الحسين يرسم حدوداً جديدة للعالم.. والأربعين وعد الله لنبيه!

رغم أن الحسين (ع) يرقد هنا في كربلاء منذ مئات السنين ؛ إلا أنه استطاع أن يجذب الملايين نحوه ومن أبعد مكان في العالم ، وهو أمر يبعث الحيرة في أذهان الجميع كما يزيد من مخاوف أعدائه ، إنهم يتساءلون كيف يستطيع بشراً عادياً - بحسب تصورهم - أن يحشّد كل هذه الملايين وهو تحت الثرى ؟!  .

ألف مرة يا للعجب ! أي تأثيرٍ هذا الذي لم تقف أمامه حتى "الحدود" ؟!

إنهم يرون في هذا الرجل "الشهيد" قائداً حياً لحكومتهم التي ينبغي أن ترسم بنفسها حدود دولهم ، لا معاهدات سايكس بيكو ومثيلاتها ! وإذا كان الحسين وهو ذاك الجسد الممزق بلا رأس تحت الثرى بكل هذا التأثير؛ ماذا عنه لو كان  حياً حاضراً يستقبل هذه الحشود ويكلمها ويوجهها بالطريقة التي يريد ؟؟؟!!! .

الحسين ... الحفيد الذي اكتسب تأثير جده !

سحر الحسين لم يكُن يوماً وليد "خرافات" ابتدعها "كهنة" الأديان ، بل هو ميراث جده  "محمد" الذي وطأت قدماه ما لم تطأه أقدام الأنبياء من قبله ، ولا حتى الملائكة الذين لم يسمح لهم بأن يكونوا بمنزلة القرب من الله بمقام "قاب قوسين أو أدنى ...... " الذي حظى به النبي .

ويزداد تأثير سحر الحسين الشهيد المكتسب من الجد المصطفى الذي لم يخلق له مثيلاً بين الخلق ؛ كلما زاد الحفيد ذوباناً في الجد، ليصبح بعد ذلك جزءً لا يتجزأ منه، حتى قال (ص): "حسين مني وأنا من حسين".

إذن ؛ ماذا ينتظر العالم من حفيد رجلٍ استثنائيٍ استطاع أن يغير واقع أمة جهلت انسانيتها ، ثم اعتلى بهم قمم المجد الحضاري ، حتى ترامت أطراف دولته حول العالم في مدة لا تزيد عن (23) عاماً ؟! وهنا يكمن سر تأثير الحسين (ع) .

جلسة التأسيس لما بعد شهادة الحسين ... الأربعين وعد الله ...

إن أربعينية الإمام الحسين عليه السلام التي انتهى المؤمنون للتو من أداء مراسيمها ؛ هي الأخرى لم تكُن يوماً وليدة الصدفة ، وإنما لها جذوراً عريقة زادت من رسوخها لدى المجتمعات مع مرور الوقت ، أبرزها "يد الغيب" التي ترعى دائماً أي مشروع اقترن باسم "الحسين" ، والتي حققت وعد النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم لعلي وفاطمة عليهما السلام ؛ بأن الله سيجعل لولدهما الحسين المقتول ذبحاً ، سراً عظيم التأثير في جذب عواطف الناس بكل أشكالهم وانتماءاتهم ودياناتهم .

وفي جلسة عائلية دافئة ، كانت تجمع النبي بابن عمه وابنته ؛ حدثهما بالتفصيل عن هذا الذبيح الذي سوف يكون في المستقبل سراً لامتداد نور الرسالة المحمدية ، إلا أن سرعان ما تكدرت الأجواء ليتحول هذا التجمع العائلي النادر التكرار إلى مجلس حزن و أسىً عميقين بعد أن عرفوا أن ثمة خبر حزين وفاجعة أليمة تنتظرها أسماعهم خلال الجلسة ، وأكد لهم النبي أن "فئة باغية" سوف تقتل ولدهما وحيداً مع عياله وجمع من صحبه على أرض كربلاء .

