التوحيد في الصفات

المرتبة الثانية من مراتب التوحيد هو( التوحيد في صفات الذات الإلهيّة).

نحن نعتقد أنّ الله تعالى موصوف بكلّ الصفات الكمالية، وأنّ العقلَ والوحيَ معاً يَدُلاّن على وجودِ هذه الكمالات في الذات الإلهيّة المقدسة، وعلى هذا الأساس فإنّ الله عالمٌ، قادرٌ، حيٌ، سميعٌ، بصيرٌ ووو.

وهذه الصفات تتفاوت فيما بينها من حيث المفهوم، فما نفهمه من لفظة «عالِم» غير ما نفهمه من لفظة: «قادر».

ولكن النقطة الجديرة بالبحث هو أن هذه الصفات هي متغايرة من حيث المفهوم ، فهل هي في الواقع الخارجيّ متغايرة أم متحدة؟

يجب القول في معرض الإجابة على هذا السؤال: حيث إنّ تغايرَها في الوجود، والواقع الخارجي، يستلزم الكثرةَ والتركّب في الذات الإلهيّة المقدسة؛ لذلك يجب القولُ حتماً بأنّ هذه الصفات مع كونها مختلفةً ومتغايرةً من حيث المعنى والمفهوم إلاّ أنّها في مرحلة العينيةِ الخارجيةِ، والواقع الخارجِي متحدةٌ.

وبتعبير آخر: إن الذات الإلهيّة في عين بساطتها واجدةٌ لجميع هذه الكمالات، لا أنّ بعض الذات الإلهيّة «عِلم» وبعضها الآخر «قُدرة» والقسم الثالث هو «الحياة» بل هو سبحانه ـ كما يقول المحقّقون- علمٌ كلُّه وقدرةٌ كلّهُ وحياةٌ كلّهُ...

وعلى هذا الأساس فإنّ الصفاتِ الذاتية لله تعالى، مع كونها قديمةً وأزليةً فهي في نفس الوقت عين ذاته سبحانه لا غيرها.

وأمّا ما يقولهُ فريقٌ من أنّ الصفات الإلهية قديمةٌ وأزليةٌ ولكنها زائدةٌ على الذات غير صحيح، لأنّ هذه النظرة تنبع ـ في الحقيقة ـ من تشبيه صفات الله بصفات الإنسان وحيث إنّ صفاتِ الإنسان زائدةٌ على ذاته فقَد تصوَّروا أنّها بالنسبة إلى الله كذلك.

يقول الإمام جعفر الصادق(عليه السلام) : « لم يَزلِ اللهُ ـ جلّ وعزّ ـ ربُّنا والعلمُ ذاتُه ولا معلوم، والسَمعُ ذاتُه ولا مسموع، والبَصَرُ ذاتُه ولا مُبْصَر، والقدرةُ ذاتُه ولا مقدور»(1)

ويقول الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام) : « وكمالُ الإخلاصِ له نفي الصفاتِ عنه، لشهادة كلِّ صفَةٍ أنها غيرُ الموصوف، وشهادةِ كلّ موصوفٍ أنّه غير الصفة»(2) (3) .

من كتاب: العقيدة الإسلامية على ضوء مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) : الشيخ جعفر السبحاني .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) التوحيد، للصدوق، ص 139 الباب 211، الحديث 1 .

(2) نهج البلاغة، الخطبة 1 .

(3) سمّى بعض من لا إلمامَ له بالمسائل الكلاميّة هذه النظرية بالتعطيل والمعتقدينَ بها بالمعطلة، على حين أنّ المعطّلة إنما يُطلَقُ على من لا يُثبت الصفات الجمالية للذات الإلهيّة، ويستلزم موقفُهم هذا خلوَّ الذات الإلهيّة من الكمالات الوجودية، وهذه العقيدة الخاطئة لا علاقة لها مطلقاً بنظرية (عينيّة الصفات للذات الإلهيّة ووحدتهما خارجاً) بل نظريةُ العينيّة هذه في عين كونها تُثبت الصفاتِ الجماليّة والكماليّة لله، مُنزَّهَة من الإشكالات والإعتراضات الواردةِ على نظريّة زيادةِ الصفاتِ على الذات.