أن دراسة الجوانب الجمالية لفن العمارة في اي بلد، من شانها أن تعكس جانبا تقنيا في التراث يساعد المعنيين على استحياء العناصر الفنية الأصيلة وبعثها في النشاط المعماري والفني المعاصر تحقيقا لهوية البلد المتميزة والرائدة معا، فالفنان والمعمار العراقي على سبيل المثال قد عمم جماليات تكوين فنه الرائد ليس في الطراز العام الذي يعتمده فحسب، بل احتوت أبعادها إلى أكثر من جانب كما في الأعمال الخشبية والأجرية والجصية والزجاجية والمعدنية و بانسجام تام مع الأغراض الإستخدامية للعمائر الشاخصة .
يلاحظ المتأمل لفن العمارة اعتماد الفنان على الوحدات الزخرفة الهندسية في تزيين التكوين العام وهي عادة ما تتكون من اشكال متنوعة وخصوصاً شكل النجمة الثمانية التي اعتبرها الفنان العراقي القديم رمزا للآلهة، إذ تدلل الرؤؤس الثمانية لهذا الشكل اتجاهات الكون والتي تعبير عن شمولية وسلطة الآلهة ايضاً، وقد دخلت النجمة الثمانية كشكل تراثي إلى عالم الزخرفة الإسلامية من أوسع أبوابه، فأصبحت سمة مميزة للزخرفة العربية الاسلامية أطلق عليها تسمية النجم العربي أو( نجمة بغداد) ، وهي تعد كوحدة أساسية في فنون الزخرفة على الخشب وترتبط ضمن علاقات هندسية وطيدة مع باقي الاشكال المكونة للعمل الفني المنتمية اليه، وكما هو معتاد يعتمد الفنان المزخرف على مبدأ التماثل والتكرار في الوحدات الزخرفية ليعطي صفة اللامحدود في اعماله فضلاً عن إعطاء صفة السيادة للنجمة الثمانية لتشكل بدورها مركزا لأي عمل الفني تشترك في تكوينه، فالنجمة الثمانية المتواجدة في مركز عمل ما تحاط بعدد من النجوم الأصغر حجما او بأشكال اخرى مكملة لها، وهي بمجملها توحي للمتلقي بحركة دورانية من اجل خلق علاقة بين عناصر التكوين الفني التي شغلت السطح التصويري، وذلك يكون باتجاه حركي إيقاعي منتظم يشير إلى الحياة وديمومتها، ومن ذلك يتكون عنصر الحركة في بين اشكال اللوحة بشكل إيقاعي منتظم.. ليضيف للعمل قيمة جمالية ذات دلالات رمزية.
لقد نجح المعمار والفنان المزخرف من خلق حالة توازن بين مراكز اعماله الفنية و الفراغات المحيط بها، وخير مثال على ذلك التقنيات الفنية التي استخدمها لملء الفراغات في اعماله الفنية والخشبية منها على وجه التحديد، فقد استخدم الفنان الخشب المشغول بأشكال تراثية مكونا نسيجا خشبيا في غاية المتانة والدقة والجمال متضمنة وحدات زخرفية ذات تشكيلات هندسية ،أو نبات شغلها أحيانا بقطع من الزجاج الملون أو المرايا، مكونا منها تشكيلات فنية معمارية سميت بالشناشيل، وأضفى على بعض الأبواب طابعا مميزا في وحداته التشكيلية، كالزخارف المتشكلة على هيئة فروع نباتات او بعض من الأشكال الهندسة الأنيقة .
اعتمد المصمم المسلم في تنفيذ تشكيلات عمائره وتزيينها على الأعمدة الصقيلة الملساء و المضلعة، والتي تعلوها تيجان مقرنصة في بعض الاحيان، فضلا عن عنايته بالأقواس ذات الفصوص المختلفة الاشكال، وهذه الفصوص تتباين بحسب الذوق من أشكال هندسية واخرى نباتية مزهرة أو موردة، وقد تأخذ هيأة نقوش شبكية في بعض الاحيان، ويلاحظ بأن الفتحات العلوية للأقواس أوسع من الفتحات السفلية، ذلك لأن الأقسام العلوية تحتضن أنواع الزجاج المشجر والملون، وقد تعدت هذه الزخارف الى ان امتدت إلى السقوف والجدران والسلالم ، ومع كل هذه العناية الزخرفية لم يغفل المصمم او المنفذ قضية معمارية جوهرية في عملية التصميم، وهي التلاعب بالأشكال الزخرفية كي تسمح للشناشيل أن تأخذ نصيبها الكافي من الضوء، ولا غرابة في وجود تفاصيل أو بعض الزيادات المعمارية أو الزخرفية بين بناء وآخر، كون الأمر مرتبط بمساحة البناء بصورة عامة وبالوضع الاجتماعي والاقتصادي للمنفذ بصورة خاصة. لقد اشتهرت اشكال الشناشيل في موروثنا المحلي وهي على انواع منها ما يسمى بالآراسي المتميز باشكاله الزخرفية الخليطة (نباتية وهندسية)، ويستخدم فيه الزجاج الملون أو الشفاف، والمرايا والرسوم المختلفة، أما ما إنفردت به ابنية الدور الشرقية ومنها الدور البغدادية فهو العمود الخشبي ذو التاج المربع والمقرنص الجوانب.
ومن جانب اخر نجد ان الفنان استخدم الأجر لإقامة العقود والقباب فوق الابنية او في السراديب والمداخل الرئيسية كما في عمائر الاضرحة المقدسة او البيوتات التراثية في العراق ، معززا ذلك بتشكيلات هندسية ساهمت في تكوين صفوف مرتبة من المقرنصات التي نجد تشكيلاتها تحمل معان إنشائية لا تقف عند حد الزخرفة الظاهرة، بل تتعداها إلى ما يمكن احتسابه من جملة الإبداعات المعمارية الشرقية التي عمت العمارة العربية الإسلامية بشكل عام والعراقية بشكل خاص.
اترك تعليق