من المواضيع المهمة والحيوية هو موضوع الحائر الحسيني وبيان حدوده وأحكامه؛ نظراً لما تترتب عليه من أحكام فقهية جمَّة، كالتخيير في الصلاة بين القصر والتمام، وجواز تناول طينه للاستشفاء، وغيرهما من الأحكام الأخرى؛ ولهذا ارتأينا أن نتناول هذا الموضوع من خلال ثلاث جهات أساسية، هي:
1ـ منشأ التسمية بـالحائر.
2ـ حدود الحائر الحسيني.
3ـ أحكام الحائر الحسيني.
وسوف نبسط الكلام حول هذه الجهات بالتفصيل، فنقول:
الجهة الأُولى: منشأ التسمية بـ (الحائر)
ذكر اللغويون للحائر معاني عدة، منها:
أـ الحائر: مجتمع الماء، وجمعه حيران وحوران[1].
ب ـ الحائر: حَوْض يُسيَّبُ إليه مسيلُ الماء من الأمطار[2].
جـ ـ الحائر: المكان المطمئن الوسط المرتفع الحروف[3].
وعلَّل أهل اللغة تسمية مجتمع الماء بالحائر: بأن الماء يتحيّر فيه فيرجع أقصاه إلى أدناه[4].
دـ الحائر: كربلاء، وهو الموضع الذي فيه مشهد الإمام الحسين عليه السلام [5].
هذا عمدة ما ذكره أئمة اللغة في هذا المجال، وهو يرجع إلى معنيين أساسيين، وهما:
الأول: إن الحائر في الأصل هو المكان الذي يجتمع فيه الماء، وهذا يعني أنه مكان منخفض يشبه الحوض الذي تصبّ فيه مياه الأمطار.
الثاني: الحائر اسم عَلَم لمشهد الإمام الحسين عليه السلام ؛ ولهذا ذكر الحموي في معجم البلدان: أن الحائر هو قبر الحسين بن علي عليه السلام ، وقال أبو القاسم علي بن حمزة البصري ـ رادّاً على ثعلب في الفصيح ـ: قيل الحائر لهذا الذي يسميه العامّة حير وجمعه حيران وحوران، قال أبو القاسم: هو الحائر، إلاَّ أنه لا جمع له؛ لأنه اسم لموضع قبر الحسين بن علي عليه السلام ، فأما الحيران، فجمع حائر، وهو مستنقع ماء يتحيّر فيه؛ فيجيء ويذهب[6]. إذن؛ فالحائر في معناه الثاني اسم عَلَم لمكان، في كربلاء حيث قبر الإمام الحسين عليه السلام .
بقي لنا أن نتساءل عن سبب تسمية مشهد الإمام الحسين عليه السلام بالحائر، فهل هناك مناسبة اقتضت تسميته بذلك؟
علّل بعض اللغويين سبب التسمية بذلك، بما حاصله: أن المكان الذي دفن فيه الإمام الحسين عليه السلام مكان يتحيّر فيه الماء، وإليك بعض الأقوال:
لقد جاء في تاج العروس: ((والحائر: ع، بالعراق فيه مشهد الإمام المظلوم الشهيد أبي عبد الله الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه،... سُمي لتحيّر الماء فيه))[7].
وذكر الجوهري في صحاحه: ((الحَيْر بالفتح، شبه الحظيرة أو الحمى، ومنه الحَيْر بكربلاء))[8].
وأما ابن منظور في لسان العرب، فقد قال ـ بعد أن ذكر معاني الحائر المتقدمة ـ: ((والحائر، كربلاء، سميت بأحد هذه الأشياء))[9].
وذكر الطريحي في مجمع البحرين: ((الحائر: وهو في الأصل مجمع الماء، ويراد به حائر الحسين عليه السلام ، وهو ما حواه سور المشهد الحسيني على مشرفه السلام، ومنه: وقِفْ عند باب الحَيْر فقل. والحَيْر ـ بالفتح ـ مخفف حائر، وهو الحظيرة والموضع الذي يتحيّر فيه الماء، ومنه: عمل لإبراهيم عليه السلام حيراً وجمع فيه الحطب))[10].
إذن؛ فمعنى الحائر في الأصل هو المكان الذي يجتمع فيه الماء، ثم أطلق بعد ذلك على مشهد الإمام الحسين عليه السلام ؛ لمناسبة اقتضت ذلك، وهي بحسب ما ذكره علماء اللغة، تحيّر الماء في هذا المكان؛ ولأنه أشبه بالحظيرة التي هي ـ على ما ذكره ابن منظور في لسان العرب ـ ما أحاط بالشيء[11].
ويُحتمل في هذه المناسبة أحد أمرين:
الأمر الأول: أن لفظ الحائر أطلق على مشهد الإمام الحسين عليه السلام ؛ لأنه مكان منخفض يجتمع فيه الماء، وهذا الاحتمال هو الظاهر من كلمات اللغويين.
الأمر الثاني: أن إطلاق لفظ الحائر على المشهد المقدَّس جاء متأخراً؛ وذلك عندما حاول المتوكل العباسي تخريب القبر الشريف، وإجراء الماء عليه؛ حيث حار عنده الماء وتردد، ولم يصل إلى القبر الشريف؛ ولذلك سُمّيَ بالحائر.
ومما يؤيّد الاحتمال الثاني ما ذكره الشهيد الأول في الذكرى؛ حيث قال: ((وفيه حار الماء، يعني به: لمّا أمر المتوكل بإطلاق الماء على قبر الحسين ليعفيه، فكان لا يبلغه))[12]. وربما هناك غيره من الأعلام ممن يُحتمل إرادته لهذا المعنى.
فإن كان مراده قدس سره أن سبب التسمية لا علاقة لها بهذه الحادثة، وإنما هي تسمية سابقة عليها، إلاَّ أن الحادثة المذكورة تؤكد وقوع القبر الشريف في مكان منخفض يجتمع فيه الماء، ولكن الماء الذي أجراه المتوكل لم يبلغ تلك البقعة على الرغم من انخفاضها، ووقوعها في حَيْرٍ؛ لكرامة القبر الشريف عند الله تعالى، فهو شيء جيد. وإن كان مراده أن سبب تسميته بالحائر هو لأجل هذه الحادثة، وأنه قبل الحادثة المذكورة لم يكن يسمى بالحائر، ولكنه بعد تلك الحادثة سُمّيَ بهذا الاسم؛ فأخذ الناس يطلقون عليه تلك التسمية، حتى صارت اسمَ عَلَمٍ للمكان، فهو لا يخلو من مناقشة.
ووجه المناقشة هو: أن الشواهد التاريخية تفيد أن إطلاق لفظ الحائر على المشهد المقدّس أسبق زماناً من حادثة التخريب وإجراء الماء؛ إذ نجد إطلاق لفظ الحائر في كلمات الإمام الصادق عليه السلام ـ كما سنلاحظ ذلك فيما سيأتي من الروايات ـ ومن المعلوم أن وفاة الإمام الصادق عليه السلام كانت عام 148هـ[13]، بينما تولّى المتوكل العباسي الخلافة عام 232هـ [14]، فتكون الفترة بين وفاة الإمام الصادق عليه السلام وخلافة المتوكل 84 سنة.
