الحمد لله ربِّ العالمين حمدًا كثيرًا كما يستحقُّه وكما هو أهله، والصلاة والسلام على خير خلقه محمَّد وآله الطاهرين...
من النادر أن تجد شخصيةً يتَّفق عليها النَّاس بكلِّ أطيافهم وانتماءاتهم، وخصوصًا لو كانت هذه الشخصية منتمية إلى طائفةٍ دينية معينة تراها الطوائف الأخرى ضالة عن الطريق؛ بل يزاد الأمر ندرة فيما لو كانت هذه الشخصية رأسًا في أعلامِ تلك الطائفة، وقد تحقَّقت هذه الندرة في الشريف المرتضى (رضوان الله عليه)، ذلك أنَّه من العلماء المتقدِّمين في مذهب أهل البيت (عليهم السَّلام)، الممثِّلين له في المرحلة التي عاشها (رضوان الله عليه)، ومع ذلك نجد اتفاق العلماء على تفضيله والثناء عليه على الرغم من الاختلاف معه في العقيدة، وما ذلك إلَّا أنَّ هذه الشخصية قد بلغت من العلا في المكارم إلى حدٍّ لا يمكن نكرانه أو تجاهله، فشكَّل له ذلك مانعًا من الذمِّ والتنكيل من لدن المخالفين له في العقيدة والانتماء، وقد قرَّرنا في هذا المقال أن ننقل بعض أقوال العلماء الذين تعرَّضوا لذكره، ومنهم:
- أبو منصور الثعالبي (ت: 429هـ): ((ابتدأ يَقُول الشّعْر بعد أَن جَاوز الْعشْر سِنِين بِقَلِيل، وَهُوَ الْيَوْم أبدع أَبنَاء الزَّمَان وأنجب سادة الْعرَاق، يتحلى مَعَ محتده الشريف ومفخره المنيف بأدب ظَاهر، وَفضل باهر وحظ من جَمِيع المحاسن وافر، ثمَّ هُوَ أشعر الطالبيين من مضى مِنْهُم وَمن غبر، على كَثْرَة شعرائهم المفلقين كالجماني وَابْن طَبَاطَبَا وَابْن النَّاصِر وَغَيرهم، وَلَو قلت إِنَّه أشعر قُرَيْش لم أبعد عَن الصدْق، وسيشهد بِمَا أجريه من ذكره شَاهد عدل من شعره العالي الْقدح الْمُمْتَنع عَن الْقدح الَّذِي يجمع إِلَى السلاسة متانة وَإِلَى السهولة رصانة ويشتمل على معَان يقرب جناها وَيبعد مدها))([1]).
- النجاشي (ت 450هـ): ((كان شاعرًا مبرزًا . له كتب، منها: كتاب حقائق التنزيل، كتاب مجاز القران، كتاب خصائص الأئمة (عليهم السلام)، كتاب نهج البلاغة، كتاب الزيادات في شعر أبي تمام، كتاب تعليق خلاف الفقهاء، كتاب مجازات الآثار النبوية، كتاب تعليقة في الايضاح لأبي علي، كتاب الجيد من شعر ابن الحجاج، كتاب الزيادات في شعر ابن الحجاج، كتاب مختار شعر أبي إسحاق الصابي، كتاب ما دار بينه وبين أبي إسحاق من الرسائل شعر))([2])
- الخطيب البغدادي (ت: 463هـ): ((تلقن القرآن بعد أن دخل في السن، فجمع حفظه في مدة يسيرة، قَالَ: وصنف كتابا في معاني القرآن يتعذر وجود مثله، وكان شاعرًا محسنًا. سمعت أبا عبد الله محمد بن عبد الله الكاتب بحضرة أبي الحسين بن محفوظ، وكان أحد الرؤساء، يقول: سمعت جماعة من أهل العلم بالأدب، يقولون: الرضي أشعر قريش، فقال ابن محفوظ: هذا صحيح، وقد كان من قريش من يجيد القول إلا أن شعره قليل، فأما مجيد مكثر فليس إلا الرضي))([3])
- جمال الدين القفطي (ت: 646هـ): ((وكان الرضىّ من أهل الفضل والأدب والعلم والذكاء وحدّة الخاطر من صغره))([4])
- ابن خلكان (ت: 681هـ) ((صنف كتابا في معاني القرآن الكريم يتعذر وجود مثله دل على توسعه في علم النحو واللغة، وصنف كتابا في مجازات القرآن فجاء نادرا في بابه))([5])
- ابن أيبك الصفدي (ت: 764هـ) ((محاسن شعره كَثِيرَة إِلَى الْغَايَة))([6])
- الذهبي (ت: 748هـ): ((لَهُ ديوان شِعر مشهور، وشعره في غاية الحُسن، وصنَّف كتابًا في معاني القرآن يتعذَّر وجود مثله، وكان غير واحد من الأدباء يقولون: الشّريف الرّضيّ أشعر قُريش... وكان المرتضى... كثير الاطّلاع والجِدال... كان شاعرًا ماهرًا، متكلِّمًا ذكيًّا، له مصنَّفات جمّة على مذهب الشِّيعة))([7]) .
