سأل احد الاخوة الكرام عن سبب عدم احتجاج سعد يوم السقيفة بولاية علي عليه السلام، فاقول له مع الحب والكرامة:
اذا فهمت تفاصيل ما جرى يوم السقيفة المشؤوم فانك سوف تعرف انه لم يكن هناك مجالا لاحد من حضور السقيفة ان يذكر الوصية لعلي عليه السلام.
فالسؤال لماذا لم يذكر الرجل الوصية للامام علي عليه السلام هو سؤال يطرحه الجاهل بالتاريخ وتفاصيل السقيفة، ولا اعنيك انت اخي وانما انت ناقل هذا السؤال عن غيرك.
تعال معي لنكون شهودا على مجريات ذلك اليوم المشؤوم:
نقل العلامة الطبرسي في كتاب الاحتجاج واقعة السقيفة فقال : وقُبِض رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وقت الضحى من يوم الاثنين ، بعد خروج أسامة إلى معسكره بيومين .
فرجع أهل العسكر والمدينة قد رجفت بأهلها ، فأقبل أبو بكر على ناقة حتى وقف على باب المسجد ، فقال : أيها الناس مَالَكُم تموجون ، إن كان محمد قد مات فَرَبُّ محمد لم يَمُت .
( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ ) آل عمران : 144 .
ثم اجتمعت الأنصار إلى سعد بن عبادة ، وجاءوا به إلى سقيفة بني ساعدة ، فلمَّا سمع بذلك عُمَر أخبر بذلك أبا بكر ، فمضيا مسرعين إلى السقيفة ومعهما أبو عبيدة بن الجراح .
وفي السقيفة خلق كثير من الأنصار ، وسعد بن عبادة بينهم مريض ، فتنازعوا الأمر بينهم .
فآل الأمر إلى أن قال أبو بكر في آخر كلامه للأنصار : إنما أدعوكم إلى أبي عُبيدة بن الجراح ، أو عمر ، وكلاهما قد رضيت لهذا الأمر ، وكلاهما أراهما له أهلاً .
فقال عمر وأبو عبيدة : ما ينبغي لنا أن نتقدَّمك يا أبا بكر وأنت أقدمنا إسلاماً ، وأنت صاحب الغار ، وثاني اثنين ، فأنت أحقّ بهذا الأمر وأولى به .
فقال الأنصار : نحذر أن يغلب على هذا الأمر من ليس مِنَّا ولا منكم ، فنجعل منا أميراً ومنكم أميراً ، ونرضى به على أنه إن هلك اخترنا آخر من الأنصار .
فقال أبو بكر بعد أن مدح المهاجرين : وانتم يا معشر الأنصار ، مِمَّن لا يُنكَر فضلُهم ولا نعمتُهم العظيمة في الإسلام ، رضيكُم الله أنصاراً لدينه ، وكهفاً لرسوله ، وجعل إليكم مهاجرته ، وفيكم محلّ أزواجه ، فليس أحدٌ من الناس بعد المهاجرين الأولين بمنزلتكم ، فهم الأُمَراء ، وأنتم الوزَرَاء .
فقال الحباب بن المنذر الأنصاري : يا معشر الأنصار ، أمسكوا على أيديكم ، فإنما الناس في فَيئكم وظِلالِكُم ، ولن يجترئ مُجترٍ على خلافكم ، ولن يصدر الناس إلا عن رأيكم .
وأثنى على الأنصار ثم قال : فإن أبى هؤلاء تأميركم عليهم ، فلسنا نرضى بتأميرهم علينا ، ولا نقنع بدون أن يكون منَّا أمير ومنهم أمير .
فقام عمر بن الخطاب فقال : هَيْهات ، لا يجتمع سيفان في غمد واحد ، إنه لا ترضى العرب أن تؤمِّركم ونبيها من غيركم ، ولكن العرب لا تمتنع أن تولي أمرها من كانت النبوة فيهم ، وألو الأمر منهم .
ولنا بذلك على من خالفنا الحجة الظاهرة والسلطان البَيِّن ، فيما ينازعنا سلطان محمد ونحن أولياؤه وعشيرته ، إلا مُدْلٍ بباطلٍ ، أو مُتجانِف بإثم ، أو متورِّط في الهلكة ، مُحِبّ للفتنة .
فقام الحباب بن المنذر ثانية فقال : يا معشر الأنصار ، امسكوا على أيديكم ولا تسمعوا مقال هذا الجاهل وأصحابه ، فيذهبوا بنصيبكم من هذا الأمر ، وان أبوا أن يكون منا أمير ومنهم أمير فأجلوهم عن بلادكم ، وتولّوا هذا الأمر عليهم ، فأنتم والله أحَقّ به منهم .
فقد دانَ بأسيافِكم قبل هذا الوقت من لم يكن يدين بغيرها ، وأنا جذيلها المحكك ، وعذيقها المرجب ، والله لئن أحد رَدَّ قولي لأحطِّمَنَّ انفه بالسيف .