وقد نقل الشيخ عباس القمّي رحمه الله في منتهى الآمال عن المسعودي: أن الواقعة المذكورة جرت في عام 236هـ[15]، فتكون الفترة بين وفاة الإمام الصادق عليه السلام والحادثة 88 سنة، ومعه فكيف يمكن أن يكون إطلاق لفظة الحائر على المشهد المقدّس بعد حادثة المتوكل، والحال أن إطلاقها ـ كما سنرى ـ شائع في كلمات الإمام الصادق عليه السلام السابق زماناً لوقوع الحادثة بفترة طويلة؟!
الروايات المتضمنة لمفردة الحائر
سبق وأن قلنا: بأن هناك جملة من الروايات التي وردت عن أهل البيت عليهم السلام تضمنت في متونها لفظة الحائر، وإليك بعضها:
1ـ ما رواه الحسين بن علي بن ثوير بن أبي فاختة، عن الإمام أبي عبد الله الصادق عليه السلام ، حيث قال: ((قال لي أبو عبد الله عليه السلام : يا حسين، مَن خرج من منزله يريد زيارة الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام إن كان ماشياً كتب الله له بكل خطوة حسنة، وحط بها عنه سيئة، وإن كان راكباً كتب الله له بكل حافر حسنة، وحط عنه بها سيئة، حتى إذا صار بالحائر كتبه الله من الصالحين...))[16].
2ـ ما رواه أبو الصامت عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام ـ في حديث طويل جاء فيه ـ: ((فإذا أتيت باب الحائر فكبّر أربعاً...))[17].
3ـ ما رواه الحسين بن ثوير عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام ـ في حديث طويل يتحدّث فيه الإمام عن كيفية زيارة الإمام الحسين عليه السلام ـ قال: ((...وعليك بالتكبير والتهليل، والتسبيح والتمجيد، والتعظيم لله كثيراً، والصلاة على محمد وأهل بيته حتى تصير إلى باب الحير...))[18].
4ـ ما رواه محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام ـ في جملة ما يستحب للزائر من الآداب ـ أنه قال: ((... ويلزمك الغسل قبل أن تأتي الحائر...))[19].
5ـ ما ورد مرسلاً عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: ((من الأمر المذخور إتمام الصلاة في أربعة مواطن: مكة، والمدينة، ومسجد الكوفة، وحائر الحسين عليه السلام ))[20]. هذه بعض الروايات التي احتوت على مفردة الحائر، وهناك المزيد منها، يجدها المتتبِّع في مظانّها.
والذي نروم إثباته من هذه الروايات، هو أن إطلاق لفظ الحائر على المشهد المبارك كان أسبق زماناً من حادثة المتوكل، وهذا يعني أن منشأ التسمية لا يستند إلى الحادثة المذكورة، كما هو محتمل كلام الشهيد الأول على ما نقلناه عنه سابقاً. وعلى هذا الأساس؛ فالحادثة المذكورة ليست سبباً لتسمية المشهد الشريف بـالحائر.
ويبقى الاحتمال الأول صالحاً لكونه سبباً في التسمية، خصوصاً إذا أخذت كلمات بعض اللغويين المتقدمة بنظر الاعتبار، كقول الزبيدي في تاج العروس، وابن منظور في لسان العرب. وحينئذٍ، يكون إطلاق لفظ الحائر على المشهد الشريف من استعمال اللفظ في معناه الحقيقي، ثم بعد ذلك اختص به، وصار استعماله في غيره يحتاج إلى قرينة.
نعم، يمكن إبراز احتمالٍ ثالث كسبب للتسمية، فيقال: إن إطلاق لفظ الحائر على المشهد الشريف لا يستند إلى كون المكان مجمعاً للماء؛ بل السبب هو أن الإمام بعد دفنه في كربلاء مع أهل بيته وأصحابه عُمِلَ له قبرٌ، وأحيط بسور من قصب وخشب أو نحو ذلك، وجُعِل له باب ومداخل؛ فصار أشبه شيء بالحظيرة؛ ومن أجل ذلك سُمِّيَ بالحائر، وقد تقدم عن بعض اللغويين أن الحَيْر بالفتح أشبه بالحظيرة والحمى، ومنه الحَيْر بكربلاء، كما نصَّ عليه الجوهري في الصحاح، وكما تقدم من أن الحظيرة ما أحاط بالشيء، وهي تكون من قصب وخشب، ولمّا كان القبر المبارك محاطاً بسياج أشبه إلى حدًّ ما بالحظيرة ـ التي هي من معاني الحائرـ أُطلق عليه الحائر. فيتحصل لنا ـ من هذا الاحتمال ـ أن العلاقة هي علاقة المشابهة. وهذا الاحتمال أيضاً لا مانع منه، ولكن يبقى الاحتمال الأول هو الأنسب؛ إذ إنه مؤيَّد بالأمور التالية:
أولها: ما ذكره أكثر اللغويين، من أن مستند التسمية هو تحيّر الماء وتردده، وهذا يعني كونه حائراً بالأصل ومكاناً تتجمّع فيه مياه السيول والأمطار.
ثانيها: ما ذكره الجوهري في الصحاح، من أن الحظيرة من معاني الحائر، ومنه الحائر بكربلاء، فيحتمل اتحاده مع ما ذكره أولاً، من أن الحائر مكان تجتمع فيه المياه؛ إذ الحظيرة ـ على ما تقدم ـ بمعنى المكان المُحاط بسور من القصب والخشب، لعله مكان يجتمع فيه الماء أيضاً، فليس هو معنى مغايراً للمعنى الأول.
ثالثها: ما ذكره ابن إدريس الحلي؛ حيث قال: ((والمراد بالحائر: ما دار سور المشهد والمسجد عليه، دون ما دار سور البلد عليه؛ لأن ذلك هو الحائر حقيقة؛ لأن الحائر ـ في لسان العرب ـ الموضع المطمئن الذي يحار الماء فيه))[21].
كما ذكر العلامة المجلسي ـ وهو يتحدث عن حدود الصحن القديم ـ قائلاً: ((والذي ظهر لي من القرائن ـ وسمعت من مشايخ تلك البلاد الشريفة ـ أنه لم يتغيّر الصحن من جهة القبلة، ولا من اليمين، ولا من الشمال، بل إنما زِيد من خلاف جهة القبلة، وكل ما انخفض من الصحن، وما دخل فيه من العمارات فهو الصحن القديم، وما ارتفع منه فهو خارج عنه، ولعلهم إنما تركوه كذلك ليمتاز القديم عن الجديد، والتعليل المنقول عن ابن إدريس قدس سره منطبق على هذا))[22].
وبهذا يتضح أن أول الاحتمالات هو المناسب من بينها؛ فيكون الإمام الحسين عليه السلام قد دفن مع أهل بيته وأصحابه في مكان منخفض، تجتمع فيه مياه السيول والأمطار؛ ولهذا لمّا خرّب المتوكل العباسي عمارة القبر الشريف وأجرى عليه فرعاً من نهر الفرات، كان من الطبيعي أن يغرق المكان ويتحوّل إلى بركة ماء، ولكن الماء تحيّر في ذلك المكان وتردد، ولم يبلغ القبر الشريف، وقيل: إن القبر الشريف قد ارتفع فلم يصل إليه الماء. وهذا يدل على كرامة القبر الشريف عند الله تعالى وقدسيته ومكانته.