- التفرشي (ت : ق 11): ((وأمره في الثقة والجلالة أشهر من أن يذكر ، رضي الله عنه))([8])
- أحمد بن علي الحسيني (ابن عنبة) (ت: 828 هـ): ((الشريف الاجل الملقب بالرضى ذو الحسبين يكنى أبا الحسن نقيب النقباء وهو ذو الفضائل الشائعة والمكارم الذائعة ، كانت له هيبة وجلالة وفيه ورع وعفة وتقشف ومراعاة للأهل والعشيرة ، ولى نقابة الطالبيين مرارا ، وكانت إليه إمارة الحاج والمظالم كان يتولى ذلك نيابة عن أبيه ذي المناقب ، ثم تولى ذلك بعد وفاته مستقلا وحج بالناس مرات ، وهو أول طالبي جعل عليه السواد وكان أحد علماء عصره قرأ على أجلاء الأفاضل))([9])
- الشيخ عباس القمي (ت: 1359): ((هو السيد الاجل أبو الحسن محمد بن الحسين بن موسى بن محمد بن موسى بن إبراهيم بن الإمام موسى الكاظم (عليه السلام)، أخو الشريف المرتضى أمره في العلم والفضل والأدب والورع وعفة النفس وعلو الهمة والأجلة أشهر من أن يذكر، وقد خفي علو مقامه في الدرجات العلمية مع قلة عمره؛ لعدم انتشار كتبه وقلة نسخها، وإنَّما الشايع منها نهجه وخصائصه، وهما مقصوران على النقليات، نعم في هذه الأزمنة انتشرت نسخة المجازات النبوية الحاكية عن علو مقامه في الفنون الأدبية، وله تفسير على القرآن الكريم المسمى بحقائق التنزيل، قال في حقه أبو الحسن العمري: هو أحسن من كل التفاسير وأكبر من تفسير أبى جعفر الطبري، ولما تمَّ وكمل بدره وبلغ سبعًا وأربعين من عمره اختار الله له دار بقاه، فناداه ولباه وفارق دنياه وذلك في بكرة يوم الاحد لست خلون من المحرم سنة ست وأربعمائة، فقامت عليه نوادب الأدب وانثلم حد القلم وفقدت عين الفضل قرنتها وجبهة الدهر غرتها، وبكاه الأفاضل مع الفضائل ورثاه الأكارم مع المكارم على أنَّه ما مات من لم يمت ذكره، ولقد خلد من بقي على الأيام نظمه ونثره والله يتولاه بعفوه وغفرانه، ويحييه بروحه وريحانه))([10])
ولذلك كان الرَّضي واحةً غنَّاء تلتقي فيها العلماء متَّفقين على تفضيله والثناء عليه؛ لما بدى من مكارمه وفضائله التي لم يستطع أحدٌ كتمانها أو تجاهلها...
السلام على الشريف الرَّضي بقدر ما خدم أهل البيت (عليهم السلام) بعلمه وخلقه القويم.
([1]) يتمة الدهر في محاسن أهل العصر: 3/155
([2]) فهرست اسماء مصنفي الشيعة (رجال النجاشي): 398 .
([3]) تاريخ بغداد: 3/40 .
([4]) إنباه الرواة على أنباه النحاة: 3/114 .
([5]) وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان: 4/416 .
([6]) الوافي بالوفيات: 2/279 .
([7]) تاريخ الإسلام وَوَفيات المشاهير وَالأعلام: 9/557 .
([8]) نقد الرجال: 4/188 .
([9]) عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب: 207 .
([10]) الكنى والألقاب: 2/274 .
اترك تعليق