العدالة الاجتماعية في القرآن الكريم

العدالة الاجتماعية في القرآن الكريم ليست مجرد دعوة نظرية أو فكرة عابرة، بل هي منهج حياتي راسخ يوجه كل فرد في المجتمع نحو تحقيق التوازن بين حقوقه وواجباته، ويوفر له المساحات التي تحفظ له كرامته وتضمن له حياة كريمة. هي نظام متكامل ينبثق من قيم السماء ويشكل أساسًا لاستقرار الأرض، ويسعى لتوزيع الحقوق بشكل عادل بين الأفراد، دون تفرقة أو محاباة، ليعيش الجميع في مجتمع يسوده الأمن والطمأنينة.

لقد جاء القرآن الكريم ليؤكد أن العدالة ليست مجرد صفة للإنسان، بل هي مراد الله الذي يريده للبشر في كل وقت وحين. "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ" (النساء: 135)، وفي هذه الآية الكريمة دعوة صريحة للمؤمنين أن يكونوا منابر للعدالة في الأرض، وأن يقفوا على الحق والعدل مهما كانت الظروف. العدالة في القرآن ليست اختيارية، بل هي واجب مقدس، يتحمل مسؤوليتها كل فرد في المجتمع، ابتداءً من الحاكم وصولًا إلى أدنى الناس.

يُظهر القرآن أن العدالة تشمل جميع مجالات الحياة: من الحقوق السياسية والاجتماعية، إلى الحقوق الاقتصادية، حيث لا يجوز أن يُظلم فقير ولا يُهدر حق محتاج.

وهنا دعوة للحاكم والمواطن على حد سواء أن يسعى كل منهم لإحقاق الحق، والإحسان إلى الآخرين بكل ما أوتي من قدرة.

القرآن الكريم يدين التفاوت الاجتماعي ويضع المساواة كأحد الأسس التي يجب أن يبني عليها المجتمع. "إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ" (الحجرات: 13)، هذه الآية تمثل أعظم مبادئ العدالة الاجتماعية، حيث لا يُقيم الناس من خلال أموالهم أو أصولهم أو ألوانهم، بل من خلال تقواهم وصلاحهم، مُشَجِّعًا على تحقيق المساواة بين الأفراد دون التفريق بينهم بسبب أي فارق مادي أو اجتماعي.

أما عن الحق في الملكية والتوزيع العادل للثروات، فقد أوصى القرآن الكريم بحسن توزيع المال بين الناس ورفض استئثاره بيد قلة. "وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ۛ وَأَحْسِنُوا ۛ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ" (البقرة: 195)

كما أن العدل في التعامل مع الفقراء والمساكين يعتبر من أسمى القيم التي دعا إليها القرآن، حيث أكّد على ضرورة منحهم حقهم في الزكاة والصدقات، وتوزيع الثروات بشكل يساهم في تقليص الفجوات الاجتماعية.

العدالة الاجتماعية في القرآن الكريم لا تقتصر على التوزيع العادل للموارد، بل تشمل أيضًا تعزيز حقوق النساء والأطفال والضعفاء في المجتمع. فقد حرَّم القرآن الكريم التفرقة بين الناس، وأعطى المرأة حقوقًا لم تكن معترفًا بها في كثير من الثقافات، وأمر بالإحسان إلى اليتامى والمحتاجين، وأكد على ضرورة إظهار اللطف والرحمة معهم.

والعدالة الاجتماعية في القرآن الكريم ليست مجرد نظرية فلسفية، بل هي تطبيق عملي لكل ما يتضمنه الإسلام من نظام حياة، تهدف إلى تحسين أوضاع الناس، وجعلهم قادرين على العيش في بيئة تحقق لهم المساواة والكرامة. إنها دعوة للبشرية جمعاء للعيش في مجتمع لا يُستغل فيه الضعيف ولا يُظلم فيه أي أحد، بل يُحترم فيه الجميع، ويُعطى كل ذي حق حقه.

: السيد فضل الشرفي - مركز التبليغ القرآني الدولي