الرد على شبهة إمكان وجود إله آخر

يشكك بعضهم قائلا: انتم المسلمون تعتقدون أنه لا إله الا الله ولكن يحتمل ان يكون هناك آلهة أو إله غير إلهكم .

 

الجواب:

في الواقع لو كان هناك إله أخر كما يزعم هؤلاء فلماذا لم يعلن عن نفسه ويكذب دعوى الله بأنه لا إله الا هو ؟ ولماذا لم يثبت لنفسه الالوهية كما أثبتها الله سبحانه وتعالى لنفسه؟ ولماذا لم يبعث رسلا مبشرين ومنذرين كما بعث الله عزّ وجلّ ؟ .

ان إلهنا الذي نعبده ونعتقد به شهد على نفسه بقوله سبحانه: ( شَهِدَ اللَّه أَنَّه لا إِله إِلَّا هُوَ ) وحيث أنه سبحانه وتعالى شهد على نفسه أنه لا إله الا هو وأنه الخالق لكل شيء ولم ينازعه منازع فتثبت له الدعوى, ولم نجد أو نسمع في التاريخ كله من ادعى خلق السموات والارض ولو من أطغى الطغاة.

ولو كان هناك الهة أو إله غير الله سبحانه وتعالى وكان له ما لله عزّ وجلّ لفسد نظام الكون ولما أصبح بهذا التناسق البديع بين النواميس والعناصر والأجناس كلها يقول الحق سبحانه وتعالى: { لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتَا } (سورة الأنبياء 22). لو كان هناك ألهة أو إله غير الله لوجدنا كل إله له نظام يتعارض مع نظام الإله الآخر فمثلا إله الشمس له نظام يتعارض مع إله المطر وهكذا .. وهذا مما لا شك يؤدي الى فساد النظام الكوني.

وفي آية أخرى يقول سبحانه: { مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ } (سورة المؤمنون 91)

لو كان هناك إلهة أو إله أخر غير الله لذهب كل إله بما خلق واعتزل كل إله منهم ( بِمَا خَلَقَ ) لينفرد به، ولتغالبوا، يعني غلب القويّ منهم الضعيف؛ لأن القويّ لا يرضى أن يعلوه ضعيف، والضعيف لا يصلح أن يكون إلها.

فعدم فساد الكون واختلال النظام أدل دليل على عدم وجود إله مع الله عزّ وجل .

 

اعتراض: أليس من المحتمل أن يكون هناك آلهة لها أكوان أخرى غير كون إلهكم هذا ؟.

 

الجواب:

ان إلهنا وربنا الذي نؤمن به ونعتقد به ونوحده يقول في كتابه الكريم: { اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ } (سورة الرعد 16) والأكوان التي تزعمون احتمال خلقها من قبل غير الله داخلة تحت قوله تعالى: {خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} فالشيء يشمل الأكوان وغيرها فيكون الله سبحانه وتعالى هو خالقها أيضا, فلو كانت هناك آلهة خلقت هذه الأكوان لاعترضت على قول الله عزّ وجلّ {خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} كأن تقول: أنك لم تخلق كل شيء بل أنا خلقت كذا وانت خلقت كذا.. الا انه لم يعترض على الله سبحانه وتعالى معترض ولا نازعه في خلقه منازع.

 

اعتراض: قلتم ان الله يقول : { لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتَا } (سورة الأنبياء 22) فالآله هنا بمعنى المعبود وهذا يبطل برهانكم لبداهة تعدد المعبودين في هذا العالم مع اننا لم نرى فسادا في النظام الكوني فالحجاز مثلا يوم نزول هذه الآية وغيرها كانت مزدحمة بالآلهة ومع ذلك كان العالم منتظما غير فاسد!! وقد كان في أطراف الكعبة ثلاثمائة وستون إلها ولم يقع – أيضا - أي فساد واختلال في الكون .

 

الجواب:

ان هذه الشبهة مبتنية على فهم مغلوط لمعنى الإله وهنا لابد قبل الإجابة من بيان معنى الإله وهل الإله بمعنى المعبود أو الإله هو كناية عن الخالق أو المدبر المتصرف ، أو من يقوم بأفعاله وشؤونه ؟.

