591 ــ مظفر النواب (1353 ــ 1444 هـ / 1934 ــ 2022 م)

مظفر النواب (1353 ــ 1444 هـ / 1934 ــ 2022 م)

قال من قصيدته (في الوقوف بين السماوات ورأس الإمام الحسين)

للهِ مما بتاريخِنا من مغولٍ

ومما به من ذرىً لا تُطالُ

وعنها انحدارُ السيولْ

إننا في زمانٍ كثيرُ الفروعِ

وفي كلِّ فرعٍ لنا (كربلاءُ) ...(1)

الشاعر

مظفر بن عبد المجيد بن أحمد بن حسن النواب، (2) شاعر وسياسي بارز، ولد في الكاظمية من أسرة علوية ترجع في نسبها إلى الإمام موسى الكاظم (عليه السلام)، تخرج النواب من جامعة بغداد / كلية الآداب ومارس التدريس في الثانويات ثم عُيِّن مفتشاً فنياً بوزارة التربية في بغداد.

اضطر إلى مغادرة العراق عام (1963) بعد تعرضه للملاحقة الأمنية القضائية والمراقبة الصارمة من قبل النظام الحاكم، فهرب إلى الأهواز عن طريق البصرة، فألقت عليه المخابرات الإيرانية (السافاك) القبض وهو في طريقه إلى روسيا فاعتُقل وعُذب قبل إعادته إلى الحكومة العراقية، التي أصدرت قراراً بإعدامه بسبب أحد القصائد التي كتبها، ولكنّ هذا الحكم خُفّف إلى السجن المؤبد بعد مساعي أهله وأقربائه.

هرب النواب من السجن عن طريق حفر نفقٍ خلال السجن وهرب إلى مدينة الأهوار العراقية، وبقي فيها حوالي سنة ثم عاد إلى بغداد عام (1968) بعد صدور عفو عن المعارضين، فرجع إلى التعليم، وبعد عام واحد أي في عام (1969) غادر العراق إلى لبنان ومنها إلى دمشق وتنقل كثيراً بين الدول العربية والعالمية حتى استقرّ أخيراً في دمشق، ثم عاد إلى العراق عام (2011)

اشتهر النوّاب بقصائده الثورية التي أدان بها سياسة الحكومات الجائرة والحكام الظلمة والتي انتشرت واشتهرت في كثير من البلدان (3)

توفي في الشارقة بالإمارات ودفن في النجف الأشرف

وقد كتب الأستاذ إدريس هاني عن قصيدة مظفّر النوّاب (بين السماوات ورأس الحسين) مقالا قال فيه: (حزن مظفّر ثائر لا أنين فيه.. صاخب كالموج المتكسّر على الصّخر.. مظفّر قصيدة ثورة دائمة.. وفي خيال هذا الشاعر المتمرّد تنبت مرثية الحسين وهي تترنّج بين حزن متكسّر وثورة هادرة.. فالرثاء هنا صلاة.. رحلة في الوادي المقدّس.. وقوف.. وقوف بين السماوات ورأس الحسين.. يولد الحسين في مخاض القصيد.. كـ" فضّةٌ من صلاة تعم الدخول".. بينما:

والحمائم أسراب نور تلوذ بريحانة

أترعتها ينابيع مكة أعذب ما تستطيع

وتدفعني المظفّريات إلى البوح :إنّ الحسين نغمة نبوية تنحدر من سلالة الوحي.. حتى تراب مضجعه غدا سماء.. فمظفّر يؤثر أن يقبّله من الوجنتين حيث قبّله جده وفاض حليب البتول:

ولست أبالغ أنك وحيُ تواصل بعد الرسول

ومن المسك أجنحة وفضاء كأني أعلو،

و يمسكني أن ترابك هيهات يُعلى عليه

وبعض التراب سماء تنير العقول

وليس ذا ذهب ما أقبّل

بل حيث قبّل جدك من وجنتيك

وفاض حليب البتول

يقرأ مظفر في تراب الحسين وقائع الفاجعة.. وهو لديه الفتى في شموخ الأبطال.. غالب لا يغلب وإن داسته خيول الطّغام.. ثابت كالطود يرتعب منه العدا.. والموت هنا وهج.. وهج ينير الضّريح:

