ما لا شك فيه إن الإمام المهدي بن الحسن العسكري (عجل الله فرجه) هو آخر اولياء الله تعالى, الذين أوصى النبي الاكرم(صلى الله عليه واله) التمسك بهم والسير على طريقهم, اذ فقال(صلى الله عليه واله) :" ... يا بن سمرة ، إن علياً مني ، روحه من روحي ، وطينته من طينتي ، وهو أخي وأنا أخوه ، وهو زوج ابنتي فاطمة سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين ، إن منه إمامي أمتي ، وسيدي شباب أهل الجنة الحسن والحسين ، وتسعة من ولد الحسين ، تاسعهم قائم أمتي ، يملاً الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً"[1]. ولا نخوض في تفصيلات وشرح الحديث, لأنه مدروس متناً وسنداً.
وقد يتساءل بعضهم عن كيفية وجوده والطريقة التي يخرج بها، وعن دولته الكريمة ؟, نعطيهم أدلتنا من القرآن الكريم, عن الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السلام) في تأويل قوله تعالى )خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنظُرُونَ مِن طَرْفٍ خَفِيٍّ( يعني ينظرون إلى الإمام الحجة (عليه السلام)[2] . أما عن ظهوره جاء ذلك في قوله تعالى ]وَأَذَانٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِن تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ( المراد من تفسير الآية: ظهور الإمام المهدي بن الحسن العسكري (عليهم السلام) وأذان دعوته إلى نفسه , هذا ما رواه الإمام محمد بن علي الباقر عن ابائه(عليهم السلام)[3].
وأشارت بعض الروايات عن النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) قوله:" لو لم يبق من الدنيا إلا ساعة واحدة لطول الله تلك الساعة حتى يخرج رجل من ذريتي ، اسمه اسمي, وكنيته كنيتي يملاً الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وعدواناً"[4] ، وروى عن جابر بن عبد الله الأنصاري , عن رسول الله قال: " المهدي من ولدي, اسمه اسمي, وكنيته كنيتي, أشبه الناس بي خلقاً وخلقا, تكون به غيبة وحيرة, تضل فيها الأمم, ثم يقبل كالشهاب الثاقب يملاءها عدلاً وقسطاً بعدما ملئت جوراً وظلماً".
ولذا وصف الإمام محمد بن علي (عليه السلام) الذين يغيب عنهم إمامهم قالاً : " يأتي على الناس زمان يغيب عنهم إمامهم، فطوبى للثابتين على أمرنا في ذلك الزمان، إن أدنى ما يكون لهم من الثواب إن يناديهم الباري تعالى فيقول : عبادي وإمائي آمنتم بسري وصدقتم بغيبي فابشروا بحسن الثواب مني، أنتم عبادي وإمائي حقاً منكم أتقبل وعنكم أعفو ولكم اغفر وبكم اسقي عبادي الغيث وادفع عنهم البلاء، لولاكم لأنزلت عليهم عذابي"[5].
وكما أوصى الإمام محمد بن علي الباقر جابر الجعفي, عند ظهور الإمام المهدي قال له يا جابر: "ألزم الأرض ولا تحرك يداً ولا رجلاً حتى ترى علامات أذكرها لك إن أدركتها, أولها اختلاف بني العباس، وما أراك تدرك ذلك، ولكن حدث به من بعدي عني، ومنادٍ ينادي من السماء ويجيئكم الصوت من ناحية دمشق بالفتح، وتخسف قرية من قرى الشام تسمى الجابية وتسقط طائفة من مسجد دمشق الأيمن، ومارقة تمرق من ناحية الترك، ويعقبها هرج الروم، وسيقبل إخوان الترك حتى ينزلوا الجزيرة، وستقبل مارقة الروم حتى ينزلوا الرملة، فتلك السنة يا جابر اختلاف كثير في كل أرض من ناحية المغرب, فأول أرض المغرب تخرب أرض الشام, يختلفون عند ذلك على ثلاث رايات: راية الأصهب، وراية الابقع، وراية السفياني، فيلتقي السفياني بالابقع فيقتتلون و يقتله السفياني ومن معه ويقتل الأصهب، ثم لا يكون له همة إلا الإقبال نحو العراق ويمر جيشه بقرقيسا، فيقتتلون بها فيقتل من الجبارين مائة ألف، ويبعث أرض تخرب السفياني جيشاً إلى الكوفة، وعدتهم سبعون ألفاً، فيصيبون من أهل الكوفة قتلاً وصلباً وسبياً, فبيناهم كذلك إذ أقبلت رايات من قبل خراسان ، تطوي المنازل طياً حثيثاً ومعهم نفر من أصحاب القائم، ثم يخرج رجل من موالي أهل الكوفة في ضعفاء فيقتله أمير جيش السفياني بين الحيرة والكوفة، ويبعث السفياني بعثاً إلى المدينة فينفر المهدي منها إلى مكة ، فيبلغ أمير جيش السفياني أن المهدي قد خرج إلى مكة ، فيبعث جيشاً على أثره فلا يدركه حتى يدخل مكة خائفاً يترقب على سنة موسى بن عمران, وينزل أمير جيش السفياني البيداء فينادي منادٍ من السماء , يا بيداء أبيدي القوم فيخسف بهم فلا يفلت منهم إلا ثلاثة نفر ، يحول الله وجوههم إلى أقفيتهم وهم من كلب وفيهم نزلت هذه الآية ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ آمِنُواْ بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُم مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا(، والقائم يومئذ بمكة ، وقد أسند ظهره إلى البيت الحرام، مستجيراً به ينادي يا أيها الناس إنا نستنصر الله ومن أجابنا من الناس ، وإنا أهل بيت نبيكم محمد