714 ــ محمد بن علي البغلي (توفي 1250 هـ / 1834 م)

محمد بن علي البغلي (كان حياً 1270 هـ / 1845 م)

قال من قصيدة في أبي الفضل العباس (عليه السلام) وقد كتبها في كربلاء:

وإلـيـكـهـا يـا بــنَ الوصيِّ خريدةً     مثلَ الدراري لا يُــرامُ نظامُها

جاءتكَ باسطةً إلـيـكَ يــدَ الـــرجا     وعلى جنابِكَ واجــبٌ إكرامُها

ألـبـسـتُـهـا حُـلــلَ الكمالِ ولمْ أقلْ     أمِن الــمــعــرَّفِ مـكّةً فمقامُها

ونظمتُها في (كربلاء) فأصبحتْ     أذكى من المسكِ الفتيقِ ختامُها (1)

وقال من قصيدة في الإمام الحسين (عليه السلام) لم نعثر سوى على مطلعها:

قِف بالمطيِّ معي فهذي (كربلا)     وذهي محل الكربِ ويحكَ والبلا (2)

الشاعر

الشيخ محمد بن علي بن أمليخان البغلي الأحسائي، عالم وأديب وطبيب وشاعر، ولد في مدينة الهفوف بالسعودية، ولا يعرف تاريخ ولادته له ديوان ضخم مفقود انتقل إلى جوار ربه سنة 1270 هـ (3)

يقول عنه الشيخ جعفر الهلالي: (أحد شعراء القرن الثالث عشر الذين نبغوا في الأحساء، وكان عالماً فاضلاً وأديباً شاعراً، يأتي في الطبقة الأولى من شعراء قطره، كما أن له يداً في طب العقاقير، وكانت له به شهرة أيضا.

ولد شاعرنا المترجم له في مدينة الهفوف عاصمة الأحساء، ولم نقف على تأريخ لولادته كما لم يؤرخ لوفاته، والمستفاد من شعره أنه كان حيا سنة 1245 ه‍، فقد حملت بعض قصائده هذا التأريخ لسنة النظم كما هو مثبت في ديوانه المخطوط الذي عثرنا عليه في الأحساء.

أما نشأته: فقد كانت في الأحساء - مسقط رأسه - وفيها أخذ أوائل تحصيله العلمي والأدبي على يد علمائها وأدبائها آنذاك. وقد سافر إلى النجف وكربلاء لزيارة العتبات المقدسة، كما وردت الإشارة إلى ذلك في بعض قطعه الشعرية، قال وهو يشير إلى توجهه إلى زيارة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام:

أميـرَ الـمـؤمـنينَ إليكَ أشكو     ولـيسَ عليكَ يُخفى ما عراني

أتـيـتُكَ أقطـعُ البيداءَ ركضاً     وحاشى أن يخيــبَ إليكَ عاني

فكنْ لي سيّدي غوثاً وعوناً     وخُذ بــيـديَّ مِــن نُوبِ الزمانِ

وله أبيات أخرى يشير بها تغربه عن وطنه وقصد زيارة الإمام عليه السلام، قال:

لقد تغرَّبتُ عن أهلي وعـن وطني     إلــى زيــارةِ مـــــولانــا أبي حســنِ

لعلّه عندَ ربِّ العرشِ يـــشـفـعُ لي     يومَ الحسابِ وعندَ الموتِ يحضرني

هذا اعتقاديَ في سرِّي وفي علني     وإن رجوتُ فــشيءٌ لستُ عنه ونـي

وله قصيدة يخاطب بها الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ويذكر زيارته له، فمنها قوله:

عبيدكَ المذنبُ جاءَ زائراً     ولائــــــــذاً ومستجيراً بالنجفْ

فـامنُنْ عليهِ سيدي بعطفةٍ     فأنتَ خيرُ من عفا ومَن عطفْ

كما صرح في بعض قصائده أنه نظمها وهو واقف على قبر الإمام الحسين عليه السلام، جاء في أولها قوله:

قِف بالمطيِّ معي فهذي (كربلا)     وذهي محل الكربِ ويحكَ والبلا

وصرح أيضا في قصيدة أخرى في رثاء العباس ابن أمير المؤمنين عليهما السلام أنه نظمها في كربلاء، جاء في مستهلها قوله:

لمَن الطلولُ خـــــــواشعاً أعلامُها     قفراءَ كــــالحةَ الوجوهِ إكامها

وإلـيـكـهـا يـا بــنَ الوصيِّ خريدةً     مثلَ الدراري لا يُــرامُ نظامُها

جاءتكَ باسطةً إلـيـكَ يــدَ الـــرجا     وعلى جنابِكَ واجــبٌ إكرامُها

ألـبـسـتُـهـا حُـلــلَ الكمالِ ولمْ أقلْ     أمِن الــمــعــرَّفِ مـكّةً فمقامُها

ونظمتُها في (كربلاء) فأصبحتْ     أذكى من المسكِ الفتيقِ ختامُها

ويظهر أنه كان قد استوطن أحدى العتبات المقدسة، كالنجف الأشرف على الأخص، باعتبارها حاضرة العلم والأدب.

ولا بد أنه نهل من معارفها - خلال إقامته هناك - ما أكسبه شهرة علمية وأدبية، وكانت له علاقات ودية ومساجلات شعرية مع بعض العلماء والأدباء في النجف، فقد وردت له في ديوانه قصيدة يقرظ بها أرجوزة الشيخ عبد الله الحويزي المسماة ب‍ (الكوكب الدري) قال:

لقد جلَّ هذا النظمُ عن صفةِ الشعرِ     ولكنه الحلو الحلالُ مِن السحر

ويقول في آخرها:

فلا زالَ عـــــبدُ اللهِ شيخاً مهذّباً     وهـــــمّته تعلو على هامةِ النسرِ

ولا زالَ شمــساً يُستضاءُ بنورِه     وبدرٌ علا يُجلى به حندسُ الكفرِ

ولا برحتْ أرضُ العراقِ بذكرِه     معطّــــــــرة الآفاقِ باسمةَ الثغرِ

وهذه أبيات جاءت في ديوانه أيضا يمدح بها أحد شعراء النجف، وهو الشيخ عبد الحسين الأعسم، بما يؤكد وجود علاقة ودية بينهما، قال:

ملكتَ قــــــــلوبَ أربابِ الكمالِ     بتعريضٍ مِن السحرِ الجلالِ

أتـــــــــيتَ بكلِّ بكرٍ ذات حسنٍ     عــــــلى أعطافِها شبه اللآلي

لأنتَ وإن جعلتَ الأرضَ مثوى     فشأنُكَ في سماءِ المجدِ عالي

لقد اكتسب شاعرنا البغلي شهرة أدبية واسعة، فبالرغم من منزلته العلمية فقد كان الجانب الأدبي في حياته هو الأبرز ظهوراً، ذكره جملة من العلماء والأدباء الذين عاصروه وأطروا أدبه، منهم الشيخ علي آل الرمضان، المتولد سنة 1253 ه‍، والمتوفى سنة 1327 ه‍، وكان أحد علماء الأحساء وشعرائها، له ديوان شعر لا يزال موجوداً عند بعض أحفاده في الأحساء، فقد كانت لشاعرنا البغلي معه علاقة ودية وأدبية، فهذه أبيات للشيخ علي المذكور - كما في ديوانه - أرسلها إلى البغلي يذكر فيها ما بينه وبينه من صلة ومودة:

وسلامٌ جلا محضَ الودادِ وأغربا     وبيَّنَ صدقَ الاتــــــحادِ وأعربا

وفـــــاحَ بساحاتِ الصداقةِ عنبراً     ولاحَ بـــــــــآفاقِ العلاقةِ كوكبا

محمــــــــدٌ البغليّ من شاعَ ذكرُه     بأقطارِ أرضِ اللهِ شرقاً ومغربا...)

