قال من قصيدة (درس وعبرة) وتبلغ (35) بيتاً:
هـمْ عـصـبةُ الحقِّ الذين استبسلوا وهـبـوا لـه فـي (كربلاءَ) دماءا
صرخوا بوجهِ الظلمِ صرخةَ ثائرٍ قـد هـدَّ صـرحـاً لـلـخـنـا وبـناءا
صالوا لـيـوثـاً لا يـهـابـونَ الرَّدى ومضوا إلى ربِّ الورى شهداءا
ومنها:
فتناثروا مثلَ النجومِ على الثرى مُذ أصبحوا في (كربلا) أشلاءا
وانظرْ إلى قبرِ الحسينِ فقد سما بـالـفـخـرِ حـتـى ناطحَ الجوزاءا
مـولايَ يـا رمزَ العُلا من هاشمٍ ومـنـارَ عـدلٍ طـبَّـقَ الأرجـــاءا
ومنها:
هُبُّوا كما هبَّ الحسينُ بـ (كربلا) لـلـحـقِّ بـل ثوروا له خلصاءا
فـالـحـقُّ لـمْ يـؤخـذْ بـقـولٍ عــابرٍ أو نـبـتـغـيـه تـضرُّعاً ودعاءا
أو نـرسـلُ الآهاتِ وهـيَ مساوئٌ في الثائرينَ ونرتجي الأعداءا
الشاعر
كاظم بن جواد بن صادق بن محمد الحلفي الربيعي، شاعر وإعلامي، ولد في بغداد وانتقل مع عائلته وهو صغير إلى كربلاء عام (1941) ولا يزال يقيم بها، بدأ مع الشعر الشعبي ثم انتقل إلى الفصحى، وهو حاصل على شهادة البكالوريوس في الهندسة الزراعية من جامعة بغداد ومارس التدريس في إعدادية زراعة كربلاء المهنية (ابن البيطار) حتى تقاعده فعمل محاضرا خارجيا في كلية الزراعة جامعة كربلاء
نشر قصائده في الصحف والمجلات وله مشاركات في المناسبات الدينية والوطنية وله أيضا سبعة دواوين شعرية وقد كتب الناقد الأستاذ علي حسين الخباز قراءة نقدية انطباعية عن ديوان الحلفي (اللؤلؤة اليتيمة) بعنوان (شعرية السؤال) قال فيها:
(تشترك عدة وسائل إجرائية في إنتاج النص الشعري الذي سيمثل سمات التمييز دون الوقوف عند شكل المنجز أو نوعه أو قواعد تجنيسه، وارتكزت المجموعة الشعرية (اللؤلؤة اليتيمة) للشاعر المبدع (كاظم جواد الحلفي الكربلائي) على أسلوبيات متعددة ومنها أسلوبية السؤال لينفتح عبرها على أفق أوسع مستثمراً ثراء دلالاته الفنية:
فـكـيـفَ وسـيِّـدُ الشهداءِ فيها تريبُ الخدِّ من عصفِ الرياحِ
وكيفَ وكفُّ من قُطعتْ يداهُ تـشـيرُ إلى الـحسينِ بخيرِ راحِ
تقولُ وهلْ وفيتُ أنـا بعهدي لنصرِ الـحـقِّ بالبيضِ الصفاحِ
يميل المشهد الشعري عند الشاعر الحلفي إلى اكتناز سمات الحدث التاريخي مع تدفق الشعورية بكل ما يمتلك التأريخ الولائي لأهل البيت (عليهم السلام) من جراح عميقة وحزن وثاب، فلذلك تخرج أدوات السؤال عنده عن تقنيات الجمل الاستفهامية كونها تسعى بيقظة الوعي الجمالي .. والسؤال الشعري أعمق واشمل وأوسع قدرة على خلق إنزياحات وتشكيلات شعرية مبدعة
وشعرية السؤال من الأنماط التي برزت في الأجيال الشعرية القديمة، وهي إحدى أهم المناحي الفكرية والدلالية والفلسفية التي تحرض على الشعرية وتفتح الباب لشعورية البوح، المعادلة الصعبة تكمن في حركة السؤال الذي يتحرك في آفاق استفهامية قلقة باحثة عن الحقيقة بينما مشروع الحلفي هو مشروع يقيني له ثبوتية مستقرة تجاه ما يبثه شعراً والسؤال اليقيني هو سؤال توكيدي، فنجد أن الاعتماد على السؤال في طرح قيم يقينية تعطي مساحة وافية لعملية التنامي والولوج إلى عمق الحدث التاريخي مع الاحاطة الكاملة بالولائية العميقة المعنى:
أينَ المدافعُ عن حِمانا في الوغى أيـنَ الـهزبرُ ومَن يرفُّ لواهُ
أينَ الـذي حـصدَ الرؤوسَ بسيفِه وسقى الحسامَ دماءها ورواهُ
وهناك العديد من الوسائل الاجرائية الأخرى التي تستوعب الممدوح كاستخدامات ياء النداء معابر الشجن ومتسع لاحتواء المخزون بوعي الولاء وتساهم في تضخيم الفضاء التعبيري
يا سـيدي يا مَن آتيتَ مُجدِّداً عـهـدَ الرسالةِ والخليقةُ تسعدُ
يا أبنَ النبيِّ وأنتَ خيرُ مُعلّمٍ هزَّ الطباقَ السبعَ وهوَ مُوسَّدُ
ويرى أهل النقد أن حضور ياء المنادى يمنح الشاعر عنصر الراوي العليم ليتفاعل يقينه بفاعلية الرمز الولائي المبارك وفاعلية التلقي المؤمن، وفاعلية الرؤى المؤسسة لخطاب شعري ولائي يشمل حيثيات المشهد الشعري، والمعلوم أن ياء المنادى تختص بالأسماء أو بالمقدرة منها وقد استخدمها الشاعر الحلفي لأغراض الندبة وللتوجع والتفجع باعتبارها حروف توكيد
يا ثاني الـسـبـطـيـن يـا ألـقَ الهدى يـا فـرقـداً مُـذ شـعَّ فـي الأكـوانِ
يا واحـداً أدمـى الـسـمـاءَ بـفـقــــدِه والأرضُ قد لبستْ ردا الأحزانِ
يا ابـنَ الـوصـيِّ ومـعـدنَ الـفـرقانِ وابـنَ الـهـزبـرِ وقاهرِ الشجعانِ
يا ابنَ البتولِ الطهرِ يا بدرَ الدجى وابـنَ الــنــبـــيِّ وزينةَ الـشـبَّـانِ
مشروع شعري يكشف عن طاقة شعرية متقدمة لشاعر كبير تمرّست تجربته بالشعر العمودي والشعبي بكل بحورهما وتفنن فيهما وله سبعة دواوين مخطوطة وعن المحمول الأيماني، نبارك هذا الجهد الولائي
شعره
قال من قصيدة (درس وعبرة)
قِـف بـالـطـفـوفِ وأبِّـنِ الـشهداءا واذرفْ دموعَكَ لوعةً وعزاءا
واندبْ كراماً كالأضاحي جُزِّرتْ ولـيوثَ حربٍ هزَّتِ الأرجاءا
لمْ أنـسـهـمْ لـلـمـوتِ حين تسابقوا دون ابـنِ فـاطـمةِ البتولِ فداءا
هُـمْ صـفـوةُ الـقـومِ الـكرامِ وأنجمٌ شـعَّـتْ لـتـهـتـكَ لـيـلـةً لـيـلاءا
ومنها:
أبـا الأئـمَّــةِ أنــتَ فـكـرٌ نــــيِّــرٌ هتكَ الدجى فأنارَه وأضاءا
وأعـادَ تـنـظـيـمَ الـحـيـــاةِ لأمَّــةٍ وأزاحَ عـنها الفتنةَ العمياءا
هو ذا الحسينُ وواجبٌ أن نقتدي فيهِ ونـسلكُ دربَه الوضَّاءا
وقال من قصيدة (حبيب الأرض والسماء) وتبلغ (20) بيتاً:
بـعـبـابِ بـحـرِكَ مركباً تلقاني أمـضـي وحـبُّــكَ آيــةٌ ترعاني
مذ جئتُ للدنيا وأنـتَ حـقـيقتي وتـفـكّـري وتــأمُّــلــي وبـياني
يا خامسَ الآلِ الـكرامِ ومَن بهِ عُــقِـــدَ اللواءِ لـعـزةٍ وتـــفـــانِ
بكَ تستثيرُ مـشـاعري وجناني وتموجُ عـطـراً ريشتي ولساني
ويـشـقُّ لـلـعـلـياءِ بحراً زاخراً بـالـصـالـحاتِ بـقـوةٍ ســفّــانــي