الجهة الثانية: حدود الحائر الحسيني
سبق وأن قلنا: إن لمعرفة حدود الحائر الحسيني أهمية كبيرة؛ نظراً لما يترتب عليه من أحكام فقهية، نتعرض لها لاحقاً إن شاء الله تعالى؛ ولهذا أولى الفقهاء الموضوع عناية خاصة، فتعرضوا لتحديده في مؤلفاتهم وبحوثهم، وقد اختلفوا في ذلك أشدّ الاختلاف، ومنشأ ذلك إنما كان نتيجة اختلاف الروايات المتعرضة لذلك ـ كما سنلاحظ ـ ومن أجل إيضاح الموضوع بشكل جلي نستعرض الروايات أولاً، ثم نتعرّض لأقوال الفقهاء؛ لنرى ما يمكن قبوله منها بحسب ما تتوافر عليه الأدلة والشواهد.
استعراض الروايات
إن الروايات الواردة في المقام على أربع طوائف:
الطائفة الأولى: وهي ما دلَّ على أن الحدَّ خمسة فراسخ من جميع الجوانب، من قبيل مرفوعة منصور بن العباس، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ((حرم الحسين عليه السلام خمس فراسخ من أربع جوانب))[23].
وهذه الرواية تواجه مشكلة الإرسال، وأمّا من حيث الدلالة فلا بدَّ من إيضاح أمرين:
1ـ توقف الاستدلال بها على كون الحرم بمعنى الحائر؛ وقد فهم بعض الأعلام أن لفظ الحائر متحد في معناه مع الحرم؛ إذ ليس للحرم معنى يغاير معنى الحائر، قال المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان: ((وأما حرم الحسين عليه السلام ، فالظاهر أنه ليس بمعلوم إطلاقه على غير الحائر، وهو ما دار عليه سور المشهد والحضرة))[24].
2ـ بيان معنى الفرسخ: وهو ـ بفتح فسكون ـ لفظ معرّب، جمعه فراسخ، مقياس من مقاييس المسافات، مقداره ثلاثة أميال يساوي اثني عشر ألف ذراع، ويساوي 5544 متراً[25]، وقال بعضهم: إنه حوالي ستة كيلو مترات[26]. وعلى هذا الأساس؛ يكون طول الحائر عشرة فراسخ، أي: ما يعادل 55 كيلو متراً و440 متراً على الحساب الأول، و60 كيلو متراً على الحساب الثاني، وهكذا الحساب من جهة العرض.
ونود أن نشير إلى أنَّ هذه التدقيقات في تحديد مقدار الفرسخ بـ6 كيلو متراً، أو 544/5 متراً لا شاهد عليها من الروايات، والمرجع في تحديده العرف، فما صدق عليه عرفاً فرسخ فهو كذلك، وإلاَّ فلا؛ لأن تحصيل حساب دقيق لمقدار الفرسخ عسير جداً، إن لم يكن مستحيلاً؛ لأن مقدار الفرسخ ـ على ما تقدم ـ ثلاثة أميال، والميل يساوي اثني عشر ألف ذراع، ومن المعلوم أن مقدار الذراع يختلف من شخص إلى آخر؛ فلا يمكن ضبط المقدار بشكل دقيق.
الطائفة الثانية: وهي ما دلَّ على تحديده بفرسخ من جميع الجوانب، من قبيل مرسل محمد بن إسماعيل البصري، عمّن رواه، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال: ((حرم الحسين عليه السلام فرسخ في فرسخ من أربع جوانب القبر))[27]. وهي ضعيفة السند بالإرسال أيضاً، أما مدلولها فواضح مما تقدم، حيث إنا ذكرنا المراد من الفرسخ؛ فيكون ـ على الرأي الأول ـ مقدار الحائر 11 كيلو متراً و88 متراً من جميع الجهات، وعلى الرأي الثاني12 كيلو متراً كذلك.
الطائفة الثالثة: وهي ما دلَّ على تحديده بخمسة وعشرين ذراعاً من جميع الجوانب، من قبيل ما ورد في التهذيب، عن إسحاق بن عمار، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: ((إنَّ لموضع قبر الحسين عليه السلام حرمة معروفة، مَن عرفها واستجار بها أُجير. قلت: فصف لي موضعها. قال: امسح من موضع قبره اليوم خمسة وعشرين ذراعاً من قُدّامه، وخمسة وعشرين ذراعاً من عند رأسه، وخمسة وعشرين ذراعاً من ناحية رجليه، وخمسة وعشرين ذراعاً من خلفه، وموضع قبره من يوم دُفن روضة من رياض الجنة، ومنه معراج يُعرج فيه بأعمال زواره إلى السماء، فليس مَلك في السماء ولا في الأرض إلاَّ وهم يسألون الله في زيارة قبر الحسين عليه السلام ، ففوج ينزل وفوج يعرج))[28]. وسند الحديث لا مشكلة فيه إلاَّ من جهة محمد بن جعفر الرزاز؛ فإنه لم يوثَّق، إلاَّ بناءً على وثاقة مشايخ ابن قولويه المباشرين، فإن تمَّ هذا فهو، وإلاَّ فهي معتبرة بطريق الشيخ الكليني[29].
ومن حيث الدلالة، فإنها تجعل الحد من القبر الشريف إلى خمسة وعشرين ذراعاً من جميع الجوانب، والذراع يساوي أربعاً وعشرين إصبعاً، كل إصبع عرض سبع شعيرات، كل شعيرة عرض سبع شعرات من أوسط شعر البرذون[30]، على ما ذكره بعض الفقهاء[31]، وتقدير الذراع بـ24 إصبعاً، يرجع فيه إلى متوسط الخلقة والقامة.
والمقدار المذكور يساوي5,46 سنتيمتراً، وعندما نضرب هذا الرقم بـ25 ذراعاً، يكون الناتج 11 متراً، و5,62 سنتيمتراً، أي: أحد عشر متراً ونصف المتر تقريباً؛ فيكون مقدار الحائر على هذا الحساب 11 متر ونصف المتر تقريباً من جميع جوانب القبر الشريف؛ وعليه يكون طوله 23 متراً، وكذلك عرضه.
الطائفة الرابعة: وهي ما دلَّ على تحديده بعشرين ذراعاً من جميع الجوانب، من قبيل ما رواه عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ((سمعته يقول: قبر الحسين عليه السلام عشرون ذراعاً مكسّراً، روضة من رياض الجنة))[32]. وهي تامة السند؛ لأن الشيخ الطوسي له طريق معتبر إلى عبد الله بن سنان[33].
وأما دلالتها، فهي تفيد أن مقدار الحائر عشرون ذراعاً في عشرين ذراعاً، وحيث إن الذراع يساوي 546, سنتمتراً ـ على ما تقدم ـ فيكون مقداره 9 أمتار و30 سنتمتراً تقريباً؛ وعليه يكون 18 متراً و60 سنتمتراً تقريباً من جميع الجوانب.