لم يزل همماً للقتال ترابك

أسمع هول السيوف

ووهج ممات ينير الضريح

يعيدني مظفّر ابن بغداد عاشق الأهوار إلى الرميض: حكاية الفتى بذي قار.. قانص الإنجليز.. له في الرثاء مذهب يأبى الحزن والبكاء.. لأنّ الحسين في جنون الفتى لم يقتل.. ولسبب بسيط لم يقتل.. لأنّ السؤال الذي يطرح: من يملك أن يقتل حسينا.. كان رميض يقف جنب الراوي فإذا بلغ المقتل فيا ويله إن قال الحسين قتل.. الحسين هنا ابن الخيال.. حيث يعاد بناء المأساة خارج نذالة الواقع.. للرمزي هنا دلالة موصولة بتمام القيم.. الحسين في ديوان مظفّر كالرميض لم يمت.. هو الذي يتراءى ضياء.. هو أكثر حياة من الأحياء.. هو الشموخ.. وحتى الحزن إن أتى فهو حزن يمتاز بالتّفرّد والقوة.. كان الحسين وحيداً.. ثابتا.. ولكنه في كل هذا كان منتصرا:

ويوشك طفل ضريحك أن يتدلج عنك

أراك بكل المرايا على صهوة من ضياء

وتخرج منها فأذهل أنك أكثر منا حياة

ألست الحسين بن فاطمة و علي !

لماذا الذهول

تعلمت منك ثباتي

وقوة حزني وحيداً

فكم كنت يوم الطفوف وحيداً

ولم يك أشمخ منك وأنت تدوس عليك الخيول

على حافّة هذا الحزن يتحفنا مظفر برائعة من رائعته.. رائعة الروائع.. تصوير أخّاذ.. خيال دافق.. جمالية المعنى وهي تحلّق فوق سماء الأنحاء.. يا لسحر الشّعر حين يرثي الحسين.. يا لروعة مظفّر وهو يطلق العنان لمعنى المعنى.. من هناك، أي من بعيد في الزمان.. يرمق الرأس يحزّ والحريق يشبّ في الخيام:(من بعيد رأيت - و رأسك كان يُحزُ - حريق الخيام)..لكن ماذا بعد؟ بعد أن رأى مظفر (على النار أسبلت جفنيك حلماً)..اسمعوا لهذا المظفّر ماذا رأى:

بكى الله فيك بصمت وتم الكتاب

فدمعك كان ختام النزول

الحسين هنا معيار.. هو الجزاء.. هو الجنّة.. وإن قاتلوه لكي لا يبايعه النّاس فهو الآن شامخ كالعدالة في ضمير المعذّبين في الأرض.. فالتاريخ يبايعه إلى الأبد.. والكل يهفو إلى الحسين.. والكل يحلم بوصاله.. حتى الجنة تسعى إليه طمعا في النعيم.. ولتسؤلنّ يومئذ عن النعيم:

مذ أبيتَ يبايعك الدهر

وارتاب في نفسه الموت مما يراك بكل شهيد

فأين ترى جنة لتوازن هذا مقامك

هل كنت تسعى إليها حفيف الخطى

أم ترى جنة الله كانت تريد إليك الوصول

ماذا يفعل فينا هذا المظفّر.. هذا الصنديد الذي ينحدر بصخب شعري من قبيلة التّوّابين.. أحسبه: الفرزدق؟ لا.. أحسبه: المتنبئ؟ لا.. هو مظفّر وكفى.. فيه كل آلاء التّمرّد.. هو شاعر في موكب سليمان بن صرد الخزاعي.. هو احتجاج شعري متدفّق.. هنا العشق: عشق الحسين منسدر في قصيدة مظفر.. هو يطلب الحسين عاشقا.. مظفر غير مشغول بطلب الجنة.. هو يريد الدنوّ من الحسين وكفى.. وللعبارة مفهوم فافهم: الحسين جنّة قائمة.. وهو غير منشغل بالاستجارة من النار.. وللعبارة مفهوم أيضا: يزيد هو الجحيم.. هذا إيمان يسكن أحشاء متمرد.. هذا الشاعر الذي تشعرك قصائده باليتم، تراه يبوح بوجدان غنيّ:

