جوهرة الفن ..

حاول الفنان المسلم صبّ اهتمامه بنوع من الفن اولوه عنايتهم وسعيهم في تطوير أشكاله.. من خلال ابتكار تشكيلات زخرفية نباتية اختص بها الفن في البلاد الاسلامية وعرف بفن الارابسك او فن زخرفة التوريق العربي، وقد اصطلح مؤرخو الفن الأوربي على تسميتها (Arabesque) أي الزخرفة العربية، في حين أطلق عليها العرب المحدثون أسماء اخرى مثل الرقش العربي والتوشيح العربي والتوريق .

يتكون هذا النوع الزخرفي من مجموعة من عناصر نباتية متداخلة ومتشابكة ومتناظرة بصورة منتظمة وتتبع نظاماً خاصاً في مظهرها وتكوينها ‘ وتخضع هذه الزخرفة لظاهرة النمو ويحكمها التناسق والتناظر والتداخل والتشابك في الغصن الواحد أو بين الأغصان المتعددة ، كما كان الفنان يراعي في الأوراق أن تملأ الفراغات بين تلك الأغصان المتموجة ، وان تتناسب في حجمها وأوضاعها من حيث التماثل والتقابل الذي يعتبر من المميزات المهمة لهذه الزخرفة والذي لم يقتصر على منطقة واحدة فقط ، بل كان يشمل كل المجموعات ، التي تتكون منها الزخرفة ، حيث تتصل كل مجموعة زخرفية مع مجموعة مماثلة لها تجاورها أو تعلوها أو تدنوها أما بصور متقابلة أو متعاكسة ، وتنظم هذه المجموعات في شكل زخرفي واحد متكامل ومتناسق.

لقد كان للفكرة السائدة عن كراهية تصوير الكائنات الحية أثر كبير في ظهور هذه الزخرفة المحورة عن الطبيعة ، إذ تتجلى في الزخرفة روح الفن بانتمائه الإسلامي الذي يعتمد على مزج عناصر الطبيعة مع الخيال الخصب للفنان المسلم في ابداع اشكال زخرفية محورة عن الطبيعة ، وعلى الرغم من أن هذه الزخرفة مزدحمة العناصر في مظهرها ، لكنها في حقيقتها موضوعة وفق نظام هندسي عال يمتلك خاصية جمالية يمكن ملاحظتها من الاختلاف الناتج عن الضوء والظل في إبراز عناصرها ، أما تاريخ نشوء زخرفة التوريق العربي ، فربما كانت بدايتها في القرن الثالث الهجري ( 9م ) حينما زينت أبنية سامراء بزخارف جصية كان من بينها نوع اطلق عليه الطراز الثالث ، ظهر فيه ابداع ونجاح الفنان المسلم في الاستفادة من عنصر المروحة النخيلية التي تمتاز بتكيفها في المساحة المخصصة لها وقابليتها على الانشطار والتفرع والتكرار .

تمكن الفنان العربي من الإبداع في مجال الزخرفة الهندسية وتطويرها ومنها ما ظهر في زخارف الأرابسك باستخدام المضلعات النجمية والأشكال الهندسية كالجدائل والسواستيكا ، وهي عناصر عرفت في مجال الفنون العراقية والمصرية القديمة، وأول مثال للزخارف الهندسية يعود تاريخها إلى العصر الأموي ، حيث تبدو في النوافذ المرمرية للمسجد الجامع في دمشق وفي النوافذ الجصية في خربة المفجر ، اذ تبدو في جميع هذه النوافذ الدوائر المتشابكة والأشكال المضلعة والمفصصة ، اما في العصر العباسي تبدو أمثلة من الأشكال الهندسية في بوابة بغداد في الحنية الكبيرة الموجودة على البوابة استخدم فيها أربعة نقوش من السواستيكا حفرت بالآجر ومربعات وأشكال معينية ، كما تبدو الزخارف الهندسية في قصر الجوسق متمثلة في الدوائر الموجودة في الشرفات المسننة ، وفي المثلثات التي زينت باطن العقد في الإيوان الأمامي من القصر نفسه تظهر أشكال هندسية أخرى داخل المثلثات المذكورة ، منها شكل مربعات تحتوي على زهور ذات ثمانية فصوص أو زهور سداسية ذات فصوص منتظمة ، وفي مصر وجدت زخارف السواستيكا على جدران الدور الطولونية التي عثر عليها في الفسطاط ، حيث تنوعت الزخرفة في العصر الطولوني فظهرت الدوائر والمضلعات والمعينات التي تبدو أحياناً متداخلة مع بعضها ، كما تتجلى بوضوح في زخارف بواطن العقود في المسجد الطولوني وفي النوافذ الجصية المخرمة في مسجد الأزهر والحاكم من العصر الفاطمي.