مناقشة وجواب
هذه الرواية والتي قبلها لم تذكر لفظ الحائر، وإنما ذكرت لفظ القبر والروضة، فلا يُعلم كونها بصدد بيان حدود الحائر؛ إذ يحتمل أن تكون بصدد تحديد بقعة مباركة مغايرة للحائر؛ فتكون الروايتان المذكورتان أجنبيتين عن البحث.
ولكن حيث إن الحائر، والحرم، والروضة، وعند القبر ـ ونحوها من الألفاظ المذكورة في الروايات ـ من الألفاظ المجملة التي لم يتضح معناها بشكل جلي، فكما يحتمل أنها ذات معانٍ متغايرة، يحتمل اتحادها في المعنى؛ وعليه يحتمل كون الروايتين تتحدثان عن حدود الحائر، والاحتمال في أمثال المقام كافٍ لإدخاله في الحساب؛ لأن بعض الأحكام التي تترتب على الحائر مخالفة للأصل؛ فيقتصر فيها على المتيقن.
هذه أهم الروايات المتعرّضة لحدود الحائر الحسيني، وقد اتضح من خلالها الأمور التالية:
1ـ طوله 55كم و440م أو 60كم، وكذا العرض، بحسب الطائفة الأولى.
2ـ طوله 11كم و 88م أو 12كم، وكذا العرض، بحسب الطائفة الثانية.
3ـ طوله23م، وكذا العرض، بحسب الطائفة الثالثة.
4ـ طوله18م و60سم، وكذا العرض، بحسب الطائفة الرابعة.
5ـ أن الطائفتين الأُوليين ضعيفتا السند، بينما الأخيرتان معتبرتان.
وسيتضح ـ إن شاء الله تعالى ـ فيما بعد أن الشواهد والقرائن تؤيدان الطائفتين الأخيرتين.
استعراض أقوال الفقهاء
نشير فيما يلي إلى أقوال الفقهاء في هذا المقام، وهي كالتالي:
القول الأول: ما ذكره الشيخ المفيد قدس سره في المزار، قال: ((وحدُّه ـ أي الحائر ـ خمسة فراسخ من أربع جنبات قبره عليه السلام ومن دونه، مواطن بعضها أشرف من بعض؛ لدنوها من محله عليه السلام من المكان وقربها منه)) [34].
القول الثاني: ما نقله المحدّث البحراني عن المحقق الحلي قدس سره ، من القول بالتمام في البلد[35]، فيجوز للمسافر إتمام الصلاة في سائر البلد، لا خصوص المشهد المقدّس في كربلاء؛ مما يُحتمل كون الحائر عنده تمام البلد، لا خصوص المشهد.
القول الثالث: ما نقله العلامة المجلسي قدس سره في البحار عن بعضهم، أنه مجموع الصحن المقدّس[36].
القول الرابع: ونقل أيضاً، أنه القبَّة السامية[37].
القول الخامس: ونقل أيضاً عن بعضهم، أنه الروضة المقدّسة وما أحاط بها من العمارات المقدسة، من الرواق، والمقتل، والخزانة وغيرها[38].
وهذا القول قد استظهره الشيخ الجواهري قدس سره في رسائله الفقهية، حيث قال: ((والظاهر أن الروضة وزيادتها من الحائر، بل لا يخلو إلحاق الرواق به من وجه))، إلاَّ أنه احتاط بالاقتصار على ما حول الضريح المبارك، مما لا يزيد على خمسة وعشرين ذراعاً[39].
القول السادس: ما ذهب إليه ابن إدريس الحلي قدس سره في السرائر، حيث قال: ((والمراد بالحائر ما دار سور المشهد والمسجد عليه، دون ما دار سور البلد عليه؛ لأن ذلك هو الحائر حقيقة؛ لأن الحائر في لسان العرب، الموضع المطمئن الذي يحار الماء فيه))، ثُمَّ دعم رأيه هذا بما نسبه إلى الشيخ المفيد قدس سره في الإرشاد؛ فقال:((وقد ذكر ذلك شيخنا المفيد في الإرشاد، في مقتل الحسين عليه السلام ، لما ذكر مَن قتل معه من أهله، فقال: والحائر محيط بهم، إلاَّ العباس رحمة الله عليه، فإنّه قُتل على المسنّاة))[40].
وما نسبه إلى الشيخ المفيد رحمه الله قد نقله عنه ـ بهذه الصورة ـ كل مَن جاء بعده، بما فيهم المعاصرون من فقهائنا، ولكن بعد مراجعة كتاب الإرشاد لم أجد العبارة المذكورة بنصها، بل ما هو موجود فيه لا يعطي المعنى المستفاد مما نقل، وإن كان قريبا منه؛ فقد ذكر قدس سره ـ وهو يتحدث عن أهل بيت الحسين عليه السلام وأصحابه ـ ما نصه: ((فهؤلاء سبعة عشر نفساً من بني هاشم ـ رضوان الله عليهم أجمعين ـ: إخوة الحسين، وبنو أخيه، وبنو عمه جعفر وعقيل، وهم كلهم مدفونون مما يلي رجلي الحسين عليه السلام في مشهده، حُفر لهم حفيرة وألقوا فيها جميعاً وسوي عليهم التراب، إلاَّ العباس بن علي رضوان الله عليه؛ فإنه دُفن في موضع مقتله على المسنَّاة بطريق الغاضريّة، وقبره ظاهر))[41]، ثم قال: ((فأما أصحاب الحسين رحمة الله عليهم الذين قتلوا معه، فإنهم دفنوا حوله، ولسنا نحصل لهم أجداثاً على التحقيق والتفصيل، إلاَّ أنّا لا نشك أن الحائر محيط بهم...))[42]. وهذه العبارة هي التي عناها ابن إدريس في السرائر، وأنت ترى أنها تختلف عن التي ذكرها في كتابه؛ حيث إنها تفيد شمول الحائر لقبور الشهداء، ولا تخرج قبر العباس عنه.
القول السابع: ما ذهب إليه العلاّمة المجلسي قدس سره ؛ حيث قال: ((والأظهر عندي أنه مجموع الصحن القديم، لا ما تجدد منه في الدولة العلية الصفوية))[43]، ثم قال ـ في تحديد الصحن القديم ـ : ((والذي ظهر لي من القرائن ـ وسمعت من مشايخ تلك البلاد الشريفة ـ أنه لم يتغيّر الصحن من جهة القبلة، ولا من اليمين، ولا من الشمال، بل إنما زيد من خلاف جهة القبلة، وكل ما انخفض من الصحن وما دخل فيه من العمارات فهو الصحن القديم، وما ارتفع منه فهو خارج عنه، ولعلهم إنما تركوه كذلك ليمتاز القديم عن الجديد، والتعليل المنقول عن ابن إدريس قدس سره منطبق على هذا، وفي شموله لحجرات الصحن من الجهات الثلاثة إشكال))[44]. ومراده من تعليل ابن إدريس هو قوله: ((لأن الحائر في لسان العرب الموضع المطمئن الذي يحار الماء فيه))[45].
هذه مجمل الأقوال المتعرّضة لتحديد الحائر، وخلاصتها:
1ـ خمسة فراسخ من كل جانب.
2ـ سائر البلد.
