193 ــ رجب البرسي: (733 ــ 813 هـ / 1333 ــ 1411 م)

رجب البرسي: (733 ــ 813 هـ / 1333 ــ 1411 م)

قال من قصيدة في أهل البيت (عليهم السلام) تبلغ (113) بيت ومنها في رثاء الإمام الحسين (عليه السلام):

يا ليتَ عينكَ والحسينُ بـ(كربلا)     بينَ الطغـــاةِ عن الحريمِ يكافحُ

والـعادياتُ صـــواهـلٌ وجـوائـلٌ     بالشوسِ في بحرِ النجيعِ سوابحُ

والبيضُ والسمـرُ الـلدانُ بـوارقٌ     وطـوارقٌ ولـوامـــــعٌ ولـوائـحُ (1)

ومنها:

يضحى الحسينُ بـ(كربلاءَ) مُرمَّلاً      عريانَ تكسوهُ الترابَ صحاصحُ

وعـيــــالـه فـيـهـا حـيـارى حـسَّـرٌ     لـلـذلِّ فـــي أشـخـاصـهنّ ملامحُ

يُسرى بهمْ أسرى إلى شرّ الورى     من فوقِ أقـــتابِ الجمالِ مضابحُ

وقال من أخرى في رثاء الإمام الحسين (عليه السلام) تبلغ (160) بيتاً:

بكربِ البـلا في (كربلاء) وقد رُمي      بعادٍ وشطّت دارهمْ وسطتْ جندُ

وقد حدّقتْ عينُ الردى حين أحدقتْ     عتاةٌ عــداةٌ ليسَ يُحصى لهمْ عَدّ

وقد أصبحوا حلاً لهم حين أصبحوا     حـلـولاً ولا حـــلٌّ لديهمْ ولا عقدُ (2)

ومنها:

أيقتل ظمآناً حـــــــــسينٌ بـ(كربلا)     ومن نحرِه البيضُ الصقالُ لها وردُ

وتضحى كريماتُ الحسينِ حواسراً     يلاحظــــها في سيرِها الحرُّ والعبدُ

ولـيـسَ لأخـذِ الـثـأرِ إلا خــــلـيـفـةً     هـوَ الخلــــفُ المأمولُ والعلمُ الفردُ

وقال من حسينية أخرى تبلغ (128) بيتاً:

لكن تذكّرتُ مولايَ الحسيـــــــــنِ وقدْ     أضحى بكربِ البلا في (كربلاء) ظمي

ففاض صبري وفاضَ الدمعُ وابتعدَ الـ     ـرقـادُ واقـــــــــــــتــربَ السـهادُ بالسقمِ

وهامَ إذ همّتِ العبــــــــــراتُ من عدمٍ     قـلبي ولم أستطعْ مــــــع ذاكَ منعَ دمي (3)

ومنها:

بـ(كربلا) هذه تُــــدعى فقالَ: أجل     آجالنا بين تلكَ الهضبِ والأكمِ

حطو الرحالَ فحالُ الموتِ حلَّ بنا     دون الـبـقاءِ وغيرُ اللهِ لَم يــدمِ

يا للرجالِ لخطبٍ حــلَّ مخترمِ الـ     آجالَ معتدياً في الأشهرِ الحرمِ

الشاعر

الشيخ رضي الدين رجب بن محمد بن رجب البرسي الحلي المعروف بـ (الحافظ) عالم ومحدِّث وأديب ومصنِّف وشاعر (4)، وقد جاء لقبه (البرسي) نسبة إلى مسقط رأسه (برس) وهي قرية كانت فيما مضى بين الكوفة والحلة، ثم انتقل إلى الحلة وسكنها، (5) وفي ذلك يقول:

وفي المولدِ والمحتدِ     برسياً وحليا (6)

أما وفاته فقيل في مسقط رأسه برس (7) وقيل في رجب البرسي قصبة أردستان التي هي على مراحل من أصبهان في وسط بستان (8)

وجاء لقبه (الحافظ) لكثرة حفظه الأحاديث والروايات والأخبار وخاصة التي تخص أهل البيت (صلوات الله عليهم)، أما شعره فلم يعرف له شعر إلا فيهم (عليهم السلام). (9)

وقال هادي كمال الدين عن لقبه الحافظ: (إما لضبطه مائة ألف حديث متنًا وإسناداً في مصطلح علم الحديث، أو لحفظه القرآن الكريم عن ظهر قلب مع الوقوف على دقائق علم التجويد وإتقان القراءات السبع في مصطلح علوم القرآن. ولا يستبعد جمعه المعنيين، فهو من وعاة الحديث الشريف، ومن القراء الممتازين) (10)

وكان البرسي معاصراً للشيخ مقداد السيوري، وابن المتوج البحراني وسعد الدين التفتازاني, والجرجاني وهو يروي عن شاذان بن جبرئيل بن اسماعيل القمي (11)

وكان البرسي عالماً جليلاً وفقيهاً محدثاً أثنى عليه أعلام الإمامية.