تبكي فاطمة عليها السلام بكاءً شديداً وتسأل : " يا أبت متى يكون ذلك ؟" .

فيجيبها الأب المفجوع بحفيده من بضعته الوحيدة : " في زمان خال مني ومنك ومن علي ......... " .

عندها تلفت فاطمة عليها السلام ، العالم إلى أمر في غاية الأهمية ، وهو " البكاء على الحسين " الذي يعتبر الشعيرة الأهم التي رافقت القضية الحسينية منذ لحظة ولدتها ، وكأن الزهراء أرادت أن تدعو العالم على لسان أبيها إلى إحياء ذكر ولدها ما بقيت الحياة ، فتسأل والدها بعد أن اشتد بكاؤها : " يا أبت فمن يبكي عليه ؟ " .

فيخبرها النبي أن الله سيخلق للحسين شيعةً يبكونه ويذكرونه ويحيون أمره ما بقي الدهر، حيث يقول صلى الله عليه وآله : " يا فاطمة إن نساء امتي يبكون على نساء أهل بيتي ، ورجالهم يبكون على رجال أهل بيتي، ويجددون العزاء جيلا بعد جيل  ....... "  .

وقد أسست هذه الجلسة العائلية القصيرة آنذاك لأكبر شعيرة إلهية أبى الله لها إلا أن تستمر مع العصور ، كما وعد بذلك النبي ، وهي زيارة الإمام الحسين (ع) التي تحولت بتعاقب الأجيال إلى تجمعات مليونية تأتي عند قبره الشريف ، وتزداد أعداد المشاركين فيها سنوياً حتى أنها راحت تأخذ طابعاً عالمياً هذا العام ، من حيث الحضور والمساهمة في الإعداد لها وتصدير رسالتها .

هذه الملايين مسيّرة ...

  ومع اتساع دائرة انتشارها بين العالم ، لا شك أن ذلك سيولد لدى الحاقدين على هذه  المسيرة شيئاً من الاستهجان والرفض ، فيطلقون لأقلامهم العنان ليفرغوا كل ما لديهم من حقد عبر الإعلام المقروء وكذلك سائر وسائل الإعلام المختلفة التي لم تهدأ طيلة أيام الزيارة عن بث سمومها للتشكيك بنوايا هذه الحشود المليونية ، والتي نعتقد كما هو واضح من روح الروايات الشريفة التي تتحدث عن وعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعلي وفاطمة عليهما السلام ، أن تلك الملايين "مسيّرة" وليست مخيّرة كما يبدو لهم ... مسيّرة لأن الله أراد للحسين أن يبقى الرجل الأكثر تأثيراً في العالم والأكثر سحراً، والأكثر رسوخاً في العقول قبل القلوب ، ولكن كيف؟ ....  عبر هذه الجموع المليونية !!!

ويظهر هذا التسخير الإلهي واضحاً عندما نرى بين هذه الحشود المليونية من يستحق "النقد" في الأيام الاعتيادية لسلوك سيءِ قد أعتاد عليه ، بينما تجده على قدر عالٍ من الورع وهو يسير على الاقدام نحو الحسين في كربلاء ، وكأن ثمة دعوة إلهية خاصة موجهة له ليركب سفينة النجاة التي ربما ستكون سبباً في هدايته ، وهو ما يحتم على رجال الدين والحوزة العلمية بتكثيف برامجها التوعوية خلال هذه الفترة ــ أي زيارة الأربعين ــ وما بعدها ، استثمارا لما تركته من اثر نفسي طيب لدى الزائر ، وهذا أيضاً يعتبر جزءً من ذلك التأثير والسحر الذي ينفرد به شخص الحسين عليه السلام دون غيره من بني البشر .

الحسين سلطة أكبر من أيةِ حدود ترسمها أيةِ دولة ، وأكبر كلمة كانت فوق الدين والانتماء لتوحد البشرية .

حسين الخشيمي

الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة

المرفقات