إضاءات قرآنية (4)
(وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً) سورة الإسراء (٣٦)
لِيَكُن العِلم أساس كل خطواتك
1- القراءة المشهورة (لا تَقْفُ) بسكون القاف و ضم الفاء من قفا يقفو قفوا إذا اتبعه ومنه قافية الشعر لكونها في آخر المصراع تابعة لما تقدمها، وقرئ (لا تَقُفْ) بضم القاف وسكون الفاء من قاف بمعنی قفا، ولذلك نقل عن بعض أهل اللغة أن قاف مقلوب قفا مثل جبذ مقلوب جذب، ومنه القيافة بمعنی اتباع أثر الأقدام.
2- والآية تنهی عن اتباع ما لا علم به، وهي لإطلاقها تشمل الاتباع اعتقادا وعملا، وتتحصل في مثل قولنا: لا تعتقد ما لا علم لك به ولا تقل ما لا علم لك به ولا تفعل ما لا علم لك به لأن في ذلك كله اتباعا.
3- وفي ذلك إمضاء لما تقضي به الفطرة الإنسانية وهو وجوب اتباع العلم والمنع عن اتباع غيره فإن الإنسان بفطرته الموهوبة لايريد في مسير حياته باعتقاده أو عمله إلا أصابة الواقع والحصول علی ما في متن الخارج والمعلوم هو الذي يصح له أن يقول: إنه هو، وأما المظنون والمشكوك والموهوم فلا يصح فيها إطلاق القول بأنه هو فافهم ذلك.
4- والإنسان بفطرته السليمة يتبع في اعتقاده ما يراه حقا و يجده واقعا في الخارج، و يتبع في عمله ما يری نفسه مصيبا في تشخيصه، وذلك فيما تيسر له أن يحصل العلم به، وأما فيما لا يتيسر له العلم به كالفروع الاعتقادية بالنسبة إلی بعض الناس وغالب الأعمال بالنسبة إلی غالب الناس فإن الفطرة السليمة تدفعه إلی اتباع علم من له علم بذلك و خبرة باعتبار علمه وخبرته علما لنفسه فيئول اتباعه في ذلك بالحقيقة اتباعا لعلمه بأن له علما وخبرة كما يرجع السالك وهو لايعرف الطريق إلی الدليل لكن مع علمه بخبرته ومعرفته، ويرجع المريض إلی الطبيب ومثله أرباب الحوائج إلی مختلف الصناعات المتعلقة بحوائجهم إلی أصحاب تلك الصناعات.
.
.
.
المصدر:
تفسير الميزان