جمال الخطوط وقدسية المضامين..

ان الوجود بأسره يتسم بمظاهر الجمال بدأً بما تقع حواسنا عليه من عناصر طبيعية , والتي أصبحت مرجعيات جمالية , وصولا إلى الجمال الذي هو خاصية يمنحها الإنسان للأشياء التي يقوم بابتكارها أو تصميمها من خلال التناسق الذي يخلقه عن طريق أجزاءها , فالجمال هو وحدة خاصة بالعلاقات الشكلية نتلقاها من خلال ادراكاتنا الحسية في ابتكار أشكال وتكوينات جديدة وهذه الأشكال تقوم بإشباع إحساسنا الجما ل

ويرى بعض فلاسفة الاسلام ان الجمال كمفهوم هو الإتمام والاعتدال بقوله أنا مبين ذلك الحسن وهو التمام والاعتدال هو استواء تركيب الأجزاء بصورة متناسبة بعيداً عن شذوذ بعضها عن بعض مما أدى إلى تقييم الجمال الطبيعي وجمال فني لا تخضع احدهما لمقاييس الآخر فالخبرة الجمالية تلك التجربة الكشفية التي يقوم بها الفنان حين يحاول ان ينظر إلى الأشياء بطريقة جديدة غير معهود، ويرى اخر ان الجمال هو محاولة التوفيق بين الدين والفلسفة وتحقيق القيم الخيرة في الأشياء الجميلة من خلال بنائها وترتيبها.

وقد اكتسب الخط العربي الجمالية من خلال الصفة القدسية التي اتصف بها من خلال استخدامه لتدوين القران الكريم ، فضلا عن استخدامه جوانب لنشر العلوم , مما جعل الخطاط المسلم ان يسير وفق نهج التجويد والتحسين والذي بدوره يجسد مفهوم الإتقان وجماليته في الخط العربي ، كون ان الجمال يمثل المبدأ الأساس الذي يتحقق من خلاله الإتقان والإجادة وفيه كماله التام اللائق به .

ولقد أعطى العرب الخط الجميل عناية خاصة عند تدوينهم القران الكريم ، فالخط الجميل موازيا في أهميته للتجويد في القران الكريم لذلك نرى الخطاط المسلم قد اهتم بتجويد الحروف وتحسينها من اجل الوصول بها إلى الكمال، وللخط الجميل شروط وضعت تفاصيلها عبر الزمن لإتمام المظهر الحسن ومعالجة الحروف، والتي تعد الأسس الجمالية للخط العربي فالخط المجرد بالتحقيق والمحلي بالتحديق والمجمل بالتحويق والمزين بالتخريق والمحسن بالتشقيق والمجاد بالتدقيق والمميز بالتفريق كما يذكر بعض فلاسفة الجمال العرب ..

والمراد بالتحقيق في هذا المجال هو إبانة الحروف كلها منثورها مفصلها وموصلها بمداتها وقصراتها وتفريجاتها  و تعويجاتها حتى نراها كأنها تبتسم ، اما التحديق فإقامة الحاء والخاء والجيم وما أشبهها على تبيض أوساطه محفوظة عليها من تحتها وفوقها وأطرافها سواء أكانت متداخلة بغيرها أو بارزة عنها حتى تكون كالأحداق العيون المتفتحة، اما المراد بالتخريق فيقصد به تفتيح وجوه احرف الهاء والعين والغين وما أشبهها كيفما وقعت أفرادا اوأزواجا، بما يدل الحس الضعيف على اتضاحها وانفتاحها ، اما التعريق فيكون بإبراز حروف النون والياء وما شاكلها مما يقع في إعجاز الكلمة مثل كلمات عن، في، حتى، الى  .

اما المراد بالتشقيق فتكنف الصاد والضاد والكاف والطاء وما أشبه ذلك مما يحفظ عليها التناسب والتساوي فان الشكل يصح ومعهما يحلو والخط في الجملة كما قيل هندسة روحانية بآلة جسمانية .

وهناك ايضاً التنسيق والذي يكون فيه تعميم للحروف كلها مفصولها  و موصولها بالتصفية ووحمايتها من التفاوت في الشكل ، اما المراد بالتوفيق فهو يتجسد بحفظ الاستقامة في السطور من اوائلها وأواسطها وأواخرها وأسفلها وأعاليها بما يفيد وفاقا لا خلافا ، ولا يبقى سوى التدقيق والمتمثل بتحديد أذناب الحروف

والتفريق لحفظ الحروف من مزاحمة بعضها لبعض .

أما الخصائص الجمـالية للخط العربي والمتمثلة بالتكوينات الخطيـة  فقد حُددت عبر المراحل التأريخية  بعدد منها تمثلت بـ ( الأوضاع و التناسب والمقـادير والبياضات ) والمقصود هنا بالأوضاع هو ما وضعه ابن البواب في أشكال الحروف من موصولها  مفصولها  كل حسب موقعها التي تشكل خصائص فنية في استقامتها وانحنائها وانكبابها ومبسوطها ومستديرها .

أما التناسب فهو ان تخضع كل الحروف للنسبة الفاضلة والتي افردها ابن مقلة الوزير ونسبها إلى أسس ومقاييس هندسية , حيث نسب جميع الحروف تعود إلى الدائرة والتي قطرها حرف الألف ، المقادير هي التي تزيد ألفها عن لامها وتكون بين الألف واللام بياضا متساويا في حالة التكرار ، والبياضات فهي ما يكون حاصلا بين الحروف مما يحفظ مزاحمة وملابسة الحروف فيما بينها وان كان السطر مزدوجا وذا مستويين إلا ان توزيع الحروف يتم بشكل منتظم مما يحفظ إبراز الحروف وسهولة قراءتها .

في حين ذهب اخرون الى تحديد خصائص جمالية اخرى تمثلت بالرشاقة  والامتداد والتدوير والتناسق فضلا عن  التناسب وهي بمجملها كما هو حال سابقيها تصب في بحر الجماليات الاستثنائية التي اكتسبها الخط العربي عبر الزمن ومراحل التجويد التي حلت عليه، مما ترك بصمة واضحة في تقدم المراحل التجويدية اللاحقة لكل انواع الخطوط العربية وبالخصوص خطي الثلث والنسخ لخط وذلك لما تحمله حروف هذين الخطين من أشكال وهيئات مطواعة و ذات جمال وانتظام مما أعطى هذه الخصائص الإحساس بالثبات والاستقرار لتلك الحروف والمخطوطات وبالتالي اضفاء ابعاد جمالية لفنون الخط العربي وهي منقطعة النظير دون ادنى شك.

    

المرفقات

كاتب : سامر قحطان القيسي