أصول في الوقف و الابتداء

الحمد لله الهادي المبين و الصلاة والسلام على البشير النذير خير خلق الله أجمعين و على آله الأخيار المصطفين الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرًا.

قال تعالى في الكتاب المبين (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتيلًا) المزمل : 4

 وقد فسر الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) هذه الآية الكريمة تفسيرًا جامعًا مانعًا لا يقبل التأويل والتحليل ولا يختلف عنه اثنين فقال: ( بيّنه تبيانًا، ولا تهذه هذّ الشعر، قفوا عند عجائبه، وجرحوا به القلوب، ولا يكن همّ أحدكم آخر السورة). ومن المعلوم أن أهل البيت (عليهم السلام) 

 أول :من اهتم بعلوم القرآن وعلم الوقف والابتداء، وقد نقل عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه بيّن وبشكل واضح معنى الترتيل فقال (عليه السلام): (الترتيل هو تجويد الحرف و معرفة الوقف) فجعل الوقف العدل الثاني للترتيل وبهذا تتبين أهمية هذا العلم، فهو قائم بذاته و لابد من معرفته و التخصص فيه و معرفة موارده ومواضعه لتكون التلاوة سليمة من العيوب خالية من الشوائب كما يريدها الله تعالى و كما أنزلها الوحي على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ورعاية هذا العلم والاهتمام به يستلزم الإحاطة بمعرفة المفردات القرآنية وعلوم التفسير وقواعد اللغة العربية، ولولا هذا العلم لما تحققت الفائدة المرجوة من التلاوة الحقة والخاشعة كما ورد في الحديث الشريف لما سُئل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): من أحسن الناس تلاوة ؟ قال (صلى الله عليه وآله وسلم): (من إذا سمعت قراءته رأيت أنه يخشى الله) ويمكن أن تحدد مجموعة من الضوابط و القواعد تكون أصولًا لرعاية هذا العلم و هي كالآتي:

الأصل الأول: لا يجوز الوقف على المضاف دون المضاف إليه، ولا على الفعل دون الفاعل، ولا على الفاعل دون المفعول به، ولا على المبتدأ دون الخبر، ولا على (كان) وأخواتها و (إن) وأخواتها دون أسمائهما، ولا على المنعوت دون النعت، ولا على المعطوف عليه دون العاطف، ولا على القسم دون جواب، ولا على حرف دون ما دخل عليه إلى آخر ما ذكره العلماء. و يريدون بذلك عدم جواز الوقف و الاختيار إلّا في المواضع التي يحسن السكوت عليها، و هذا لا يمنع الوقف عليها للضرورة كغلبة العطاس أو طول النص.

الأصل الثاني: تجنب الوقف التعسفي الذي يخل بالمعنى المراد؛ بل ينبغي تحري المعنى الأتم والوقف الأوجه ، مثل: الوقف على قوله تعالى:(يا بُنَيَّ لا تُشْرِك‏) لقمان: 13 ثم الابتداء من قوله تعالى (بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظيم‏) لقمان:13 فمثل هذا الوقف الذي يتعسفه القارئ أحيانًا يتنافى مع أسباب النزول، والأحاديث الشريفة الواردة فيه، ومخالفة لقواعد اللغة العربية وأساليب القرآن، وفي بعضها إيهام وإفساد للمعنى، وهذا ما يذهب برونق القراءة وروعة التلاوة.

الأصل الثالث: إن طول الفواصل والقصص لا يعدّ عذرًا مبيحًا للوقف قبل تمام الكلام؛ بل ينبغي أن يقف القارئ حيث ينتهي بنفسه ، ثم يبتدأ من أول الكلام ويصل بعضه حتى يقف على موضع يحسن الوقف عليه.

الأصل الرابع: ذكر ابن الجزري كما أجيز الوقف من طول الفواصل، قد لا يجوز ولا يحسن فيما قصر من الجمل، وإن لم يكن التعلق لفظيًا نحو قوله تعالى: (وَتُعِزُّ مَنْ تَشاء) لقربه من (وَتُذِلُّ مَنْ تَشاء) آل‏ عمران: 26 وبعضهم لم يرض الوقف على قوله تعالى: (وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّت‏) لقربه من (تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهار) آل‏ عمران: 27 وقد يجوز ذلك لطول النص .

الأصل الخامس: حكم الوقف على المستثنى منه :

الاستثناء على نوعين : (متصل و منفصل) فالمتصل الذي يكون من جنس المستثنى منه والمنفصل يكون من غير جنس المستثنى منه، فإن كان الاستثناء متصلًا فلا يصح الوقف قبل الإتيان بالمستثنى بل يجب وصله بالمستثنى منه لتحقق الفائدة المقصودة من الكلام، مثل قوله تعالى: (فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَليلًا مِنْهُم) البقرة : 249، وأما إن كان الاستثناء منقطعًا ففي الوقف على المستثنى منه دون المستثنى ثلاثة مذاهب:

1-  الجواز مطلقًا: مثل قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا) والابتداء بقوله تعالى: (وَلكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُون‏) يونس: 44 وهذا رأي ابن الحاجب.

2-  المنع مطلقًا: وهو في حال احتياج الاستثناء المنقطع إلى ما قبله لفظًا ومعنى.

3-  التفصيل: ذكره ابن الحاجب أيضًا وهو بالجواز إن صرح بالخبر، وعدم الجواز إن لم يصرح به.

: د. الشيخ خيرالدين الهادي : دار القرآن الكريم