سماحة آية الله السيد محمد حسين الطباطبائي (رحمه الله)
ولادته:
ولد (رضوان الله عليه) في التاسع والعشرين من شهر ذي الحجة سنة 1321هـ الموافق لسنة 1903م بمدينة تبريز الإيرانية.
وقد اشتهرت أسرته بالفضل والعلم وبتصديها للشؤون الدينية والاجتماعية كما أن سلسلة آبائه كانوا من العلماء المعروفين، فهو قد ولد في جو مليء بالفضيلة والعلم كما أنه محاط بتاريخ ملؤه العظمة والأمجاد، توفيت والدته (رضوان الله عليها) وعمره لم يتجاوز الخامسة، ثم بعد سنوات بسيطة فقد الأب في وقت كان أحوج فيه إلى الرعاية والحنان والعطف من كلاهما، فقد كان في عمر التاسعة عندما توفي والده (رضوان الله عليه)، ولكن السماء كانت تحيطه بعنايتها وتوجِّهه بتربيتها نحو المجد والعظمة، بدأ في تعلم مبادئ اللغة والقراءة والكتابة والقرآن الكريم وكذلك الكتب الفارسية للمبتدئين في طريق العلم في هذا السن المبكر، ثم تعلم فنون الكتابة والخط عند أستاذه الميرزا علي النقي، ثم واصل دراسته الحوزوية في بلدته تبريز إلى أن أنهى مرحلتي المقدمات والسطوح.
هاجر بعد ذلك إلى النجف الأشرف عاصمة العلم والعلماء حيث الجامعة الإسلامية الكبرى لينهل من معين أساتذتها العظام هناك، وكان ذلك في سنة 1343هـ (1924م) وظل فيها قرابة العشر سنوات يتتلمذ فيها على أعاظم العلماء فحضر دروس الفقه والأصول لآية الله محمد حسين النائيني (رضوان الله عليه) والذي كان يشكل مدرسة في المنهج الأصولي وكذلك السيد أبو الحسن الأصفهاني الذي قيل فيه بأنه أنسى من كان قبله وشغل من جاء بعده، وغيرهما من الآيات العظام كالشيخ محمد حسين الغروي الأصفهاني المعروف بالكمباني والسيد علي القاضي الطباطبائي في الأخلاق والسير والسيد أبو القاسم الخونساري...
وفي فترة وجيزة نال درجة الاجتهاد، ولم يكتف هذا السيد المقدس بدراسته للفقه والأصول بل وسّع دراسته لتشمل فنونًا متعددة وعلومًا أخرى لها شأنها في تربية ملكة العلم والذوق الرفيع في التعامل مع النصوص العلمية فدرس الرجال والدراية والفلسفة والعرفان والأخلاق حتى صار أستاذًا متميزاً فيها، بل ومدرسة ساهمت فيما بعد في تخريج عظماء حملوا لواء الدفاع عن مدرسة الإسلام، وكذلك درس الرياضيات والجبر والهندسة...إلخ.
وفي عام 1353 هـ الموافق 1934هـ اضطرته الظروف المعيشية الصعبة إلى العودة إلى تبريز برفقة أخيه السيد محمد حسن وعمل في الزراعة لفترة طويلة لتأمين احتياجاته ومعاشه وفي نفس الوقت مارس التدريس فيها والذي استمر قرابة العشر سنوات.
ونتيجة لما تسببته الحرب العالمية الثانية من أوضاع وخصوصا انعكاساتها على الأوضاع في منطقة أذربيجان واستقرار القوات الروسية فيها قرر السيد المعظم شد الرحال إلى مدينة قم المقدسة لاستئناف الحياة العلمية من جديد والتصدي للتيارات الفكرية وعلى الخصوص المادية منها والتي نشطت بعد بروز الشيوعية كقوة عسكرية وثقافية... وكان نزوله إلى قم المقدسة 1365هـ.