ثم ذكر كثيراً من أخباره وأشعاره (4)

شعره

يقول الهلالي: أما آثاره الأدبية: فهي ديوانه الذي عثر عليه مؤخرا، وأغلبه في أهل البيت عليهم السلام، والباقي منه في مواضيع أخرى، ويبلغ عدد أبياته 1035 بيتا من الشعر العمودي، والمربعات، والتخاميس، والرجز، ونرجو أن نوفق إلى طبعه مستقلا، ووجدت في ديوانه ما يشبه البند قاله مستسقيا (5)

وقد طبع ديوان البغلي بتحقيق جواد حسين الشيخ علي الرمضان ضمن سلسلة من تراث الإحساء الشعري رقم (6)

قال في أمير المؤمنين (عليه السلام) من قصيدة تبلغ (70) بيتاً:

يا صـــاحــبَ الأعرافِ والـ     أنفالِ والـشـورى وغــافـرْ

أنتَ الـسفينـــةُ والصـــــــرا     ط المستـقـيمُ لكــلِّ عــابـرْ

لولاكَ دارتْ فـي الـــــوغى     بالمسلمينَ رحى الــدوائـرْ

أسداً إلـــيــكَ قــريــشُ جــا     ءتْ والعتـاةُ مِن الـعشـائـرْ

حتــى إذا بـلــــغــتْ قـــلــو     بُ المسلمين إلى الحنـاجرْ

وتــقـــدَّمــتْ أسْــدُ الــعـريـ     ـكــة بالأسـنــة والبــواتــرْ

وغدا الــجـبانُ مـــشــمِّـــراً     نـحوَ الهزيمةِ ذيلَ صاغـرْ

وغدا الــنـــبــيُّ مُـــنـــاديــاً     والدمــعُ مـن عينيهِ هامـرْ

أينَ الـفـوارسُ والـــضـــرا     غمُ مَــن لديــنِ اللهِ ناصــرْ

قــالَ ادركـــــوني بالوصيِّ     فــجــــاءَ حيـــدرةٌ مُبــادرْ

قالَ امضِ منـصوراً إلى الـ     ـمــيـــدانِ واقتلْ كلَّ كافـرْ

فــمــضـــــى يـهزُّ حسامَــه     شـغفــاً ونقعُ الحربِ ثائـرْ

فتــراهُ والــهــيـجــاءُ شــبَّ     لـهـيـبُــهــا كالبحــرِ زاخرْ

وكــــأنـــــه أســدُ الــفــريـ     ـسة لم يزلْ دامي الأظافـر

يلقـى الأســــنّــةَ بــــاسمــاً     طربـاً ونابُ الموتِ كاشـرْ

أســـدٌ يــــــــمـــرُّ بــهِ جوا     دٌ مِـن جيـادِ الخيلِ ضامرْ  

فـــكــأنّــه مــن تـــحــــتِــه     فلـكٌ مِــن الأفــلاكِ دائــرْ

فـــهـــنـاكَ كــمْ مِــن دارعٍ     مِــن بأسِه قــد ظلَّ حاسرْ

وكــتـــيـــبــةٍ منكوســةِ الـ     أعــلامِ كـــالبقـرِ النوافــرْ

وأتــى إلى نــــحــوِ النبــيِّ     مــحـــمـــدٍ بالفتــحِ ظافرْ (7)

وقال من قصيدة فيه (عليه السلام) أيضاً تبلغ (53) بيتاً ومنها في أهل البيت (عليهم السلام):

تـعــيِّـــرُنــا قــومٌ بـــحــبِّ هـــداتِنــا     ولولا رســولُ اللهِ والآلُ مــا كنَّـا

بني الوحي يا مَن بالقلوبِ لهم جوى     مدى الدهرِ بـاقٍ لا يبيـدُ ولا يُفنى

يــمــيــنــــــاً بكمْ إنَّــا نحــبُّ محبِّكـمْ     ونـبغضُ قــاليكمْ وإن غبتــمُ عنّـا

وإن ضلّتِ الأقوامُ عـن منهجِ الهدى     فإنّــا بكـمْ والــحـمــدُ للهِ أرشِـدنــا