قال عمر بن الخطاب : فلما كان الحباب هو الذي يجيبني لم يكن لي معه كلام ، فإنه جرت بيني وبينه منازعة في حياة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فنهاني رسول الله عن مُهاترته ، فَحلفْتُ أن لا أُكلِّمه أبداً .
قال عمر لأبي عبيدة : تَكلَّم .
فقام أبو عُبيدة بن الجراح ، وتكلَّم بكلام كثير ، وذكر فيه فضائل الأنصار ، وكان بشير بن سعد سَيِّداً من سادات الأنصار ، لمَّا رأى اجتماع الأنصار على سعد بن عبادة لتأميره حَسَدَه ، وسعى في إفساد الأمر عليه ، وتكلَّم في ذلك ، ورضى بتأمير قُرَيش ، وحثَّ الناس كُلّهم - لا سِيَّما الأنصار - على الرضا بما يفعله المهاجرون .
فقال أبو بكر : هذا عُمَر وأبو عبيدة شيخان من قريش ، فبايعوا أيّهُمَا شِئْتم .
فقال عُمَر وأبو عبيدة : ما نتولَّى هذا الأمر عليك ، امدد يَدَكَ نُبايعك .
فقال بشير بن سعد : وأنا ثالثكما ، وكان سيد الأوس ، وسعد بن عبادة سيد الخزرج .
فلما رأت الأوس صنيع سيدها بشير ، وما ادّعيت إليه الخزرج من تأمير سعد أكبُّوا على أبي بكر بالبيعة ، وتكاثروا على ذلك وتزاحموا ، فجعلوا يطئُونَ سَعداً مِن شِدَّة الزحمة ، وهو بَينهم على فراشه مَريض .
فقال : قتلتموني .
قال عمر : اقتلوا سعداً قتله الله .
فوثب قيس بن سعد ، فأخذ بلحية عُمَر وقال : والله يا بن صَهَّاك ، الجبان في الحرب ، والفرَّار اللَّيث في المَلأ والأمن ، لو حرَّكت منه شعرة ما رجعت وفي وجهك واضحة .
فقال أبو بكر : مهلاً يا عُمَر مَهلاً ، فإن الرفق أبلغُ وأفضل .
فقال سعد : يا بن صَهَّاك الحبشية ، أما والله لو أنَّ لي قوَّة النهوض لسمعتها مني في سككها زئيراً أزعجك وأصحابك منها ، ولألحقنَّكُما بقومٍ كنتما فيهم أذنابا أذِلاَّء ، تابعين غَير متبوعين ، لقد اجترأتُمَا .
ثمَّ قال للخزرج : اِحمِلوني من مكان الفتنة ، فحملوه وأدخلوه منزله ، فلما كان بعد ذلك بعث إليه أبو بكر أن قَدْ بايعَ الناسُ فَبايِع .
فقال : لا والله ، حتى أرميكم بكل سَهمٍ في كنانتي ، وأخضب منكم سنان رمحي ، وأضربكم بسيفي ، ما أقلت يدي فأقاتلكم بِمَن تبعني من أهل بيتي وعشيرتي .
ثم - وأيْمُ الله - لو اجتمع الجِنُّ والإنسُ عليَّ لما بايعتكما أيهما الغاصبان ، حتى أعرضَ على رَبِّي ، وأعلم مَا حِسابي .
فلما جاءهم كلامه قال عُمَر : لا بُدَّ مِن بَيعتِه .
فقال بشير بن سعد : إنه قَدْ أبى ولَجَّ ، وليس بِمُبايِعٍ أو يُقتَل ، وليس بمقتول حتى يُقتل معه الخزرج والأوس ، فاتركوه ، فليس تركه بضائر .
فقبلوا قوله وتركوا سَعداً ، فكان سعد لا يصلي بصلاتهم ، ولا يقضي بقضائهم ، ولو وَجَد أعواناً لَصالَ بِهم ولقاتَلَهم .
فلم يزل كذلك مُدَّة ولاية أبي بكر حتى هَلَك أبو بكر ، ثم ولي عُمَر وكان كذلك ، فخشى سعد غائلة عُمَر ، فخرَجَ إلى الشام ، فماتَ بحوران في ولاية عمر ، ولم يبايع أحداً .
فانت بعدما اطلعت على بعض تفاصيل مجريات ذلك اليوم لا تجد ان الحضور كانوا اولا من المؤمنين حقا، تجد ذلك في اسلوب مخاطبتهم لبعض، وتجد شدة في التعصب لعشائرهم وتحالفاتهم، وتجد ضغائن بينهم.
كان الرجل مريضا مسجى على الفراش، وكان يقف امام صولة ابي بكر وعمر وزمرته من جهة، وامام مناؤيه من الانصار من جهة أخرى، فما كان بصدد الدفاع عن علي عليه السلام بل كان منغمسا بالدفاع عن فرعه من الانصار.
اسأل الله تعالى ان تكون الصورة قد اتضحت
اترك تعليق