لذلك كانت أولى حلقات درسه في قم قد عقدها لعلم التفسير والفلسفة والعلوم العقلية هادفًا لتنشئة كوادر إسلامية تخدم الشريعة وتتمكن من الدفاع عن حياض الدين المقدَّس ضدَّ الأفكار الماديّة التي سحرت عقول بعض الشباب السذَّج فانبهروا لما أتت به حضارة الكفر من أطروحات ظنّ أصحابها أنَّها مقوظة للدين الذي زعموا بأنَّه أساس تخلفهم، في الوقت الذي كان البدء بعقد دروس مفتوحة لمثل هذه العلوم (الفلسفة تحديدًا) يعدُّ مجازفة كبيرة نظرًا لما درجت عليه الحوزة آنذاك من تبنّي المواقف العدائية ضدّ الفلسفة، فكان الكثير يدرسونها سرًّا، ولهذا كان عقد هذا الدرس علنًا يعتبر ثورة في حدّ ذاته، فهو تجديد علمي كما أنّه صناعة تسليحية.
وفي سنة 1368هـ بدأ بتدريس الأخلاق والعرفان ثمَّ رسالة السير والسلوك المنسوبة للسيد بحر العلوم.
أساتذته في النجف:
حضر الدروس العالية في الفقه والأصول عند أعاظم العلماء، وهم:
الشيخ محمد حسين النائيني، والشيخ محمد حسن الكمباني والسيد أبو الحسن الأصفهاني ولازم السيد علي القاضي الطباطبائي في درس الأخلاق والسير والعرفان فكان فيها آية من الآيات وتأثَّر كثيرًا بشخصية أستاذه.
ودرس الفلسفة عند السيد حسين البادكوبي والذي كان له أثر كبير على شخصيته العلمية، وقد نال إجازة الاجتهاد من الشيخ الميرزا النائيني، كما أنَّ له إجازة في الرواية من الشيخ عباس القمي (رضوان الله عليه) وآية الله السيد حسين البروجردي (رضوان الله عليه).
هذا بالإضافة إلى تتلمذه على نخبة أخرى من العلماء كالشيخ الكوهكمري والسيد أبو القاسم الخونساري والميرزا علي الإيرواني والشيخ علي أصغر الملكي.
مكانته العلمية:
كان (رضوان الله عليه) ذا مكانة علمية مرموقة بل كان مبرّزًا ومقدمًا، فهو لم يكن حجة في الفقه فقط بل كان مجتهدًا في العلوم العقلية والنقلية وكان ذا باعٍ طويل في مختلف الفنون العلمية والمهارات العقلية وسعة اطلاع، فهو بالإضافة إلى كونه فقيهًا مجتهدًا فهو شاعر وأديب، كتب الشعر بالعربية والفارسية وكان خطّاطًا ماهرًا.
وهو صاحب طريقة في الدرس متميزة، فهو هادئ في كلامه عند إلقاء الدروس فلا ينتقل من مطلب علمي لغيره إلا بعد أن يشبع ذلك المطلب بحثًا وتدقيقًا، مستخدمًا عبارات واضحة مانعة من تشتيت ذهن الطالب، بالإضافة إلى استخدامه طريقة البرهان والاستدلال للوصول إلى النتائج بطريقة تجعل ذهنية الطالب تسير منتظمة عند ترتيب مقدماتها للخلوص إلى النتائج.
صفاته الشخصية:
من الصعب جدًّا الإحاطة بكل أبعاد هذه الشخصية العظيمة، فهو في وجوده تجلٍّ للتقوى والعظمة، كان يعيش كلَّ معاني الأخلاق الحسنة، بل كان كله أخلاقًا تمشي على الأرض، كان مخلصًا لله فأخلصه الله له، دائم الذكر والدعاء شديد الحرص على أداء المستحبات فهي تجعله محلّقًا في أجواء العظمة والسمو، وهذا ما جعل منه دقيقًا منظمًا في حياته يستفيد من كل لحظة ليرتفع بها في عالم الكمال، كان بسيطًا في حياته ومتواضعًا شديد التواضع بل كان معتمدًا على إيراد قطعة أرض زراعية يملكها ورثها عن أبيه في بلدته في تبريز.
وبلغ من شدِّة تواضعه أنه حتى مع طلابه لم يكن يقبل أن ينادوه بلقب الأستاذ، فكان يقول لهم أنا وأنتم عبارة عن مجموعة جئنا إلى الدرس لغرض العمل سوية للتعرف على حقائق الإسلام.
تلامذته:
ساهم (رضوان الله عليه) في تربية أجيال من طلبة العلم والمعرفة، وقد ربى جيلاً ممن كان لهم الدور البارز في تنمية العلوم العقلية وكانوا وما زالوا حملة لواء العلم والمعرفة في فنون الإسلام ومن أبرز تلامذته:
1- الشهيد مرتضى المطهري.
