حامل راية الحق

إعتاد الفنان محمود فرشجيان صاحب مدرسة المنمنمات الحديثة ان يرسم بريشته الرقيقة مايحاكي مشاعر وخلجات الإنسان وكوامنه ومايهيمن عليها من انفعالات وجدانية وروحية ،خصوصا تلك الاعمال ذات الطابع الديني المتعلقة بسيرة رسول الله محمد صلى الله عليه واله ، وأهل بيته الاطهار عليهم السلام  فهي تحمل روحية خاصة تؤثر في نفس المتلقي، وهذه اللوحة تمثل انموذجا اخرمن الاعمال المؤثرة التي تغمرنا بالحزن والاسى لما تحمله من معان سامية عن البطوله والفداء ، فهي تصور مشهدا لحامل لواء الحسين وساقي عطاشى كربلاء ابي الفضل العباس (عليه السلام) والتي نفذت بأبعاد ( 70سم × 98 سم)  بالوان الاكريليك على الورق المقوى وإستغرق انجازها عاماً ونصف العام تقريبا.

تكشف اللوحة عن مأساة اخرى من مآسي معركة الطف الخالدة وتصوّرمشهدا من الحزن بأجلى صوره ،فهي تجسد شخص ابي الفضل العباس بن علي عليهما السلام وهو مسجى بجسده الدامي على صهوة فرسه ويحمل بيديه القطيعة الكفين راية الحسين عليه السلام وهي تغطي جسده الشريف محاولاً الرجوع الى الخيام بلا ماء والى جانبه ارضاً الجود الذي اخترقته نبال الشرللحيلولة دون وصول الماء الى الخيام ومن فيها .

اهتمّ الفنان بأدقّ وأصغرالتفاصيل التي تسحر العقل وتترك الإنسان كليل اللسان عاجزًا عن الحديث عنها في تنفيذ هذا التكوين الفني مما جعله يتميّز بكثافة المشاعر و المعاني الروحية العميقة من خلال التوافق بين الألوان والخطوط وطبيعة حركة الاشكال واخفاء بعض الملامح وتعويضها بأخرى لأضفاء القدسية ، ومن خلال التمعن باللوحة نميز وكأن اللوحة مقسمة لجزئين ، جزء امامي يمثل فرساً يحمل جسد ابي الفضل العباس عليه السلام بتفاصيله اللونية التي اكسبته مركز السيادة في اللوحة فضلاً عن ارضية اللوحة والجود المرمي عليها وبعض العشب، وجزء ثان يتمثل بخلفية اللوحة وفضاءها وطغيان اللون الاصفرعليها بتدرجاته وامتزاجه بالبني وتداخله مع اللون الرمادي والاخضربشكل ضبابي حزين ، مما ساعد على ابرازتفاصيل الشكل الاساسي في اللوحة .

روعة التفاصيل في اللوحة تشد المشاهد وتدفعه للغور في اسبارها ، ففي الجزء الامامي منها وظف الفنان عنصري الخط واللون معا لابراز هيئة الشكل فيظهر الفرس وهو ملتفت براسه نحو سيده المسجى على ظهره وهو يجتهد في البقاء متزنا واقفا متكيء على طرفه اليسرى خوفا من سقوط ابا الفضل عليه السلام من على ظهره على الرغم من جراحه والنبال التي اصيب بها ، مستخدما بذلك الالوان الحارة والخطوط الدائرية في ترتيب ورسم اجزاء الشكل محققا بذلك انسجاما فيما بينها وايضا خلق الانسجام مع خلفية اللوحة .

سعى الفنان جاهدا لنقل الالم والحزن الى نفس المتلقي بذكاء من خلال الحرفية والدقة المتناهيتين اللتين يتمتع بهما ، فقد عمد الفنان الى رسم شخص ابا الفضل العباس عليه السلام مرتديا لامة الحرب بلونها البني وتدرجاته وصولا الى لون ملابسه الصفراء وهو يجد لبقاء الراية شامخة مرتفعة رغم قطع كفوفه والجراح التي اصابته مبتعدا عن رسم كفوفه المقطعات لصعوبة المشهد وتعذر تصويره معوضا ذلك بدم يسيل على الراية موحيا للمشاهد بقطرات من الدم الشريف تكاد ان تلامس الارض بسقوطها من طرف الراية الخضراء .

لم يتجرأ الفنان من الاقتراب من ملامح وجه ابي الفضل سلام الله عليه فجعله مغطى بالراية دون اظهاروجهه الشريف وملامح الالم والحزن الشديدين الذين كان يشعر بهما سلام الله عليه في تلك اللحظات لا لجراحه وماحل به من الم جسدي بل لعدم مقدرته على ايصال الماء الى الخيام ودرء العطش عن اخيه الحسين عليه السلام ومن معه ، معوضا ذلك الحزن والالم بالمحيط الخارجي وفضاء اللوحة الذي اكسبه الفنان ضوءا ليشعرنا بعمق اللوحة المتمثل بالاشجار والاوراق الذابلة المصفرة التي توحي للمشاهد بالكأبة والحزن الشديدين لهذا المصاب الجلل .

سامر قحطان 

المرفقات