إنهم رجال شخصوا في تخوم التاريخ وأرسوا دعائم روعته, وأوقدوا ملامح عظمته, ونفخوا من إشراقات سيرتهم في روحه, فكانوا جوهره الذي لا يخبو, وشمسه التي لا تأفل, ومنبعه الذي لا ينضب, مهما تعاقبت عليه الحقب, بل يزداد تألقاً وإشراقاً يوماً بعد يوم, فهم فيه كالمطر كلما ازداد هطوله وتغلغل في أعماق التربة تتبرعم منه قامات السنابل.
إن المسار الذي رسمه هؤلاء الرجال الأفذاذ في مدار التاريخ ببطولاتهم وبسالتهم وصلابتهم وتمسكهم بمبدئهم وعقيدتهم كان مساراً استثنائياً خاصاً لا يتكرر كثيراً في دورة التاريخ, إنه ليس كالمسار الذي يكتبه أغلب المؤرخين عن أمجاد مزيّفة وبطولات مزوّقة أضفوا عليها شعارات باطلة, إنه مسار ليس كمسار السلوك الجمعي الغبي الخاضع لإرادة السلطة والذي تخصصوا فيه هم ــ أي المؤرخين ــ وكانوا جزءاً منه في نقل الحوادث التاريخية التي يقوم بها تابعو السلطة من الوصوليين والمتنفعين والغزاة والسماسرة والمرتزقة والوضاعين والمجرمين وغيرهم والذين تقود إرادتهم غير الواعية إرادة السلطة فينساقون لها بخضوع تام ويستجيبون لأمرها, يسالمون من تسالم, ويحاربون من تحارب, ويحبون من تحب, ويبغضون من تبغض, فهم عبيد لها وتزداد عبوديتهم كلما ازدادت السلطة من الظلم والجور والفساد والطغيان.
إن المسار الذي سار عليه أولئك الرجال العظماء يختلف تماماً مع هذا المسار بل يجابهه ويعارضه ويقاطعه, إنه المسار الذي يختط نفسه بنفسه, إنه مسار الحقيقة الذي رسموه بإدراك كامل, ووعي تام, وصلابة لا تنثني, فوقفوا إلى جانب الحق وحاربوا الباطل ودافعوا عن الحقيقة ملبين نداء العقيدة تحت لواء البصيرة وهم على أعلى درجات اليقين, لقد أخذ هؤلاء الرجال النادرون على عاتقهم مسؤولية مواصلة مسيرة الإسلام والسير على النهج المحمدي الأصيل المتمثل في سبطه الإمام الحسين (ع)
اترك تعليق