2- الشهيد السيد محمد حسين البهشتي.
3- السيد المغيَّب موسى الصدر.
4- آية الله عبدالله الجوادي الآملي.
5- آية الله حسن زاده الآملي.
6- آية الله محمد تقي المصباح اليزدي.
7- آية الله ناصر مكارم الشيرازي.
8- آية الله السيد مصطفى الخميني.
وغيرهم من الأفاضل والآيات الكثير.
منهجه في التجديد:
عندما نزل السيد (رضوان الله عليه) إلى قم المقدسة كانت الحوزة العلمية تشهد بدايات نهضة تطورية بقيادة المقدس السيد البروجردي، ومن الطبيعي أن هذه النهضة بحاجة إلى كوادر عظيمة ترفدها بعطائها ونتاجها الفكري والروحي، لذلك كان (رضوان الله عليه) يشكل ركنًا هامًّا في هذا البناء التطوري العظيم الذي تجلّت معطياته على الأرض في حركة الثورة الإسلامية وقيادتها.
وكان السيد الطباطبائي (رضوان الله عليه) صاحب منهج خاص في الطرح العلمي كما هو صاحب منهج خاص في التأليف والتصنيف واختيار المواد الدراسية...إلخ.
فهو عندما استقرّ في قم المقدسة كانت الحوزة تنقصها البرامج القرآنية كدروس التفسير وكذلك الدروس العقلية، ولهذا باشر في تدريس هذه العلوم، وتصدى لدرس الفلسفة وطرحها بأسلوب جديد حيث اعتمد كتاب الأسفار كمنهج لحلقة درسه التي كان يحضرها مائة طالب (ومن الغريب أن هؤلاء الطلبة قد تعرضوا لقطع رواتبهم بسببه حضورهم هذا الدرس، إلى أن حصلت الإجازة من السيد المقدس البروجردي لمواصلة الدرس، فرفعت تلك العقوبات ثم صدر له بعد ذلك كتاب أصول الفلسفة وكتاباه بداية الحكمة ونهاية الحكمة، والذين شكلا طفرة تطورية في تدريس الحكمة والفلسفة.
وكان (رضوان الله عليه) دائم التأكيد على حقيقة أن الدين والعقل لا يفترقان وأن الرجوع إلى الوحي والقرآن الكريم كفيل بإخراج العقول من حيرتها وتوفير الإجابات على الكثير من الإشكالات التي تقف العقول عندها حائرة، ولذلك انصبت اهتماماته على البحوث القرآنية وقد تمثلت هذه الاهتمامات في:
1- الاهتمام بالقرآن الكريم فطرح تفسيرًا يحرص على الأصالة ويتصف بالعصرية والعمق واستيعاب الجوانب الفكرية، وهو يعد أرقى تفسير لحد الآن وقد أطلق عليه (الميزان في تفسير القرآن). وقد توفرت فيه مزايا عديدة، سهولة الألفاظ وعمق الأفكار وتنوع الأبحاث وعرض لأشهر الآراء ومناقشتها...إلخ.
2- صقل وتجذير الفلسفة الإسلامية وإعطاؤها جرعات تجديدية وتنشيطية وربطها بالقرآن والعقيدة.
3- إيصال الفكر الأصيل إلى أبعد مدى ممكن وقد تمثلت جهوده في المحاورات والمناظرات ومن نماذجها محاوراته مع المستشرق الفرنسي (كوربان) والتي بدأها في سنة 1378هـ (1958م) واستمرت قرابة العشرين سنة وانتهت بأن وصل الحال بأن كوربان يبكي حينما يقرأ الصحيفة السجادية.
مؤلفاته:
ترك (رضوان الله عليه) تراثًا علميًا عظيمًا، وقد تمثل في كتب ورسائل وأبحاث ومقالات علمية.
ومن أهم ما ترك من آثار علمية:
1- الميزان في تفسير القرآن (ويقع في 20 مجلدًا).
2- رسالة في المبدأ والمعاد.
3- حاشية على كفاية الأصول.
4- سنن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
5- الشيعة في الإسلام.
6- القرآن في الإسلام.
7- بداية الحكمة.
8- نهاية الحكمة.
9- رسالة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) في المنهج الإسلامي.
