عطلة يوم السبت وعصيان بني إسرائيل

 إنّ جماعة من بني إسرائيل كانوا يعيشون على ساحل أحد البحار (والظاهر أنه ساحل البحر الأحمر المجاور لفلسطين) في ميناء يسمى (أيله) (والذي يسمى الآن بميناء إيلات) وقد أمرهم الله سبحانه وتعالى على سبيل الاختبار والامتحان أنّ يعطّلوا صيد الأسماك في يوم السبت ،ولكنهم خالفوا هذا التعليم ،فأصيبوا بعقوبة موجعة ومؤلمة نقرأ شرحها في القرآن الكريم.

 في البداية يقول سبحانه: ﴿وَ سْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَ يَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذلِكَ نَبْلُوهُمْ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ﴾ (الأعراف ١٦٣) أي اسأل يهود عصرك عن قضية القرية التي كانت تعيش على ساحل البحر.

ثمّ يقول: وذّكرهم كيف أنّهم تجاوزوا -في يوم السبت- القانون الآلهي ﴿إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ﴾ لأن يوم السبت كان يوم عطلتهم، وكان عليهم أن يكفوا فيه عن الكسب، وعن صيد السمك ويشتغلون بالعبادة ولكنهم تجاهلوا الأمر.

ثم يشرح القرآن العدوان المذكور بالعبادة بالعبارة التالية: ﴿إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا﴾ فالأسماك كنت تظهر على سطح الماء في يوم السبت ، بينما كانت تختفي في غيره من الأيام. ومن البديهي أنّ صيد الأسماك يشكل مورد الكسب والتغذية لدى سكنه ساحل البحر ،وكأن الأسماك بسبب تعطيل عملية الصيد في يوم السبت صارت تحس بنوع من الأمن من ناحية الصيادين ،فكانت تظهر على سطح الماء أفواجًا أفوجًا ،بينما كانت تتوغل بعيدًا في البحر في الأيام الأخرى التي كان الصيادون فيها يخرجون للصيد.

إن هذا الموضوع سواء كان له جانب طبيعي عادي أم كان له جانب استثنائي وإلهي، كان وسيلة لاختبار هذه الجماعة ، لهذا يقول القرآن الكريم ، وهكذا اختبرناهم بشيء يخالفونه ويعصون الأمر فيه ﴿كَذلِكَ نَبْلُوهُمْ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ﴾.

عندما واجهت هذه الجماعة من بني إسرائيل هذا الامتحان الكبير الذي كان متداخلًا مع حياتهم تداخلًا كاملًا ، انقسموا إلى ثلاث فرق:

الفرقة الأولى: وكانت تشكل الأكثرية من الذين خالفوا هذا الأمر الإلهي.

الفرقة الثانية: وكانت على القاعدة تشكل الأقلية من الذين قاموا تجاه الفرقة الأولى بوظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

الفرقة الثالثة: المحايدة التي لم توافق العصاة ، ولا قامت بوظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وفي النهاية يشرح القرآن الحوار الذي دار بين العصاة ، وبين الذين نهوهم عن ارتكاب هذه المخالفة فيقول: ﴿وَ إِذْ قالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذابًا شَدِيدًا﴾ (الأعراف ١٦٤) فأجابهم الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر: بأننا ننهى عن المنكر لأننا نؤدي واجبنا تجاه الله تعالى وحتى لا نكون مسؤوليين تجاهه، هذا مضافًا إلى أننا نأمل أن يؤثر كلامنا في قلوبهم ، ويكفوا عن طغيانهم وتعنتهم ﴿قالُوا مَعْذِرَةً إِلى‏ رَبِّكُمْ وَ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾.

وفي المآل غلبت عبادة الدنيا عليهم وتناسوا الأمر الإلهي ،وفي هذا الوقت نجينا الذين كانوا ينهون عن المنكر ، وعاقبنا الظالمين بعقاب أليم منهم بسبب فسقهم وعصيانهم قال تعالى:﴿فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ﴾(الأعراف ١٦٥).

ثم يشرح العقوبات هكذا: ﴿فَلَمَّا عَتَوْاْ عَن مَّا نُهُواْ عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ﴾(الأعراف ١٦٦).

 كيف ارتكبوا هذه المعصية؟

وأمّا كيف بدأت هذه الجماعة عملية التجاوز على هذا القانون الإلهي فقد وقع فيه كلام ويستفاد من بعض الروايات أنّهم عمدوا في البداية إلى ما يسمى بالحيلة الشرعية ،فقد أحدثوا أحواضًا إلى جانب البحر ،وفتحوا لها أبوابًا إلى البحر ،فكانوا يفتحون هذه الأبواب في يوم السبت فتقع فيها أسماك كثيرة مع ورود الماء إليها ،وعند الغروب حينما كانت الأسماك تريد العودة إلى البحر يوصدون تلك فتحبس الأسماك في تلك الأحواض، ثم يعمدون يوم الأحد إلى صيدها ،وأخذها من الأحواض، وكانوا يقولون: إن الله أمرنا أن لا نصطاد السمك ونحن لم نصطد السمك إنما حاصرناها فقط.

ويقول البعض: إنهم كانوا يرسلون كلاليبهم وصنارتهم وشباكهم في البحر يوم السبت ،ثم يسحبونها يوم الأحد وقد علقت بها الأسماك ،وهكذا كانوا يصيدون السمك حتى في يوم السبت ولكن بصورة ماكرة.

ويظهر من بعض الروايات الأخرى أنّهم كانوا يصيدون السمك يوم السبت دون مبالاة بالنهي الإلهي ، وليس بواسطة أية حيلة.

ولكن من الممكن أن تكون هذه الروايات صحيحة أجمعها وذلك أنّهم في البداية استخدموا ما يسمى بالحيلة الشرعية ،وذلك بواسطة حفر أحواض إلى جانب البحر، أو إلقاء الكلاليب والصنارات ثم لما صُغرت هذه المصيبة في نظرهم ،جرّأهم ذلك على كسر احترام يوم السبت وحرمته ،فأخذوا يصيدون السمك في يوم السبت تدريجيًا وعلنًا واكتسبوا من هذا الطريق ثروة كبيرة جدًا.

: دار القرآن الكريم