وابتدع الفنان العربي المضلعات النجمية التي أصبحت عنصراً مهما من العناصر الزخرفية العربية الإسلامية وكانت تستحدث من تداخلها خطوط المربعات أو المثلثات لتكون نجوما تتراوح رؤوسها بين ( 5 ـ 12 ) رأساً وشاع المضلع النجمي ذو الرؤوس الثمانية في عصر المماليك في مصر ، وشكل ذلك دراية كبيرة بعلم الهندسة ، وقد أعجب الغربيون بهذه الأشكال ، وقلدوها في فنونهم ، واستخدمت التراكيب الهندسية ذات الأشكال النجمية على التحف الخشبية والمعدنية ، وفي الصفحات الأولى المذهبة في المصاحف والكتب وفي زخارف السقوف الخشبية وغيرها ، أما العناصر الزخرفية النباتية فقد استخدم الفنان فيها السيقان والأوراق بتحويرها وإضفاء مسحة هندسية عليها تدل في تشكيلها على مبدأ الرمز والتجريد وأجمل الزخارف النباتية الإسلامية هي الأرابسك أو التوشيح ، وكانت بداية ظهورها في زخارف سامراء ، وكان تطورها في مسجد الأزهر في القرن العاشر واستكمل تطوره في العصر الفاطمي وبلغ ذروة هذا التطور في عصر المماليك.

 والأرابسك هو تكوينات زخرفية نباتية من أوراق وزهور وثمار في أشكال تجريدية تنثني وتتشابك مع بعضها أو مع الكتابات الكوفية والوحدات الهندسية ، ويكون هذا التشابك متماثلاً ومنتظماً ، أما خصائصه الفنية فإن الحفر فيه ذا طابع مسطح يكون له سطحان ، البارز منهما يمثل الزخرفة ، والغائر يمثل الخلفية وترسم عليه عناصر تفصيلية محفورة ، ورسوم المسطحات الغائرة تكمل رسوم المسطحات البارزة مكونة مجموعة انشائية واحدة . ونتيجة للتباين بين السطوح يحدث التباين بين الضوء والظل ، حيث يضفي على الزخرفة شيئاً من الجمال ، ومن الخصائص المهمة للأرابسك التوليف بين الخطوط الهندسية والأشكال النباتية ، ويتم ذلك بتقسيم السطح المراد زخرفته إلى مناطق رئيسة عمودية وأفقية تتكون من مربعات أو مستطيلات أو دوائر متداخلة مكونة المضلعات النجمية ، ويتكرر رسم هذه الأشكال التجريدية من منطقة إلى أخرى دون حد فاصل ، أي تميزه باللانهائية في التشكيل ، وينتج عن هذه العملية ابتكار أشكال عدة من المضلعات النجمية والأشكال الهندسية لا حصر لها ، ويعتمد التناسق بمبدأ الزخرفة فيه على منظومة التعانق أو التشابك . وللتعانق مظهران الأول منها يكون مزدوج وهو يتكون من التقاء غصنين يفترقان بالمحصلة بعد تقاطع خطى سيرهما ، اما الثاني فيكون منفرد أي أن التعانق مقصور على غصن واحد يكتسب هذه الصفة من تموجاته ، وبعد الانتهاء من رسم الأشكال الهندسية والنباتية، ويقوم الفنان المنفذ بحشو الفراغات المتبقية ويرسم أشكالاً أخرى من وريقات أو زهور أو ثمار ، بحيث تبدو منبثقة من الأغصان ، مراعيا في تنسيق هذه الأشكال تناسب حجمها من جهة ، وتناسب أوضاعها من حيث التقابل والتعارض من جهة أخرى.

كاتب : سامر قحطان القيسي