قال عنه الحر العاملي: (كان فاضلاً مُحدّثاً شاعراً مُنشئاً أديباً). (12)

وقال الشيخ عباس القمي: (شيخ فاضل محدث شاعر منشئ أديب صاحب مشارق الأنوار وغيرها) (13)

وقال عنه علي الخاقاني: (تضلع بمختلف العلوم كالتفسير والحديث والأدب وأسرار الحروف). (14)

وقال عنه الشيخ عبد الله الأصفهاني: (الفقيه المحدث الصوفي صاحب كتاب مشارق الأنوار المشهور وغيره، كان من متأخري علماء الإمامية لكنه متقدم على الكفعمي صاحب المصباح وكان ماهراً بأكثر العلوم وله يدٌ طولى في علم أسرار الحروف والأعداد ونحوها كما يظهر من تتبع مصنفاته ....) (15)

وقال عنه السيد جواد شبر: (كان فقيهاً حافظاً محدثاً أديباً شاعراً مصنفاً في الأخبار وغيرها...) (16)

وقال عنه الخوانساري: (المولى العالم العامل، الشيخ المرشد الكامل، والقطب الواقف الأنسي، والإنس العارف القُدسي). (17)

وقال عنه الشيخ علي كاشف الغطاء: (كانَ مُحدِّثاً حافظاً، إخبارياً، أديباً، شاعراً، وأغلب شعره في أهل البيت)  (18)

وقال عنه الشيخ محمد السماوي: (كان فقيهاً محدثاً حافظاً، أديباً شاعراً، لم يعرف له شعراً إلا في أهل البيت، وكان مصنفاً في الأخبار وغيرها) (19)

وقال عنه الشيخ عبد الحسين الأميني: (من عرفاء علماء الإمامية وفقهائها المشاركين في العلوم، على فضله الواضح في فن الحديث، وتقدمه في الأدب وقرض الشعر وإجادته، وتضلعه من علم الحروف وأسرارها واستخراج فوائدها، وبذلك كله تجد كتبه طافحة بالتحقيق ودقة النظر، وله في العرفان والحروف مسالك خاصة ...) (20)

وقال الشيخ محمد علي اليعقوبي: (سكن الحلة وهو من أشهر علمائها في أواخر القرن الثامن طويل الباع واسع الاطلاع في الحديث والتفسير والأدب وعلم الحروف) (21)

وقال عنه عمر رضا كحالة: (عالم محدث شاعر) (22)

وقال هادي كمال الدين: (من الأدباء اللامعين رقيق الإحساس سامي الشعور، له اليد الطولى في كثير من العلوم العقلية والفقهية) (23)

وقال عنه حسين الشاكري: (له اطلاع واسع في الحديث والتفسير والأدب وعلم الحروف والأعداد) (24)

كما دلت مؤلفاته على علمه الواسع وتبحره في التاريخ ومن مؤلفاته:

1 ــ أسرار الأئمة

2 ــ أسرار الحروف

3 ــ الأبواب الستة عشر في الحديث

4 ــ الألفين في وصف سادة الكونين.

5 ــ -إنشاء التوحيد والصلوات على النبي وآله الأئمة الهداة عليهم السلام

6 ــ تفسير سورة الإخلاص.

7 ــ خواص أسماء االله الحسنى

8 ــ الدر الثمين في خمسمائة آية نزلت من كلام رب العالمين في فضائل مولانا أمير المؤمنين باتفاق أكثر المفسرين من أهل الدين.

9 ــ مشارق أنوار اليقين في حقائق أسرار أمير المؤمنين: وهو أشهر مؤلف له

10 ــ لمعة الكاشف في أسرار الأسماء والصفات والحروف والآيات وما يناسبها من الدعوات ويقاربها من الكلمات

11 ــ لوامع أنوار التمجيد وجوامع أسراره في التوحيد. في علم الكلام والعقائد

12 ــ مشارق الأمان ولباب حقائق الإيمان.