وإن عــدلـــتْ عـــنكـمْ أنـاسٌ فإنّنــا     على العهـدِ كنّا لا عدلنــا ولا مِلنا

وإن خــابَ من عاداكمُ يـــومَ حشرِهِ     فـنـحنُ بكــمْ دونَ البريَّةِ قــد فزنا

وإن نكــثــــوا أيمانَهمْ بعــدَ عـهدِهـمْ     فنحـنُ على العهدِ القديمِ كمــا كنـا (8)

ومن براعته الأدبية قوله في بند مستسقيا:

إلهي باسمك الأعلى، وما كنت له أهلا، فيا ذا الجواد والنعما ويا ذا الآية العظمى، بحق المصطفى الأمجد، شفيع الأنبيا أحمد، إلهي اسقنا الغيث، بحق المرتضى الليث إمام الجن والإنس علي بن أبي طالب، باب العلم والجود زوج البضعة الزهراء، أبي السبطين خير الخلق، بعد المصطفى المبعوث، مجلي الكرب عن وجه رسول الله في الحرب، ولي الله والممدوح في عم وفي الطور، وفي النحل وفي الكهف، وفي الأنفال والأعراف والرحمن والحشر، وحم، سبحان، وفي الحمد وفي النمل، وفي هود وفي الرعد، وفي القرآن في الجملة، والتوراة والإنجيل والفرقان والصحف، وبالبضعة وابنيها الإمامين الشهيدين، وبالسجاد والباقر، والصادق والكاظم، والمدفون في طوس، وبالمدفون في بغداد، والهادي وابنيه، ولي الله، والحجة، القائم بالأمر، أبو الفتح، أخو النصر، ولي الله مولانا.

بأهل البيت بالجملة، أهل الزهد والرشد، وأهل الفضل والمجد بني التنزيل والوحي، وأهل الأمر والنهي، وبالقرآن والرسل، وجبريل وميكال، وبالحمزة والعباس والأصحاب، سلمان وعمار، وبالمقداد والتمار، والمدفون في الربذة، والطيار في الجنة، إلهي أرنا الرحمة، وانشر بيننا النعمة، واحرسنا من النقمة، يا منان، يا حنان، يا ديان، يا رحمن، يا وهاب، يا تواب، يا ذا الطول والإنعام، والاحسان والإكرام، اغفر لي وإخواني، وأرحامي وأصحابي، واحرسنا من الآفات ليلا ونهارا. (9)

.......................................................................

1 ــ جعفر الهلالي / مجلة تراثنا ــ مؤسسة آل البيت لإحياء التراث ــ بيروت / ربيع الآخر 1407هـ / 1986م ج ٨ ص 221 من التراث الأدبي المنسي في الأحساء ــ الحلقة الثانية 221

2 ــ نفس المصدر والصفحة

3 ــ كتاب دفتر الشجي لناجي الحرز ص 317

4 ــ مجلة تراثنا ص 220 ــ 225 / نقل ترجمة الهلالي، السيد حسن الأمين / مستدركات أعيان الشيعة ج ٢ ص ٣٠٥ ــ 308

5 ــ نفس المصدر ص 225

6 ــ حفل تدشين طباعة ديوان البغلي لشاعر أهل البيت (عليهم السلام) الشيخ محمد بن علي البغلي ــ موقع المطيرفي بتاريخ 27 / 2 / 2020

7 ــ مجلة تراثنا ج 8 ص 228 ــ 230

8 ــ نفس المصدر ص ٢٢٥ ــ 227

9 ــ نفس المصدر ص 305 ــ 308

كما ترجم له:

هاشم محمد الشخص / الأسر العلمية والأدبية في الأحساء - مجلة الموسم / دار الموسم للإعلام العدد 16 - بيروت 1414هـ / 1993م.

عبد الرسول راضي ــ ديوان البغلي .. إرث تاريخي وتراثي ــ صحيفة النهار العدد 3919 بتاريخ 30 / جمادي الآخرة 1441 هـ الموافق 24 / 2 / 2020

المرفقات

كاتب : محمد طاهر الصفار