واقف وشجوني ببابك

ما شاغلي جنة الخلد

أو أستجير من النار

لكنني فاض قلبي بصوتك

تستمطر الله قطرة ماء

ولا زال مظفّر يهزّ المخيال هزّا.. ولا زال يحتج احتجاج مارق في زمن الفوضى.. لا ينافق مظفر المعنى لأنه أخلص للشعر.. وتبدو روعة التصوير الفنّي هنا على سهلها الممتنع تغور وتغور في طبقات المعنى: ترى ما أشعرك مظفّر.. الحسين لم يمت.. هو باق كما بقي ذلّ يزيد أزليّا.. ولكن الحسين أطال الثورة في الواقع والخيال.. إنّ زمان يزيد متجدد كما هو زمن الحسين.. فأينما حلّ وارتحل طارده الحسين.. وهذه حقيقة في الوجدان، أنّى لها أن تظهر في القصيد.. ولكن مظفّر يقرّب حروفه من هول المصاب وبؤس التّاريخ.. يزيد حاضر متشعب الفروع في أزمنتنا.. ولكن وكما يقول مظفر:

وفي كل فرع لنا كربلاء..

تطيل وقوفك ضد يزيد إلى الآن

لله مما بتاريخنا من مغولٍ

ومما به من ذرىً لا تطال و عنها انحدار السيول

إننا في زمانٍ يزيدٍ

كثير الفروع وفي كل فرع لنا كربلاء

يستحضر مظفر الحسين شاهدا على مهازل التّاريخ المستعاد.. وإذا أصابتك شظيّة من هجاء مظفّر فاحن الرأس للعاصفة.. فمجذوب القصيد لا يستثني أحدا.. ألم يقل في قصيدة عبد الله الإرهابي: ما أوسخنا .. ونكابر.. ما أوسخنا.. لا أستثني أحدا.. فهو يعيّر مجلس الحكم وبني جلدته.. وقد وصفهم بـ: إحدى وعشرون عمرو بن العاص ونصف..وبها يكتمل عضوا.. وأما النّصف فهو معرّف عند مظفّر.. النّصف الذي يفتش روث بني قينقاع.. شيء تتقيّؤه الكلاب في نظر مظفّر.. نحني الرأس قليلا ونعبر إلى هناك بعيدا قليلا أو كثيرا.. نعود إلى حيث لا خلاف.. ننطّ بعيدا لأنّ قصيدة مظفّر لا ترحم مذ عيّر العرب في القدس عروس عروبتكم ونظائرها.. نطّ ولا تجادل.. هو الآن يحلّق في كبرياء السماوات.. هناك حيث يتربّع الحسين.. شاهدا على منحدر العراق.. بكبريائه وشموخه ونبل القيم.. ماذا في وسع عراق مقيّد في سلاسل ثقيلة من التوازنات وانحراف المزاج.. ماذا في وسع من يرمق المنحدر من كبرياء السماوات:

إمام الشهادة

عهد على عاشقي كبرياء السماوات في ناظريك

نقاوم

نعرف أن القتال مرير

وأن التوازن صعب

وأن حكوماتنا في ركاب العدو

وأن ضعاف النفوس انتموا للذئاب

وعاث الذئاب من الطائفية تفتك بالناس

ما كان الحسين يوما طائفيّا.. فهو أمّة قانتة.. أمة نهضة وشموخ.. فهل يا ترى يرضى مظفر بأن ينزل رأس الحسين من كبرياء السماوات؟ كلاّ.. بين الحسين والعراق اليوم جسر هزيمة.. هو شهيد وشاهد على بقايا عرق التّوابين في يتمهم الحيو- سياسي.. حين يحاصرهم الجوع والعذاب والاحتلال.. ولقد جرّب مظفر كل سلاليم المقاومة: الاستبداد والاحتلال.. ولتحرير المجال لا بد من تحرير الخيال.. تحرير الحسين من منحدرات أنماطنا..

ما أنت طائفة

إنما أمة للنهوض

تواجه ما سوف يأتي

إذ الشر يعلن دولته بالطبول

ابن الهور بالعشق والتّبني.. رميضي الهوى.. وفي الحسين يناهض البكاء.. ولكنه في الوقت نفسه يحار.. كيف لا تبكي حسينا حين تطرق باب الذكرى طواف الرأس فوق القنا.. كيف يبكي والحسين يأبى البكاء للرجال.. كيف لا يبكي والحسين مدرج في تلك الصور بالدماء؟ فالمرجلة حقّ في الحسين.. والدموع فضيلة في الرجولة لا رقّة ولا خور..