13 ــ مواليد الأئمة وفضائلهم

14 ــ -الندبة المهدية والتعزية الإمامية

15 ــ وحدة الوجود، كتاب في الفلسفة

16 ــ رسالة في الصلوات على الرسول والأئمة.

17 ــ رسالة في زيارة أمير المؤمنين (عليه السلام)..

18 ــ ديوان شعر (25)

تهمة الغلو

رغم جلالة هذا العالم الكبير الذي أفنى حياته في سبيل نشر فضائل أهل البيت وخاصة فضائل أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) إلا أنه مع الأسف اتهم بالغلو من قبل بعض الكتاب والمؤلفين.

قال عنه إسماعيل باشا البغدادي: (من غلاة الشيعة رافضي، حيث علماء الشيعة ينكرون عليه ما قاله) (26)

وفي الحقيقة أن البغدادي أجحف في قوله بإنكار علماء الشيعة عليه وقد ذكرنا أقوالهم فيه، وقد نقل كبار علماء الشيعة عنه كالكفعمي في كتابه المصباح (27) والمجلسي كما صرح بنفسه (28) وكل ما قاله البعض منهم أنهم شككوا في بعض رواياته في كتابيه مشارق أنوار اليقين، والألفين، من التي انفرد بها، يقول المجلسي وقد عد كتابي البرسي الآنفين من مصادره في بحار الأنوار:

(وكتاب مشارق الأنوار، وكتاب الألفين للحافظ رجب البرسي. ولا أعتمد على ما يتفرد بنقله لاشتمال كتابيه على ما يوهم الخبط والخلط والارتفاع، وإنما أخرجنا منهما ما يوافق الأخبار المأخوذة من الأصول المعتبرة) (29)

وقال الحر العاملي بعد الثناء عليه وذكر كتبه ومصنفاته: (وفي كتابه مشارق الأنوار إفراط وربما نسب إلى الغلو) (30)

وقال الشيخ علي كاشف الغطاء: (ومن مصنفاته مشارق الأنوار، وعد بكتابه هذا من الغالين وله شعر كثير مثبت فيه) (31)

وهذه الأقوال واضحة فهي إنما تنحصر في بعض العلماء من الشيعة لا كلهم، وفي بعض كتب البرسي لا كلها وفي بعض رواياتها، لا أنهم وصفوه شخصياً بذلك. وكلام الحر العاملي لا يوجب القطع حين قال: وربما نسب...

وقد انبرى الشيخ الأجل عبد الحسين الأميني بالرد على هذه التهمة وتفنيدها ودحضها حيث قال:

(له في ولاء أئمة الدين عليهم السلام آراء ونظريات لا يرتضيها لفيف من الناس، ولذلك رموه بالغلو والارتفاع، غير إن الحق أن جميع ما يثبته المترجم لهم عليهم السلام من الشؤون هي دون مرتبة الغلو غير درجة النبوة، وقد جاء عن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام قوله: إياكم والغلو فينا، قولوا: إنا عبيد مربوبون. وقولوا في فضلنا ما شئتم، وقال الإمام الصادق عليه السلام: اجعل لنا رباً نؤوب إليه وقولوا فينا ما شئتم، وقال عليه السلام: وقال عليه السلام: إجعلونا مخلوقين وقولوا فينا ما شئتم فلن تبلغوا.

وأنى لنا البلاغ مدية ما منحهم المولى سبحانه من فضائل ومآثر؟ وأنى لنا الوقوف على غاية ما شرفهم الله به من ملكات فاضلة، ونفسيات نفيسة، وروحيات قدسية، وخلائق كريمة، ومكارم ومحامد؟ فمن ذا الذي يبلغ معرفة الإمام؟ أو يمكنه اختياره؟ هيهات هيهات ضلت العقول، وتاهت الحلوم، وحارت الألباب، وخسئت العيون، وتصاغرت العظماء، وتحيرت الحكماء، وتقاصرت الحلماء، وحصرت الخطباء، وجهلت الألباء، وكلت الشعراء، وعجزت الأدباء، وعييت البلغاء عن وصف شأن من شأنه، وفضيلة من فضائله، وأقرت بالعجز والتقصير، وكيف يوصف بكله؟ أو ينعت بكنهه؟ أو يفهم شيء من أمره؟ أو يوجد من يقوم مقامه ويغني غناه؟ لا. كيف؟ وأنى؟ فهو بحيث النجم من يد المتناولين ووصف الواصفين، فأين الاختيار من هذا؟ وأين العقول عن هذا؟ وأين يوجد مثل هذا؟.

