لا اختلاف على ان ثورة الإمام الحسين عليه السلام تعد من أهم الأحداث في تاريخ الإسلام.. فكان وما زال لهذا المصاب الجلل الذي يعد أحد الأحداث المحورية في تاريخ الاسلام والانسانية، آثار عميقة على مجمل المجالات الثقافية للامة الاسلامية وغيرها من الامم والحضارات الاخرى ، وقد تأثر مجال الأدب والفنون بشكل خاص في هذا الامر، اذ ظهرت وعلى مر العصور علامات خاصة في فنون الرسم المختلفة وخصوصا الرسوم الشعبية وسوم المقاهي او ما اطلق على تسميتها برسوم ( القهوة خانة)، والتي اتى بها الفنان الشرقي لغرض توثيق واستذكار الملاحم والاحداث التاريخية ومنها ملحمة عاشوراء.. وطرحها للمجتمعات المختلفة انطلاقاً من مخيلة الرسام وصولا للمرويات والمرجعيات التاريخية التي انطق منها .
العمل الفني الماثل امام المشاهد هو احد الاعمال الفنية المنتمية الى مدرسة الفنون الشعبية الفارسية ، وقد عمد الفنان على تنفيذها بأسلوب رسوم القهوة خانة الايرانية وبتقنية الزيت على القماش وبطريقة الاعمال الجدارية، ونلمس في هذا المنجز الفني ومنذ الوهلة الاولى من تعرضنا اليه مزيج من الواقع والخيال الفني المدروس قبل اسقاطه على سطح اللوحة، فنرى
انه يتكون من دائرة كبيرة شغلت منطقة وسط السطح التصويري، وهي توحي للمشاهد بانها عبارة عن مجموعة من الدوائر المرتبطة بالدائرة المركزية التي يتوسطها عنصر السيادة فأنتج التكوين بذلك التكوين مجموعة دوائر ضمت بداخلها مجموعة من المشاهد التي تعبر عن واقعة ألطف، إضافة إلى استغلال الرسام لباقي مساحة اللوحة وفضاءها بتركيزه على لأركان المتبقية خارج محيط الدائرة الرئيسية والتي ضمنها مشاهد أخرى معبرة عما حصل قبل الواقعة وما بعدها.
فعبر استعارة الفنان المقصودة لمعطيات البنية الزخرفية في الفنون الإسلامية بكل ما تحمله من جماليات فكرية وتأويلية، نجح الرسام في أعادة صياغة البنية المكانية لواقعة ألطف، وذلك من خلال سلوكه سلماً أدائياً تعبيرياً لطرح هذه الصيغة الجمالية مبتعدا عن التمثيل الواقعي لجغرافية الواقعة ، حيث أعتمد الرسام بشكل أساس على الخط لبناء هيكل اللوحة العام بتشكيلات دائرية وبحركة حلزونية مستمرة لا تتوقف إلا في المركز كدلالة للطواف حول المقدس، مستحضراً العلاقة الرابطة بين السماء والأرض ودرجات ارتقائها للوصول إلى الجمال الإلهي المتمثل بالله جل وعلا والملائكة والأولياء والمؤمنين ، مستعيضاً عن امتداد الخطوط المدركة ذهنياً بخطوط والوان اقرب الى الانظمة الزخرفية الإسلامية باعتبارها فيض جمالي عن مطلق الجمال بحضور تمثلا ته في الأرض، فأغلق الرسام شكله الفني كحد أو أطار ليظهر العناصر الرؤيوية المركزية أو السيادية، مما أدى إلى استقرار الهيئات المقدسة في المركز كضاغط ديني وعقائدي، وجعله يبدو ككتلة واحدة متماسكة بغض النظر عن الاحجام والابعاد الحقيقية في منظور اللوحة ، ويبدو انه ابتغى بذلك ان يجعل من هذه التقنية كدلالة للامتداد ألتكليفي الإلهي لرسوله وال بيته الاطهار سلام الله عليهم كنسغ صاعد كل يسلم ما عنده إلى من يليه.
من هنا نجد ان الفنان قد مثل مدلولات ورموز اللوحة عبر تقسيمه لكلية الكتلة وعمد على وحدانية نسقها والوانها المرمزة وحملها بحمولة فكرية عقائدية روحية تؤكد عظمة ما حل بالأمام الحسين عليه السلام ومن معه يوم عاشوراء، ومن ثم جهد في محاولة الانتقال إلى ابراز محور العمل - بمزيج من الواقعية والخيال الخصب - ، عبر ربطه بما يجاوره من علاقات رمزية يستدل عليها تحت الضغط السردي للواقعة، وصولاً لمحاكاة المفهوم الجمعي عبر ولادة الأشكال من رحم مضامينها شخصية الأمام الحسين ع واخيه ابا الفضل العباس عليهما السلام .
نستشف من هذا أن استقراء الأعمال الفنية الشعبية وأطلاق الأحكام الجمالية عليها، لا يتم الا من خلال مشاركتها الوجدانية مع ثقافة المجتمع المنتمي اليه الفنان ، ويتحدد ذلك ( الحكم الجمالي ومدى التأثير في المجتمع ) من موقف القبول او الرفض المجتمعي.. فمنها ما يتفاعل مع رغباته ويحرك سواكنها ومنها ما يرفض ومنها منها ما يفصل بينه وبين الحياة ، وهذه الرغبات في العادة مردها الى المسائل الدينية العقائدية والسياسية والأخلاقية وحتى الاقتصادية منها، فليس بالإمكان نفي الجماليات التي قامت تلك اللوحات، وبالخصوص ان كانت وفق عمليات تنظيمية ( دينية و روحية ) وتتشكل بناءً على قاعدة منظورية خاصة تتيح لمتلقي استذكارا واستقرارا، من حيث أتسامها بالموازنة والانسجام و الإيقاع على الرغم من اتسامها بالتسطيح وتعدد مراكز البصر.
اترك تعليق