ونحن أولى الناس بالله وبمحمد, فمن حاجني في آدم فأنا أولى الناس بآدم ، ومن حاجني في نوح فأنا أولى الناس بنوح ، ومن حاجني في إبراهيم فأنا أولى الناس بإبراهيم، ومن حاجني في محمد، فأنا أولى الناس بمحمد ، ومن حاجني في النبيين فأنا أولى الناس بالنبيين، أليس الله يقول في محكم كتابه ]إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ* ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ( فأنا بقية من آدم ، وذخيرة من نوح ، ومصطفى من إبراهيم، وصفوة من محمد، ألا ومن حاجني في كتاب الله فأنا أولى الناس بكتاب الله، ألا ومن حاجني في سنة رسول الله فأنا أولى الناس بسنة رسول الله، فأنشد الله من سمع كلامي اليوم لما بلغ الشاهد منكم الغائب, وأسألكم بحق الله ورسوله وبحقي, فان لي عليكم حق القربى من رسول الله إلا أعنتمونا، ومنعتمونا ممن يظلمنا، فقد أخفنا وظلمنا وطردنا من ديارنا وأبنائنا وبغي علينا، ودفعنا عن حقنا فأوتر أهل الباطل علينا, فالله الله فينا لا تخذلونا وانصرونا ينصركم الله , فيجمع الله عليه أصحابه ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً ، ويجمعهم الله على غير ميعاد ، قزعاً كقزع الخريف وهي يا جابر الآية التي ذكرها الله في كتابه] أَيْنَ مَا تَكُونُواْ يَأْتِ بِكُمُ اللّهُ جَمِيعاً إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (، فيبايعونه بين الركن والمقام ، ومعه عهد من رسول الله قد توارثته الأبناء عن الآباء، والقائم رجل من ولد الإمام الحسين يصلح الله له أمره في ليلة فما أشكل على الناس من ذلك يا جابر، فلا يشكل عليهم ولادته من رسول الله ، ووراثته العلماء عالما بعد عالم ، فان أشكل هذا كله عليهم فان الصوت من السماء لا يشكل عليهم إذا نودي باسمه واسم أبيه وأمه "[6].
ووردت روايات كثيرة تؤكد دخول الامام (عجل الله فرجه) بيت المقدس، فعن الامام علي (عليه السلام) انه قال:" ويسير المهدي حتى ينزل بيت المقدس ، وتنقل اليه الخزائن" [7]، وهذه الروايات وغيرها تؤكد ان الامام (عجل الله فرجه) يفرض سيطرته على المدن جميعها ويبدأ بتأسيس دولته بعد ان يجعل عليها الولاة ليحكمون بحكمه فيها.
ان هدف الامام الحجة هو اقامة دوله عالمية حدودها حدود الارض، لذا بعد ان ينتهي (عليه السلام) من الحروب الداخلية والقضاء على كل الحركات المضادة لمنهجه يتحرك باتجاه تحرير العالم ليقيم دولته المباركة ليسود العدل والمساواة بين اجناس العالم جميعها.
تنقل لنا الروايات عن الائمة (عليهم السلام) في دخول الامام المهدي(عجل الله فرجه) على الروم، فقد جاء عن الامام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) انه قال:" ثم يسير ومن معه من المسلمين ، لا يمرون على حصن ببلد الروم الا قالوا عليه : لا اله الا الله، فتتساقط حيطانه، ثم ينزل من القسطنطينية، فيكبرون تكبيرات ، فينشف خليجها، ويسقط سورها، ثم يسير الى رومية فاذا نزل عليها كبر المسلمون ثلاث تكبيرات، فتكون كالرملة على نشز"[8].
تستنتج من ذلك ان قيام دوله الامام (عجل الله فرجه) في اخر الزمان نتيجة حتمية للمسيرة البشرية الطويلة ، وبها يختم الصراع المرير بين بني البشر. لإقامة دوله العدل الالهي التي دعا اليها الانبياء (عليهم السلام) ، وان كل ما ورد في المقال وهو بحسب ما جاء في أحاديث اهل البيت (عليهم السلام) عن كيفية وجوده والطريقة التي يخرج بها، وعن دولته الكريمة وقائدها الامام الحجة بن الحسن (عجل الله فرجه).
جعفر رمضان
[1] أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين الصدوق ، عيون اخبار الرضا ، تحقيق: حسين الاعلمي , (طهران، 1378هـ )، ص 38 ؛ محمد بن الحسين بن علي الفتال النيسابوري ، روضة الواعظين ، تحقيق: مهدي السيد حسن الخرسان,(قم المقدسة، 1437)،ص 100 .
[2] أبي الحسن علي بن الحسين بن موسى القمي، تفسير القمي، تحقيق: طيب الجزائري ، (قم : مؤسسة دار الكتب للطباعة والنشر ، 1404 هـ )، ج2 ، ص586 .
[3] أبو النضر محمد بن مسعود بن عياش السلمي السمرقندي العياشي ، تفسير العياشي، تحقيق هاشم الرسولي المحلاتي,( طهران,1405)، ج 2 ، ص 82
[4] محمد بن يزيد القزويني ابن ماجه، سنن ابن ماجه، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي , (بيروت: مطبعة دار الفكر )، ج2 ، ص 929 .
[5] أبي الحسن علي بن الحسين بن موسى القمي ، الإمامة والتبصرة من الحيرة،(قم : مدرسة الإمام المهدي، 1404ه)، ص 120 -125
[6] ابو عبد الله محمد بن النعمان العكبري البغدادي المفيد ، لاختصاص ،(قم،1413)، ص 256 .
[7]علاء الدين بن حسام الدين البرهان فوري، كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال ، تحقيق: بكري حياني ، (بيروت ، 1409هـ)،ج14، ص589.
[8] عقد الدرر ، ص224.
اترك تعليق