ولذلك تجد كثيراً من علمائنا المحققين في المعرفة بالأسرار يثبتون لأئمة الهدى صلوات الله عليهم كل هاتيك الشؤون وغيرها مما لا يتحمله غيرهم، وكان في علماء قم من يرمي بالغلو كل من روى شيئا من تلكم الأسرار حتى قال قائلهم: إن أول مراتب الغلو نفي السهو عن النبي صلى الله عليه وآله إلى أن جاء بعدهم المحققون وعرفوا الحقيقة فلم يقيموا لكثير من تلكم التضعيفات وزنا، وهذه بلية مني بها كثيرون من أهل الحقائق والعرفان ومنهم المترجم، ولم تزل الفئتان على طرفي نقيض، وقد تقوم الحرب بينهما على أشدها، والصلح خير.

وفذلكة المقام أن النفوس تتفاوت حسب جبلاتها واستعداداتها في تلقي الحقائق الراهنة، فمنها ما تبهظه المعضلات والأسرار، ومنها ما ينبسط لها فيبسط إليها ذراعاً ويمد لها باعاً، وبطبع الحال أن الفئة الأولى لا يسعها الرضوخ لما لا يعلمون، كما أن الآخرين لا تبيح لهم المعرفة أن يذروا ما حققوه في مدحرة البطلان، فهنالك تثور المنافرة، وتحتدم الضغائن، وتحن نقدر للفريقين مسعاهم لما نعلم من نواياهم الحسنة وسلوكهم جدد السبيل في طلب الحق ونقول:

على المرءِ أن يسعى بمقدارِ جهدِه     وليسَ عليه أن يكونَ مُوفّقا

ألا إن الناس لمعادن كمعادن الذهب والفضة وقد تواتر عن أئمة أهل البيت عليهم السلام: أن أمرنا، أو حديثنا. صعب مستصعب لا يتحمله إلا نبي مرسل أو ملك مقرب، أو مؤمن امتحن الله قلبه بالايمان، إذن فلا نتحرى وقيعة في علماء الدين ولا نمس كرامة العارفين، ولا ننقم من أحد عدم بلوغه إلى مرتبة من هو أرقي منه، إذ لا يكلف الله نفسا إلا وسعها. وقال مولانا أمير المؤمنين عليه السلام لو جلست أحدثكم ما سمعت من فم أبي القاسم (صلى الله عليه وآله) لخرجتم من عندي وأنتم تقولون: إن عليا من أكذب الكاذبين.

وقال إمامنا السيد السجاد عليه السلام: لو علم أبو ذر ما في قلب سلمان لقتله، ولقد آخا رسول الله صلى الله عليه وآله بينهما فما ظنكم بسائر الخلق وكلا وعد الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيماً) (32)

ثم يقول:

(على أنا سبرنا غير واحد من مؤلفات البرسي فلم نجد فيه شاهداً على ما يقول، وستوافيك نبذ ممتعة من شعره الرائق في مدائح أهل البيت عليهم السلام ومراثيهم وليس فيها إلا إشادة إلى فضائلهم المسلمة بين الفريقين أو ثناء جميل عليهم هو دون مقامهم الأسمى، فأين يقع الارتفاع الذي رماه به بعضهم) (33)

ثم يستعرض الأميني المواضع التي اتهم فيها البرسي بالغلو ويطابقها بالأحاديث والروايات الواردة في حق أهل البيت (عليهم السلام) في مصادر الفريقين. وبعد أن يوجد التطابق يقول:

(هذه‌ جملة‌ ما وقفنا عليه‌ من‌ شعر شيخنا الحافظ‌ البرسي‌ّ وهي‌ 540 بيتاً، ولا يوجد فيها ـ كما ترى ـ شيء ممّا يُرمي‌ به‌ من‌ الارتفاع‌ والغلو، أما حقيقة‌ الأمر، كما قال‌ هو:

وظنّوا وبعضُ الظنِّ إثمٌ وشنّعوا     بأنَّ امـتـــداحي‌ جاوزَ الحدّ وَالعدَّا

فَو اللَهِ ما وصفي‌ لها جـــازَ حدَّهُ     ولكنَّها في‌ الحسنِ قَد جازتِ الحدَّا) (34)