أنا لست ابكي

فإنك تأبى بكاء الرجال

ولكنها ذرفتني أمام الضريح عيوني

يطاف برأسك فوق الرماح

يربط مظفر بين الأمس واليوم.. هناك رأس الحسين يطاف به فوق الرماح.. واليوم رأس فلسطين يطاف به في البلاد.. هنا تبدو المأساة مضاعفة.. وفلسطين اليوم ذبيح في العراء:

ورأس فلسطين أيضاً يطاف به

في بلاد العروبة

يا للمروءة والعبقرية بالجبن

ولا حديث عن العراق على الرغم من كل الرزايا.. وهذا الوجع الموصول بين أزمنة لا يوجد بينها فترة من سلام ولا هدأة راحة.. من يجرأ أن ينسى العراق وفيه ضريح أبي الأحرار يهزّ العالم كل عام حين بات مقامه عاصمة الله، مهما بدا الجود ضئيلا.. بل خجولا.. وهنا تنضح قصيدة مظفر بوفاء وطني يشبه وفاء المزارع للنخيل.. هو العراق رغم كلّ هذا : وطن.. وكأنّي به يردده ترديد منسابا سيّابيا على مذهب أنشودة المطر.. هنا لا ضير من القول حدّ البُحاح:

وطن.. وطن.. وطن..

والحقيقة أنّهم بنوا للعراق وطنا في القلوب والدموع والمهاجر وفي القصيد.. هو اليوم الوطن الذي انتظره الشعراء يصلي للموت ويغرق حزنا.. ويتكرر المشهد حتى تبدو صباحات الموت في العراق بطاقات عرس:

أما العراق فيُنسى

لأن ضريحك عاصمة الله فيه

وجُودُ بنيهِ أقلُ من الجودِ بالروحِ

جودٌ خجول

وطني رغم كل الرزايا يصل على الموت كل صباح

ويغمد في الحزن كل مساء

وينهض ثانية والصباحات بين يديه بطاقات عرس

وأيّا كان وضع العراق فهو يظلّ تحت ضوء الثّريّا كما الثريّا فوق ضريح الحسين.. يتأوّه مظفّر متهجّدا يتوسّل الرّبّ أن ينير وجهه بتلك الثّرياّ..

و تبقى الثريا معلقة فوقه

أسوة بالثريات فوق ضريحك

يا رب نوّر بتلك الثريات وجهي

وبالطلع

والتي تبين على الدرب عرضاً وطول

ليست القضية قضية كفر بل قضية حرّية.. ألم يخطب فيهم أبو عبد الله: فكونوا أحراراً في دنياكم إن كنتم عرباً كما تزعمون؟ كما هو حال الحرّ بن يزيد الرياحي.. كما هو حال كل كفر حوّله الإحساس بالحرية إلى فورة إيمان:

أنت لا بد يا رب تغفر للكفر إن كان حراً أبياً

وهيهات تغفر للمؤمنين العبيد

ليس الحسين من احتزّ رأسه هنا.. فالحسين بات عنوانا لكل احتزاز.. ففلسطين احتز رأسها وطافوا به في بلاد العروبة.. وكذلك احتز رأس العراق حين ترجّل.. بدا وحيدا في مسلسل من العما العربي.. يطوف به يزيد في البلاد:

وهذا العراق و قد رجلته جيوش الحصار وحيداً يصول

كأن العروبة ليست ترى

كيف يحتز رأس العراق وكيف يقطّع أوصاله

ويطوف يزيد به في البلاد

وببالغ التّأوه والحسرة ينعى مظفّر الحسين في العراق، والعراق في الحسين.. لقد توحدّ الهمّ وتشابك الحزن.. وبات العراق الكريم.. الكريم في خجل يمدّ اليد لمن كان أكرمهم في سالف الأزمان.. إنّه الانكسار.. العراق مثال لفاجعة الطّف.. حين استباحه يزيد.. وكل شيء تمّ بعين الرجال.. هذا حظّ العراق من اليتم.. والحصار.. والحزن:

و واه من الانكسار المرير بعين الرجال

يمدون أيديهم لزمان لكم أكرموه

ولم ألق مثل العراق كريماً خجول.

