شبهة التنافي بين عصمة الامام والخاتمية

مفاد الشبهة: يقول البعض ان ما يذهب اليه الشيعة من القول بلزوم عصمة الامام ينافي الخاتمية ، وذلك لان بمجرد ختم النبي تنقطع جميع خصائصها ومنها العصمة ، فالقول بالعصمة للائمة ينافي الخاتمية ، قال الدكتور سروش ( كيف يمكن ان ياتي بعد النبي الخاتم اناس يتحدثون عن الوحي والشهود بكلام لا اثر له في القران والسنة النبوية ومع ذلك يتم التعامل معه على انه من التعاليم الدينية والتشريعية التي توجب تحليلا وتحريما وتحل في المرتبة محل الوحي النبوي وتكتسب عصمة كلام وحجيته ومع ذلك لا يكون ذلك منافيا للخاتمية )[1]؟.

جواب الشبهة: ويكون من خلال وجوه عدة:

الوجه الاول: ان اختصاص العصمة بالأنبياء دعوى بلا دليل، فان العصمة من لوازم مقام النبوة ولكنها لا تعني سلب هذه الصفة عن الاخرين واحتكارها بالأنبياء فقط.

الوجه الثاني : جوهر الامامة يقتضي العصمة

ان المستشكل قد تصور ان العصمة لا تكون للإمام وذلك اما لجهله بحقيقتها او بسبب رؤيته التي يبتني على تفسير الامام بالحكم والخلافة فقط ، وعليه ستكون الامامة بهذا المعنى غير مقتضية للعصمة ، ولكن الحق ان الامامة غير ذلك فأنها مرتبة تفوق النبوة بحسب التعبير القرآني فأنها عندئذ ستقتضي العصمة وتلازمها ، وذلك لان الامام هو الذي يقرب الناس من المعصية ويبعدهم عنها ، وهو المبين والهادي للامة ، وهذا لا يتحقق من انسان يصدر منه الخطأ البتة لأنه يستلزم لوازم كثيرة وباطلة ، منها عدم الوثوق به من قبل الناس في حال فرض الخطأ بحقه ، وكذا يلزم عدم الامان في تبليغ ما يريده الباري عز وجل ، ولذا نجد في الامامة الإبراهيمية ان ابراهيم عليه السلام لما نال هذه المرتبة وقال تعالى: ( اني جاعلك للناس اماما ) طلب ابراهيم هذا المقام لذريته فجاء الرد بالفرض بقوله تعالى: ( لا ينال عهدي الظالمين ) وهذا بيان لحقيقة واضحة وهو ان الظلم صغيرا كان ام كبيرا شخصي ام غيره ينافي الامامة وان الذي يتصف بهذا المنصب لابد ان يكون معصوما .

 

الوجه الثالث :  ان الدليل العقلي الذي دل على ضرورة بعثة النبي المعصوم ، هو عينه يلزم وجود امام معصوم ، بمعنى انه الله عز وجل لما خلق الانسان ، وكلفه بتكاليف فيجب من باب حكمته ، ولطفه ان يبعث شخصا معصوما يقرب الناس الى طاعته ويبعدهم عن معصيته ، ويصون الرسالة من التحريف ، ويصدقه الناس يؤمنون به عن يقين وثبات ، لان الهادي لو لم يكن معصوما جاز عليه السهو والخطأ والنسيان في ابلاغ الرسالة والوحي ولا يخفى ما في ذلك من نقص الغرض المنشود من بعث الانبياء ، وفي الفترات السابقة التي تخللت بعث الانبياء لم تكن هنالك حاجة لوجود الامام المعصوم وذلك لان الذي يتولى تصحيح التحريف وهداية الامة هم الانبياء الذي كانوا يأتون واحدا بعد واحد ، بعد ختم النبوة بالنبي صلى الله عليه واله وسلم لم تنتف الحاجة من وجود المعصوم ، الذي يلي حفظ الشريعة وتبليغ الامة وصيانتها من الانحراف وبيان معالم الدين واحكامه والبت في حالات الاختلاف وتمييز الحق من الباطل ، ومن هنا ستكون الخاتمية هي الي تقتضي وجود معصوم بعدها من دون ان يكون نبيا وقد تم التأكيد على ذلك في نصوص عدة بينها الائمة عليهم السلام[2].

الوجه الرابع: دلالة القران الكريم على العصمة

هنالك جملة من الآيات القرآنية التي تبين وتصرح بعصمة اهل البيت عليهم السلام وذلك من قبيل قوله تعالى (انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا) وقد اتفقت روايات الفريقين على انها نزلت في حق محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام[3] .

 

الوجه السادس: دلالة الروايات الشريفة على عصمة الائمة عليهم السلام

 فقد وردت جملة من الروايات الشريفة التي تدل على عصمة اهل البيت عليهم السلام فقد روى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه واله وسلم قال: ( انا وعلي والحسن والحسين وتسعة من ولد الحسين مطهرون ومعصومون )[4] ، ومنها ما يدل عليه حديث الثقلين الذي جعل فيه النبي ص العترة الطاهرة عدل القران الكريم ، ومن المعلوم عدم عصمة العترة الطاهرة يؤدي الى الافتراق بينهم وبين القران الكريم وهذا محال ، وكذا ان التمسك بهما ينجي من الضلال وهذا لا ينسجم مع عدم العصمة قطعها وغيرها من النصوص التي تبين وبكل وضوح لزوم عصمة الائمة عليهم السلام كقوله صلى الله عليه واله: ( علي مع الحق والحق مع علي ) وقوله صلى الله عليه واله وسلم: ( علي مع القران والقران مع علي )[5].

 

 

 

 

الهوامش:-----

[1] بسط التجربة النبوية ص 134 .

[2] انظر كمال الدين وتمام النعمة ج1 ص 211، 244 .

[3] ورد في صحيح مسلم ، كتاب فضائل الصحابة ، باب فضائل اهل بيت النبي صلى الله عليه واله وسلم : حدثنا : ‏ ‏أبوبكر بن أبي شيبة ‏ ‏ومحمد بن عبد الله بن نمير ‏ ‏واللفظ ‏ ‏لأبي بكر ‏ ‏قالا : ، حدثنا : ‏ ‏محمد بن بشر ‏ ‏، عن ‏ ‏زكريا ‏ ‏، عن ‏ ‏مصعب بن شيبة ‏ ‏، عن ‏ ‏صفية بنت شيبة ‏ ‏قالت : قالت عائشة : ‏خرج النبي ‏( صلى الله عليه واله وسلم) ‏غداة ‏ ‏وعليه ‏ ‏مرط ‏ ‏مرحل ‏ ‏من شعر أسود فجاء ‏ ‏الحسن بن علي ‏ ‏فأدخله ، ثم جاء ‏ ‏الحسين ‏ ‏فدخل معه ، ثم جاءت ‏ ‏فاطمة ‏ ‏فأدخلها ثم جاء ‏ ‏علي ‏ ‏فأدخله ، ثم قال : ‏إنما يريد الله ليذهب عنكم ‏ ‏الرجس ‏ ‏أهل البيت ويطهركم تطهيرا. ‏ 

[4] بحار الانوار ج25 ص 202 ، ينابيع المودة ج2 ص 316 .

[5]  انظر مستدرك الحاكم : كتاب معرفة الصحابة ، ذكر إسلام أمير المؤمنين علي رضي الله تعالى عنه ، حديث رقم : 4628

: الشيخ وسام البغدادي