كما رد الشيخ اليعقوبي على هذه التهمة بالقول: (ولا يخفى على القارئ البصير إن هذا الشعر وما أشبهه من مدح النبي وآله الطاهرين (عليهم السلام) والتوسل بهم إلى الله تعالى لا يجوز التسرّع في الحكم على صاحبه بالغلو مهما كان فيه من المبالغة في المدح والثناء فإن من تصفح دواوين الشعراء الأقدمين وجد فيها ما هو أعظم في حق الملوك والخلفاء والعظماء الذين يتشرّفون بالانتماء إلى آل الرسول (صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله ‌وسلم) نسباً أو سبباً ....) (35)

وكما فعل الأميني يستعرض اليعقوبي المواضع في الأشعار التي اتهم فيها البرسي بالغلو ويطابقها مع مجموعة كبيرة من أشعار الشعراء في مدح الملوك والسلاطين فيجد أنهم فاقوا البرسي بمدح أشخاص هم دون مقام أهل البيت (عليهم السلام) (36)

وقال السيد علي البروجردي: (وربما ينسب إلى الغلو وهو بريء منه) (37)

وقال هادي كمال الدين: (وله مدائح جليلة في أئمة أهل البيت عليهم السلام، أثارت ضده حفيظة المخالفين وسخطهم فوصمه بعضهم بغلوه في تلك المدائح، أما الواقع فليس هناك غلو وكل ما يشعر الغلو فبالإمكان حمله على محمل صحيح، والأعمال بالنيات، ولكل امرئ ما نوى فبعد ثبوت علمه وصلاحه وورعه فلا تصح مغالاته لقدحها بورعه، والقول بهما جامع للنقيضين، وهو لا يكون، وكيف يغالي وقد نشأ في بيئة شيعية هي الحلة التي لا تسمح للغلو أن يعشعش فيها...) (38)

وقال الباحث حيدر عبد الرسول عوض: (وما الذي نقموا من الشيخ رجب؟ نقموا  ــ واالله ــ منه تبحره في كتاب االله وسنة نبيه وحبه الجنوني لأهل بيت رسول االله (صلى االله عليه وآله وسلم)، فهو عابس زمانه ومظلوم أقرانه..) (39)

شعره

قال مصطفى كامل الشيبي: (وجدنا في شعره نفحة روحانية تذكر بصفاء المتصوفة وتوجههم إلى المثل الأعلى .. لقد ذاب البرسي فيما يمكن أن يسمى بالحقيقة العلوية، فصفت نفسه فناء فيها فصار شعره روحا تسري في علي وتعبر عن الحب الجارف الذي يكنه له..) (40)

قال البرسي في مدح النبي (صلى الله عليه وآله) تبلغ (19) بيتاً:

أضــاءَ بـكَ الأفُـقُ المشـــــرقُ     ودانَ لمنطقِـكَ المـنــــطقُ

وكــنـتَ ولا آدمٌ كــــــــائــــنـاً     لأنّـكَ مـن كـــونِــه أسـبـقُ

ولـولاكَ لم تخـــلقِ الكـــائناتُ     ولا بانَ غـربٌ ولا مشرقُ

تجلّيـتَ يا خــــاتمَ الـــمرسلين     بشأوٍ من الـفضلِ لا يلـحقُ

فـأنـــــــــــتَ لـنــــا أوّلٌ آخـرٌ     وباطنُ ظــاهـرِكَ الأسـبـقُ

تعـاليتَ عن صـــفةِ المادحين      وإن أطنـبوا فيكَ أو أعمقوا

فـمعناكَ حـــولَ الــورى دارة     على غـيبِ أسرارِها تحدقُ

وروحُـــكَ من ملكوتِ السماءِ     تـنـــــــزّل بالأمرِ ما يخلقُ

ونشركَ يسري عـلى الكائناتْ     فـــــــــكلٌ على قدرِه يعبقُ

إلـيـكَ قـلـوبُ جميــــــعِ الأنامِ     تـحـــــــنّ وأعــنـاقُها تعنقُ

وفيضُ أياديكَ في العــــالمين     بأنـــــــــهارِ أسرارِها يدفقُ

وآثارُ آياتِكَ الـبـيِّـــــــــــــناتْ     على جبهاتِ الورى تُشرقُ

فموسى الكليمُ وتــــــــــوراتُه     يـدلّانِ عـنــكَ إذا استنطِقوا

فيا رحمـــــةَ اللهِ في العالمينْ     ومَــــن كان لولاهُ لم يخلقوا

لأنكَ وجـــــــهُ الجلالِ المنيرِ     ووجهُ الجـمالِ الذي يشرقُ

وأنتَ الأميــــنُ وأنتَ الأمانُ     وأنـتَ تُـرتّـــــــــقُ ما يُفتقُ

أتى رجبٌ لكَ في عـــــــاتقٍ     ثـقـيلِ الذنـــــوبِ فهل يُعتقُ (41)

وقال في مدح أمير المؤمنين (عليه السلام) من قصيدة تبلغ (13) بيتاً:

روى فضلَه الحسَّادُ من عظمِ شأنه      وأعظمُ فضلٍ راحَ يرويــهِ حاسدُ

محبُّوه أخفوا فضلَه خيــــفةَ العدى     وأخـفـاهُ بـغـضاً حاســــدٌ ومعاندُ

وشاعَ له من بين ذينِ منـــــــــاقبٌ     تجلُّ بـأن تُحصى وإن عدَّ قاصدُ

إمـامٌ لـه فـي جـبـهـةِ المـــجدِ أنجمٌ     تعالتْ فلا يدنو إليـــــــهنَّ راصدُ

فضائله تسـمو على هامةِ الســــما     وفي عنقِ الجـــــوزاءِ منها قلائدُ

وأفـعـالـه الغرُّ المحجَّـــــــــلةُ التي     تُضوَّعُ مسكاً من شذاها المشاهدُ (42)

وقال من قصيدته الدالية التي قدمناها وهي في رثاء الحسين (عليه ‌السلام) وتبلغ (160) بيتاً:

فيا لكَ مـقـتـولاً بـكــــتـه السما دماً     وثُـلَّ سـريــــرُ العــزِّ وانهـدمَ المجدُ

شهيداً غريباً نــــازحَ الـدارِ ظـامياً     ذبيـحاً ومـــن سـافي الوريدِ له وردُ

بـروحـي قـتيــــلاً غسله من دمائِهِ     سـلـيــــباً ومن سـافي الرياحِ له بردُ

وزينبُ حسرى تندبُ الندبُ عندها      من الحزنِ أوصابٌ يضيقُ بها العدّ

تجاذبنا أيدي الـعـدى بــــعد فضلِنا     كـأن لـم يـكــــن خــيرُ الأنامِ لنا جدُّ

وتمسي كريماتُ الحسينِ حـواسراً     يلاحظها في سيـــــرِها الحرُّ والعبدُ

وقال من قصيدة في أمير المؤمنين (عليه السلام) تبلغ (12) بيتاً:

هوَ الشمسُ أم نورُ الضريحِ يلوحُ      هوَ المسكُ أم طيبُ الوصيِّ يفوحُ

له النـــصُّ في يومِ الغديرِ ومدحُه     مِن اللهِ في الذكــرِ المبينِ صريحُ

إمـامٌ إذا مــا الـمـرءُ جـاءَ بـحـبِّـه     فـمـيـزانُـه يـومَ المــــــعادِ رجيحُ (43)

وقال في مدح أهل البيت (صلوات الله عليهم) من قصيدته التي تبلغ (113) بيتاً:

آل الـنـبـيّ بـنـو الوصيّ ومـنبـعُ الـ     ـشـرفِ الـعــــلـيّ وللعلومِ مــفاتحُ

خـزّانِ عــــــــــلـمِ اللهِ مهبـط وحيهِ     وبـحـارُ عـــلمٍ والأنامُ ضــحاضحُ

الـتـائـبــــونَ الـعـابـدونَ الــحـامـدو     نَ الـذاكــــرونَ وجنحُ لــيلٍ جانحُ

الـصـائـمـونَ الـقـائـمـونَ الـمطعمو     نَ الــــمـؤثـرونَ لـهــم يدٌ ومـنائح

عند الجدى سحبٌ وفي وقتِ الهدى      سمـــتٌ وفي يومِ الــنزالِ جحاجحُ

هـمْ قـبـلـةٌ لـلـسـاجـديــــنَ وكـعـبـةٌ     لـلــــطـائـفـينَ ومــشعــــرٌ وبطايحُ

