأصول والتأثيرات الجانبية بدلالاتها المضامينية والشكلية والتقنية.. حيث يتجه من خلال تقنياتها إلى فحص المنظومة التركيبية لبنية الخطابات الجمالية البصرية ، فالمعنى البصري الحداثوي والما بعد الحداثوي لا يتكئ غالباً على ثوابت فنية.. فالدلالة فيه تأخذ أبعاداً إيمائية أكثر من التصنيفات الجاهزة فهي تتبع فكرة الفنان ومدى ثقافته وخبرته الفنية .
يمنحنا صادقي من خلال اللون الاصفر الموشى بالأبيض في وسط هذه اللوحة دلالات رمزية كثيرة منها إن مقتل الإمام الحسين كان في وضح النهار أي بمعنى إن قتل الأمة لإمامها كان جهراً فالوان الاصفر والأبيض هنا اتى بهما الفنان لطرح الحقيقة جلياً امام المتلقي كما هو لون الشمس المضيء للنهار إذ تنكشف الحقائق جميعاً فهو أمر لم يكن دبر بليل.
ان عمق اللون الاصفر في وسط اللوحة قد جسد فيه الفنان شخص الإمام الحسين عليه السلام وهو ممتط صهوة جواده ، حيث زاد من درجات التضاد اللونية بين الأبيض وباقي الألوان الأخرى بدرجات متفاوتة ، فاللون الأبيض الموسوم به فرس الحسين لون حيادي وقد عدّه الفنان، وقد تميَّزت عناصر اللوحة الاخرى بكثافتها اللونية وبساطة تكويناتها الشكلية .. إذ تعمد الفنان المعالجات الادائية المتعارفة عند فناني الشاهنامة والمينياتور الشرقيين .. حيث يعيدنا هذا المنجز إلى تقنية تنفيذ هذه الرسوم الشرقية بدقة تنفيذها وكثافة ألوانها وخطوطها المائلة ، فقد جمع بخبرته العالية بين اللونين الأبيض والأسود وتدرجاتهما بغية التعمق في حدث اللوحة الجلل وتشظياته، في حين استخدم تدرجات الالوان الحارة باقي عناصر المشهد، وعلى الرغم من أن هذه الحادثة تمثل جزءاً من ملحمة تفترض التسجيلية والواقعية إلا أن الفنان لم يقترب من الواقعية بشكل مباشر فقد عمد إلى مغايرة كبيرة للأشكال بأجواء ذات معالجات أكاديمية نمطية بعضها محنط بلا حراك واخر كانه يحاول الخروج من اطار اللوحة من فرط حركته .
وظف صادقي البعد العلاماتي لخطابه البصري فعمد على ان تأخذ أشكاله بعدا رمزياً ودلالات ايحائية بما يؤثر بالمتلقي فن، لاشك أن حبيب الله صادقي قد وُفِّق في طرح فكرة هذه اللوحة من خلال رموزها الاستدلالية، فنرى ان اللوحة قد انشطرت الى قسمين من حول مركزها المتمثل باللون الاصفر وما يحتويه وهذين الشطرين قد مثلا الخير والشر، مما يرجع بنا الى استحضار بنائية الأشكال وتأسيساتها في مدرسة بغداد لفن التصوير الإسلامي وأسلوبها المميز في توزيع وحداتها الشكلية في المنجز الفني، فمن خلال بساطة بعض التكوينات والمناورة بمزيج الالوان الحارة والباردة بتدرجاتها المختلفة استطاع صادقي أن يجعل جمالية العمل الفني برمته يثير وجدان المتلقي ويعود به الى ارض الطفوف ويوم مقتل الامام الحسين عليه السلام.. فلا ريب أن يكون الفنان قد عاش وكابد الكثير خلال تشييده مراحل بناء هذا المنجز ويحاول نقله الى المشاهد من خلال تحفيز نظام الادراك لديه عن طريق التعابير والرموز التي استخدمها الفنان بذكاء والتي تفتح الابواب أمام تأملات المشاهد وتخيلاته ليقترب من المعنى الروحي لمصائب عاشوراء بوصف المتلقي جزء من العمل لا يكتمل إلاّ بحضوره، وهذا لا يكون لولا أن الفنان الراحل قد عايش كل حيثيات الحادث وانغمس في فضاءاته متماهياً مع أدق تفاصيله ليجسد هذا المشهد بالوان الاصفر والابيض والاسود والازرق والبني وبعض نمن تدرجات الاحمر، والتي تمثل باجتماعها شكلاً من أشكال الحزن والاسى استطاع الفنان ان يمثله داخل اطار اللوحة.
اترك تعليق