الحب ...كلمة يعجز اللسان عن البوح بمكنوناتها ، فهي حزن في القلب وابتسامة على الثغور وانشغال نفس بتتبع حركات محبوبها وسكناته ..والانس بلوعة الفراق وحرقته على امل اللقاء في زمن ما .... ذلك هو حبنا للحسين بن علي " عليهما السلام " بل ، هو عشقنا الابدي الذي يلهم الروح و ترتجف له القلوب ، ليفيض على نفوس محبيه بالغبطة والسرور بنفحات من نسيم الجنان ، يستشعرها المحب عند دخوله لمعراج العاشقين و جنة الحسين " عليه السلام " ليقف بين ثنايا جدرانها فتجيش لواعج عشقه وهو يردد بنداء صادر من القلب قبل اللسان قائلا... " السلام على الحسين وعلى اولاد الحسين وعلى اصحاب الحسين " .
هذا بصيص مما نستشعره عند تعرضنا تلك التكوينات الروحية التي يفيض بها معراج الحرم الحسيني الشريف في كربلاء المقدسة ، فبملامسة تلك الأجواء الروحانية المنبعثة من قدسية المكان و جدرانه وسقوفه " المزينة بافاريز و اعمدة وزخارف و مخطوطات مركبة من اي الذكر الحكيم وغيرها من اسماء الله الحسنى واسماء ال بيت النبوة عليهم السلام " سنجد انفسنا امام جمال اخاذ ياخذ بأنظارنا وارواحنا الى التفكر بعظمة الخالق وجمال المخلوق الذي فضل الله علينا بحبه ونيل الشفاعة بحبه .
التصميم الزخرفي اعلاه احد التصاميم المزينة لجدران الصحن الحسيني الشريف من الداخل ، وقد نفذ على الواح متراصفة من القاشاني الفاخر ذي البريق المعدني .
اعتمد الفنان في هذا العمل الفني التقسيم المساحي لفضاء التصميم على وفق التناظر الثنائي عبر المحور العمودي المنصف لتكويناته المتمثلة بشكل مزهرية ، فقد اشتمل التصميم انشاء من نوع احادي " الزخارف النباتية الزهرية ،" ذي مفردات مبسطة مزدوجة الخطوط ذات فصوص متعددة منها خماسية وثلاثية واخرى ثنائية ، وقد جاء بعضها مركب على عنصر كأسي ثلاثي وثنائي الفلق ، وازهار خماسية الاوراق وثنائية ومفردات مركبة مزدوجة الخطوط مختلفة الاشكال متعددة الاوراق بعضها ذات حشو بعنصر كأسي ثلاثي الفلق ، فضلاُ عن المفردة المركبة الهيأة الشكلية تشبه ورق العنب المسننة الحواف وهي مركبة على عنصر ثنائي الفلق نابع من اغصان منحنية مختلفة بما يوائم شكل المزهرية الزخرفية .
ان التنوع الشكلي للمفردات الزخرفية وتناسبها في اشغال فضاء اللوحة المتاح ضمن حدود معينة ، اضفت على الشكل وحدة وتنوعا متوازننين ، عبر توزيع المفردات المكونة لها وتنظيم انتشارها داخل التصميم مما حقق جذباً بصرياً للمتلقي نحو التكوين الاساسي المتمثل بـ " المزهرية الزخرفية " .
التي شغلت الحيز المكاني الاكبر في اللوحة لتشكل هيأة عامة مزدوجة الخطوط متضمنة براعم مدورة بفصوص مختلفة تحيط وتتداخل بالمزهرية من الداخل والخارج بالنسبة للفوهة والعنق والبدن وحتى القاعدة المستقرة على شكل زخرفي هلالي مقلوب باتجاه الاعلى .والفوهة اقرب للمدببة تنبعث منها زوج الاغصان المنحنية لعنق المزهرية لتكون مقابضها الجانبية محملة ببراعم تنحني بانحناء الرقبة بأتجاه البدن ، اما البدن فمتسع من الاعلى باتجاه القاعدة ذات الهيأة المنحنية النصف كروية القاع .
وظف المصمم الزخرفي داخل بدن المزهرية ومايحيط به من الخارج زخارف زهرية ذات مفردات بسيطة سداسية بفصوص متنوعة ، فضلاً عن الازهار المركبة مزدوجة الخطوط ذات الاوراق المتعددة واوراق نباية مسننة وملساء مدببة محلقة بالمفردات الزخرفية الاخرى .
اما الالوان المستخدمة في هذا الانشاء الزخرفي ، فهي اللون الاسود الذي استخدمه الفنان ليكون ارضية او فضاءا اساسيا للشكل فضلا عن اللون الابيض للأغصان لإبرازها عن الارضية السوداء ، والوان الازرق وبعض من الفيروزي لتغطية بعض المساحات الزخرفية ذات المساحة الكبيرة ، وقد اضفى الاخضر والبرتقالي جمالية عالية في موضع الازهار وفصوصها ، على باقي تكوينات اللوحة الاخرى ، ولا يخفى ما للون البني القاتم من دور في بروز بدن المزهرية واكسابه جمالية قد لا تكون الا بسواه .
افلح الفنان المصمم في هذا التكوين الزخرفي في اختراق الحدود " الزمكانية " للشكل ، فهو" كفنان مسلم " لم يتجه به ويتوقف عند الاطار المادي الملموس فحسب بل توسع في تناول موضوعته الى اطار روحي يتصل بالله سبحانه وتعالى ، ليصل بالمتلقي " روحاً " الى الجمال المثالي ، ذلك الجمال الالهي الذي بدونه لا يمكن الاحساس بوجود الجمال قط ،
" ويا له من جمال في حضرتك سيدي ابا عبد الله ، فأنت كنه الجمال ومعدنه وأصله " .
سامر قحطان القيسي
اترك تعليق