10- حاشية على كتاب الأسفار في الفلسفة.
11- رسالة في الحكومة الإسلامية.
12- رسالة في النبوة.
13- رسالة في الولاية.
14- علي والفلسفة الإلهية.
هذا بالإضافة إلى كتب ورسائل أخر ومقالات منها ما هو مطبوع كبعض المقدمات التي كتبها حول بعض التفاسير كتفسير العياشي وتفسير نور الثقلين، وكذلك كتاب وسائل الشيعة...إلخ.
نقل أن السيد الخميني (رحمه الله تعالى) قال فيه: كان العلامة من كبار علماء الإسلام ومن الفلاسفة البارزين في العالم الإسلامي، ويمكن اعتباره مفخرة من مفاخر الحوزات العلمية، فقد كان لتأليفاته القيمة في التفسير والفلسفة والفقه والأصول وغيرها دور مهم في خدمة العلوم الإسلامية.
وفاته:
توفي (رضوان الله عليه) في يوم 28 محرم الحرام سنة 1402هـ الموافق لعام (1981م) وقد ناهز الثمانين عامًا قضاها في خدمة الإسلام ودفن إلى جوار مرقد السيدة فاطمة المعصومة بنت الإمام موسى بن جعفر (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين) في مدينة قم المقدسة.
تفسير الميزان:
هو من أرقى التفاسير التي صدرت، بل هو أرقاها وأغناها؛ لما يحويه من كنوز علمية ولطائف معرفية وسعة وشمول وبيان واضح ولغة علمية ودقَّة في الرأي ومنهجيّة منظَّمة، وفرادة في الأسلوب والمنهج، فقد سار السيّد (رضوان الله عليه) وفقًا لمنهج تفسير القرآن بالقرآن، حيث يجري مع الآية ويستوضح معناها بالآيات القرآنية ويسبر أغوارها ليخرج منها بالكنوز المعرفية.
وقال (رضوان الله عليه) في بيان المنهج الذي سار عليه: نفسِّر القرآن بالقرآن ونستوضح معنى الآية من نظيرتها بالتدبّر المندوب إليه في نفس القرآن ونشخّص المصاديق، ونتعرّفها بالخواص التي تعطيها الآيات، كما قال تعالى: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ﴾(1)، وحاشا أن يكون القرآن تبيانًا لكل شيء ولا يكون تبيانًا لنفسه، وقال تعالى: ﴿هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ﴾(2)، وقال تعالى: ﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا﴾(3)، وكيف يكون القرآن هدى وبينة وفرقانًا ونورًا مبينًا للناس في جميع ما يحتاجون، ولا يكفيهم في احتياجهم إليه، وهو أشدّ الاحتياج؟ وقال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾(4) وأي جهاد أعظم من ذلك الجهاد في فهم كتابه، وأي سبيل أهدى إليه من القرآن(5).
منهجه في التفسير:
هو تفسير جامع شامل كما أنه يجمع بين منهجين (التفسير الترتيبي والتفسير الموضوعي). وقد سار مصنفه (رضوان الله عليه) على منهج مألوف في كل البدايات، ففي بداية السورة ينبه على المكي منها والمدني، ثم يبين الغرض الأساسي الذي عالجته وأهم الأغراض التي تعرضت لها آيات السورة، وبعد ذلك يوزع الآيات المراد تفسيرها على مقاطع قرآنية (وقد يتكون المقطع من آية واحدة أو من مجموعة من الآيات) ويبدأ بشرح المفردات التي بحاجة إلى الشرح اللغوي بالقدر المطلوب لبيان المقصود، ويتطرق إلى بعض النواحي الإعرابية والصور البلاغية المؤدية لبيان مسائل معينة أو فوائد خاصة، ثم يتطرق لبيان أقوال المفسرين فيها ويبدأ في النظر في الآية وفقًا لهذا القول تمهيدًا لمناقشته وتأييده أو تفنيده لما يستخلصه بعدها من نتيجة عند تطبيق منهجه الخاص وهو فهم الآية بالآية والوقوف على حقيقة المعاني.
لذلك نجده يستخدم ويستعين بالآراء التفسيرية وبالأحاديث والروايات حيث أفرد لها أبحاثًا مستقلة كما أفرد أبحاثًا فلسفية مستقلة. وفي مقام الاستعانة بالروايات حذّر ونبّه من الاعتماد على الإسرائيليّات فهي لا توضح المراد وقد تشوش الأذهان لما تحمله من انحرافات.