في شعر مظفّر توتّر.. بين الانكسار والجنوح إلى التّحدّي.. بين تمثّلات الموقف بقسوة الرجال في ملاحم الصمود والميل إلى ذرف الدموع.. وفي كلّ هذا يبقى رأس الحسين شامخا في كبرياء السماوات.. (4)

شعره

قال من قصيدته (في الوقوف بين السماوات ورأس الإمام الحسين عليه السلام)

فضةٌ

من صلاةٍ

تعمُّ الدخولْ

والحمائمُ أسرابُ نورٍ

تلوذُ بريحانةٍ

أترعتها ينابيعُ مكّةَ

أعذبَ ما تستطيعُ

ولستُ أبالغُ

أنَّكَ وحيٌ

تواصلَ

بعد الرسولْ

ومن المسكِ للروحِ أجنحة وفضاءٌ

كأنّيَ أعلو...

ويجذبني أنَّ ترابَكَ هيهات يُعلى عليه

وبعضُ الترابِ سماءٌ

تنيرُ العقولْ...

ليس ذا ذهباً ما أقبّلُ...

بل حيثُ قبّل جدّك

من وجنتيك

ودرَّ حليبُ البتولْ...

لم يزل همماً للقتالِ

ترابُك..

أسمع هولَ السيوفِ

ووهجَ ظماكَ ينيرُ الضريحَ

ويوشكُ قفلُ ضريحِكَ

أن يتبلّجَ عنك...

أراكَ بكلِّ المرايا

على صهوةٍ من ضياءٍ

وتخرجُ منها

فأذهلُ أنكَ أكثرُ منّا حياةً

ألستَ الحسينَ بنَ فاطمةٍ وعليْ

لماذا الذهول؟...

تعلمتُ منكَ ثباتي

وقوَّةَ حزني وحيداً..

لكمْ كنتَ يومَ الطفوفِ وحيداً

ولمْ يكُ أشمخَ منكَ

وأنتَ تدوسُ عليكَ الخيولْ...

مِن بعيدٍ رأيتَ

ورأسُكَ كان يُحزُّ

حريقَ الخيامِ

فأسبلتَ جفنيكَ

فوقَ الحريقِ حناناً

بكى اللهُ فيكَ بصمتٍ

وتمَّ الكتابُ

فدمعُكَ كانَ ختامَ النـزول...

مُذْ أبيتَ

وبايعَكَ الدهرُ...

وارتابَ في نفسهِ الموتُ

مما يراك

بكلِّ شهيدٍ

فأين تُرى جنةٌ

لتوازنَ هذا مقامك

هل كنتَ تسعى إليها... حثيث

الخطى

أم تُرى جنَّة الله

كانتْ تريدُ إليكَ الوصول؟!

واقفٌ ها أنا وشجوني ببابِك

ما شاغلى جنة الخُلدِ

ولا استجيرُ من النارِ

لكنني فاضَ قلبي بصوتِك

تستمطرُ اللهَ قطرةَ ماءٍ

تطيلُ وقوفَك

ضدّ يزيدٍ

إلى الآن

للهِ مما بتاريخِنا من مغولٍ

ومما به من ذرىً لا تُطالُ

وعنها انحدارُ السيولْ

إننا في زمانٍ كثيرُ الفروعِ

وفي كلِّ فرعٍ لنا كربلاءُ...

وكشَّفَ إحدى وعشرون عمرو بن عاصٍ ونصفٌ

نعم ثمّ نصفٌ

يفتشُ روثَ بني قنيقاعٍ

ويرضى قرادَ الحلولِ

إذا كان ترضاهُ يوماً

قرادُ الحلولْ...

هرمتْ في مصافحةِ الظلمِ كفٌّ فمَن سوف

يرمي بها للكلاب

وأحسبُ أنّ الكلابَ تقيءُ لفرطِ نجاستِها

لا تكونُ الكلابُ ولا تتباهى بفرطِ خصاها

لعِنتَ زماناً خصى العقلِ فيه يقودُ العقول

لدى الرأسِ منكَ إمامُ الشهادةِ!

عهدٌ على عاشقي كبرياءِ السماوات

في ناظريك...

نقاومُ

نعرفُ أن القتالَ مريرٌ

وأن التوازنَ صعبٌ

وأن حكوماتنا في ركابِ العدوِ

وأن ضعافَ النفوس

انتموا للذئابِ

وعاشت ذئابٌ من الطائفية

تفتكُ بالناس...

ما أنتَ طائفةٌ

إنما أمةٌ للنهوضِ...

تواجه ما سوف يأتي...

إذ الشرُّ يعلن دولته بالطبولْ...