3ـ والأقوال المتبقية تتفق على أنه أقل بكثير من التحديدين السابقين، ولكنها تختلف ضيقاً وسعةً، فقول يحدَّه بالقبَّة السامية، وآخر أوسع منه بقليل، وهو الروضة المقدسة، فيشمل الرواق والمقتل ونحوهما، وآخر أوسع من ذلك بقليل أيضاً، وهو الصحن القديم، ثم أوسع الأقوال ـ وهو القول الأخير ـ الصحن المقدّس دون تحديده بالقديم، ولعل المراد منه ما يشمل المستحدث منها أيضاً، وقد يرى ابن إدريس أنه أوسع من ذلك بقليل.
مناقشة الأقوال
إذا بحثنا في مستندات الأقوال المذكورة نجد أن القول الأول والثاني يعتمدان على الروايتين الأوليين الدالتين على تحديده بخمسة فراسخ، كما هو رأي الشيخ المفيد، أو بفرسخ وهو ما يحتمل من رأي المحقق الحلي؛ إذ من البعيد أنه يقصد بالبلد ما هو أوسع من ذلك؛ لأن بلدة كربلاء في زمانه قد لا تتجاوز مقدار الفرسخ، وقد اتضح أن الروايتين المذكورتين ضعيفتان بالإرسال، فهما غير صالحتين للاستدلال.
وأما بقية الأقوال، فبعضها يمكن العثور له على ما يصلح للاستناد، وبعضها لم أحصل له على ما يصلح للاستناد، بحسب تتبعي المتواضع، فلم أجد مستنداً للقول بكون الحائر هو القبة السامية، لا من الروايات ولا من غيرها، فهو قول لا شاهد عليه.
وأما القول بكونه الروضة المقدسة، والصحن القديم أو المشهد بالكامل، فلعل مستنده الروايات الواردة في كيفية زيارة الإمام الحسين عليه السلام ؛ إذ تعطي صورة إجمالية عن حجم الحائر الحسيني ومقداره.
وتوضيح ذلك: إن الروايات المتحدثة عن كيفية زيارة الإمام الحسين عليه السلام قد صدرت في زمان الإمامين الباقر والصادق عليهما السلام وفي تلك الفترة، كان القبر الشريف مبنياً، وله بابان، شرقي وغربي، وحوله قرية صغيرة، ونُسب بناء القبر والقرية إلى المختار بن أبي عبيدة الثقفي، وبقي البناء المذكور معموراً إلى زمان هارون العباسي[46]، فعندما تتحدث تلك الروايات عن وصول الزائر إلى باب الحائر، ثم المشي قليلاً، ثم بلوغ القبر الشريف، هي بحسب الظاهر تتحدث عن هذا البناء القائم على القبر، وتطلق عليه لفظ الحائر.
ولنأخذ رواية الحسين بن ثوير[47] القائلة: ((كنت أنا ويونس بن ظبيان عند أبي عبد الله عليه السلام ، وكان أكبرنا سنَّاً ـ إلى أن قال ـ فقال: إذا أردتُ زيارة الحسين كيف أصنع؟ وكيف أقول؟ قال: إذا أتيت أبا عبد الله عليه السلام فاغتسل على شاطئ الفرات، والبس ثيابك الطاهرة، ثم امشِ حافياً؛ فإنك في حرم من حرم الله وحرم رسوله، وعليك بالتكبير والتهليل، والتسبيح والتمجيد، والتعظيم لله كثيراً، والصلاة على محمد وأهل بيته، حتى تصير إلى باب الحير، ثم تقول: السلام عليك يا حجة الله وابن حجته، السلام عليكم يا ملائكة الله وزوار قبر ابن نبي الله. ثم اخطُ عشر خطاً، ثم قف وكبّر ثلاثين تكبيرة، ثم امشِ إليه حتى تأتيه من قِبَل وجهه، فاستقبل وجهك بوجهه، وتجعل القبلة بين كتفيك...))[48]، فقوله: ((حتى تصير إلى باب الحير)) يدل على وجود باب وسور، وقوله: (( ثم اخطُ عشر خطًا))، وقوله: ((ثم امشِ إليه حتى تأتيه)) يدل على وجود مسافة تزيد على العشر خطوات ما بين الباب والقبر الشريف. ولا يمكن تحديد المسافة المذكورة بالدقة؛ لأن الخطوات العشر تساوي تسعة أمتار وجزء المتر تقريباً؛ إذ الخطوة الواحدة تساوي ثلاثة أقدام، والقدم يعادل 6,92 سنتمتراً تقريباً[49]، وإذا ضممنا إليه قوله: ((ثم امشِ إليه حتى تأتيه)) يتبيَّن أن المسافة تزيد على ذلك بعض الشيء، ولكن لا نعلم هل أن الزائد تسعة أمتار أخرى أو أزيد من ذلك أو أقل، والمهم أن المسافة بين باب الحائر، والقبر الشريف تزيد على التسعة أمتار، ولعلها تساوي أحد عشر متراً ونصف المتر، الذي هو مدلول معتبرة إسحاق بن عمار المتقدمة، ولعلها أزيد من ذلك.
والذي نريد قوله: إن هذه الرواية وأمثالها تصلح وجهاً للأقوال المتقدمة التي تحدد الحائر بالروضة المقدسة، أو الصحن القديم، أو ما يزيد عليه قليلاًَ؛ إذ لعل هذه الأقوال ناظرة إلى مقدار الحائر في زمان صدور الروايات، وحيث إن المقدار ـ بالدقة ـ مجهول، اختلفت الأقوال ضيقاً وسعةً.
الرأي المختار
يتضح الرأي المختار من خلال النقطتين التاليتين:
النقطة الأُولى: إن القرائن والشواهد تدل على أن الحائر لا يزيد على المشهد الحالي ـ وإن دلت بعض الروايات على أنه أزيد من ذلك، كرواية الفراسخ الخمسة أو رواية الفرسخ ـ والقرائن التي تفيد ذلك هي:
1 إن روايتي الفراسخ الخمسة، والفرسخ الواحد ضعيفتا السند ـ كما تقدم ـ فلا تصلحان للحجية.
2 إن روايتي الخمسة والعشرين ذراعاً، والعشرين ذراعاً معتبرتان سنداً.
3 ما رواه ابن قولويه في كامل الزيارات، في الباب85 زيارة قبر العباس بن علي عليهما السلام ، الحديث الأول، قال: (( عن أبي حمزة الثمالي، قال: قال الصادق عليه السلام : إذا أردت زيارة قبر العباس بن علي عليهما السلام ، وهو على شط الفرات بحذاء الحائر، فقف على باب السقيفة وقل...))[50]. فإن قوله: ((بحذاء الحائر)) يفيد أن قبر العباس عليه السلام خارج عنه.
4 الروايات الواردة في كيفية زيارة الإمام الحسين عليه السلام ، ومنها ما تقدم عن الحسين بن ثوير؛ فإنها تفيد أن الحائر مساوٍ للبناء الذي كان قائماً في زمان صدور هذه الروايات، ويستفاد من هذه الروايات أيضاً أن المسافة بين باب الحائر والقبر الشريف تزيد على تسعة أمتار بقليل.
5 اتضح ـ من مراجعة الأقوال السابقة ـ أن المشهور اتفقوا على عدم شمول الحائر لأزيد من المشهد الحالي، وإن اختلفوا في ضيقه وسعته؛ وبالتالي فهم متفقون على عدم كونه خمسة فراسخ ـ كما عليه الشيخ المفيد رحمه الله ـ أو فرسخاً واحداً، كما هو محتمل رأي المحقق الحلي رحمه الله .