طرُقُ الهدى سُفنُ النجـــــاةِ محبّهم     مـيـزانُـه يـومَ الــــــقـيــامـةِ راجحُ

ما تبلغُ الشعراءُ منهـــــــم في الثنا     واللهُ في الـسـبــــــعِ الـمـثاني مادحُ

نسبٌ كمنبلجِ الصبـــــــاحِ ومنتمىً     زاكٍ لـه يـعــنــــو الـسماكُ الرامـحُ

الجدُّ خيرُ الـمرسـلـيـنَ مــــحمّدُ الـ     ـهادي الأمــيــنُ أخو الختامِ الفاتـحُ

هو خــاتـمٌ بـل فـــــاتـحٌ بـل حـاكـمٌ     بل شــاهدٌ بـل شافـعٌ بـل صـــافحُ

هو أوّلُ الأنـوارِ بـل هـوَ صفوةُ الـ     ـجـــبّـارِ والـنــشـرُ الأريــجِ الفائحُ

هوَ سيّدُ الكونينِ بـل هوَ أشـرفُ الـ     ـثــقـلـيـنِ حــقّـاً والـــنذيرُ الناصحُ

لولاكَ ما خُلقَ الـــزمـانُ ولا بـدت      للعالـمـيـنَ مَـســــاجـدٌ ومـصـــابحُ

والأمُّ فاطمةُ الـبـتـولِ وبـضـعـةُ الـ     ـهادي الرسولِ لها المهيمنُ مــانحُ

حـوريّـة إنـسـيّــــــــــــة لـجـلالِـهـا     وجمـالِـهـا الـوحي المنزّلُ شــارحُ

والوالدُ الطهرُ الوصـــيُّ المرتضى     عَـلم الهـــــداية والمنارُ الــواضحُ

مـولـىً لـه الـنـبـأ الـعـظيمُ وحبّه الـ      نـهـــجُ القويمُ بـه المتـــاجرُ رابحُ

مولىً له بغديرِ خــــــــــــمٍّ بــيـعـةٌ      خضعت لها الأعناقُ وهي طوامحُ

أسـدُ الإلـهِ وسـيــــــــــ ـفُـه وولـيّـه     وشـقـيـقُ أحـمدَ والوصيُّ الناصحُ

وبعضـدِه وبـعـضـبِـــــه وبـعـزمِـه     حــــــــقّـاً عـلـى الكفّارِ ناحَ النائحُ

يا ناصـرَ الإسـلامِ يـا بـابَ الـهـدى     يا كـاسرَ الأصنـــــامِ فهي طوائحُ

وقال في الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) من قصيدته التي تبلغ (128) بيتاً:

أيا بني الوحي والذكرِ الحكيمِ ومَن     ولاهـــــــمُ أملي والبرءُ من ألمي

حزني لكـــــم أبداً لا ينقضي كمداً     حتى الممات وردّ الروحِ في رممِ

حتّى تـعـودُ إلـيــكـم دولـةُ وعـدت     مـهـديّـة تـــــــمـلأ الأقطارَ بالنعمِ

فليسَ لـلـديـنِ مــن حـامٍ ومُنتصرٍ     إلا الإمامُ الفتى الــــــكشّافُ للظلمِ

الـقـائـمُ الـخـلـــفُ الـمـهديُّ سيِّدُنا     الطاهرُ العلمُ ابنُ الطـــــاهرُ العلمُ

وقال في التمسك بالأئمة المعصومين (عليهم السلام):

إذا رمتَ يومَ البعثِ تنجو من اللظى     ويُقبل منكَ الديــــــنُ والفرضُ والسننْ

فـوالِ عـلـــــــــــــــياً والأئـمـةَ بـعده     نجومَ الهدى تنجو من الضيقِ والمحنْ

فـهـمْ عـتـرةٌ قـد فــــــوَّضَ اللهُ أمـرَه     إلـيـهـم لما قد خصَّــــــــهم منه بـالمِننْ

أئـمـةُ حـقٍّ أوجــــــــــبَ اللهُ حـقّـهـمْ     وطـاعـتهمْ فرضٌ بها الخــــلقُ تمـتحنْ

نصحتُكَ أن ترتابَ فيهــــــــمْ فتنثني      إلى غيرِهم من غيرِهم في الأنـامِ مَـن؟

فـحـبُّ عـلـيٍّ عــــــــــــــــدُّةٌ لـولـيِّـه     يـلاقـيـه عـنـد الـمـوتِ والـقـبرِ والكفنْ

كذلكَ يومُ البعــــــــــــثِ لم ينج قادمٌ      مـن الـنـارِ إلّا مــــن تـولّـى أبا الحسنْ (44)

........................................................................