لستُ أبكي

فإنكَ تأبى بكاءَ الرجالِ

ولكن ذرفتني أمامَ الضريحِ عيوني

يُطافُ برأسِكَ فوقَ الرماحِ...

ورأسُ فلسطينَ أيضاً يُطافُ به...

في بلادِ العروبةِ

يا للمروءةِ

والعبقرية بالجُبن...

أما العراقُ... فيُنسى لأن ضريحَك

عاصمةُ الله فيه

وجودُ بنيه، أقلُّ من الجود والروح

جودٌ خجولْ

وطني رغم كل الرزايا

يسلّ على الموتِ كل صباحٍ

ويُغمد في الحزنِ كل مساء

وينهض ثانيةً والصباحاتُ بين يديهِ

بطاقاتُ عُرسٍ

وتبقى الثريا، معلقةً فوقه

إسوةً بالثريات،

فوق ضريحكَ...

يا ربُّ نوّر بتلك الثريات وجهي...

وبالطلعِ

والرفقةِ الثابتين على الدرب

عرضاً وطولْ

ها أنا عُرضةٌ للسهامِ

إلتحاقاً بموقفك الفذّ

يومَ ترجَّلتَ... بين الرماحِ

وأنتَ الذي بيديكَ عنانُ خيولِ الزمان

فما وقفة العزِّ يومَ الطفوفِ من الأمسِ

بل للزمانٌ جميعا...

وهذا العراقُ... وقد رجلته جيوشُ الحصارِ

وحيداً يصول

كأن العروبةَ

ليس ترى

كيف يحتزُ رأسُ العراقِ

وكيف تقطّعُ أوصالُهُ

ويطوفُ يزيدٌ به في البلادِ

وواهٍ من الانكسارِ المريرِ بعينِ الرجالِ...

يمدّونَ أيديهم لزمانٍ همْ أكرموهُ

ولم ألقَ مثلَ العراقِ

كريماً خجولْ

.......................................................

1 ــ الحوار المتمدن - العدد 6395 بتاريخ 31 / 10 / 2019

2 ــ مظفر النواب.. القصيدة والوطن… و”يصل ولا يصل” ــ سليمان بختي ــ موقع أقلام بتاريخ 26 / 5 / 2022

3 ــ موسوعة الشعراء الكاظميين ج 7 ص 387 ــ 388

4 ــ كتابات في الميزان بتاريخ 29 / 9 / 2017

كما كتب عنه كثير من النقاد والباحثين والدارسين وتناولوا أعماله منهم:

الدكتورة نهاية عبد اللطيف حمدان رضوان ــ اللغة في شعر مظفر النواب ــ رسالة ماجستير جامعة النجاح الوطنية ــ نابلس ــ فلسطين 2012

الدكتور محمد طالب الأسدي بناء السفينة ــ دراسات في شعر مظفر النواب ــ دار الشؤون الثقافية بغداد ـ 2009

شوفي بزيغ ــ مظفر النواب في ميزان الزمن الحوار المتمدن-العدد: 2801 - 2009 / 10 / 16

الدكتور عادل الأسطة - تغييب مظفر النواب ــ موقع الانطولوجيا بتاريخ 30 / 11 / 2021

الدكتور عادل الأسطة ــ الصوت والصدى: مظفر النواب وحضوره في فلسطين ــ 1999 ــ مصر 2002

الدكتورة عزة محمد أبو النجاة ـ بناء القصيدة الثورية في الشعر المعاصر، مظَّفَّر النَّوَّاب أنموذجا ــ جامعة قناة السويس الجمعية المصرية للدراسات السردية ــ المجلد 2017 العدد 24 بتاريخ 30 / 6 / 2017 ص 129 ــ 202 ، 74 ص

مؤيد عبد الرؤوف محمود عودة ــ مظفر النواب، التلقي النقدي واختلاف الطبعات / دراسة نقدية تكوينية ــ رسالة ماجستير ــ جامعة النجاح ــ نابلس ــ فلسطين 2016

خليل الشيخة ــ مظفر النواب شاعر التحريض والثورة ــ صحيفة دنيا الوطن بتاريخ 21 / 3 / 2008

محمد مهدي روشن ــ دراسة دور الأمكنة في الديكور الشعري لمظفر النواب ــ إضاءات نقدية في الأدبين العربي والفارسي ــ جامعة آزاد الإسلامية في كرج ــ المجلد 7 العدد 25 بتاريخ31 / 3 / 2017 ص 93 ــ 118، 26 ص

