أبعاد ثورة الإمام الحسين(عليه السلام ) على المستوى الفكري والثقافي ومواجهة التحديات الغربية

تمثّل ثورة الإمام الحسين(عليه السلام) في كربلاء محطةً مركزية في التاريخ الإسلامي، ليس فقط من حيث بعدها السياسي أو المأساوي، بل من حيث عمقها الفكري والثقافي، وقدرتها المستمرة على إلهام الوعي الإنساني في مواجهة الظلم، والانحراف، والتحديات الفكرية المتجددة، التي لا زالت تراقب المشهد الشيعي بحذر لما شاهده من تفاعل ملحوظ خلال فترة وجيزة، هي فترة الانفتاح الثقافي الديني الذي كان مكبوتاً من قبل النظام البائد، حيث كان دأبه منع وتحجيم مراسيم إحياء الشعائر العاشورائية، فكانت التحديات القادمة من الفضاء الثقافي الغربي، وبعد فشلها في أن تزعزع المنظومة الدينية بالأساليب الخبيثة المعهودة تحاول من خلال عناصرها، (الاعلام الأصفر) الاستمرار ببث السموم الفكرية، متناسين أن أتباع فكر أهل البيت(عليهم السلام) يمتلكون عقيدة صلبة لا يمكن أن تتفتت.

ومن هنا، تبرز الحاجة إلى استجلاء أبعاد ثورة الامام الحسين(عليه السلام) على المستوى الفكري والثقافي والتربوي، فضلاً عن قدرتها على مقارعة التحديات الفكرية الوافدة من الغرب.

أولًا: البُعد الفكري للثورة

لقد عبّرت ثورة الحسين(عليه السلام) عن موقف واضح من الانحراف العقائدي والسياسي الذي ضرب صميم المشروع الإسلامي بعد رحيل النبي (صلى الله عليه وآله) ، خاصة في ظل تحوّل الخلافة إلى ملك عضوض، وغياب جوهر العدل والشورى. فالحسين(عليه السلام) لم يخرج طلبًا إلا للإصلاح وإحياء(معالم الدين)كما قال في خطبته: (إني لم أخرج أشِرًا ولا بطرًا، ولكن خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي) هذه العبارة بحد ذاتها تشكّل منظومة فكرية كاملة في فهم وظيفة الإمامة، وأولويات النهضة، وحدود الموقف الأخلاقي أمام السلطان الجائر.

لقد كانت الثورة إعلانًا عن استقلال الضمير الديني، ورفضًا لشـرعنة الظلم باسم الإسلام. وهنا تتجلّى إحدى أهم رسائلها الفكرية: أن الدين لا يمكن أن يُفهم بمعزل عن القيم، ولا أن يُوظف لتبرير الاستبداد، وهي رسالة بالغة الأهمية في وجه كثير من التيارات الغربية التي تتهم الدين الإسلامي بأنه مصدر للعنف أو الاستسلام.

ثانيًا: البُعد الثقافي والتربوي

أسّست ثورة كربلاء لمدرسة من الوعي والتمرد على الذل، وغرست قيمًا تربوية عميقة مثل الكرامة، والصدق، والولاء للحق، والثبات على المبدأ، وهي قيم لم تكن مجرد شعارات، بل تجسّدت في سلوك الإمام الحسين وأهل بيته(عليهم السلام) وأصحابه في أصعب لحظات الصراع.

لقد باتت كربلاء مرجعًا ثقافيًا لفهم معنى التضحية والوفاء، ليس فقط في التراث الشيعي، بل في الضمير الإسلامي العام، بل وحتى في حركات التحرر العالمية، وهذا الحضور الثقافي، القائم على الرمزية والقدوة والتأريخ الشفوي والمكتوب، يقدّم نموذجًا غنيًا لمواجهة الغزو الثقافي الغربي الذي يسعى أحيانًا لطمس الهوية وسلب الإنسان المسلم من تاريخه الملهم.

ثالثًا: مواجهة التحديات الفكرية الغربية

إن الغرب، في كثير من أطروحاته الفكرية، يميل إلى تصوير الإسلام كدين انفعالي، بعيد عن العقل، أو غير قادر على تقديم بدائل حضارية، وهنا تبرز ثورة الإمام الحسين(عليه السلام) كحالة عقلانية أخلاقية عالية الوعي، قامت على أساس تقييم الواقع، ووزن الموقف الشـرعي، والتمسك بالمبدأ رغم علمه المسبق بكلفة التضحية.

من جهة أخرى، تُعد كربلاء ردًّا عمليًا على ما يُعرف في الغرب بثقافة (اللامبالاة السياسية) أو (الواقعية الباردة)، حيث فضّل الإمام الحسين(عليه السلام) الاستشهاد على التعايش مع الباطل، وهو موقف يعيد تعريف مفاهيم مثل الحرية، والعدالة، والكرامة، بمنظور أخلاقي سامٍ لا تطرحه الكثير من المدارس المادية الغربية.

ثورة الإمام الحسين(عليه السلام) ليست مجرد واقعة تاريخية، بل مشروع دائم لفهم الإسلام الأصيل في وجه الانحراف الداخلي والتشويش الخارجي، وهي تمثّل اليوم منارة فكرية وثقافية يمكن أن تُستثمر بعمق في تعزيز الهوية الإسلامية، وبناء جيل مثقف ومحصّن أمام التحديات الغربية، قادر على المواجهة لا بالانفعال، بل بالفهم والبصيرة.

: دار القرآن الكريم : قحطان عامر محمد