1 ــ ديوان الحافظ رجب البرسي الحلي / تحقيق حيدر عبد الرسول عوض ــ إشراف مجمع الإمام الحسين العلمي لتحقيق تراث أهل البيت (عليهم السلام) ط1 1436 هـ / 2015 م ص 61 ــ 77

2 ــ نفس المصدر ص 80 ــ 103

3 ــ ــ نفس المصدر ص 142 ــ 162

4 ــ شعراء الحلة ج 2 ص 368

5 ــ البابليات ج 1 ص 118

6 ــ ديوانه ص 170

7 ــ الحوزة العلمية في الحلة لعبد الرضا عوض ص 337

8 ــ روضات الجنات للخوانساري ج ٣ ص ٣٤٥ / الفوائد الرضوية للقمي ج ١ ص ٣٠٨

9 ــ الغدير ج 4 ص 38 / الطليعة ج 1 ص 74

10 ــ فقهاء الفيحاء ج 2 ص 319

11 ــ البابليات ج 1 ص 118

12 ــ أمل الآمل ج 2 ص 117

13 ــ الكنى والألقاب ص 122

14 ــ شعراء الحلة ج 2 ص 368

15 ــ رياض العلماء ص 304

16 ــ أدب الطف ج 4 ص 232

17 ــ روضات الجنات ج 3 ص 337

18 ــ الحصون المنيعة في طبقات الشيعة ج 9 ص 207

19 ــ الطليعة ج 1 ص 74

20 ــ الغدير ج 4 ص 31 ــ 32

21 ــ البابليات ج 1 ص 118

22 ــ معجم المؤلفين ج 4 ص 153

23 ــ فقهاء الفيحاء ج 2 ص 309

24 ــ علي في الكتاب والسنة والأدب ج ٤ ص ٢٦٥

25 ــ شعراء الحلة ج 2 ص 270 ــ 371 / مقدمة الديوان ص 29 ــ 36

26 ــ هدية العارفين ج 1 ص 365

27 ــ الصلة بين التصوف والتشيع لمصطفى كامل الشيبي ص 224

28 ــ بحار الأنوار ج 1 ص 10

29 ــ نفس المصدر والصفحة

30 ــ أمل الآمل ج 2 ص 117

31 ــ الحصون المنيعة في طبقات الشيعة ج 9 ص 207

32 ــ الغدير ج 7 ص 33 ــ 34

33 ــ نفس المصدر ص 35

34 ــ نفس المصدر ص 65

35 ــ البابليات ج 1 ص 122

36 ــ نفس المصدر والصفحة

37 ــ طرائف المقال ج 2 ص 162

38 ــ فقهاء الفيحاء ج 2 ص 309

39 ــ الحافظ رجب البرسي الحلي، حياته وشعره / مجلة جامعة بابل ــ العلوم الإنسانية العدد 1 عام 2016 ص 127

40 ــ الصلة بين التصوف والتشيع ص 224

41 ــ ديوانه ص 127 ــ 128  

42 ــ نفس المصدر ص 103 ــ 105

43 ــ نفس المصدر ص 59 ــ 60

44 ــ نفس المصدر ص 165 ــ 166

كما ترجم للحافظ البرسي:

السيد محسن الأمين / أعيان الشيعة ج 3 ص 193 ــ 305

الشيخ أغا بزرك الطهراني / الذريعة إلى تصانيف الشيعة ج 2 ص 299 / ج 4 ص 335 / ج 8 ص 64 / ج 16 ص 255 / ج 18 ص 362 / ج 21 ص 33 و 34

الشيخ عباس القمي / الكنى والألقاب ج 2 ص 166

الشيخ يوسف الكركوشي / تاريخ الحلة ج 2 ص 134

السيد الخوئي / معجم رجال الحديث ج 8 ص 187

الدكتور سعد الحداد / الحسين في الشعر الحلي ج 1 ص 69

آمال عدنان أحمد ــ زينب فاضل مرجان / رجب البرسي بين الغموض والغلو مجلة جامعة بابل للعلوم الإنسانية المجلد 27 العدد 6 ــ 2019

المرفقات

كاتب : محمد طاهر الصفار