وتسيرُ في بحرِ الودادِ مراكبي سـكـرى بـخـمرِ ودادِكَ الربّاني
وتطيرُ في أجواءِ حبّكَ فـكرتي لتصوغَ مِن أغلى الجمانِ معانِ
يا ثاني السبطين يا ألـقَ الـهدى يا فـرقـداً مُـذ شــعَّ في الأكـوانِ
يـا واحـداً أدمـى الـسـماءَ بفقدِهِ والأرضُ قد لبستْ ردا الأحزانِ
يا ابنَ الوصيِّ ومعدنَ العرفانِ وابـنَ الـهِـزَبْـرِ وقـاهرَ الشجعان
وقال من قصيدة (سفينة النجاة) وهي في مولد الإمام الحسين (عليه السلام) وتبلغ (19) بيتاً:
وُلدتَ فصرتَ لـلـدنيا ضياءا وأتــرعـتَ الـمـحـبَّــةَ والـولاءا
بفيضِ معينِكَ المثري عطاءا إلى الأحـرارِ بــدءاً وانــتـهـاءا
مشقتَ حسامَ عزٍّ لـيـسَ يـنبو فأرديـتَ الـمـكـيـدةَ والــدهـــاءا
على دينِ الـنـبـيِّ وخـيـرِ هادٍ أنـارَ الـكـونَ فـخـراً وازدهــاءا
يَـعُـبُّ الـثـائرونَ هواكَ شوقاً وغيرَ هواكَ ما راموا ابـتــغاءا
أبا الأحرارِ حسبي حين أشدو بطيبِ ولاكَ صبحي والـمساءا
إذا مـا الـنـاسُ تـفـخرُ بانتماءٍ لـغـيـرِكَ لا أحـــبُّ الإنــتـــماءا
وإن روَّتْ ظماها مـن فـراتٍ رضيتُ بنبعِكَ الصافي ارتواءا
وقال من أخرى فيه (عليه السلام) أيضاً تبلغ (30) بيتاً:
آمـنتُ فيكَ أبا الأحـرارِ صـاعـقـةً حـلّـتْ فـأودتْ بــهـم خـسـفاً ومُنقلبا
وأسـلـمـتـهـمْ لـكـيـدِ الدهرِ ينهشهمْ صرفُ الزمانِ فـأمسى الكلُّ منتهبا
وصـيّـرتـهـمْ لـيـالـي البؤسِ مأدبةً لـلـعـابـثـيـنَ ومَــن لـلـنـهـبِ قد وثبا
بـقـيـتَ طـوداً وكلُّ الناسِ تحضنُه وكنتَ شمساً تضـيءُ الـبدرَ والشُهُبا
وأنـتَ نـورُ عـمـــودِ اللهِ مُـنـتـشـرٌ فـوقَ الـبـريَّـةِ وهّـــاجــاً ومـا حُجِبا
أتـيـتَ كـي تُـصلحَ الدنيا برمَّـتِــهـا والحقُّ في شرعةِ المختارِ قد وُجِـبا
أظهرتْ من عزمِكَ الـجـبَّارِ أمنعَه ومـن عُلاكَ مـلاكـاً يمتطي السـحبُا
لـكـنـمـا هـمْ أرادوا الـنفسَ مرغمةً لـلـجـبتِ حتى أذلَّ الناسَ واغتـصبا
الـفـكـرُ والـرأيُ والأمـوالُ أجمعُها وصـارَ نـاراً عـلـيـهمْ تأكلُ الحـطبا
من بعدِكَ القومُ عضُّوا أصبعاً ندماً مذ شاهدوا كفَّهم مـمَّـا جـنـوا تـربـا
هـذي عـواقـبُ مـن باعوا عقيدتَهم من أجلِ أن يشتروا الألقابَ والرتبا
وقال من قصيدة (حُلمٌ يَتَحَقَّقْ) وقد كتبها الشاعر بمناسبة زيارته الأولى لقبر خاتم الأنبياء محمد (صلى الله عليه وآله):
يا سـيِّـدَ الأكـوانِ أنـظـرْ حـالـهــــا أو مـا تُـعـانـيـهِ مـن الأفـعــالِ
غاصتْ إلى الأذقـانِ فـي أدرانِــها والصـالـحـونَ تـمزَّقوا بالحالِ
ولقد أعيدَ الطفُّ في أرضِ الحمى ويـزيدُ في حِـلٍّ وفـي تـرحـالِ
وخوارجُ العصرِ الحديثِ تقاطروا وَأَتَوا بسيفِ أبي الخنا ورغالِ
يـتـسـابـقـونَ عـلى الفريسةِ والدما كـتـسـابقِ الخنـزيرِ والـرئـبـالِ
يـبـغـونَ هـدمَ الدينِ باسمِ صلاحهِ وصـلاحُــــه وفـلاحُـه في الآلِ
اترك تعليق