انّ الإله ليس بمعنى: المعبود، وأنّ من فسّره به فقد فسّره بلازم المعنى, نعم يظهر من كثير من المفسرين بأن إله بمعنى المعبود ، ويستشهدون بقراءة شاذة في قوله سبحانه : { لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ } (سورة الأَعراف 127), حيث قرئ وإلاهتك ، أي عبادتك .

ولعل منشأ هذا التصور هو كون الإله الحقيقي ، أو الآلهة المصطنعة موضعا للعبادة - دائما - لدى جميع الأمم والشعوب ، ولأجل ذلك فسرت لفظة " الإله " بالمعبود ، والا فإن المعبودية هي لازم الإله وليست معناه البدئي ... فليس في لفظ الإله إشارة إلى معنى العبادة.

والأصح ان معنى الإله هو المدبر والمتصرف أو من بيده أزمّة الأمور, وليس غير الله عزّ وجلّ متصرف في الكون ومدبر لشؤون الخلق, فهذه الأمور يعدها الناس من شؤون الربوبية ولوازمها, فالقائم بتلك الأمور عندهم هو الإله, فالخلق والتدبير والاحياء والإماتة والتقنين والتشريع والمغفرة والشفاعة وغيرها كلها من شؤون الربوبية.

  والدليل على ذلك أي على ان الإله ليس بمعى المعبود, هو ما كان مستعملاً دائراً على الألسن قبل نزول القرآن، وتعرفه العرب في العصر الجاهلي؛ يقول الحق سبحانه: ﴿ وَلَئِن سَأَلتَهُم مَّن خَلَقَهُم لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ﴾ (الزخرف:87), فقد أشار بلفظ الجلالة إلى خالق السماوات والأرض دون تبادر مفهوم العبادة .

فقوله تعالى : { لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتَا } فالآلهة والإله هنا ليس بمعنى المعبود, بل بمعنى المدبر والمتصرف أو من بيده أزمّة الأمور بدليل قوله تعالى (لفسدتا) فلو كان الإله بمعنى المعبود فعبادة آلهة مع الله لا تؤدي إلى فساد النظام الكوني .

إذن المراد بالإله في الآية الكريمة هو المدبر والمتصرف ومن بيده أزمّة الامور فلو كان فيهما آلهة - بهذا المعنى أي مدبرة ومتصرفة وبيدها أزمة الأمور أيضا -  غير اللَّه المدبر والمتصرف؛ لطلبت هذه الآلهة طريقا إلى النزاع والشجار مع اللَّه ليصفو لها الملك . . وما من شك ان نزاع الرؤساء يؤدي إلى الفوضى والفساد .

 

وفي آية أخرى يقول الحق تعالى: { مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ } (سورة المؤمنون 91)

فالإله في هذه الآية عبارة عن الخالق كما هو واضح وإذا كان كذلك فانه يلزم من تعدده كما أشارت إليه الآية ذهاب كل إله بما خلق واعتزل كل إله منهم ( بِمَا خَلَقَ ) لينفرد به، ولتغالبوا، فلعلا بعضهم على بعض، وغلب القويّ منهم الضعيف؛ لأن القويّ لا يرضى أن يعلوه ضعيف، والضعيف لا يصلح أن يكون إلها.

فتحصل من جميع ما تقدم: أنه إنْ كان هناك آلهة أو إله آخر غير الله فيلزمه الاعلان عن نفسه وان اعلن عن نفسه وأثبت لنفسه ما لله سبحانه وتعالى من القدرة والقوة والخلق والتصرف والتدبير يلزم من ذلك فساد النظام الكوني الحاصل بسبب تعدد الالهة, ويلزم أيضا انفراد كل إله بما خلق ولحصل النزاع, وهذا كذلك أيضا يؤدي الى فساد الكون واختلاله.

وبما أنه لم يظهر منازع ينازع الله عزّ وجلّ في ملكه وخلقه ولم يضطرب نظام الكون دل ذلك على وحدانية الله سبحانه وتعالى وأنه ما من إله الا هو الواحد القهار, فسبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا .

 

الكاتب: السيد مهدي الجابري

مؤسسة الإمام الحسين ع للإعلام الرقمي