النقطة الثانية: بعد أن اتضح ـ من خلال القرائن المتقدمة ـ أن الحائر الحسيني لا يتجاوز حدود المشهد الحالي، نعرف أن حدوده تدور بين الاحتمالات التالية:
1ـ البناء الحالي، بما في ذلك السور المحيط بالمشهد الشريف.
2ـ الروضة المقدسة مع الأروقة والمقتل، ونحو ذلك من الأبنية الملحقة به.
3ـ تحت القبة فقط.
4ـ حول الضريح المقدّس بمقدار لا يتجاوز خمسة وعشرين ذراعاً، أي: ما يساوي أحد عشر متراً ونصف المتر تقريباً، من جميع الاتجاهات.
وجميع الأقوال المتقدمة لا شاهد عليها ـ كما قد اتضح مما تقدم ـ إلاَّ الرأي الأخير وهو المناسب؛ لدلالة معتبرة إسحاق بن عمار المتقدمة، التي حددت موضع قبر أبي عبد الله عليه السلام به[51].
ولكن يبقى أن نُجيب عن السؤالين التاليين:
السؤال الأول: هناك رواية ثانية معتبرة أيضاً تدل على كون المسافة عشرين ذراعاً من كل جانب، وهي أضيق من المسافة المتقدمة، فهل هناك تضارب بينها وبين ما تقدم؟
والجواب: يمكن الجمع بين المعتبرتين؛ بحمل المعتبرة الثانية معتبرة عبد الله بن سنان على الأفضلية؛ فتكون النتيجة أن مقدار الحائر يمتد إلى خمسة وعشرين ذراعاً، إلاَّ أن ما بين القبر وحتى العشرين ذراعاً أفضل من الأذرع الخمسة المتبقية.
السؤال الثاني: تقدم أن لفظ الحائر أو الحير الوارد في الروايات، إنما أُطلق على البناء الذي كان قائماً على القبر الشريف أيام الباقرين عليهما السلام ، أفلا يحتمل أن يكون البناء هو نفس البناء القائم اليوم، والمسمى بالروضة المقدسة مع الأروقة والمقتل ونحوها من الزيادات؟ مع أن معتبرتي إسحاق وابن سنان لم تذكرا لفظ الحائر، وإنما ذكرتا لفظ الحرمة، فقد يكون المراد منها شيئاً آخر، فلا تنافي بين أن يكون الحائر أوسع من مقدار خمسة وعشرين ذراعاً، ولكن المقدار المذكور أشدُّ حرمة وأفضل.
والجواب: إن هذا مجرد احتمال لا دليل عليه، ولعل البناء القديم أضيق دائرةً من البناء الحالي، كما أن لفظ الحرمة الوارد في معتبرة إسحاق مجمل لا يُعلم مغايرة معناه لمعنى الحائر، كما أشار إلى ذلك المحقق الأردبيلي فيما تقدم، إضافة إلى أن الروايات الواردة في كيفية زيارة الإمام الحسين عليه السلام ـ والتي تحدثت عن بلوغ الحائر، والدخول من الباب، والمشي عشر خطوات، ثم المشي قليلاً ـ لا تتنافى مع المعتبرة؛ لأن المعتبرة تحدد المسافة بأحد عشر متراً ونصف المتر تقريباً، ورواية الحسين بن ثوير المتقدمة لا يُعلم منها أن المسافة أزيد من ذلك، فقد تكون نفس المسافة؛ لأن الخطوات العشر تساوي تسعة أمتار وجزء المتر تقريباً، والمشي أزيد من ذلك قد يبلغ الأحد عشر متراً ونصف المتر، وقد لا يبلغ ذلك، وقد يزيد، فلا وضوح في الزيادة. وعليه؛ إذا لم يحصل الجزم بكون حدود الحائر هو ما ذكر في معتبرة إسحاق فلا أقل من الشك، ومعه فإن الاحتياط يقتضي الاقتصار على هذا المقدار؛ لأنه المتيقن.
الجهة الثالثة: أحكام الحائر الحسيني
عند مراجعة الروايات الواردة في المقام، يظهر لنا مجموعة من الأحكام المتعلقة بالحائر الحسيني، والمرتبطة به، وهي ـ بحسب التتبع ـ كالتالي:
الأول: التخيير في صلاة المسافر بين القصر والتمام
من المعلوم والثابت بين الفقهاء أن المسافر يتعين عليه التقصير في الصلاة، إلاَّ أن مشهور الفقهاء ذكروا استثناءً من ذلك الحكم، فقالوا: بأن المكلف يتخيّر بين القصر والتمام في أماكن أربعة: مكة، والمدينة، ومسجد الكوفة، والحائر الحسيني ـ على الخلاف في بعض التفاصيل ـ فإذا بلغ المسافر هذه الأماكن تخيّر في الصلاة الرباعية بين القصر والتمام، ما لم ينوِِ الإقامة عشراً؛ فإنه يتعيّن عليه التمام حينئذٍ.
ولم يخالف في هذه المسألة إلاَّ الشيخ الصدوق رحمه الله ؛ حيث قال بتعين التقصير، ما لم ينوِ الإقامة عشراً، وتبعه على ذلك ابن البرَّاج[52]. وفي قبالهما نُقل عن السيد المرتضى وابن الجنيد رحمه الله القول بتعيّن التمام في الأماكن الأربعة[53].
والمهم في المقام هو التعرّض إلى حكم الصلاة في الحائر الحسيني، فقد وردت روايات كثيرة تدل على حكم الصلاة فيه. ولكن قبل عرض الروايات، لا بد من لفت النظر إلى أن الحكم بالتخيير في هذه الأماكن ـ ومنها الحائر الحسيني ـ قد استفيد من خلال الجمع بين الروايات؛ حيث يدل بعض منها على التمام، وبعضها الآخر على القصر، وبعضها الثالث على التخيير، والكلام فيه خارج عن محل بحثنا.
استعراض الروايات
إن الروايات في هذا المجال كثيرة جداً، نقتصر على ذكر المهم منها:
1 عن حماد بن عيسى عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: ((من مخزون علم الله الإتمام في أربعة مواطن: حرم الله، وحرم رسوله صلى الله عليه وآله ، وحرم أمير المؤمنين عليه السلام ، وحرم الحسين بن علي عليه السلام ))[54].
2 عن أبي شبل، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام : ((أزور قبر الحسين عليه السلام ؟ قال: نعم، زر الطيب وأتم الصلاة عنده. قلت: بعض أصحابنا يرى التقصير؟ قال: إنما يفعل ذلك الضعفة))[55].
3 عن زياد القندي، قال: قال أبو الحسن عليه السلام : ((يا زياد، أُحب لك ما أُحب لنفسي، وأكره لك ما أكره لنفسي، أتم الصلاة في الحرمين، وبالكوفة، وعند قبر الحسين عليه السلام ))[56].
4 عن عبد الحميد خادم إسماعيل بن جعفر، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ((تتم الصلاة في أربعة مواطن: في المسجد الحرام، ومسجد الرسول، ومسجد الكوفة، وحرم الحسين عليه السلام ))[57].
