بكارة الهلالية.. صوت لا يموت صداه

جسّدت هذه المرأة المؤمنة الشجاعة في مواقفها العظيمة من الصلابة والإيمان والثبات على المبدأ ما يفوق الوصف ويجل عن المعنى فكانت انموذجاً يُحتذى به للمرأة المؤمنة ورمزاً يقتدى به في إظهار دور المرأة الريادي في تاريخ الإسلام، فوقفت أمام معاوية بكل جرأة وصلابة وثبات وتحدّت جبروته وقالت قول الحق غير مبالية بغضبه ولم تخشَ في قولها إلا الله فسطرت أروع صفحات التاريخ النسوي ولاءً وعقيدة.

بكارة الهلالية.. من سيدات نساء العرب الموصوفات بالشجاعة والإقدام والفصاحة والشعر، ومن نساء الشيعة المتفانيات بحب أمير المؤمنين وهي خالة أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث، وقد حضرت معه في صفين وهي تحرّض أهل العراق على القتال بخطبها الحماسية ولم تفارق صفين حتى نهايتها، وهي خالة أم المؤمنين ميمونة زوجة النبي وقد شهد أخوها زيد مع أمير المؤمنين صفين.

دخلت بكارة الهلالية على معاوية بعد أن كبر سنها، ودق عظمها، وعُشي بصرها ومعها خادمان لها وهي متكئة عليهما وبيدها عكاز، وكانت ترتعش بين خادمين لها، فسلمت ثم جلست.

فقال لها معاوية: كيف أنت يا خالة ؟. قالت: بخير. قال: غيّركِ الدهر. قالت: كذلك هو ذو غير، من عاش كبر ومن مات قبر وكان مروان بن الحكم جالساً ومعه وعمرو بن العاص. فقال مروان لمعاوية: أما تعرف هذه ؟. قال: ومن هي ؟. قال: هي الّتي تعين علينا في صفين، وهي القائلة:

يا زيدُ دونكَ فاستخـر من دارنا    سيفاً حساماً في الترابِ دفينا

قد كـان مـذخـوراً لـكلِّ عظيمة    فاليوم أبـرزه الزمانُ مصونا

وقال عمرو بن العاص: وهي القائلة:

أترى ابن هـنـدٍ للـخـلافةِ مالكاً     هـيهات ذاك وما أرادَ بعيدُ

منّتك نفسكَ في الخلاءِ ضلالةً     أغراكَ عمرو للشقا وسعيدُ

فارجع بـأنكد طائرٍ بـنحـوسِها     لاقـت عـلـيـاً أسعـدٌ وسعودُ

فقال سعيد بن العاص: وهي القائلة:

قد كنتُ آملُ أن أموتَ ولا أرى     فوق المنـابـرِ مـن اُمية خاطبا

فالله أخّـر مـدّتـي فــتــطــاولــت    حتى رأيتُ من الزمانِ عجائبا

في كـلِّ يـومٍ لا يزال خطـيـبـهـم   وسطَ الجموع لآلِ أحـمـدَ عائبا

وكانت غاية مروان وسعيد وابن النابغة هو إثارة معاوية واستفزازه وتأجيج حقده على هذه المرأة المؤمنة من شيعة أمير المؤمنين. أو ربما تكون مؤامرة حاكها معاوية معهم للايقاع بها، وهذه هي عادتهم الدنيئة والحاقدة على الشيعة.

ولكن بكارة أدركت غايتهم فلم تحفل بتلك الاستفزازات ولم تنكر تلك الأشعار في نسبتها إليها يوم صفين فقالت: نبحتني كلابك واعتورتني، بعد أن عُشي بصري وقصرت محجتي وكثر عجبي وأنا والله القائلة ما قالوا لا أدفع بتكذيب فامض لشأنك فلا خير في العيش بعد أمير المؤمنين !!

ثم قامت وخرجت بعد أن أفحمت القوم وأخرستهم بشجاعتها وصلابتها

............................................

العقد الفريد ــ ابن عبد ربه الأندلسي ج 1 ص 346

أعيان الشيعة ــ السيد محسن الأمين ج 3 ص 589

المرأة في ظلّ الإسلام المؤلف ــ مريم نور الدين فضل الله ج 1 ص 335 ــ 336

حياة الامام الحسن دراسة وتحليل ــ باقر شريف القرشي ج 2 ص 411 ــ 412

بلاغات النساء ــ ابن طيفور ص 34 ــ 35

مواقف الشيعة - الأحمدي الميانجي ج ١ ص ٣٩١

الإمام علي بن أبي طالب (ع) - أحمد الرحماني الهمداني ص ٧٦٦

أعلام النساء ــ رضا كحالة ج 1 ص 137

الانتفاضات الشيعية عبر التاريخ ــ السيد هاشم معروف الحسني ص 338

المرفقات

كاتب : محمد طاهر الصفار