رحلة في الزمن المقدس.. حينما تهمس النفائس لزائر متحف الإمام الحسين (ع)

في الزاوية الجنوبية الغربية من الصحن الحسيني الشريف، ثمة باب يقودك إلى ما هو أبعد من قاعة عرض، إلى الزمن، والذاكرة، والدهشة، إنه متحف الإمام الحسين (عليه السلام)، الذي ما إن تطأه قدم الزائر حتى يشعر أنه دخل عالما من الحنين والرمزية، محملا بمشاعر لا تنتمي للحاضر فقط، بل تمتد إلى قرون من الحب، والوفاء، والإيمان.

من المخازن إلى ذاكرة حية

“لم أتخيل أن هذه الكنوز كانت حبيسة صناديق!” تقول الزائرة الخمسينية (أم فهد) التي جاءت من البحرين، وهي تتأمل بردة باب التوبة التي كانت معلقة على أستار الكعبة، "هذه ليست مجرد مقتنيات، إنها شواهد على علاقة خالدة بين المؤمنين والحسين (عليه السلام)"، تهمس وهي تلمح دمعة تعانق صوتها.

افتتح المتحف في الثالث من شعبان عام 2011، ومنذ ذلك الحين استقبل الملايين من الزائرين، بعضهم لا يعودون مرة واحدة فقط بل اكثر من مرة، كما يقول الشيخ عمار حسن، من محافظة ذي قار، "أنا من الزائرين باستمرار ، وكل مرة أقدم إلى هنا ارى تفصيلا جديدا، بل أعيش شعورا جديدا جدا، ومختلف".

كنوز العالم في حضرة الإمام الحسين (عليه السلام)

عند التجوال، تستوقفك راية قديمة كانت ترفرف يوما فوق قبة الإمام الحسين (عليه السلام)، معلقة الآن خلف زجاج المتحف كأنها ما زالت تنبض بنداء لا ينطفئ، خطوطها الخضراء والذهبية تنسج على مهل كلمة (حسين) لا كاسم عابر، بل كبوابة تفتح على عالم آخر من المعنى والخلود.

“عندما رأيت شعرة السعادة المنسوبة إلى النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) شعرت أني أقف على عتبة قداسة لا توصف”، يقول احمد المظفر، احد الزائرين من محافظة البصرة، عن هذه الشعرة، حيث أنها لا تعرض سوى مرة واحدة في السنة، وربما لهذا تحيطها رهبة صامتة في نظرات الزائرين، حيث كان المظفر محظوظا لأنه رأها حين عرضت.

وفي زاوية اخرى، يقف الشباك القديم لضريح الامام الحسين (عليه السلام) محاطا بهالة من السكينة والهيبة، يجذب انظار الزائرين كأنه يحمل انفاس التاريخ.

"كنت اراه في الصور فقط، وها انا الان امامه”، هكذا تقول زينب، الزائرة الإيرانية التي تتحدث العربية، حيث كانت تحدق فيه بعينين دامعتين وقد وضعت يدها على الزجاج الواقي، كأنها تحاول لمس زمن مضى ولم يمت.

أسلحة لها ذاكرة

مجموعة من الأسلحة القديمة تحتل جانبا من المتحف، من سيوف فارسية ومغولية، إلى قطع نادرة من ثورة العشرين.

"كل سلاح هنا يحكي قصة مقاومة وحلم بالكرامة”، يقول الزائر هشام علي من محافظة واسط، وهو يشير إلى بندقية المقاتل الشهيد أبو تحسين الصالحي احد ملبي فتوى الدفاع الكفائي، والمعروضة بفخر في المتحف منذ عام 2018.

السجاد الذي يقرأ كما تقرأ القصائد

لا يقتصر المتحف على المعادن والأسلحة، فثمة سجاد حريري يدوي من كاشان وإصفهان، وبعضه منقوش بالذهب، ومنها سجادة قدرت بأنها الأغلى في العالم، تحمل أسماء أصحاب الكساء.

"إنها ليست زينة فقط، إنها نصوص نسجت بالخيط كما تنسج القصيدة”، هكذا يعلق الزائر اللبناني أمجد زين، وهو ممن يعملون في الفن الإسلامي.

لغات أربع وصيانة دقيقة

وراء هذه المعروضات طاقم مدرب يتحدث بأربع لغات، ويعرف كيف يروي القصة بلغة الزائر، أيا كان موطنه، كما أن فريق الصيانة يستخدم مواد وتقنيات خاصة، بعضها تم استيراده من ألمانيا وإيطاليا، للحفاظ على الفضة والنحاس والذهب من عوامل الزمن.

كل قطعة.. حكاية عشق

“أحب أن أقف طويلا أمام باب المذبح”، تقول زائرة من سوريا، “ليس لأنه مزخرف، بل لأن فيه أثر الدم، وعبق الفداء”.

أما طفل صغير رافق عائلته، فقد ظل يردد بدهشة بريئة "كل هذه الأشياء جاؤوا بها من بلاد بعيدة لأجل الإمام الحسين (عليه السلام)؟” وكان الجواب الصامت من والده: نظرة طويلة وممتنة للمكان، كأنه يهمس، “نعم الإمام الحسين (عليه السلام) يجمعهم”.

المتحف ليس فقط مكانا… بل موقفا

إنه أكثر من متحف، بل شاهد حي على كيف تكون الذاكرة مقاومة، وكيف يصبح التاريخ صلاة. 

هنا، حيث تلتقي دموع العاشقين مع فنون الشعوب، وحيث تتحول النذور إلى شهادات حب خالدة، يستمر متحف الإمام الحسين (عليه السلام) في سرد الحكاية، على لسان الزائرين أنفسهم.

المرفقات

: فارس الشريفي تصوير : محمد عظيم