فنون القهوة خانة هي لوحات ذات قدسية دينية وروحانية وتم إنتاجها على أساس ثقافة عاشوراء ومأثر الابطال.. وفيها وُجد الاندماج بين الفن والسرد وهو أهم سمة من سمات هذه الفنون المنسية في بعض دول الشرق الاوسط ومنها ايران، فهي كانت بمثابة وسيلة إعلام شعبية شاملة استحوذت على عقول الناس وقلوبهم.
ولا يختلف اثنان على إن تجسيد يوم عاشوراء واحداثه فنياً ما هو الا محاكاة للعقول باعتبارها صرحاً ثقافيا فكرياً متكاملاً تدفع بالمتلقين على اختلاف ثقافاتهم ولغتهم الى التوقف عند هذه الجريمة، فقد انتقى الفنان المنتج للوحة اعلاه موضوعاً سرديا قصصيا بأسلوب رسوم القهوة خانة، وهو يمثل فيها فكرة الخير والشر سارداً احداث الطف بتقسيمه للسطح التصويري على شكل فئات من الاحداث و الحلقات الفردية المحيطة بمركز، فالأئمة الأطهار سلام الله عليهم وبعض من اصحابهم يمثلون مصدر الخير والنقاء وحسن العاقبة والفئة الاخرى المتمثلة بأعدائهم ومبغضيهم ولعنة الله التي حلت عليهم من عذابات الدنيا وسوء العاقبة.
ركز رسام اللوحة اعلاه جل اهتمامه على مظلومية الأمام الحسين عليه السلام يوم عاشوراء، وذلك لشدة المظلومية التي تعرض لها من اعدائه وعياله واصحابه واصفا اياها بأسلوب فني مميز، فأغلب احداث اللوحة تدور حول الامام الحسين ومعركة الطف الخالدة وبأحداث غير متسلسلة.
عرض الفنان تفاصيل واقعة الطف المروعة ومرافقها من احداث وما تبعها بألوان نابضة بالحياة سعياً منه الى اثارة ردود فعل عاطفية وجدانية في نفوس المتلقين شأنه شأن فناني هذا الاسلوب الفني الأخرين بأسلوب نقي يكون فيه استخدام اللون لأجل اللون نفسه وليس من اجل الشكل سعيا منه لتقديم الفكر على الوجود كباقي الفنون الاسلامية، ويظهر هذا الأسلوب واضحاً في الوان هذه اللوحة، فنحن نرى ومنذ الوهلة الاولى لرؤيتها أن الفنان اتخذ من الالوان الصريحة اسلوبا لتقديم شخصياتها فنلاحظ أن وسط اللوحة قد ميزه الفنان كمركز سيادي لها ممثلاً ذلك بشخص الامام الحسين عليه السلام ممتطياً صهوة جواده الابيض وقد عمد الفنان الى تكرار اكثر من مركز سيادي في اللوحة ، مبالغاً في حجم الشخصية بأشغاله لمساحة اكبر من عناصر وسط اللوحة الاخرى كنوع من المركزية التي تشد البصر الى مركز الجذب هو الاقوى في السطح التصويري وهو يجسد الفكرة الرئيسية للوحة في انتصار الخير على الشر والحق على الباطل.
استخدم الفنان البنية اللونية بطريقة مسطحة، مما اكسب عناصر اللوحة وشخوصها صفة جمالية مميزة ضمن الترتيب اللوني العام، حيث تمكن الفنان من تحقيق صفة اللون الرمزي، فنلاحظ وفي وسط اللوحة رسمة تمثل الامام الحسين عليه السلام وهو يحمل على القوم من جيش ابن زياد وهو يمثل احد المراكز السيادية في اللوحة، وبجواره نحو اعلى اليمين خيام عيال الحسين عليه السلام وزوجات أهل بيته وأصحابه ، فضلاً عن المراكز السيادية الاخرى المتمثلة بشخص الامام الحسين الموزعة في لقطات اللوحة المتعددة ، ليكون العمل برمته مقسماً على شكل حلقات فردية محيطة بالحلقة الاساسية في الوسط وعلى شكل مقاطع فنية تشغل حيزا من اللوحة ومن احداث يوم الطف الاليمة، في حين تتصل هذه الحلقات الفردية لونيا على نطاق اللوحة حتى تصل بالمتلق الى حيز التأثر بالمشهد.
استطاع الفنان تنفيذ الاشكال المرسومة باستخدامه منظومة أطياف الألوان المختلفة التي تتميّز بها اغلب لوحات هذا اللون الفني وخاصّة الوان الأحمر والأسود بحيث يرمز اللون الأحمر إلى لون الدّمّ ويُعبّر عن القتل والشّهادة، فيما يُعبّر اللون الأسود عن الحزن والحداد إضافة لرمزيّته للظّلم والطغيان فضلا عن بعض الالوان كالأصفر والاخضر والابيض والبني والتي وظفها الفنان في البنية الفنية للوحة للدلالة على الفوز وعنصر الخير ولا يخفى عن المشاهد ما للأشكال من سمة ابتعادية عن الحدث من ناحية تناغم الشكل والملامح مع الحدث المصور كالغضب والفرح وغيرها من الانفعالات الوجدانية فالأسلوب المميز لفناني المنمنمات هو رمزية اللون بعيدا عن الحركة الفيزيائية للشكل المرسوم.
اترك تعليق