ومن المزايا المعينة للباحث والقارئ أن هذا الكتاب العظيم قد صدر له دليل خاص مقسم بحسب الحروف والمواضيع يعين القارئ عند البحث عن موضوعات خاصة...إلخ، وقد طبع مع التفسير وحمل الرقم الواحد والعشرين.
نموذج من التفسير:
الآية 31 من سورة البقرة: ﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا...﴾
قوله تعالى: ﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا...﴾ مشعر بأن هذه الأسماء أو أن مسمياتها كانوا موجودات أحياء عقلاء محجوبين تحت حجاب الغيب وأن العلم بأسمائهم كان غير نحو العلم الذي عندنا بأسماء الأشياء، وإلا كانت الملائكة بإنباء آدم إياها بها عالمين وصائرين مثل آدم مساوين معه، ولم يكن في ذلك إكرام لآدم ولا كرامة حيث علَّمه الله سبحانه أسماء ولم يعلمهم، ولو علّمهم إياها كانوا مثل آدم أو أشرف منه، ولم يكن في ذلك ما يقنعهم أو يبطل حجتهم، وأي حجة تتمُّ في أن يعلم الله تعالى رجلاً علم اللغة ثم يباهي به ويتم الحجة على ملائكة مكرمين لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون بأن هذا خليفتي وقابل لكرامتي دونكم؟... وبالجملة فما حصل للملائكة من العلم بواسطة إنباء آدم لهم بالأسماء هو غير ما حصل لآدم من حقيقة العلم بالأسماء بتعليم الله تعالى فأحد الأمرين كان ممكنًا في حق الملائكة وفي مقدرتهم دون الآخر، وآدم إنما استحق الخلافة الإلهية بالعلم بالأسماء دون إنبائها، إذ الملائكة إنما قالوا في مقام الجواب: ﴿سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا﴾(6)(7).
بحث روائي:
وفي تفسير العياشي أيضًا عن أبي العباس عن أبي عبدالله عليه السلام قال: سألته عن قول الله تعالى: ﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا﴾ ماذا علّمه؟ قال عليه السلام: الأرضين والجبال والشّعاب والأودية، ثم نظر إلى بساط تحته، فقال: وهذا البساط مما علّمه.
وفي المعاني عن الصادق (عليه السلام): إن الله عز وجل علّم آدم أسماء حججه كلها ثم عرضهم وهم أرواح على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين بأنكم أحق بالخلافة في الأرض لتسبيحكم وتقديسكم من آدم(8).
أقول: وبالرجوع إلى ما مرّ من البيان تعرف معنى هذه الروايات وأن لا منافاة بين هذه وما تقدمها، إذ تقدم أن قوله تعالى: ﴿وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ﴾ تعطي أنه ما من شيء إلا وله في خزائن الغيب وجود، وأن هذه الأشياء التي قبلنا إنما وجدت بالنزول من هناك، وكل اسم وضع بحيال مسمى من هذه المسميات فهي اسم لما في خزائن الغيب، فسواء قيل: إن الله علم آدم ما في خزائن غيبه من الأشياء وهي غيب السماوات والأرض، أو قيل: إنه علم آدم أسماء كل شيء وهي غيب السماوات والأرض كان المؤدى والنتيجة واحدًا وهو ظاهر(9).
لمزيد من التفاصيل حول حياة المصنف أو تفسيره يمكن الرجوع إلى:
1- الميزان في تفسير القرآن، آية الله السيد محمد حسين الطباطبائي.
2- الشمس الساطعة (في تأبين العلامة الطباطبائي) آية الله السيد محمد حسين الحسيني الطهراني.
3- الموقع الالكتروني لمركز آل البيت العالمي للمعلومات.
4- المفسرون حياتهم ومنهجهم ? السيد محمد علي أيازي.
الهوامش:
1- النحل 89
2- البقرة 185
3- النساء 174
4- العنكبوت/69
5- الميزان في تفسير القرآن ج1 ص14 مقدمة الكتاب، طبعة1411هـ/1991م مؤسسة الأعلمي بيروت
6- البقرة/32.
7- الميزان ج1 ص 118.
8- الميزان ج1 ص121-122
9- الميزان ج1 ص12