رسول بالوي، عبد الحسين کعب عمير ــ صورة البطل التراجيدي في شعر مظفر النواب مجلة كلية التربية الأساسية للعلوم التربوية و الإنسانية المجلد 2017، العدد 36 (31 ديسمبر/كانون الأول 2017)، ص ص. 34-46، 13ص. جامعة بابل كلية التربية الأساسية

محمود حسان عبد اللطيف ــ مظفر النواب: خصوصية شاعر ما بين التفرد الشعري والنفي والإنكار ــ موقع مظفر النواب

فوزية لعيوس غازي الجابري ــ المرأة في شعر مظفر النواب / دراسة فنية وموضوعية

اسراء يونس ــ الإيقاع في شعر مظفر النواب ــ صحيفة الزمان 17 / 5 / 2020

علي بولعقل ــ الخطاب الشعري عند مظفر النواب دراسة سيميائية ديداكتيكية

الدكتور حسين سرمك ــ دراسة أسلوبية في شعر مظفر النواب ــ دار ضفاف للطباعة والنشر والتوزيع ــ الشارقة 2012

الدكتور خير الله سعيد ــ مظفر النواب – ذروة الابداع في الشعر الشعبي العراقي

كريم مرزة الأسدي ــ للعبقرية أسرارها... تشكّلها.... خصائصها.. دراسة نقدية مقارنة

سماح عادل ــ مظفر النواب.. شاعر بلون التمرد والحزن

ريسان الخزعلي ــ مظفر النواب.. الظاهرة الاستثنائية

جهانگير اميري، سعيد اکبري ــ دراسة تحليلية لمضامين شعر مظفر النواب

نوفل شاكر الخانقي ــ أشكال التعبير في شعر مظفر النواب ــ دار الشؤون الثقافية العامة

غزاي درع فاضل ــ الايقاع أنماطه ودلالاته في شعر مظفر النواب ــ رسالة ماجستير

أحلام يحيى ــ مظفر النواب، سجين الغربة والاغتراب / دراسة نقدية وحوار ــ نينوى للدراسات والنشر والتوزيع 2005

علي عنبر السعدي ــ بين سوريالية سيلفادور دالي اللونية، ولوحات مظفر النواب الشعرية / دراسة نقدية ـــ موقع دراسات نقدية بتاريخ 3 / 11 / 2015

محمد حسن عباس زيدي ــ تشكل المكان وتحولاته في النص الشعري، دراسة في نتاج الشاعر مظفر النواب ــ دمشق: تموز ديموزي 2018

جهاد سعداوي ــ سردية القصيدة في شعر مظفر النواب - دراسة في نماذج مختارة ــ 2017

أوس داوود يعقوب ــ مظفر النواب: شاعر الثورات والشجن ــ دار صفحات للدراسات والنشر 2010

علي ناصر كنانة ــ المنفى الشعري العراقي ص 111 ــ 123

عصام الشرتح ــ مظفر النواب شعرية النفي والاغتراب ــ دار عقل للنشر والدراسات والترجمة 2018

‏حاكم فضيل ــ الرؤى الشعرية:‏ ‏دراسة في شعر مظفر النواب ــ دار أمجد للنشر والتوزيع 2019

هاني الخير ــ مظفر النواب، شاعر المعارضة السياسية والغضب القومي ــ مؤسسة علاء الدين للطباعة والتوزيع 2004

الدكتور سلطان الزغول / البطركة الثقافية، دراسة في سلطة الأب وتمثيلاتها في الشعر العربي الحديث ص 43 ــ 45

باقر ياسين ــ مظفر النواب، حياته وشعره ــ دار البلد 2020

ميادة خضر علي ــ مظفر النواب.. رحلة الشعر والحياة ــ دار الحكمة للطباعة والنشر 2000

عبد المجيد عبد العزيز حامد ــ التواصل بالتراث الديني في شعر مظفر النواب ــ دار السعيد 2001

عبد الله شهير ــ مظفر النواب، ملامح ومميزات ــ دار التكوين للتأليف والترجمة والنشر 2018

نجاح نصار البطي ــ تجليات الخطاب الشعري عند مظفر النواب ــ دال للنشر والتوزيع،, 2011

المرفقات

كاتب : محمد طاهر الصفار