5 عن إبراهيم بن أبي البلاد، عن رجل من أصحابنا، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ((تتم الصلاة في ثلاثة مواطن: في المسجد الحرام، ومسجد الرسول، وعند قبر الحسين عليه السلام ))[58].
6 عن محمد بن علي بن الحسين، قال: ((قال الصادق عليه السلام : من الأمر المذخور إتمام الصلاة في أربعة مواطن: مكة، والمدينة، ومسجد الكوفة، وحائر الحسين عليه السلام ))[59].
7 عن حماد بن عيسى، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ((من الأمر المذخور إتمام الصلاة في أربعة مواطن: بمكة، والمدينة، ومسجد الكوفة، والحائر))[60].
والملاحظ أن هذه الروايات، ذكرت ثلاثة عناوين:
1ـ حرم الحسين عليه السلام .
2ـ قبر الحسين عليه السلام .
3ـ حائر الحسين عليه السلام .
وحيث قد تقدّم ـ سابقاً ـ أن عنوان حرم الحسين من الألفاظ المجملة، فلا يُعلم مغايرته لمعنى الحائر، وهكذا الأمر بالنسبة لعنوان ‹عند القبر›، فيمكن القول: بأنه يُراد من عنوان الحرم، وعند القبر، والحائر، شيء واحد؛ لأنه الأوفق مع الاحتياط، لا سيما وأن الحكم المذكور على خلاف القاعدة القاضية بلزوم التقصير؛ فيكون موضوع التخيير في هذه الروايات هو الحائر الحسيني، وحيث إن الحائر تم تحديده ـ بحسب ما دلت عليه الرواية المعتبرة ـ بخمسة وعشرين ذراعاً؛ تعيّن كون موضوع التخيير هو هذا المقدار فقط.
وقد يعترض على ذلك: بأن الرواية المعتبرة التي حددت الحائر بخمسة وعشرين ذراعاً، لم تشتمل على حكم الصلاة، وإنما كانت بصدد بيان البقعة المقدّسة، والتي عبّر عنها الإمام بأنها روضة من رياض الجنة، بينما هذه الروايات ـ التي ذكرت عنوان الحرم، وعند القبر، والحائر ـ هي بصدد بيان حكم الصلاة؛ فلا تنافي بين أن يكون موضوع حكم الصلاة أوسع من الموضع المبارك الذي تحدثت عنه موثقة إسحاق.
ونقول في الجواب: إن المعتبرة تتحدث عن البقعة المباركة، ولكن تقدم منّا أن تلك البقعة بحسب الظاهر هي الحائر الحسيني، وقد أقمنا على ذلك شواهد عديدة؛ وعليه فحيث إن حكم الصلاة في هذه الروايات قد تردد موضوعه بين العناوين الثلاثة المتقدمة، وذكرنا أنه لم نستفد من لفظ الحرم، وعند القبر معنًى مغايراً للفظ الحائر، تعيّن حملها على الحائر؛ فيكون موضوع حكم الصلاة هو في تلك البقعة التي حُددت بخمسة وعشرين ذراعاً من كلّ جانب.
الإتمام أفضل والقصر أحوط
ورد هذا التعبير في أكثر الكتب الفقهية، لا سيما الرسائل العملية، وهو من التعابير التي تحتاج إلى إيضاح، والمراد: أن التقصير أوفق بالقواعد؛ لأن محل البحث في المسافر إذا بلغ الحائر أو أحد أماكن التخيير، فإن القواعد تقتضي التقصير، ولكن حيث إن روايات الإتمام في هذه المواطن أكثر عدداً ودلالتها صريحة في الإتمام، مع كونها موافقة للمشهور؛ فتكون حينئذٍ مشهورة روايةً وعملاً أيضاً، كما أن تقديم روايات التقصير عليها يلزم منه طرح بعض روايات التمام رأساً من دون تأويل؛ فلهذا صار الإتمام أفضل من التقصير، ولكن التقصير أوفق بالقواعد؛ لكونه حكماً على طبق القاعدة الأولية[61].
الثاني: استحباب الصلاة في الحائر الحسيني
من أحكام الحائر الحسيني استحباب الصلاة فيه، والتطوع بها، والإكثار منها، وإن كان الشخص مسافراً، والروايات في ذلك كثيرة، منها:
1 عن ابن أبي عمير، عن أبي الحسن عليه السلام قال: ((سألته عن التطوّع عند قبر الحسين عليه السلام وبمكة والمدينة وأنا مقصّر. فقال: تطوّع عنده وأنت مقصّر ما شئت، وفي المسجد الحرام، وفي مسجد الرسول، وفي مشاهد النبي صلى الله عليه وآله ؛ فإنه خير))[62].
2 عن إسحاق بن عمار، قال: ((قلت لأبي الحسن عليه السلام : أتَنفَلُ في الحرمين، وعند قبر الحسين عليه السلام وأنا أُقصّر؟ قال: نعم، ما قدرت عليه))[63].
وقد عقد الحر العاملي رحمه الله في الوسائل باباً خاصاً لهذا الغرض؛ حيث ذكر في أبواب المزار، في الباب 69 العنوان التالي: ((باب استحباب كثرة الصلاة عند قبر الحسين عليه السلام فرضاً ونفلاً عند رأسه وخلفه والإتمام فيه سفراً))[64]، ذكر فيه عشر روايات، كلها تتحدث عن استحباب التطوع بالصلاة عند القبر الشريف، ومن تلك الروايات:
1ـ ما رواه الحسن بن عطية، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ((إذا فرغت من السلام على الشهداء فائتِ قبر أبي عبد الله عليه السلام ، فاجعله بين يديك، ثم تصلي ما بدا لك))[65].
2ـ مرسل ابن أبي عمير، عن أبي جعفر عليه السلام قال: ((قال لرجل: يا فلان، ما يمنعك إذا عرضت لك حاجة أن تأتي قبر الحسين عليه السلام ، فتصلي عنده أربع ركعات، ثم تسأل حاجتك؟! فإن الصلاة المفروضة عنده تعدل حجة، والصلاة النافلة عنده تعدل عمرة))[66].
الثالث: الاستشفاء بطين الحائر
مما لا إشكال فيه أنه يحرم تناول الطين، والدليل على ذلك هو الروايات الكثيرة، والإجماع المدعّى في كلمات الأعلام؛ فقد ذكر في الجواهر ـ وهو بصدد بيان حرمة أكل الطين ـ أنه: ((بلا خلاف أجده، بل الإجماع بقسميه عليه، بل المحكي منهما مستفيض أو متواتر))[67].
إلا أنه قد استثني من هذا الحكم أكل طين الحائر الحسيني؛ لغرض الاستشفاء به؛ فإنه جائز، والمستند في ذلك أمران:
1ـ الإجماع.
قال في الجواهر: ((لا يحل شيء منه، أي الطين، عدا الطين من تربة الحسين عليه السلام ؛ فإنه يجوز الاستشفاء به بلا خلاف، بل الإجماع بقسميه عليه، بل النصوص فيه مستفيضة أو متواترة))[68].
2ـ الروايات الكثيرة والتي بلغت حدّ الاستفاضة أو التواتر.
ونذكر بعضاً منها:
1 عن سعد بن سعد: قال: ((سألت أبا الحسن عليه السلام عن الطين، فقال: أكل الطين حرام مثل الميتة والدم ولحم الخنزير، إلاَّ طين الحائر؛ فإن فيه شفاء من كل داء، وأمناً من كل خوف))[69].
2 عن أبي بكر الحضرمي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ((لو أنَّ مريضاً من المؤمنين يعرف حق أبي عبد الله عليه السلام وحرمته وولايته أخذ من طين قبره مثل رأس أنملة كان له دواء))[70].
3 عن سماعة بن مهران، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال: ((أكل الطين حرام على بني آدم، ما خلا طين قبر الحسين عليه السلام ، مَن أكله من وجع شفاه الله))[71].
وبعد معرفة أن الروايات الواردة في أكل طين قبر الحسين عليه السلام بلغت حدّاً يوجب الاطمئنان بصدورها، نستغني عن البحث في سندها ووثاقة رواتها، وقد مرَّ معنا كلام صاحب الجواهر الصريح باستفاضتها أو تواترها.
ثم إنّ هناك شروطاً ذُكرت لتناول طين الحائر، والمتفق عليه منها اثنان:
الشرط الأول: قصد الاستشفاء والتداوي
ويدل على ذلك جملة من الروايات، منها:
1 ما عن حنان بن سدير، عن أبي عبد الله عليه السلام ، أنه قال: ((مَنْ أكل من طين قبر الحسين عليه السلام غير مستشف به فكأنما أكل من لحومنا))[72].
2 ما عن أبي عبد الله عليه السلام : ((الطين حرام كله كلحم الخنزير، ومَن أكله ثم مات فيه لم أُصلّ عليه، إلاَّ طين القبر، فإن فيه شفاء من كلّ داء، ومَن أكله بشهوة لم يكن له فيه شفاء))[73].
والمراد من طين القبر طين الحائر، ومحل الشاهد قوله: ((ومن أكله بشهوة لم يكن له فيه شفاء))، أي مَنْ تناوله لا لغرض الشفاء وإنما لرغبته في تناول الطين، فلا يكون فيه شفاء.
الشرط الثاني: أن يكون بمقدار الحمصة
وتدل عليه بعض الروايات، من قبيل:
1 ما رواه علي بن الحسن بن فضّال، عن أبيه، عن بعض أصحابه، عن أحدهما عليهما السلام قال: ((إنّ الله تعالى خلق آدم من الطين فحرّم الطين على ولده، قال: فقلت: ما تقول في طين قبر الحسين بن علي عليه السلام ؟ فقال: يحرم على الناس أكل لحومهم ويحل لهم أكل لحومنا؟! ولكن اليسير منه مثل الحمصة))[74].
2 وروي: أنَّ رجلاً سأل الصادق عليه السلام فقال: ((إني سمعتك تقول: إنّ تربة الحسين عليه السلام من الأدوية المفردة، وأنّها لا تمرّ بداء إلاَّ هضمته. فقال: قد قلت ذلك، فما بالك؟ قلت: إني تناولتها فما انتفعت بها، قال: أما أنّ لها دعاء، فمَن تناولها ولم يدعُ به، واستعملها لم يكد ينتفع بها. قال: فقال له: ما يقول إذا تناولها؟ قال: تقبّلها قبل كل شيء، وتضعها على عينيك، ولا تناول منها أكثر من حمّصة، فإنّ مَن تناول منها أكثر من ذلك، فكأنما أكل من لحومنا ودمائنا...))[75].
وهذه الروايات التي قد اعتمدها الفقهاء لإثبات الشرطين المذكورين، وإن كانت قابلة للمناقشة السندية، إلاَّ أنه غير مهم؛ لأن الحكم المذكور ـ جواز تناول الطين ـ على خلاف الأصل وهو حرمة تناول الطين، فلا بد فيه من الاقتصار على المتيقن، وحيث إن المتيقن منه جواز تناوله مع الشرطين، ومع اختلال أحدهما يكون مشكوكاً، فيجري فيه الأصل الثابت، وهو حرمة تناول الطين.
وعليه، فمقتضى الاحتياط الاقتصار على مقدار الحمصة، مع قصد الاستشفاء.
هذا، وقد ذكرت شروط أخرى لتناوله، كالدعاء والصلاة وغيرهما، ولكنها شروط للكمال، وآداب ومستحبات في كيفية الأخذ والاستعمال، لا أنها شروط للجواز.
غير أننا قد ذكرنا: بأن ما يؤخذ منه الطين لا بد وأن يكون من الحائر الذي حددناه سابقاً بأحد عشر متراً ونصف المتر ـ تقريباً ـ من جميع الجوانب؛ وذلك لأمرين:
1ـ إن الوارد في روايات تناول الطين العناوين التالية: طين القبر، تراب القبر، عند القبر، طين الحائر، وقلنا سابقاً: إن هذه التعابير تشير إلى معنى واحد، وهو البقعة المباركة التي عبّرت عنها الروايتان المعتبرتان بالروضة، ولا بد من الاقتصار على المتيقن فيما خالف الأصل؛ لأنه الأوفق بالاحتياط.
2ـ إن عنوان طين القبر يصدق على المقدار المذكور في تحديد مقدار الحائر، وهو الأحد عشر متراً ونصف المتر؛ فإنه يصدق عليه عرفاً أنه تراب القبر أو طين القبر، وأما ما زاد عليه، فيشك في صدق ذلك عليه، أو يشك في شمول الحكم له، فيُرجع فيه إلى الأصل، وهو قاضٍ بحرمة التناول.
الرابع: الحائر من أماكن استجابة الدعاء
ويدل على ذلك عدة روايات منها:
1ـ ما روي عن أبي هاشم الجعفري قال: ((بعث إليّ أبو الحسن عليه السلام في مرضه وإلى محمد بن حمزة، فسبقني إليه محمد بن حمزة، فأخبرني محمد ما زال يقول: ابعثوا إلى الحير، ابعثوا إلى الحير. فقلت لمحمد: ألا قلت له: أنا أذهب إلى الحير؟ ثم دخلت عليه، وقلت له: جعلت فداك، أنا أذهب إلى الحير. فقال: انظروا في ذلك ـ إلى أن قال ـ فذكرت ذلك لعلي بن بلال، فقال: ما كان يصنع الحير؟! هو الحير. فقدمت العسكر فدخلت عليه، فقال لي: اجلس. حين أردت القيام، فلما رأيته أنِسَ بي ذكرت له قول علي بن بلال، فقال لي: ألا قلت له: لمَن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يطوف بالبيت، ويقبّل الحجر؟! وحرمة النبي والمؤمن أعظم من حرمة البيت، وأمره الله عز وجل، أن يقف بعرفة، وإنما هي مواطن يحب الله أن يذكر فيها، فأنا أُحب أن يدعى لي حيث يحب الله أن يدعى فيها))[76].
2ـ ما رواه محمد بن مسلم، قال: ((سمعت أبا جعفر عليه السلام وجعفر بن محمد عليه السلام يقولان: إنّ الله عوّض الحسين عليه السلام من قتله: أنّ الإمامة من ذريته، والشفاء في تربته، وإجابة الدعاء عند قبره، ولا تُعدّ أيام زائريه جائياً و
اترك تعليق